< قائمة الدروس

بحوث خارج الأصول

الأستاذ الشیخ محمدالسند

37/03/23

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: مصححية القواعد العذرية
كان الكلام في الوجه الثاني في مصححية القواعد العذرية ومرت بنا ثلاث طوائف من الروايات دالة على أن القواعد العذرية تبعض في التنجيز، وقبل ان ننهي هذا الوجه ونغادره نرجع الى تتمات الوجه الاول وهي قاعدة لا تنقض السنة الفريضة بل قبل هذه ربما توجد تتمات أخرى.
ونذكر تساؤلين على هذا الوجه الثاني مرا بنا:
التساؤل الأول: كيف يكون مفاد العموم يفيد مفادا التزاميا وهو مثلا التبعيض او التصحيح او ما شابه ذلك والحال ان المعروف لديهم ان العموم لا يثبت مفادا التزاميا إذا كان هذا المفاد الالتزامي هو لبعض أفراد الطبيعة أو لحصة من الطبيعة أو لنصف الطبيعة مثلاً، نعم المفاد الالتزامي يكون حجة إذا كان مفادا التزاميا لتمام الدليل في تمام الطبيعة وفي تمام الأفراد، فكيف هنا يثبت؟
والجواب عن هذا التساؤل: أن هذه الضابطة وهي عدم حجية المفاد الالتزامي فيما لو كان مفادا لبعض حصص الطبيعة وبعض أفرادها لو كان الانطلاق في هذا المفاد الالتزامي من نفس الدليل العام او الدليل المطلق، وأما إذا كان انطلاقا من أدلة منضمة الى الدليل فلا مانع منه.
هذا جواب اجمالي اول عن هذا التساؤل.
وبعبارة أخرى المفاد الالتزامي الذي ليس بحجة باعتبار انه مفاد التزامي لبعض الطبيعة أو لبعض أفراد الطبيعة او بعض حصصها ذلك المفاد الالتزامي الذي يراد تقريره وإثباته من الدليل العام او المطلق بمفرده فهذا صحيح إذ ليس فيه قوة لإثباته إذ إما يثبت هذا المفاد الثاني على وتيرة واحدة ومنوال واحد في كل الطبيعة والحال انه ليس في كل الطبيعة فلا يكون حجة فهذا صحيح، ولكن لو انضم الى ذلك الدليل دليل آخر وقال بأن هذا الدليل العام او المطلق يثبت هذا المفاد الالتزامي في هذا البعض من الحصة فلا مانع في ذلك.
فهذا الجواب جواب اجمالي ولا بأس به وكم له نظير في الأبواب الفقهية.
الجواب الآخر: هو أن المفاد الالتزامي (أي الشبيه بالمثبتات) بحث ظاهره سهل ولكن فيه مداقات صناعية كثيرة، وجملة من المداقات الصناعية نذكرها كفهرسة:
منها: أن القواعد العذرية غير (ما لا يعلمون) ليست أصول عملية كقاعدة الحرج وقاعدة لا ضرر بل هي قواعد اجتهادية لكنها بمثابة الأصول العملية ومنزلة منزلة الاصول العملية في أنها عناوين ثانوية في ذيل ونهاية الأدلة الأولية الاجتهادية.
وهذه الخاصية سواء في القواعد العذرية والأصول العملية.
ومنها: أن الأصول العملية أحكام ثانوية ظاهرية وليست أولية لأنه أخذ الشك في موضوعها ولذا سيقت البراءة بنحو رفع ما لا يعلمون ورفع النسيان فهذه كلها عناوين طارئة كالجهل والنسيان والاضطرار والحرج والخطأ غاية الأمر ما لا يعلمون ثانوية ظاهرية وأما تلك فثانوية واقعية فليس فيه كشف خلاف كالحرج والاضطرار والنسيان والخطأ والاكراه فليس فيه كشف خلاف والا فمن جهة الثانوية فهي كلها ثانوية.
ولذا قالوا بأن القواعد العذرية الثانوية كالأصول العملية مع انها قواعد اجتهادية واقعية ولكن ثانوية فمثبتاتها ليس بحجة.
ومنها: أن ما عرف من أن مثبتات الأدلة الاجتهادية حجة بالدقة لا بل خصوص الأدلة الاجتهادية اللفظية مثبتاتها حجة، واما الادلة الاجتهادية الظنية غير اللفظية فمثبتاتها ليس بحجة.
ومنها: ان الأدلة الاجتهادية اللفظية التي مثبتاتها حجة ضيقة وهو ذلك المفاد التزامي الذي يكون لازما للطبيعة في كل أفرادها لا في بعض الأفراد.
ومنها: أعلام الأصوليين ذكروا في تنبيهات الاستصحاب أنه عندما نقول أن مثبتات الاصول العملية ليست بحجة في تلك اللوازم التي هي لوازم للواقع دون الظاهر أو قل هي لوازم للواقع الاولي دون الثانوي، يعني ان اللوازم التي تكون هي لوازم أعم من الواقع والظاهر أو قل أعم من الواقع الاولي والواقع الثانوي تلك اللوازم مثبتات الاصول العملية ومطلق الأدلة اللبية مثبتاتها حجة حينئذ.
فإذن إذا كانت اللوازم أعم من الواقع والظاهر أو أعم من الواقع الاولي والثانوي فالأصول العملية أو الادلة اللبية تثبتها. وأما لماذا هكذا فسيأتي البحث في الدليل وهو محل وفاق.
فإذا كان الحال كذلك فلا نسارع ونقول أن مثبتات الأصول العملية أو الادلة اللبية ليس بحجة بل إذا كانت لوازم خاصة بالواقع دون الظاهر وخاصة بالواقع الاولي دون الواقع الثانوي فتلك المثبتات نعم ليست بحجة، لأن الاصول العملية تثبت الظاهر والمفروض ان هذه اللوازم لوازم للواقع وليس لوازم للظاهر، أو الادلة الثانوية تثبت واقع ثانوي وليس واقع أولي واللوازم المفروض انها لوازم الواقع الاولي فلا تثبتها.
ومثال اللوازم الأعم التي تكون الأصول العملية او القواعد العذرية حجة مثل الاجزاء أو الصحة، فالصحة بالمعنى العام أعم من الصحة الواقعية والصحة الظاهرية أي تأتي بمركب مطابق للمركب الذي ثبت عندك بالظاهر، والاجزاء هو ما إذا أتيت بالمأمور به أعم من كونه مأمورا به واقعيا او ظاهريا مطابق لحده، فإذا أمرت بحسب الظاهر بعشرة أجزاء ولو بدليل ليس لفظيا كالاستصحاب وفرضنا أنه احرز لك ان أجزاء الصلاة ليست تسعة بل عشرة والتسعة ثبت بأدلة لفظية ولكن التاسع ثبت وجوبه بالاستصحاب او ثبت نفي الحادي عشر بالاستصحاب او غيره، فحين تأتي بعشرة أجزاء فهذه صحيحة بلحاظ الصحة الظاهرية لأن في الظاهر امرت بعشرة أجزاء ففرغت ذمتك بالظاهر الواصل اليك أي المنجز عليك، لأن العقل يحكم بالصحة (ليست الصحة الواقعية التي هي لازم أخص للواقع فقط) أي الصحة بالمعنى العام أي براءة الذمة مما نجز عليك أعم من كونه الواقع المنجز عليك او الظاهر هو المنجز عليك.
أو نفي العقوبة مثلا على ما علمت به سواء بالظاهر تؤاخذ بالظاهر او علمت بالواقع فتؤاخذ بالواقع، فنفي العقوبة بالامتثال وما شابه ذلك فهذا لازم أعم وليس لازم أخص، وهكذا امثلة من هذا القبيل كثيرة يذكرونها.
فإذن لنلتفت أن هناك تفصيل في اللوازم والمثبتات وهو ان لوازم الواقع دون الظاهر او للواقع الاولي دون الواقع الثانوي فالأصول العملية والقواعد العذرية لا تكون حجة فيها لأنها لوازم اخص، وأما إذا كانت لوازم أعم فتكون حجة.
وما نحن فيه وهو تبيان الجواب الثاني أنه عندما يثبت بتوسط القواعد العذرية ان المنجز عليك تسعة أجزاء وليس المنجز عشرة فيجب افراغ الذمة عما هو منجز عليك فلا بد أن تأتي بعمل صحيح بحسب ما أنت مؤاخذ عليه فالصحة الظاهرية موجودة وهي تكفي في براءة الذمة وترتيب الأثار، فلسنا مطالبين بالصحة الواقعية بما هي هي لأنه ليس لدينا علم بها، بل نحن مطالبون بأن نأتي بعمل صحيح بحسب ما هو منجز علينا، وأما الزائد على ذلك فنحن معذورون إما للحرج أو للجهل او النسيان او ما شاكل وقد عذرنا الشارع فيه. فنحن مطالبين بتفريغ ذمتنا بحسب الصحة الظاهرية والاجزاء الظاهري وبحسب نفي العقوبة الظاهرية.
فإذن لاحظوا حلحلة الاشكال من هذه الجهة فالإشكال فرض أن الصحة والاجزاء بلحاظ اللازم الواقعي، ولكن نحن وراء الغاية والنتيجة في الفقه والفقيه وراء الصحة بالمعنى العام وليس الصحة بالمعنى الخاص.
فهذا الوجه الثاني من جهة التساؤل القديم والتساؤل الجديد.
هذا تمام الكلام في هذين الجوابين.
هذان الجوابان بحسب القواعد العذرية تغنينا عن قاعدة الميسور او عن وجوه اخرى لأن هذه القاعدة بموارد الحرج فقط ونحن بهذين الوجهين تمت لدينا قاعدة الميسور وفي قاعدة لا حرج سواء كانت بلسان ما جعل عليكم في الدين من حرج او بلسان رفع ما لا يطيقون وقد بحثنا قاعدة الميسور من زاوية المحمول فقط، أصلا أحد أدلة الحرج هي قاعدة الميسور.
وهذه نكتة أخرة أننا نستطيع ان نقول إن الروايات المرسلة أحدها نبوية واثنتان علويتان هذه الروايات الثلاث في قاعدة الميسور هي عبارة عن لسان رابع او خامس عن قاعدة الحرج، وقد مر بنا أن حديث الرفع فيه قواعد ست ولكل قاعدة من القواعد الست لها ألسن عديدة تخادع حتى الكبار من فحول الفقه.
وقاعدة الحرج لها ألسن عديدة مثل بعثت بالشريعة السمحة البيضاء ومثل يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ورفع ما لا يطيقون ... وهكذا.
ومن ألسن قاعدة الحرج الميسور لا يسقط بالمعسور فهي ليس قاعدة مباينة عن قاعدة الحرج بل هي نفسها، وقد تبين مما مر بنا الآن من الوجهان وهما مبنى مشهور القدماء ان هذا عوض عن قاعدة الميسور لا يسقط بالمعسور، فهذا بيان.
وبيان آخر أن نفس قاعدة الميسور لا يسقط بالمعسور هي لسان أخر من لسان قاعدة الحرج فكيف تكون مراسيل بل هي مجبورة غاية الأمر القواعد العذرية جملة من ألسنتها نفي وجملة من ألسنتها إثبات سواء في البراءة او غيرها من القواعد الست التي مرت بنا والمذكورة في حديث الرفع لها ألسن متعددة ومن تنوع ألسنتها أن كثير منها نافي وبعض من ألسنها مثبت، مثلا في البراءة وهي رفع ما لا يعلمون وكل شيء مطلق حتى يرد فيه نفي وكل شيء لك حلال حتى تعلم انه حرام، مثلا قاعدة لا ضرر ولا ضرار من السنتها رفع ما اضطروا اليه ومن ألسنتها كل شيء اضطر له ابن أدم فقد أحله الله، وفي الحرج أيضا كذلك يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر و بعثت بالشريعة السمحة البيضاء فهو لسان مثبت.
فتبين أن قاعدة الميسور محمولا لدينا لها بديل وموضوعا مجبورة بل هي نفس رفع ما لا يطيقون.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo