< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

39/04/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الاستصحاب 10.

 

الدعوى الثانية: وهي عدم جريان الاستصحاب في نفس الحكم العقلي بالحُسن أو القبح عند الشكّ في بقاء مناطه لشبهةٍ حكميةٍ أو موضوعيةٍ. وعدم جريان الاستصحاب فيه مما اتفق عليه جميع الأعلام، لا من باب عدم ترتب الأثر العملي عليه لكونه من الأصل المثبِت، باعتبار أنه يلزم من استصحاب الحكم العقلي الحكم الشرعي وهو لازمٌ عقليّ له، بل من باب القطع بانتفاء الحكم العقلي وعدم امكان تطرّق الشكّ في الأحكام العقلية الوجدانية.قال الشيخ ضياء الدين العراقي (رحمه الله): ...التي منها باب التحسين والتقبيح العقليين، فان حقيقة الحسن العقلي ليس الا عبارة عن ملائمة الشيء لدى القوة العاقلة كسائر ملائمات الشيء لدى سائر قواه من الذائقة والسامعة ونحوهما مما هو في الحقيقة من آلات درك النفس، قبال ما ينافر لدى القوة العاقلة المسمى بالقبح ومن الواضح امتناع تطرق الشك في مثل هذه الادراكيات الوجدانية، إذ هي تدور مدار حصول صفة الانبساط والاشمئزاز، نظير سائر الحالات الوجدانية كالفرح والحزن، فإذا انبسط العقل من شيء لكونه ملائما لديه يحكم بحسنه، كما أنه باشمئزازه عنه لمنافرته لديه يحكم بقبحه ولا يمكن فيه تطرق الشك والاحتمال لامتناع خفاء الوجدانيات على الوجدان، نعم، ما هو المشكوك انما هو مناط حكمه من المصالح والمفاسد النفس الأمرية ولكنه أجنبي عن الاحكام العقلية الوجدانية كما أن ما هو القابل لتطرق الشك والاحتمال فيه في العقليات هو الاحكام العقلية الاستكشافية في باب الملازمات ونحوها من الأمور الواقعية كحكمه بثبوت الملازمة بين الشيئين وحكمه باستحالة اجتماع النقيضين والضدين وامتناع التكليف بغير المقدور فإنّ درك العقل فيها لما كان طريقا إلى الواقع لا مقوما لحكمه، كأحكامه الوجدانية التي منها باب التحسين والتقبيح كان المجال لتطرق الشك والاحتمال فيها، كالشك في استحالة الشيء أو الشك في الملازمة بين الشيئين، بخلافه في احكامه الوجدانية التي يكون دركه وتصديقه مقوم حكمه، فإنه يمنع تطرق الشك والاحتمال لاستحالة خفاء الوجدانيات على الوجدان وبهذه الجهة نفرق بين سنخي الحكم العقلي في باب التخطئة والتصويب أيضا، حيث نقول ان باب التحسين والتقبيح العقليين الناشئين من ادراك العقل لما يلائمه وينبسط منه وما ينافره ويشمئز منه ليس مما يتطرق إليه التخطئة كالأحكام العقلية الاستكشافية، بل لابد فيه من الالتزام بالتصويب المحض، بخلاف الاحكام العقلية الاستكشافية في باب الملازمات ونحوها، فان درك العقل وتصديقه فيها لما كان طريقا إلى الواقع لا مقوما لحكمه كان لتطرق التخطئة إليها مجال، بل لا محيص من القول بها، لان الملازمة الواقعية بين الشيئين وكذا الاستحالة الواقعية للشيء قد يدركها العقل فيحكم بها وقد لا يدركها أو يدرك عدمها، وكذا المصلحة والمفسدة الواقعية والحسن والقبح الواقعيان قد يدركها العقل وقد لا يدركها أو يخطئ عنها فيحكم بعدمها.[1] (انتهى كلامه)

أقول: إنّ الحُسن والقُبح بمعنى الملائمة للنفس والمنافرة لها ليس مورداً للخلاف بين الأشاعرة والعدلية، وليس المراد من التحسين والتقبيح العقليين هو هذا المعنى. إذْ قد يطلق الحسن والقبح العقلي ويراد منه الملائمة للنفس والمنافرة لها، كما يقال: الأكل عند الجوع حسنٌ، والشرب عند العطش حسنٌ، بمعنى أنّ النفس تلتذّ بهذه الأشياء وتتذوقها لملائمتها لها، وبالمقابل يقال: النوم على الشبع قبيحٌ، وهذا المنظر قبيحٌ، بمعنى أنّ النفس تتألم وتشمئزّ من ذلك. وهذا الحُسن والقبح ليس له في نفسه بأزاءٍ في الخارج يحاذيه ويحكي عنه. وقد يطلق الحسن والقبح ويراد بهما الكمال والنقص، فيقال: العلم حسنٌ، والتعلم حسنٌ، وبالمقابل يقال: الجهل قبيحٌ، واهمال التعلّم قبيحٌ، أي أنّ العلم والتعلّم كمالٌ للنفس، والجهل وإهمال التعلم نقصانٌ فيها، وهما بهذا المعنى أمران واقعيّان خارجيّان لا يختلفان باختلاف الأنظار والأذواق ولا يتوقفان على وجود من يدركهما، وهذا بخلاف الحسن والقبح بمعنى الملائمة وعدمها فهما ليسا أمرين واقعيين، إذْ ليس لهما ما بأزاء في الخارج يحاكيه ويحاذيه؛ وعلى العموم فليس المراد من الحُسن والقبح العقليين الكاشفين عن الحكم الشرعي هو ذلك، بل المراد منهما شيءٌ آخر وهو الحسن بمعنى ما ينبغي أن يُفعل عند العقل، والقبيح ما ينبغي تركه، وهو الذي يكون محلا النزاع بين الأشاعرة والعدلية. وهذا ليس له واقعية إلا إدراك العقل. وذهبت الأشاعرة إلى أنه لا حكم للعقل في حسن الأفعال وقبحها، وليس الحسن والقبح عائدين إلى أمرٍ حقيقي حاصلٌ فعلاً، فيدور بيان الشارع، بل إنّ ما حسّنه الشارع فهو حسنٌ، وما قبّحه الشارع فهو قبيح. وقد أبطلنا هذا الكلام في أكثر من مناسبة.ومهما يكن فإنّ المراد من الحسن والقبح في الأحكام العقلية الكاشفة عن الأحكام الشرعية هو الحسن بمعنى ما استحقّ فاعله عليه المدح والثواب، والقبيح ما استحقّ فاعله الذمّ والعقاب، وليس المراد من الحسن عبارة عن ملائمة الشيء لدى القوة العاملة كما ذهب إليه الآغا ضياء الدين العراقي (رحمه الله).

وأما الأحكام العقلية الاستكشافية في باب الملازمات فهي ليست من المستقلات العقلية. ولكن الأمر كما ذكره (رحمه الله) بالنسبة للتخطئة فيها، والله العالم.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo