< قائمة الدروس

الأستاذ السيد علي السبزواري

بحث الفقه

35/12/23

بسم الله الرحمن الرحیم

الناقض الثالث:- الريح
قلنا بأنه لاريب ولاشكال في ان الريح موجب لنقض الوجوب للإجماع وضرورة المذهب بل لنصوص كثيرة متعدّدة،وتقدم ما يدل على ذلك في صحاح زرارة التي ذكرناها سابقاً في البول.
إلا أن الكلام في بعض الخصوصيات:-
الأولى:- إن هذا الريح لابد وأن يكون خارجاً من المعدة كما ذكره السيد الماتن(قده)، فالريح الخارج من المعدة هو الموجب لنقض الوضوء لا كل ريح صادر من الدبر، وما ذكره(قده) صحيحٌ لما ورد في صحيحة زرارة المتقدّمة:- ( ضرطة أو فسوة تسمع صوتها أو تشم ريحها )[1]، فهذا هو الذي وردت فيه الرواية وهذا هو الذي يخرج من المعدة حينئذٍ، وإذا ورد اطلاق أيضاً في روايةٍ أخرى لابد من حملها على هذا القسم من الريح، فالريح الذي يوجب نقض الوضوء هو ما خرج من المعدة كما ذكره السيد الماتن(قده) وهذا لا اشكال فيه من هذه الناحية، وإن كانت هناك رواية تدلّ على أنه كلّ ريح فلابد من حملها على هذا القسم من الريح، وهذا لا اشكال فيه من هذه الناحية.
إلا أنه هناك اشكال من ناحية أخرى:- وهو أنّ هذه الريح التي تكون بهذه المثابة يصاحب صوتاً أو لم يصاحب الصوت - إذ الصوت وعدم الصوت لا مدخلية له - إذا كان الريح خارجاً من المعدة فالمناط هو هذا . ويدلّ على أنه المناط على خروج الريح كان فيه صوت أو لم يكن فيه صوت كان فيه ريح أو لم يكن فيه ريح رواية أخرى وهي صحيحة علي بن جعفر:- ( سألته عن رجل يكون في الصلاة فيعلم أن ريحاً قد خرجت فلا يجد ريحها ولا يسمع صوتها ؟ قال عليه السلام:- يعيد الوضوء والصلاة ولا يعتد بشيء ممّا صلّى إذا علم ذلك يقيناً ) [2]، فالمناط هو أنه يحصل له اليقين بأنّ هذا الريح هو خارج من المعدة كان فيه صوت أو لم يكن فيه صوت كانت فيه رائحة أو لم تكن فيه رائحه، فحينئذٍ ما ورد في صحيح زرارة الاولى:- ( أو فسوة تجد ريحها أو ضرطة تسمع صوتها ) هو لبيان هذه العلّة أي تعلم بأنّه ريحٌ لا أنه قيد خاصّ في البين بحيث أنه لو لم يكن بهاتين الصفين لا يكون ناقضاً بل لبيان أن المناط على حصول العلم بأن هذا ريح خارج من المعدة.
فإذن لا تعارض بين صحيحة علي بن جعفر وبين صحيحة زرارة التي قيدت في أن تجد ريحها أو تسمع صوتها فإن ذلك أيضاً مفسّر لهذا أي ما حصل لك اليقين بذلك، فلا تعارض بين هاتين الصحيحتين
إلا أن الكلام في أن المصنّف قيّد بأن يكون خارجاً من المعدة وليس الأمر كذلك ولو كان خارجاً من الامعاء دون المعدة أيضاً إذا كانت فيه هذه الصفة ( ريح أو صوت ) أو علم هذا الشخص بأنه خارج من الامعاء فهو ايضاً موجبٌ لنقض الوضوء، والسيد الماتن لعلّه ذكر المعدة لأجل حصول اليقين وإلا فلا يختصّ بخروج الريح من المعدة بل لو خرج الريح من الامعاء فهو موجبٌ لنقض الوضوء أيضاً ولا يختص بما ذكره السيد الماتن، فقيد السيد الماتن توضيحي لأجل بيان العلم بكونه ريحاً موجباً لنقض الوضوء لا كلّ ريحٍ.
ثم قال:- ( بأنه دون ما خرج من القبل )، وهذا يختصّ بالنساء وليس للرجال هذا النوع من الريح، أن هذا الريح الخارج من القبل لا يكون ناقضاً للوضوء وذلك:-
أوّلاً:- للأصل، فنحن نشك في أن مثل هذا الريح موجب للنقض أو لا فأصالة عدم النقض جارٍ.
ثانياً:- ظهور تلك الادلة التي ذكرناها من أنه لابد أن يخرج من الدبر ضرطة أو فسوة أو غير ذلك مما ورد فلا يشمل ما يخرج من قبل النساء.
إلا أنه ذكر جماعة من أن الخارج من قبل النساء موجب للنقض واستدلوا على ذلك بأنه ايضاً له دخلٌ في الخروج من المعدة، فبما أن هذا ثقبٌ ويرجع الى المعدة فيخرج من المعدة أيضاً.
ولكنه مردود بما ذكرناه بالأصل وظواهر الأدلة، وما استد به أيضاً غير صحيح إذ لم يكن له ارتباط بالمعدة أبداً فهذا ثقبٌ وذاك شيءٌ آخر فلا ارتباط بينهما، فما ذكروه غير صحيح.
ثم قال:- ( أو لم يكن من المعدة كنفخ الشيطان )، أيضاً الريح قد يدخل من الخارج الى الدبر ثم يخرج منه أو ينفخ الشيطان فيه وهما شيء واحد وهو الداخل الى الدبر ثم الخروج منه لا يكون ناقضاً للوضوء أيضاً لأصالة عدم الناقضية ثم ظاهر الأدلة التي تقدّم بيانها من أنها قيّدت بأنها تكون ريح تجد ريحها أو تسمع صوتها فهي قيّدت بهذا القيد فليس كلّ ريحٍ خارجٍ من الدبر هو موجب للنقض.
والريح الخارج من الدبر على اقسام:-
الأول:- ما كان خارجا من المعدة او الامعاء.
الثاني:- ما إذا كان خارجاً من بعد الامعاء قبيل الدبر.
الثالث:- ما إذا كان مما بعد الدبر.
الرابع:- ما إذا كان من الخارج ودخل الى الدبر ثم خرج.
والقسم الأول هو موضع الوفاق هو ومورد النصوص، وأما بقية الاقسام فنرجع فيها إلى الأصل إذ ذكرنا إنه ليس كلّ ريحٍ هو موجب لنقض الوضوء فإذا شككنا في أي أن الريح الخارج من الدبر من أي واحدٍ من هذه الاقسام جرت اصالة عدم النقض فاستصحاب الوضوء جارٍ حينئذ سواء كان أصلاً حكمياً أو موضوعياً، فهو يجري في المقام فنحكم بصحة الوضوء وصحة الصلاة أيضاً، فليس كلّ ريح هو موجب لنقض الوضوء.
ويدل على ذلك ما ورد في الصحيح عن الصادق عليه السلام:- ( إن الشيطان ينفخ في دبر الانسان حتى يخيل إليه أنه قد خرج منه ريح فلا ينقض الوضوء إلا ريح يسمعها أو يجد ريحها ) [3]، فحينئذ خصص الامام عليه السلام بأن الريح الخارج من الدبر له هذه الصفات إما أن يسمع صوتها أو يجد ريحها فهذا هو الخارج من المعدة بتعبير السيد الماتن(قده) أو الخارج من الامعاء بتعبير كثير من الفقهاء.
فحينئذٍ القسم الأول من الاقسام هو الذي يكون ناقضاً، وأما بقية الاقسام الثلاثة لا يكون ناقضاً ولو شك الانسان أو المصلي بأن الريح الخارج منه من أي واحدٍ من هذه الاقسام تكون أصالة عدم الناقضية جارٍ - استصحاب الوضوء إذا كان متوضئاً يجري في حقه -.
الناقض الرابع:- النوم.
لا ريب ولا اشكال في ان النوم ناقض بضرورة المذهب وعليه إجماع الفقهاء وهناك نصوص مستفيضة على ذلك، والنصوص المستفيضة تارة تكون من الكتاب وأخرى من السنّة.
أما من الكتاب:- فقوله تعالى:- ﴿ إذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ﴾[4]وقد فسّر ( إذا قمتم ) في روايات متعدّدة يعني إذا قمتم من النوم، فالقيام لابد وان يكون من النوم فيكون النوم ناقضاً، والطبرسي يقول بأن اجماع المفسّرين على أنّ المراد من القيام هنا في الآية الشريفة هو القيام من النوم، والرواية الشريفة التي فسّرت القيام بأنه من النوم هي صحيحة السند وهي موثقة ابن بكير:- ( قال:- قلت لأبي عبد الله عليه السلام قوله تعالى " إذا قمتم الى الصلاة " ما يعني بذلك ؟ قال:- إذا قمتم من النوم، قلت:- ينقض الوضوء، فقال:- نعم إذا كان يغلب ) [5]، فليس كل نوم بل النوم الذي يغلب على السمع ولا يسمع الصوت حينئذٍ، فحينئذ الآية الشريفة بناءً على هذا التفسير تدلّ على أن المراد من القيام هو القيام من النوم، والطبرسي يقول إن اجماع المفسرين على أن المراد من القيام في الآية الشريفة هو القيام من النوم.
لكن يمكن أن نتمسّك بالعموم ايضاً فنقول:- إن القيام عام يشمل النوم وغيره فكلّ من قام الى الصلاة لابد وان يتوضأ وكان قيامه عن نومٍ او غيره لكن خرج غير النوم بموثقة ابن بكير فخصّصت الآية بخصوص النوم.
أو نقول أحسن من ذلك:- بأن المراد من القيام هو القيام الى الصلاة عن نقض الوضوء، فكل من كان ناقضاً لوضوئه سواء كان ببول او غائط او ريح أو نوم أو غير ذلك إنما يجب عليه الوضوء ( فاغسلوا وجوهكم ... ) فيشمل النوم وغيره، فلا يختص بما ذكره بعضهم من أن القيام مطلقٌ يشمل النوم وغيره وخرج غير النوم بتلك الروايات منها موثقة ابن بكير بل نقول إن المراد من القيام الى الصلاة ما إذا كان قام الى الصلاة من غير الضوء أي من نواقض الوضوء كان هذا الناقض بولا غائطا أو غير ذلك فاغسلوا وجوهكم، وهذا التفسير أحسن من غيره فيشمل النوم أيضاً.
وأما الروايات الوارد في المقام:- فهي متعددة سيأتي بيانها في الموارد المناسبة وهذا لا اشكال فيه.
هناك قولان:-
الاول:- ما نسب الى الاوزاعي من العامة من أن النوم لا يكون ناقضاً.
الثاني:- ما نسب الى الصدوق ووالده من الامامية من أن النوم لا يكون ناقضاً.
أما ما نسب الى الاوزاعي:- فقد ذكر ابن حزم في المحلّى بأنه يذهب الى أن النوم القليل لا يكون ناقضاً وأما النوم الكثير فهو ناقض، فهو يختلف مع الجماعة باعتبار ان النوم القليل لا يكون ناقضاً وأما النوم الكثير فيكون ناقضاً، وللعامة ثمانية أقوال في هذا الموضوع فبعضهم يعتبر أن النوم مطلقاً هو ناقض كثيرا كان أو قليلاً، وبعضهم يعتبر أن النوم القليل لا يكون ناقضاً بل الكثير فقط، وبعضهم يقول إن النوم العميق يكون ناقضاً، وبعضهم يقول إن نوم الجالس لا يكون ناقضاً بل الناقض هو نوم المضطجع .... وغير ذلك فأقوالهم ثمانية
أما ما نسب الى الصدوق ووالده:- فهو غريبٌ في حدّ نفسه، إنما نقل صاحب الحدائق عنهما في الرسالة والمقنع من أنهما يقولان بعدم ناقضيّة النوم . ولكن نسبة عدم الناقضية إليهما بعيد جداً إذ أن نفس الصدوق الذي ينسب إليه عدم الناقضية يروي رواية الناقضيّة في كتاب الفقيه، فهو يروي تلك الرواية وهذه الرواية بمرأى ومسمع منهما فكيف يقول بأن النوم ليس بناقض ؟!! فلابد وأن يراد من النوم شيء غير ذلك مما سيأتي بيانه، والرواية التي يرويها الصدوق في الفقيه هي صحيحة زرارة عن أبي جعفر أبي عبد الله عليه السلام حيث سألهما عما ينقض الوضوء فقالا:- ( ما يخرج من طرفيك الاسفلين الذكر والدبر من غائط أو بول أو مني أو ريح والنوم حتى يذهب العقل )[6]، فلعل الصدوق يرى أن النوم الذي يذهب بالعقل هو الناقض أما غيره فلا، فهو خصّه بهذا . الى غير ذلك من الروايات المتظافرة التي كانت بمرأى منهما ومسمع فكيف يقول بأن النوم لا يكون ناقضاً ؟!! ولعل ما ذكر في الرسالة والمقنع مقابل العامة حيث أنهم - هو خص بخصوص البول والمني أو الاستحاضة وأمثال ذلك - ذهبوا الى أن القيء والقَلَس وما يخرج من المعدة وغير ذلك مما يوجب نقض الوضوء فجعل خصوص هذه المذكورات في مقابل قول العامّة لا لنفي النوم من الناقضية، فبما أن العامة يعمّمون الناقضية ليشمل القيء والقلس لما يخرج من المعدة وأمثال ذلك فكل ذلك إنما يعتبرونه ناقضاً فهو خصّ الناقضية بالغائط والبول والمني والريح حينئذٍ في مقابل أبناء العامة بأنّ غير ذلك لا يكون ناقضاً ولم يكن نظره الى النوم، فما نسب الى الصدوق ووالده في الرسالة والمقنع يكون في مقابل العامّة الذين يذهبون الى أن كلّ ما يخرج من هذين إنما يكون ناقضاً وهو خصّه بخصوص هذه المذكورات فليس كلّ ما يخرج هو ناقضٌ للوضوء ولم يكن نظره الى النوم وإلا فالنوم قد ورد في رواياتٍ متظافرةٍ ينقلها الصدوق في الفقيه فكيف يحكم بخلاف تلك الروايات ؟!! وهذا لا اشكال فيه، وإنما الكلام في خصوصيات سنذكرها.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo