< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

39/03/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: لاضرر ولا ضرار(15)

 

لا زال الكلام فيما لو كان المكلف عالماً بالضرر، وقلنا أن هناك ثلاثة أقوال.

أما القول الأول: الذي ذهب إليه الميرزا النائيني (رحمه الله)، فحاصل ما ذكره: «أنّ المكلف تارة يكون واجداً للماء فحكمه التوضؤ، وأخرى يكون فاقداً له فحكمه التيمم، على ما يستفاد من الأدلة الواردة في المقام، والتقسيم قاطعٌ للشركة.

وعليه فلا يمكن الحكم بصحة الطهارة المائية في ظرف الحكم بصحة الطهارة الترابية. لأن الحكم بصحة الوضوء عند الحكم بصحة التيمم يستلزم تخيير المكلف بينهما، وهو شبه الجمع بين النقيضين، لأن الأمر بالتيمم مشروطٌ بعدم وجدان الماء على ما في الآية الشريفة: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّباً﴾.

والأمر بالوضوء مشروطٌ بوجدان الماء بمقتضى المقابلة بينهما، فالحكم بصحة الوضوء والتيمم -معاً- يستلزم كون المكلف واجداً للماء وفاقداً له وهو محال.

وبما أن الحكم بصحة التيمم في مقامنا هذا مفروغٌ عنه فلا مناص حينئذٍ من الحكم ببطلان الطهارة المائية». (انتهى حاصل كلامه)

وفيه: أنه قد ذكرنا سابقاً أنَّ أدلة «نفي الضرر» وكذا «نفي الحرج» إنما تنفي الأحكام الإلزامية التي ينشأ منها الضرر والحرج، وأما الاحكام الغير الإلزامية كالإستحباب والإباحة والكراهة، فقاعدة «لا ضرر» وكذا «لا حرج» لا تكون حاكمة عليها، لأن الشارع المقدس لم يُلزم المكلف بالإتيان بالوضوء الضرري أو الحرجي، بل المكلف باختياره أقدم على ذلك.

وعليه فبما أنّ الطهارة المائية كالوضوء والغسل مستحبة بنفسها، فيصح الوضوء والغسل في مورد كونهما ضررين، وذلك للأمر الاستحبابي الباقي وإن كان الأمر الوجوبي مرتفعاً، كما أنه يجوز له التيمم حسب الفرض إرفاقاً له من جهة كون الوضوء ضررياً، أو حرجياً عليه.

وتكون النتيجة هنا: هي التخيير بين الوضوء والتيمّم، ولا يوجد في الأدلة ما يدل على انحصار مشروعية التيمم بموارد فقدان الماء.

بل ذكر الفقهاء عدة موارد جاز فيها التيمم مع كون المكلف واجداً للماء:

منها: جواز التيمم للنوم مع التمكن من الماء.

وقد استدلوا لذلك بمرسلة الفقيه عن الصادق (عليه السلام) قال: «من تطهر ثم آوى الى فراشه بات وفراشه كمسجده، فإن ذَكَرَ أنه ليس على وضوء فتيمم من دثاره كائناً ما كان لم يزل في صلاة ما ذكر الله»[1]. هذه الرواية ضعيفة بالإرسال.

ورواها في المحاسن عن حفص بن غياث وهي أيضاً مرسلة، لأنَّ البرقي لا يروي عن حفص بلا واسطة.

 

ومنها: التيمم للصلاة على الميت، وإن تمكن من الوضوء، كما هو المشهور بين الأعلام، منهم الشهيد الأول (رحمه الله) في الذكرى، والشيخ الطوسي (رحمه الله) في الخلاف، وظاهر العلامة (رحمه الله) في التذكرة والمنتهى.

وعن جماعة من الأعلام أن جواز التيمم مقيّدٌ بما إذا خاف فوت الصلاة بالوضوء، منهم الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس، والشيخ الطوسي (رحمه الله) في جملة من كتبه كالتهذيب حيث قال فيه: «يجوز أن يتمم الانسان بدلاً من الطهارة إذا خاف أن يفوته الصلاة». (انتهى كلامه)

وقد استدل للقول المشهور بعدة من الأدلَّة، عمدتها موثقة سماعة قال: «سألته عن رجل مرت به جنازة وهو على غير وضوء، كيف يصنع؟ قال: يضرب بيديه على حائط اللبن فيتيمم به»[2].

وذكر المحقق في المعتبر: (أن الرواية ضعيفة من وجهين:

أحدهما: أنّ زرعة وسماعة واقفيان.

والثاني: أنّ المسؤول في الرواية مجهول.

ثم قال: ولأنّ الرواية ليست صريحة في الجواز مع وجود الماء». (انتهى كلامه)

وفيه: أنّ الرواية موثقة، وأنّ زرعة وسماعة وإن كانا واقفين، إلا أنهما ثقتان، وقد قامت السيرة العقلائية على العمل بخبر الثقة وإن كان فساد المذهب.

وأما الإضمار هنا فلا يضر لأن سماعة لا يروي عن غير المعصوم (عليه السلام).

وأما الدلالة فهي ظاهرة في المراد ولا نحتاج الى التصريح في الجواز، بل قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الذكرى: (ولم أرَ لها رادّاً غير ابن الجنيد حيث قيّده بخوف الفوت). (انتهى كلامه)

وأما من ذهب الى أن جواز ذلك مقيد بخوف الفوت فقد يُستدل له بحسنة الحلبي قال: (سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن الرجل تدركه الجنازة وهو على غير وضوء، فإن ذهب يتوضأ فاتته الصلاة، قال: يتيمم ويصلي)[3].

وفيه: أن جواب الإمام (عليه السلام) مطلق، والتقييد إنما كان من كلام السائل، ولا يجب أن يكون الجواب مطابقاً للسؤال كما أشرنا إليه في بعض المناسبات.

ثم إنه مع قطع النظر عن ذلك فإن قانون حمل المطلق على المقيد لا يجري في المستحبات إلا في بعض الموارد التي ليس فيها ما نحن فيه.

والخلاصة الى هنا أنه يجوز التيمم للصلاة الجنازة مطلقاً.

هذا ما تقتضيه الصناعة العلمية، وإن كان الأولى الاقتصار على صورة خوف الفوت إذا توضأ.

ومنها: ما ذكره جماعة من الأعلام من التخيير بين الوضوء والتيمم في الجرح المجرد عن الجبيرة، وكذا الكسر المجرّد عنها.

وأما إذا كانت عليه جبيرة، فالظاهر أن تعين الوضوء متفق عليه بين الأعلام.

ولكن نحن لم نذهب إلى التخيير بين الوضوء والتيمم في الجرح المكشوف، فراجع ما ذكرناه في مبحث الجبيرة[4].

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] الوسائل باب 9 من أبواب الوضوء ح2.

[2] الوسائل باب 21 من أبواب صلاة الجنازة ح5.

[3] الوسائل باب 21 من أبواب صلاة الجنازة ح6.

[4] كتابنا الطهارة: المجلد الثاني، ص380-387.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo