< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

39/02/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : لاضرر ولا ضرار

لا زال الكلام في الجهة الأولى في مدرك قاعدة لا ضرر ولا ضرار، وقد ذكرنا أن قصّة سمرة بن جندب وردت في ثلاث روايات. إلا أن معتبرة أبي عبيدة الحذاء لا يوجد فيها لا ضرر ولا ضرار، وإنما الموجود فيها: ما أراك يا سمرة إلا مضارا.

أما سمرة بن جندب:

فقد روى ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة: «أنّ معاوية بذل لسمرة بن جندب مائة ألف درهم حتى يروى أن هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب (عليه السلام): ﴿ و مِن النّاسِ منْ يُعْجِبُك قوْلُهُ فِي الْحياةِ الدُّنْيا و يُشْهِدُ اللّه على‌ ما فِي قلْبِهِ و هُو ألدُّ الْخِصامِ `و إِذا تولّى سعى‌ فِي الْأرْضِ لِيُفْسِد فِيها و يُهْلِك الْحرْث و النّسْل و اللّهُ لا يُحِبُّ الْفساد ﴾، وأن الآية الثانية نزلت في ابن ملجم ، وهي قوله تعالى : ﴿وَ مِنَ اَلنَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ اِبْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اَللَّهِ‌﴾، فلم يقبل، فبذل له مائتي ألف درهم فلم يقبل، فبذل له ثلاثمائة ألف فلم يقبل، فبذل له أربعمائة ألف فقبل[1] ». (انتهى كلامه)

وروى ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة: «كان سمرة بن جندب أيام مسير الحسين (عليه السلام) إلى الكوفة على شرطة عبيد الله بن زياد، وكان يحرض الناس على الخروج إلى الحسين (عليه السلام) وقتاله[2] ». (انتهى كلامه)

ومن المعلوم أنّ سمرة بن جندب قبل مجيئه إلى الكوفة، كان والياً على البصرة من قِبل زياد بن أبيه لمّا ولّاه معاوية المصرين، وكان من أشد الناس عداوةً لأهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم، وهو الذي قتل ثمانية آلاف من الشيعة في البصرة في سنة خمسين للهجرة.

ونقل الطبري وابن الأثير: «أقر معاوية سمرة بعد زياد ستة أشهر ثم عزله فقال سمرة لعن الله معاوية والله لو أطعت الله كما أطعت معاوية ما عذبني أبدا[3] [4] ». (انتهى كلامه)

وروى الكليني (رحمه الله): عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «كانت ناقة رسول الله (صلى الله عليه وآله) القصواء إذا نزل عنها علق عليها زمامها قال: فتخرج فتأتي المسلمين قال: فيناولها الرجل الشيء ويناوله هذا الشئ فلا تلبث أن تشبع، قال: فأدخلت رأسها في خباء سمرة بن جندب فتناول عنزة (عصا) فضرب بها على رأسها فشجها فخرجت إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فشكته[5] ».

هذه الرواية ضعيفة بجهالة كل من: أبي العباس عبد الله بن أحمد بن سهيل الدهقان ومحمد بن زياد بياع السابري.

أما ما ورد في غير قصة سمرة من الروايات المشتملة على كلمة لا ضرر ولا ضرار فهي خمس روايات:

منها: رواية عقبة بن خالد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله ) بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن

وقال: لا ضرر ولا ضرار وقال إذا رُفّتِ الأُرفُ وحدت الحدود فلا شفعة[6] ». والأُرفة -بالضم- الحد بين الأرضين.

هذه الرواية ضعيفة بجهالة محمد بن عبد الله بن هلال وعدم وثاقة عقبة بن خالد.

ومنها: رواية عقبة بن خالد الأخرى، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بين أهل المدينة في مشارب النخل أنه: لا يمنع نفع الشيء وقضى (صلى الله عليه وآله) بين أهل البادية أنه: لا يمنع فضل ماء ليمنع به فضل كلاء وقال: لا ضرر ولا ضرار»[7]

أقول: أن النهي في الرواية يحمل على النهي التنزيهي.

هذه الرواية ضعيفة بجهالة محمد بن عبد الله بن هلال وعدم وثاقة عقبة بن خالد.

ومنها: مرسلة الشيخ الصدوق (رحمه الله) قال: «قال (صلى الله عليه وآله): ، فالاسلام يزيد المسلم خيراً ولا يزيده شراً»[8]

هذه الرواية عبّر عنها جماعة من الأعلام -ومنهم السيد أبو القاسم الخوئي في بداية أمره ثم رجع عن ذلك- بالمعتبرة والسبب في ذلك: أنهم فرقوا في مراسيل الشيخ الصدوق (رحمه الله) بين قوله (رحمه الله): «قال النبي ... قال الإمام» فتكون الرواية معتبرة لأن الشيخ الصدوق يجزم بذلك، وهذا معناه أن الحديث وصل إليه بطريق صحيح وسليم. وبين قوله: «رُوِي» فتكون مرسلة.

والإنصاف: أن الرواية عندنا ضعيفة بالإرسال. لأن القرائن التي اعتمد عليها الشيخ الصدوق (رحمه الله) غير موجودة بين أيدينا حتى نطلع عليها ونرى أنها توجب القطع أم لا؟، ولعلها لو وصلت إلينا لما أوجبت لنا الظن فضلا عن القطع.

ثمّ إن: هذه الرواية فيها خصوصية سوف نتعرض لها عند الكلام في الجهة الثانية عن الدلالة.

ومنها: ما في دعائم الإسلام روينا عن أبي عبد الله (عليه السلام)، أنه سئل عن جدار لرجل -وهو سترة بينه وبين جاره- سقط فامتنع من بنيانه، قال: «ليس يجبر على ذلك، إلا أن يكون وجب ذلك لصاحب الدار الأخرى بحق أو بشرط في أصل الملك، ولكن يقال لصاحب المنزل: استر على نفسك في حقك إن شئت قيل له: فإن كان الجدار لم يسقط، ولكنه هدمه أو أراد هدمه اضرارا بجاره، لغير حاجة منه إلى هدمه، قال: لا يترك وذلك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: لا ضرر ولا ضرار، وان هدمه كلف أن يبنيه»[9]

هذه الرواية ضعيفة بالإرسال.

فائدة: كتاب دعائم الإسلام للقاضي النعماني، وهو إسماعيلي ويقال أنه استبصر، وروايته عن الأئمة من الإمام عليّ إلى الإمام الصادق (عليهم السلام) ولا يروِ عن باقي الأئمة.

ومنها: ما في دعائم الإسلام عن أبي عبد الله، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين (عليهم السلام): «أن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال: لا ضرر ولا ضرار»[10]

هذه الرواية ضعيفة بالإرسال.

ثمّ إنّه: نُقِل عن فخر المحققين (رحمه الله): أن الروايات في مسألة لا ضرر ولا ضرار متواترة.

أقول: إن كان يقصد: الروايات التي ذكرناها فهي سبع روايات، أما رواية أبي عبيدة الحذاء فلا يوجد فيها لا ضرر ولا ضرار. اللهم إلا أن يكون مقصوده من الروايات المتواترة: الروايات المشتملة على مادة الضرر بصيغها المختلفة من كلمة لا يضر، أو غير مضار. أو أن لا يضره. أو إلا أن يضار. ونحو ذلك. فلا يخلو الحال: إما أن تكون متواترة لفظاً (كحديث الغدير) وهذا قليلٌ جداً. وإما أن تكون متواترة معناً، (كشجاعة الأمير عليه السلام). وإما أن تكون متواترة إجمالاً بأن يقطع بصدور بعض الروايات في هذا الباب.

وعلى كل حال: فنحن لسنا بحاجة إلى التواتر، وذلك لوجود رواية موثقة إن لم تكن صحيحة فيها لا ضرر ولا ضرار. والعلماء عملوا بها.

الخلاصة: أن الذي ثبت عندنا هو لفظ: لا ضرر ولا ضرار.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo