< قائمة الدروس

الأستاذ السيد علي السبزواري

بحث فقه الاقتصاد

39/05/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : العلمانية في الاقتصاد

مقدمة : كل من يريد ان يبحث عن موضوعا معيناً لابد أن يبحث عن أسباب ذلك الموضوع ومقتضياته وما يترتب عليه من اثار ولوازم لكي يتضح وهل نقدر أن نناقشه ونقبله أو لا نقبله هذا هو المنهج العلمي الحديث، لذلك تناولنا بحث العلمانية لما لها من التأثير الكبير في الاقتصاد وفي جميع المفاهيم التي ترتبط بحياة الإنسان الدنيوية و الأخروية[1] فدخلت تحت مظاهر و عناوين مختلفة على مر الزمان، وهناك معارضةً أزلا وابدا تارةً تتخذ عنوانا معينا تشير الى شيء واحد في العلمانية وتاريخها الذي اتخذت عناوين مختلفة في معارضته للدين او انها ليست بمعارضه، خلافا بين الباحثين و المؤرخين

نقول: اختلف الباحثون في مفهومها وتاريخها وأقسامها و أثارها و نتائجها وتأثيرها المباشر في سلوك الإنسان وأخلاقياته ومعارضتها مع الديني ومفرداته حتى ذهب بعضهم إلى إن العلمانية جردت الانسان من جميع معطياته التي توصله الى كمال الله الذي اعده خالقه له في هذه الدنيا التي يعيش فيها برهة من الزمن ليستعد إلى دار الأخرة لينال فيها ما سعى إليه بصورة أكمل و أبهى و أجمل ليسعد بها فإذا كانت العلمانية هي السبب في انحطاط الإنسان إلى الدرجة الأدنى في هذه الحياة الدنيا و بلوغ الإنسانية الى درجات البهيمة فلا يأمل ان يكون للإنسان شان في غير هذه الحياة الدنيا حتى اوصلته الى هذه المرتبة من البهيمية فصدق عليهم قوله تعالى (أن هم الا كالإنعام بل هم أضل سبيلا)[2] ولعل اختلاف الباحثين يرجع الى محاولتهم لإخفاء تأثير العلمانية لمن رأى العلمانية لها هذا التأثير الكبير في حياة الانسان وسلوكه وسيره وكل ما يرتبط بها فاخفوا هذا التأثير كثيرا بعناوين مختلفة فلإخفاء تأثير العلمانية التي أرادها أصحابها ان تكون أثارها وفق مخططا رهيبا حتى لا تقع مورد معارضة محب الخير للإنسانية او المتدينين فيجهزون عليها في مهدها فلذلك هم اتخذوا هذا السبيل الماكر وأعطوا للعلمانية في مسيرتها بعض العناوين البراقة حتى لا تكون مورد الخلاف.

فقد ظهرت العلمانية في الدين والغرض تفكيك معالمه ومفرداته و اعلان الحرب الناعمة معه معلنين ذلك طورا وعلى نحو السر والخفاء طورا اخر متخذين كل الوسائل و الأساليب في هذا السبيل، كما ظهرت العلمانية في اجلى صورها في السياسة و اتخذ أصحابها شعار فصل الدين عن السياسة وحاربوا الدين في هذا المجال وحاولوا إظهار عجزه

وحاول أصحاب هذه المدرسة في كل جهدها ان يسيطر على السلطة في اعداد افراد معينين قد دربوا على هذا الامر كما ظهرت العلمانية في الحياة الاجتماعية فإشاعة الفحشاء و المنكر بين الناس بكل مظاهرها متخذين شعار الحرية في سبيل تنفيذ مقاصدهم

و اما ظهور العلمانية في العلوم فقد ابدلته من الحقائق الى مجرد شكوك وسلبت الاطمئنان من القلب الذي كان العلم يثبته وجعلت العلم مجرد وسيلة للوصول الى امور مادية صرفه و اغفلت الجانب المعنوي في الانسان في الكلية مع علم اصحاب هذه المدرسة، ان العلم اعظم واجل من ان يطلب به المادة فقد يصل الانسان بالعلم الى اعظم ما وصل اليه الانسان المعاصر في المدنية الحديثة

و اما تأثير العلمانية في الاقتصاد فقد كان كبيرا حيث جعلت الاقتصاد ماديا صرفا فاعتبرته وسيله لكسب المال وادخاره و سببا في استيلاء مجموعه معينة سواء كانت الدولة او كان افراد او شركات على مقدرات الحياة وتسويق اطماعها على الإفراد وإخماد نور العقل و الفطنة وإطفاء شعلة الأخلاق الوقادة في النفوس فجعلتها ديارا بلا نفع

ومن أساليب العلمانية والدعاء اليها جعل القيادة في كل مرافق الحياه بيد افرادا اعدتهم فكريا و نفسيا وعقائديا وقد تعلموا كل مظاهر النفاق في سبيل إظلال الناس وإبعادهم عن الدين الإلهي ولولا وعد الله تبارك وتعالى بحفظ دينه واسباب هداية الانسان لكان مكرهم يوجب طمس نور الفطرة كما قال تبارك وتعالى( وان كان مكرهم لتزول منه الجبال)[3]

والبحث عن العلمانية طويل وعميق وذو جوانب متعددة لكن الذي يناسب موضوع بحثنا هو تأثير العلمانية في الاقتصاد الذي قد يغفل عنه الكثير من الباحثين والكلام يقع ضمن فصولاً

الفصل الأول : في تعريف العلمانية وتحديد مفهومها وتاريخها

مقدمة : ربما يتناغم مفهوم العلمانية مع بعض المفاهيم الاخرى ويوهم انه من المفاهيم الإصلاحية فقد ذكر أصحاب المعاجم والمصادر الموسوعية تعاريف عديدة بين الإفراط والتفريط فبعضهم يذهب إلى أن العلمانية تعني المخالفة للقواعد الشرعية والتعاليم الدينية والانسجام مع كل ما يرتبط بالأمور الدنيوية وقيل ان مادة العلمانية مرتبطة بالدنيا ومنفصلة عن الروحانية فهي غير دينية بل عامية عرفية أمية خارجة عن الصوامع ومخالفة للأمور الشرعية وتحرر من قيود القساوسة ومحاربتهم وابتداء الأمر كان في الغرب

لكن دائرة المعارف البريطانية اعتبرت النظام العلماني والعلمانية حينئذ نمطين من التفكير لا يعملان على نفي الدين بالكامل وإنما يبعدانه ويفصلونه عن شؤون الحياة الدنيوية ولاسيما فيما يتعلق بالجانب السياسة من الحياة وقد يقارن الالحاد بالعلمانية فترى بعضهم يقول العلمانية الإلحاد ليس أكثر من ذلك يقارن الالحاد بالعلمانية وذلك لأنهم

عرفوا الإلحاد بأنه إنكار وجود الله تعالى وعدم الاعتقاد بوجود الباري عز وجل والعلمانية نتيجتها هي هذه فصارت العلمانية داعيه إلى الإلحاد


[1] فتدخلت حتى بالشؤون الدينية وروجت لفكرة السياحة الدينية حتى جعلت من المزارات الشريفة مكانا سياحيا وارادت تجريده من معناه الاخروي.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo