< قائمة الدروس

بحث الأصول آيةالله السيد محمود الهاشمي‌الشاهرودي

32/10/28

بسم الله الرحمن الرحیم

ذكرنا أَنَّهُ لا بد من فرض أن دليل الأمر الاِضْطِرَارِيّ شامل للمضطرّ فِي أول الوقت وأنه يجوز له الْبِدَار إلى الوظيفة الاِضْطِرَارِيّةِ.

ويتفرع هذا الفرض بِالنِّسْبَةِ إلى دليل الأمر الاِخْتِيَارِيّ إلى فرعين:

الفرع الأوّل: أَنْ يَكُونَ دليل الأمر الاِخْتِيَارِيّ أَيْضاً مطلقاً يشمل المُكَلَّف المضطر الَّذي أتى بالوظيفة الاِضْطِرَارِيّة فِي أوَّل الوقت.

الفرع الثَّانِي: أَنْ لاَّ يَكُونَ لدليل الأمر الاِخْتِيَارِيّ (أي: دليل القيد المتعذر) إطلاق، بِأَنْ يَّكُونَ من سنخ الإجماع أو دليل لبي آخر، وَالَّذِي القَدْر المتيَقَّن منه الْجُزْئِيَّة أو الشَّرْطِيَّة بِالنِّسْبَةِ إلى من لم يأت بالوظيفة الاِضْطِرَارِيّة فِي أوَّل الوقت، أو لم يتعذر له ذلك القيد فِي تمام الوقت.

     أَمَّا الفرع الثَّانِي (مثل القيود الَّتي تثبت قيديّتها بالإجماعات والأدلة اللُّبِّيَّة، أو إذا كان دليلها لفظيّاً مُجْمَلاً وفاقداً للإطلاق، كالطمأنينة فِي الصَّلاة حيث يقولون بأن دليله الإجماعُ) فاللازم فِي هذا الفرع أن نلاحظ دليل الأمر بأصل المركب (كالصَّلاة) فإذا كان مطلقاً نَتَمَسَّكُ بإطلاقه وننفي به الْقَيْدِيَّةَ عن ذاك القيد للصَّلاة الَّتي أتى بها المُكَلَّف فِي حال الاضطرار، فيثبت من البداية أن المأمور به الأَوَّلِيَّ هو الجامع بين الصَّلاة مع الطمأنينة أو الصَّلاة مِنْ دُونِ طمأنينة فِي حال الاضطرار؛ ؛ لأَنَّهُ لولا الإجماع الْمُقَيِّد لإطلاق الأمر بالمركب كنّا نَنفي أصلَ شرْطِيَّة الطمأنينة، ولٰكِنَّهُ قد قُيِّد ذلك بالإجماع، ولكن هذا القيد إِنَّمَا هو بمقدار ثبوت الإجماع، لا أكثر، والمفروض أن القَدْر المتيَقَّن من الإجماع هو الشَّرْطِيَّة فِي حال الاختيار، لا الاضطرار. فتكون الصلاة بلا طمأنينة فِي حال الاضطرار مشمولاً لإطلاق الأمر بالصلاة، فيثبت الإجزاء بالملاك الأوّل هنا بإطلاق الأمر بالمركّب.

وأمّا إذا لم يكن الأمر بالمركَّب مطلقاً، كما إذا كان مثل الدَّلِيل المقيِّد متّصلاً به أو كان مُجْمَلاً فِي نفسه، فَسَوْفَ يكون المرجع هو الأصل الْعَمَلِيُّ بِالنِّسْبَةِ للأمر بِالْمُرَكَّبِ؛ ؛ لأَنَّهُ سوف يُشَكُّ فِي ذلك وهذا ما سنتناوله بالتفصيل فِي مُقْتَضَى الأَصْلِ الْعَمَلِيِّ.

وَأَمَّا الفرع الأَوَّل وهو المُهِمّ بِأَنْ يَّكُونَ لكلا الأَمْرَيْنِ (1- الاِضْطِرَارِيّ فِي أوَّل الوقت و2-الاِخْتِيَارِيّ بعد ارتفاع العذر) إطلاقٌ، مثل إطلاق آية الوضوء لوجوب الوضوء لمن يجد الماء داخلَ الوقت ويكون قادراً عَلَىٰ الوضوء والطهور المائي، حيث أن ظاهر الآية أن الوضوء واجب عَلَىٰ كل من يستطيع أن يأتي بالواجب (وهو الصَّلاة) داخل الوقت (من بداية الوقت إلى نهايته)، وتشمل الآية بإطلاقها مَن لم يجد الماءَ فِي أوَّل الوقت وبادر إلى الصَّلاة فِي أوَّل الوقت متيمماً. أي: أساس الفرع الأوّل بِأَنْ يَّكُونَ الأمر الاِخْتِيَارِيّ (أي: دليل قَيْدِيَّة ذاك القيد المتعذر) مطلقاً.

وهنا يبحث عن كون إطلاق الأمر الاِضْطِرَارِيّ رَافِعاً لإطلاق الأمر الاِضْطِرَارِيّ بعد ارتفاع العذر أم لا؟ وهذا متوقّف عَلَىٰ إثباته بأن نستفيد من دليل الاضطرار تلك الصُّورَة الَّتي يتمخض عنها الإجزاءُ وتنتجُ سقوطَ الأمر الاِخْتِيَارِيّ. وقد اختلفت آراء الأُصُولِيِّينَ وذكروا وجوهاً لاستفادة الإجزاء أكثرها إِثْبَاتِيَّة واستظهارية، إلا أن مدرسة الميرزا ذكرت وجهاً ثُبُوتِيّاً وَعَقْلِيّاً واحداً، ندرسه قبل الخوض فِي الوجوه الاستظهارية:

1- الوجه الأوّل (وهو الوجه الثُّبوتيّ للإجزاء): ويستفاد الإجزاء فِي هذا الوجه من مطلب عقلي حيث قالوا: لا يمكن أن يكون كلا الأَمْرَيْنِ (الاِضْطِرَارِيّ والاِخْتِيَارِيّ) فعليّينِ. أي: أَنْ يَكُونَ الأمر الْمُوَسَّع الأوّل الْمُتَعَلِّق بالوظيفة الاِضْطِرَارِيّة فعليّاً إلى جانب فِعْلِيَّة الأمر الْمُعَيَّن فِي آخر الوقت بالوظيفة الاِخْتِيَارِيّة بعد ارتفاع العذر؛ لأَنَّ معنى ذلك أن يتوجه إلى المُكَلَّف أمر تخييريّ بالصَّلاة متيمماً فِي أوَّل الوقت ومع الصلاة متوضئاً في آخِره، أو وجوب الصَّلاة عليه تعييناً متوضّئاً بعد ارتفاع العذر؛ وهذا من التَّخْيِير بين الأَقَلّ والأكثر وهو مستحيل. أي: يستحيل عدم الإجزاء؛ لأَنَّهُ يَسْتَلْزِم التَّخْيِير بين الأَقَلّ والأكثر وهو لغو ومحال.

وقد تقدّم فِي بحث تبديل الامتثال أن التَّخْيِير بين الأَقَلّ والأكثر لَيْسَ معقولاً: إمّا بلحاظ سقوط الأمر بمجرّد امتثال الأَقَلّ، فلا يقع الزائد والأكثر وَاجِباً، وإما لأَنَّ الإتيان بالأكثر لا يَتُِمّ مِنْ دُونِ الإتيان بالأقل، فيكون معناه أن ذات الأقل مأمور بأمر ضمني عَلَىٰ كُلّ حال، وهناك أمر ضمني آخر بالجامع بين ترك الزائد أو الإتيان به، وهذا أمر بالإتيان بأحد النقيضين وهو لغو محض؛ لأَنَّ النقيضين لا يرتفعان ولا يجتمعان، فيكون الجامع بينهما ضَرُورِيّاً.

فإذا استحال التخيير بين الأقل والأكثر استحال فِعْلِيَّة كلا الأمرين والإطلاقين لدليلي الاضطرار فِي أول الوقت والاختيار فِي آخر الوقت، إلا بنحو التخيير بين المتباينين وهو مساوق مع الإجزاء.

هذا حاصل الوجه الأوّل الثُّبوتيّ لاستفادة الإجزاء من الأوامر الاِضْطِرَارِيّة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo