< قائمة الدروس

الأستاذ السيد علي السبزواري

بحث الأصول

37/03/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : تتمة الكلام في الأدلة على قاعدة الصحة

ذكرنا أن الأدلة على قاعدة الصحة أربعة ، منها الآيات وهي على طائفتين : عامة، ومنها قوله تعالى : ﴿ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ[1] . ومجرد احتمال الفساد في عمل الغير يسبب العسر والحرج وكذلك قوله تعالى: ﴿ ما يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ[2] ، وكذلك قوله تعالى﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ[3] . وسيأتي أن للصحة معنيين - .

ومنها آيات خاصة كآية أوفوا بالعقود وآية التجارة عن تراض ونحوها، وأشكل عليه بأنه ليس لهذه الآيات عمومية لكل مورد وأجبنا أنه إذا ثبتت أصالة الصحة بهذه الآيات فلا يضر أن دائرتها ضيقة أو وسيعة بعد إثبات أصل أصالة الصحة.

وكان الدليل الثاني الروايات، ومنها رواية أمارية اليد التي ذكرت في الدرس السابق، وعدم الأخذ بأمارية اليد يستلزم الهرج والمرج وعدم حمل فعل الغير على الصحة يستلزم الهرج والمرج بل أشد من ذلك وأشكل عليه بأن هذا ليس في كل الموارد يستلزم الهرج والمرج فإذا غسل طرف آخر ثوبا وعدم الأخذ بطهارة الثوب الذي يشك في نجاسته مثلا لا يستلزم الهرج والمرج والجواب أنه وإن لم يستلزم الهرج والمرج لكنه العسر والحرج.

وكان الدليل الثالث الاجماع، وذكرنا تسالم الفقهاء على أصالة الصحة ولذلك فهم يجرون أصالة الصحة في باب المنازعات والمخاصمات، فالقول مع من يقول بالصحة في باب المنازعات، إلا إذا قام دليل على الفساد وأشكل على الجماع بأنه ليس تعبدي وثانيا بأنه ليس لنا إجماع في كل الموارد، لكن الجواب أن تسالم الفقهاء خلف عن سلف على إجراء أصالة الصحة واتصاله بزمن المعصوم يكشف عن تعبديته وأما أنه في كل مورد هل يوجد إجماع أو لا فهذا خارج عن مسألتنا فلكل مورد دليله وطريقة الاستدلال به وغايتنا اثبات الاجماع على أصل الصحة إجمالا لا في كل مورد مورد.

وكان الدليل الرابع العقل وأنه هناك بناء عقلائي على العمل بأصالة الصحة في فعل الغير وكذلك سيرة المتشرعة المتصلة بزمان المعصوم وإقرار المعصوم لها ويكفي عدم الردع عنها فكيف إذا أقرها من خلال الآيات والروايات التي ذكرناها بل قال السيد الوالد بإدخال أصالة الصحة تحت أصالة عدم السهو والنسيان[4] ، فمقتضى طبع الإنسان أن يأتي بالفعل صحيحا فالفساد خلاف الطبع، والأصول النظامية لا نحتاج إلى إمضائها من الشارع بل يكفي عدم الردع عنها ، وهذا ينفعنا في كثير من القواعد الفقهية التي يحتج بها الفقهاء إذ كثير منها من الأصول النظامية ومن صغرياتها ، فلا مجال للإشكال مثلا على أمارية اليد إذ هي من الأصول النظامية الاجتماعية وأصالة الصحة كذلك إذ هي من صغريات عدم السهو والنسيان، فلا إشكال في صحة قاعدة الصحة سواء قلنا بأنها أصل إحرازي أو أمارة – وسيأتي بيان ذلك – ولا إشكال في تقدمها على الاستصحاب والأصول الحكمية أو الموضوعية الدالة على الفساد إن كان هناك أصالة فساد.

الجهة الثانية : هل أن أصالة الصحة أمارة أو قاعدة أو أصل إحرازي؟ وتقدم أنه لا ريب في تقدم أصالة الصحة على الأصول سواء كانت حكمية أو موضوعية ولا ثمرة علمية ولا عملية في الخلاف في أنه هل أن أصالة الصحة أمارة أو قاعدة أو أصل إحرازي إذ إننا قلنا بتقدم أصالة الصحة على كل حال إلا أن الثمرة قد تظهر بما إذا قلنا بأنها أمارة والأمارة حجة في مثبتاتها أي الآثار الشرعية المترتبة على اللوازم العقلية أو العادية أما إذا قلنا بأن قاعدة الصحة أصل فإن الأمارات تتقدم عليها وكذلك يظهر الأثر إذا كانت أمارة فإنها تتعارض مع الأمارات فلا بد من المصير إلى المرجحات. لكن تقدم مرارا وكرارا أن مثبتات الأمارات كمثبتات الأصول فلا دليل على حجية الأمارات في مثبتاتها كما لا دليل على حجية الأصول في مثبتاتها إلا كانت هناك قرينة دالة على ذلك . إلا أن الشيخ الأنصاري رحمه الله فرع على ذلك مسألة وقبل بيان رأيه نقول أن الكلام في أصل الصحة هل هو أصل إحرازي أو غير إحرازي راجع إلى الدليل الذي استند عليه فإن كان الدليل هو الإجماع فلا ريب أن القدر المتيقن من معاقد الإجماع أن يكون أصلا غير إحرازي، أما إذا كان الدليل على ذلك سيرة العقلاء التي أمضاها الشارع الأقدس ولو بعدم الردع التي تكشف عن الواقع فإنه يكون أصلا إحرازيا بل يدل على إماريته، إلا إذا قلنا بأن هذه السيرة التي أمضاها الشارع ليس فيها تتميم الكشف لكن ذكرنا أن الشارع بعدم ردعها عنها وبإمضائه لها بطرق متعددة يدل على كونها كاشفة عن الصحة الواقعية فإما أن تكون أمارة أو أصلا إحرازيا. وفرع الشيخ الأنصاري على كونها أصل إحرازي أو غير أصل إحرازي هذه المسألة بأنه لو اشترى شخص شيئا بعين مال مقايضة ولا يعلم أن هذه العين هل هي مما يملك أو مما لا يملك كالخمر أو الخنزير ثم مات وشك الوارث في أن مورثه هل جعل مقابل العين التي انتقلت إليه ثم انتقلت للمورث ما يملك أو ما لا يملك أي هل دفع المتوفى للبائع شيئا مما يملك أو مما لا يملك ؟ ذكر الشيخ الأنصاري أن أصل المعاملة صحيحة بأصالة الصحة أما انتقال المبيع وانتقال الثمن إلى البائع فهذا لا يثبت بأصالة الصحة إلا على القول بالأصل المثبت لكونه أثرا عقليا إذ من المعلوم في صحة المعاملة أن يكون المبيع والثمن مما يملكان وهذا أثر عقلي ويترتب عليه أثر شرعي وهو دخوله في ملك المشتري والبائع فقال الشيخ بالتفكيك فلو كانت أصالة الصحة من الأمارات لقلنا بحجيتها في مثبتاتها فيدخل الثمن والمثمن في ملك البائع والمشتري وأما إذا قلنا بأنها من الأصول غير المحرزة فإنها تدل على صحة المعاملة فقط دون دخول الثمن في ملك البائع .وقال الشيخ المحقق الهمذاني في حاشيته على الرسائل لا بد من الاحتياط للورثة لأن المثمن الذي دخل في تركتهم غير معلوم أنهم ملكوه فلعله لا زال في ملك الغير لأنه لم يدفع في قبال ثمن لأن ما دفع مما لا يملك فلم ينتقل للبائع وكذلك المثمن لم ينتقل للمشتري المتوفى فلا يجوز لهم التصرف في المبيع الذي هو ضمن تركتهم فهو لا زال في ملك البائع ولا في الثمن المسمى الذي هو مما لا يملك إلا مع التراضي بينهم ورضى مالك المبيع للعلم الإجمالي بدخول مبيع في تركتهم من دون دفع ثمنه .


[4] تهذيب الأصول، ج2، ص301.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo