< قائمة الدروس

الأستاذ السيد علي السبزواري

بحث الفقه

37/07/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- شرائط الوضوء.

قلنا بانه يشترط في الوضوء مباشرة المتوضيء للافعال وهي الغسلاة والمسحات فلابد ان تكون بمباشرة المكلف نفسه فلة استعان بالغير في ذلك بطل وضوئه وتقدم الكلام في ذلك واثباته في الادلة.

الا ان الكلام كان في المقدمات وانه يوجد للوضوء مقدمات وهي على اقسام.

القسم الاول:- المقدمات البعيدة مثل جلب الماء من البئر وجلب الماء من النهر وتسخين الماء وجلب الطشت ونحو ذلك وذكرنا انه لا اشكال في جواز الاستعانة بها لا حرمة ولا كراهة ، للاجماع و للسيرة القائمة على ذلك والوضوءات البيانية تدل على ذلك فان هذه المقدمات حصلت امام المعصوم ولم ينكرها ، ولا يكون تكليف من التكاليف الالهية الا وفيه هذه المقدمات العبادية فلو جعلناها محرمة او مكروهة لاستلزم الحرج ، وان كان بعضهم قال بكراهته وحمل بعض الروايات على ذلك.

القسم الثاني:- المقدمات القريبة مثل صب الماء على اليد ونحو ذلك من دون ان يكون فعل المسح والغسل من الغير بل الغسل والمسح يباشره المكلف بنفسه ، وهذه القسم من المقدمات هل هي مكروهة او هي باقية على اباحتها مثل المقدمات البعيدة؟

الجواب:- يوجد خلاف بين الاعلام فذهب بعضهم الى عدم كراهة هذه المقدمات القريبة ، وذهب بعضهم وهو المشهور بين الفقهاء الى ان هذه المقدمات القريبة مكروهة ، فان الاستعانة بالغير في هذه المقدمات القريبة مكروه.

وقالوا ان المتيقن من الروايات الواردة في المقام هي هذه الصورة أي ما اذا كان المقدمات قريبة وهذا هو مورد كلام الفقهاء ، وقلنا لابد من ذكر الروايات ونرى ما يستفاد منها هل يستفاد منها الكراهة او لا يستفاد منها الكراهة كما ذهب اليه المحقق البحراني (قدس سره) والسيد صاحب المدارك (قدس سره) وبعض المعاصرين ايضا.

الرواية الاولى:- رواية الحسن الوشاء وقلنا ان دلالتها انما تدل على الاشراك في العبادة التي يفسرها الامام عليه السلام بالصلاة وبما ان الوضوء من مقدمات الصلاة فقالوا ان هذه المقدمة ايضا يدخل في ضمن هذا الشرك ، هذا هو الذي ذكروه.

لكن هو ليس شركا في العبادة حتى يكون محرما وانما شرك بالنسبة الى مقدمات هذه العبادة وهي الصلاة ومقدمات هذه العبادة لا يحب الامام ان يشرك بها احد اذ يدخل في شرك العبادة ولكن هو يدل على ان هذا مكروه ، أي الاستعانة بالغير في مقدمات الصلاة التي هي عبادة فهذه الاستعانة مكروهة.

ولكن نوقشت بانه لو دلت على كراهة الاستعانة لاستلزم ان تكون الكراهة ثابتة في كل استعانة كانت سواء كانت المقدمات قريبة او بعيدة ولم يلتزم به احد ، اذ ذكرنا ان المقدمات البعيدة هي خارجة عن الكلام لان الكل متفقون على جواز الاستعانة فيها.

الرواية الثانية:- مرسلة الصدوق محمد بن علي بن الحسين قال: كان أمير المؤمنين إذا توضأ لم يدع أحدا يصب عليه الماء، فقيل له: يا أمير المؤمنين، لم لا تدعهم يصبون عليك الماء؟ فقال: لا أحب أن أشرك في صلاتي أحدا، وقال الله تبارك وتعالى: ( فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا )[1] .

هذه الرواية ايضا فسر العبادة بالصلاة أي ان العبادة هي الصلاة ولا يحب الشرك فيه وهذا صحيح.

ويستفاد منها ان هذه المقدمات لما كانت قريبة مثل صب الماء على اليد وهي مقدمة لمقدمة الصلاة وهو الوضوء فهذه داخل في هذا النوع وهو شرك في العمل لا شرك في العبادة ولكنه تمسك بالاية لاثبات الكراهة بالاستعانة في هذه المقدمات.

الا انهم استشكلوا في هذه الرواية من وجهين.

الاول:- ضعف السند فانه مروية مرسلة وهي لا اعتبار بها وثانيا انها مروية بسند في العلل وفي التهذيب بسند الا ان في السند ضعف وكلا الامر غير صحيحة لان عمل المشهور والشهرة الرواية جابرة لضعف السند ولا يفرق بين ان تكون مرسلة او تكون مسندة وفي السند من هو مجهول.

الثاني:- من حيث الدلالة فقالوا انها لا تدل على شيء انما تدل على ان هذا شرك في العمل لا شرك في العبادة وشرك العمل باعتبار ان الوضوء مقدمة للصلاة فالامام عليه السلام يرى ان الاستعانة بالغير في المقدمات ايضا لا احب ان يكون كذلك ، وذكروا انها ان دلت على الاستعانة فمعناه الاستعانة مطلقا مع انه لم يلتزم احد بذلك.

ولكن الجواب واضح فانه ان دلت هذه الرواية على كراهة الاستعانة مطلقا الا ان الاجماع اخرج المقدمات البعيدة والسيرة اخرجت المقدمات البعيدة وبعض الوضوءات البيانية اخرجت المقدمات البعيدة فتبقى المقدمات القريبة داخلة في ضمن هذه الرواية وتدل على الكراهة.

الرواية الثالثة:- مرسلة المفيد في (الإرشاد): قال: دخل الرضا (عليه السلام) يوما والمأمون يتوضأ للصلاة، والغلام يصب على يده الماء، فقال: لا تشرك ـ يا أمير المؤمنين بعبادة ربك أحدا، فصرف المأمون الغلام، وتولى تمام وضوئه بنفسه))[2] .

استفادوا من هذه الرواية ان هذه الاستعانة مكروهة وليس شركا في العبادة اذ لو كان شركا في العبادة لوجب عليه اتيان الوضوء من جديد لان الشرك في جزء من الوضوء موجب للبطلان فلماذا لا يأمره الامام بأعادة الوضوء وسكت! وقد اتم وضوئه وحينئذ هذه الرواية تدل على كراهة الاستعانة ولا تدل على حرمة الاستعانة.

الا ان الاشكال في هذه الرواية من جهة ارسالها لا يمكن الاعتماد عليها.

والجواب نفس الجواب ، ومن جهة دلالتها فانها تدل على الشرك في العمل والشرك في العمل شيء والشرك في العبادة شيء اخر وسياتي تفصيل الشرك ان شاء الله بعد هذا البحث.

الرواية الرابعة:- ما رواه الصدوق عن أبيه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي[3] ، عن السكوني، عن أبي عبدالله، عن آبائه، عن علي ( عليهم السلام ) قال: قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ): خصلتان لا أحب أن يشاركني فيهما أحد: وضوئي، فإنه من صلاتي، وصدقتي فإنها من يدي إلى يد السائل، فإنها تقع في يد الرحمان))[4] .

والرواية معتبرة من حيث السند ودلالتها (لا احب) وهي اعم من الحرمة وحينئذ تثبت الكراهة لأنه اقل شيء ، ولكن لابد من تخصيصه بان الوضوء لابد ان يكون بالمباشرة بنفس الافعال اما المقدمات فلا احب ذلك ولا اشكال في هذه الرواية فانها تدل على ذلك.

وهذه الرواية تدل على المطلوب الا انهم ناقشوا في ذلك مثل مناقشاتهم في تلك الروايات.

فالحق ما ذهب اليه المشهور من كراهة الاستعانة بالمقدمات القريبة في الوضوء. وما ذهب اليه جمع من عدم دلالة هذه الروايات على الكراهة غير تام.

 


[1] - وسائل الشيعة، العاملي، ج1، ابواب الوضوء، الباب47، ص13، ح2، ط آل البيت (عليهم السلام).
[2] - وسائل الشيعة، العاملي، ج1، ابواب الوضوء، الباب48، ص14، ح2، ط آل البيت (عليهم السلام).
[3] - السيد الخوئي (قدس سره) ضعف النوفلي ولكن البقية صححوا روايته وقالوا انه معتبر، والسكوني ايضا معتبر وان كان عاميا ولكنه صدوق، الا انه رجع عن هذا القول وقال ان النوفلي مذكور في اسناد كامل الزيارات فلابد ان نقول باعتباره، الا انه في اخر المطاف رجع عن قوله وقال انه ليس كل من ورد في كامل الزيارات معتبر.
[4] - وسائل الشيعة، العاملي، ج1، ابواب الوضوء، الباب48، ص14، ح3، ط آل البيت (عليهم السلام).

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo