< قائمة الدروس

بحوث خارج الأصول

الأستاذ الشیخ محمدالسند

35/11/26

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع:- تنبيهات حديث الرفع / الأصول العملية.
كان الكلام في التنبيه الثالث وهو جريان حديث الرفع في فقراته الست في الجزئية والشرطية والمانعية ووصل بنا البحث الى هذا المطلب وهو ان حديث الرفع بالدقة يرفع المرتبة العليا كمجموع الاجزاء ولا يرفع الزائد بمفرده ــ كما مر بنا ــ والادلة الخاصة للأقل بضميمة حديث الرفع تثبت المرتبة الدنيا فالأجزاء الباقية تبقى باعتبار ان لها ادلة خاصة مثل(لا صلاة الا بفاتحة الكتاب) و (لا صلاة الا بطهور[1]) وهذه الادلة لها اطلاق فبضميمة حديث الرفع وبضميمة الدليل الثالث الدال على ان هذا المركب ذو مراتب في الجملة وهذا الدليل الذي يدل على ان المركب ذو مراتب في الجملة بنفسه يكون قرينة على تعدد المطلوب ووحدة المطلوب ــ كما مر بنا امس ــ، اذن دور هذا الدليل الثالث ان يكون قرينة على ان حديث الرفع قد رفع المرتبة العليا،الا ان اطلاقات ادلة الاجزاء الباقية ــ وهي الاقل ــ اطلاق لما وراء تعذر الجزء الزائد سواء كان تعذر الجزء الزائد او الاضطرار الى تركه او الحرج بفعله او الاكراه الى تركه أي يعني تحت أي عنوان من العناوين الثانوية التي رفعت المرتبة العليا، فإذن حديث الرفع بالدقة لا يفكك الاجزاء لكن نتيجة مجموع الثلاث ادلة تكون كنتيجة تفكيك الاجزاء فحديث الرفع بنفسه لا يفكك وان كانت النتيجة كأنها تفكيك وفك ارتباط ولكنه في الحقيقة ولباً ليس تفكيك وليس فك ارتباط فما يقال من ان حديث الرفع يجري في الجزئية أي فقط في الجزئية بمفردها ويفككها ويجري في الشرطية أي فقط في الشرطية بمفردها ويفككها فهذا صورتا ولكن لبا هو لا يصنع هذا،هو لا يفكك بل هو لبا يرفع مجموع المرتبة العليا ولكن بانضمام ادلة الاجزاء الباقية والدليل الدال على تعدد مراتب الواجب المركب في الجملة تصبح عندنا دلالة في البين وهي ثبوت الباقي فهذه الدلالة التي دخلت على الخط هي التي كونت ظهور وهو ان الارتباطية في هذا المركب بين مجموع وجميع اجزاءه ليست ارتباطية بقول مطلق وانما هي ارتباطية في المرتبة العليا اما بلحاظ المراتب المتوسطة يمكن ان تنفك عن بعضها البعض فهي وحدة مطلوب وتعدد مطلوب فوحدة مطلوب يعني دخيلة في الصحة وتعدد مطلوب يعني لها مراتب اخرى فهذا نوع من المزاوجة بين وحدة المطلوب وتعدد المطلوب وبالتالي تبين لنا بالدقة ان هذا المفاد والنتيجة التي وصلنا اليها ليست هي مفاد الاصل العملي بنفسه وبمفرده بل هو مفاد مجموع ثلاثة ادلة ولا مانع من ذلك شبيه المرأة المشكوك انها قرشية او غير قرشية فتحكم عليها بانها غير قرشية وانَّ يأسها الى الخمسين لا الى الستين فهذا نتيجة مجموع استصحاب عدم كونها قرشية و(كل امرأة تحيض الى الخمسين[2]) فالنتيجة حاصلة من مجموع دليل اجتهادي واصل عملي. وما المانع في ذلك؟ وهذا جواب عن الاشكال الذي مر بنا في الامس من ان هذا المفاد[3] كيف يكون حجة مع انه مفاد التزامي لأصل عملي وجوابه اتضح مما تقدم ان هذا المفاد ليس مفاد الاصل العملي بمفرده بل هو مفاد مجموع الادلة التي منها الاصل العملي.
ولتفسير هذا المطلب بعمق صناعي اكثر نبرز نقطتين:-
النقطة الاولى:- وهي فائدة صناعية مهمة وهي ان فقهاء الامامية رضوان الله عليهم يستخلصون من مجموع ادلة ــ أي اكثر من دليلين قد تكون ثلاثة ادلة او اربعة او خمسة ــ فيستفيدون من مجموع الادلة بشكل منسق ومنضد نتيجة واحده كما في بحث انقلاب النسبة فانقلاب النسبة نموذج من نماذج هذه الضابطة الكلية،وهو تارة من مجموع ادلة نستخرج مفاد ما كنا نستفيده ونستخرجه من ضم دليلين بمفردهما فقط،طبعا ليس جمع وضم عشوائي للأدلة بل ضم منضد وفق مناسبات فهذا الضم يوصلك الى هذه النتيجة التي لو اردت ان تستخرجها من واحد بمفرده او من اثنين منهما منضمين لما استطعت وهذه ظاهرة بديعة في الفقه والقانون ومارسها الفقهاء كثيراً لكن كما ذكرنا وفق موازين معينة ومقبولة في الفهم العرفي فتؤدي الى النتيجة، وبصراحة ان هذا التلفيق لا يمارسه الا اساطين الفقه وفحول الفقه والمتوسطين من الفقهاء بالتيا والتي يضم دليلين، ومثاله في المكاسب ذكره الشيخ الانصاري(قدس) مثلا (لا عتق الا في ملك[4]) و(من اشترا ابويه ينعتقا عليه)و (لا بيع الا في ملك) فجمعا بين هذه الادلة واستنتج منها الفقهاء مفاد رابع غير مفاد الثلاثة المطابقي وهو انَّ الابوين يدخلان في ملك الابن آن ما وعبروا عنه بالملك التقديري وهذا النتيجة واقعا لا هي مفاد صحة البيع بمفرده ولا مفاد انعتاق الابوين بمفرده ولا مفاد لا عتق الا في ملك بمفرده بل مجموع الثلاث ادلة يضطر الفقيه للإلتزام بمفاد ليس هو مفاد مطابقي للأدلة ولا هو صريح الادلة ولا مفاد التزامي لبعض الادلة فهي نتيجة مطوية في تشريع الشارع لم يصرح بها الشارع فالشارع شرّعها ولكنه لم يصرح بها لا بالدليل المطابقي ولا بالدليل الإلتزامي العادي وانما شرعها بالدليل الإلزامي لثلاثة ادلة وما اكثره في ابواب الفقه فهذه نكتة صناعية فقهية لابد ان نلتفت اليها وهو ان من مجموع الادلة يمكن استنتاج شيء معين
النقطة الثانية:- وهي نقطة صناعية مهمه ذكرها بعض الاصوليون وللتمهيد لها نقول بالامس مر بنا هذا التساؤل وهو ان مثبتات الاصل العملي ليست بحجة فكيف هنا كانت حجة وقد تبين ان المفاد مستفاد من مجموع الادلة لا من الاصل العملي بمفرده فلاحظوا هنا في المقام عندما نقول ان هذا المفاد مستفاد من مجموع الادلة أي يعني هو مفاد التزمي لمجموع الادلة.
فأقول تارة يكون المفاد هو مفاد التزامي لنفس الاصل العملي وهو الذي يقولون عنه ان مثبتات الاصول العملية ليست بحجة وتارة يكون المفاد مفاداً التزاميا ولكن ليس لنفس متن الاصل العلمي وانما مفاد التزامي للدليل اللفظي الاجتهادي الدال على الاصل العملي والدليل الدال على الاصل العملي غالبا هو دليل اجتهادي والدلالة الإلتزامية لدليل الاجتهادي حجة،اذن المعنى الإلتزامي اذا كان لازما لنفس الاصل العملي فهو ليس بحجة واما لماذا ليس بحجة؟ فسوف يأتي بحثة في تنبيهات الاستصحاب، اما اذا كان المعنى الإلتزامي لا للأصل العملي بل للدليل الدال على الاصل العملي فهذا لا مانع من الاخذ به،ففرق بين المعنيين،فما عرف من ان الاصل العملي ان مثبتاته ليست بحجة هو ما اذا كانت معاني التزاميه لمتن نفس الاصل لعملي اما اذا كانت مداليل التزامية للدليل الدال عليه فهي حجة.
اذن هنا اجتمع الاصل العملي وادلة الاجزاء الباقية ودليل ثالث وهو ما دل على ان المركب ذو مراتب في الجملة فمن مجموع هذه الادلة نستفاد انه مع رفع المرتبة العليا تبقى المراتب المتوسطة .
النقطة الثالثة: - ان المعروف في الادلة الاجتهادية ان المدلول الإلتزامي لها حجة وان المدلول الإلزامي للأصل العملي ليس بحجة وقد مر بنا الآن ان المدلول الإلتزامي للأصل العملي الذي ليس بحجة هو المدلول الإلتزامي لنفس متن الاصل العملي لا المدلول الإلتزامي للدليل على الاصل العملي فهذا قد مر بنا وهو التفكيك في المداليل الإلتزامية للأصل العملي فانها تكون على قسمين فهذه النقطة التي مرت بنا لها اسم في بعض كلمات المحقيقين فيعبرون بان المداليل الإلتزامية في الاصول العملية في الجعل حجة و لا مانع من الاخذ بها،اما المداليل الإلتزامية في الاصول العملية في المجعول فهي ليست بحجة ومرادهم من الجعل هو الدليل الدال على الاصل العملي ومرادهم من المجعول هو نفس متن الاصل العملي هذا كله قد مر سابقا ولكن النقطة الثالثة التي نريد بيانها هي نقطة ذكرها الاصوليون في مباحث الالفاظ وهي ان ما عرف من ان لوازم الامارة او الدليل الاجتهادي حجة بقول مطلق فيه تفصيل وليس حجة بقول مطلق فبعضها حجة وبعضها ليس بحجة فليس كل مثبتات الامارة حجة وتوضيح ذلك:-
اذا كان المدلول الإلتزامي من لوازم الامارة للمعنى العام الساري في جميع الافراد فهو حجة فهو معنى التزامي يلازم المعنى المطابقي في كل سريانه وعمومه في افراده فهذا حجة ويعبرون عنه انه معنى التزامي ملازم للمعنى الكلي لان هذا المعنى الكلي اينما سرى يلازمه هذا المعنى، بخلاف ما اذا كان المعنى الإلتزامي للأمارة ملازم لمفاد الامارة في بعض افرادها فهذا المعنى الإلتزامي ليس بحجة، اذن مثبتات الامارة حجة فيما اذا كان المعنى الإلتزامي ملازم للمعنى الكلي اينما سرى واينما انطبق واما المعنى الإلتزامي للأمارة في بعض افرادها فهو ليس بحجة فهذه ضابطة في حجية مثبتات الامارة فاذا كانت هذه الضابطة صحيحة فكيف قَبِلَ الفقهاء ان ثلاث او اربع ادلة اذا اجتمعوا من وجه لا دائما بل من وجه فاستخلصوا من المجموع مفاد التزامي لبعض الافراد والتزموا بحجيته فان هذه الادلة الثلاثة ليست دائما متقارنة بل في الجملة في بعض الافراد متلاقية؟
الجواب:- نعم صحيح ان المدلول الإلتزامي لبعض الافراد ليس بحجة الا ها هنا فهو حجة لانه بالدقة ليس مدلول إلتزامي للدليل الواحد بمفرده لان هذا التفصيل لمثبتات الامارة فيما اذا كان المدلول الإلتزامي للدليل الواحد بمفرده اما اذا كان مدلولا التزاميا لمجموع ادلة فهو حجة ولا يأتي فيه هذا التفصيل لانه ليس ملازم لدليل بمفرده كي لا يكون حجة، اذن عندما يقولون المعنى الإلتزامي لبعض افراد العام فان العام ليس بحجة فيه،نعم هذا صحيح نعم فان العام ليس بحجة في المعنى الإلتزامي لبعض افراده الا اذا كان المعنى الإلتزامي لكل افراده فهو حجة فيه اما اذا كان لبعض افر اده فهو ليس بحجة ولكن ليس بحجة بمفرده اما اذا كان بمجموع عمومات متعددة فلا مانع. هذا تمام الكلام في هذا التنبيه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo