< قائمة الدروس

بحث الأصول آيةالله السيد محمود الهاشمي‌الشاهرودي

32/11/04

بسم الله الرحمن الرحیم

كانَ الكلام فِي المسلك العَقْلِيّ والثبوتي للإجزاء، فقلنا إن لازم الصُّورَة الرَّابعة هو التَّخْيِير بين الأَقَلّ والأكثر، وهذا يعني أَنَّهُ كان بإمكانه من أن يأتي بالاختياري فِي آخر الوقت، أو أن يأتي بالاضطراري فِي أوَّل الوقت ويأتي فِي آخر الوقت بالاضطراري أيضاً، والتخيير بين الأَقَلّ والأكثر محال، وبالتَّالي تصحّ الوجوه الثَّلاثة الأولى المقتضية للإجزاء.

إِشْكَالاَت سَيِّدنَا الأُسْتَاذ الشَّهِيد &:

1- يمكن أن يكون لدينا أَمْرَانِ تعلّق أحدهما بالجامع بين الاضطراري والاختياري والآخر تعلّق بفرد من ذاك الجامع، ونتيجته عدم الإجزاء؛ لأَنَّ بإمكانه الإتيان بالفرد فِي آخر الوقت ليكون قد امتثل الجامع والفرد أيضاً، ويمكنه أن يأتي بالاضطراري مع ضرورة امتثال الأمر بالفرد فِي آخر الوقت. إذن، فهناك صورة ثبوتيّة أخرى ليست بمستحيلة، لتكون النَّتِيجَة عدم الإجزاء.

2- الإشكال الثَّانِي إِثْبَاتِيّ، فيقول سَيِّدنَا الأُسْتَاذ الشَّهِيد &: لنفترض أَنَّهُ يَسْتَلْزِم التَّخْيِير بين الأَقَلّ والأكثر ولا وجه آخر له، والتخيير بين الأَقَلّ والأكثر مستحيل، وحينئِذٍ لدينا إطلاقان: أحدهما إطلاق دليل الأمر الاضطراري لمن يرتفع عذره فِي آخر الوقت، والآخر إطلاق الأمر الاختياري لمن يقدر عَلَىٰ الصَّلاة بالوضوء بين الزَّوال والغروب. وليس الأمر مُتَعَلَّقاً بالصَّلاة فِي أوَّل الوقت، وهذان إطلاقان لم يرد أي منهما فِي خصوص هذا المورد، بل إن كليهما إطلاقان لدليل الأمر. فإذا كان الأمر الاضطراري خاصّاً بهذا المجال، لكنَّا نقول بمقولتكم بأَنَّهُ يرفَع اليدَ عن إطلاق الأمر الاختياري، فكان يثبت الإجزاء. ولكن بما أن دليل الأمر الاضطراري لم يرد فِي هذا المجال، والموجود هو الإِطْلاَق، والقَدْر المتيَقَّن للأمر الاضطراري إِنَّمَا هو فِيما إذا كان العذر باقياً إلى آخر الوقت، وفي الواقع أن لدليلِ الأمر الاضطراري وكذلك الأمر الاختياري موردين ومجالين:

1- أحد مجالي الأمر الاضطراري هو الاضطرار فِي تمام الوقت.

2- والآخر من لديه الاضطرار فِي أوَّل الوقت، ثم يرتفع اضطراره أثناء الوقت. والقَدْر المتيَقَّن هو القسم المورد الأوّل، ولكن مع الإِطْلاَق يشمل المورد الثَّانِي، أي: يشمل جواز البِدار أيضاً. وكذلك الأمر الاختياري، فإن القَدْر المتيَقَّن فيه ما إذا لم يأت بالأمر الاضطراري فِي أوَّل الوقت، أو ما اضطر أساساً، ويشمل إطلاقه من كان لديه عذر فِي أوَّل الوقت وصلّى مع العذر والأمر الاضطراري، ثم وجد الماء.

إذن، يوجد لدينا إطلاقان: أحدهما إطلاق الأمر الاضطراري حتّى لمن يرتفع اضطراره فِي آخر الوقت، والآخر إطلاق الأمر الاختياري حتّى لمن امتثل الأمر الاضطراري فِي أوَّل الوقت، ثم ارتفع عذره. وفي الواقع إِنَّنّا استفدنا جوازَ البِدار من إطلاق الأمر الاضطراري، لا من أصل الأمر الاضطراري، ولا يمكن الأخذ بهذين الإطلاقين معاً؛ لاستلزامه التَّخْيِير بين الأَقَلّ والأكثر الَّذي هو مستحيل. وعليه، فلا يمكن أن يكون كلا الإطلاقين حجّة. وحينئِذٍ لماذا تقدمون دليل الأمر الاضطراري، بدل التَّمسُّك بإطلاق الأمر الاختياري والقول بعدم وجود أمر اضطراري فِي المقام، لتكون النَّتِيجَة نفي الإجزاء؟!

إذن، لطالما أن الأخذ بكلا الإطلاقين مستحيل ثبوتاً، لَيْسَ لازمه الأخذ بإطلاق الأمر الاضطراري والقول بالإجزاء. أجل، إذا كان لدينا دليل خاصّ لجواز البِدار، وكان يصّرح بأَنَّهُ: >يجوز البِدار< وأن للفعل الاضطراري أمرٌ، فكان يصبح أكثر من الإِطْلاَق، وكان يحظى بالتصريح والتنصيص، فَيَكُونُ مخصصاً لا محالة لإطلاق الأمر الاضطراري، وأن نقيده بالأمر الاختياري. كما إذا ورد دليل يصرح بأن الأمر الاختياري ثابت وتجب الإعادة، ففي هذه الحالة يجب أن نضع إطلاق الدَّلِيل الاضطراري جانباً ونقيده. فعلينا أن نجري قواعد باب التعارض فِي المقام، ونأخذ بما يتمخض عنها، والقاعدة فيه التعارض والتساقط، لا أن يثبت الإجزاء مطلقاً.

أصل هذا الإشكال صحيح، ولكن مدرسة الميرزا قد تذهب إلى الإجزاء؛ إمّا لقيام دليل خاصّ عَلَىٰ جواز البِدار، وإما أَنَّهُ قد أراد بأن مُقْتَضَى الأَصْلِ الْعَمَلِيِّ هو الإجزاء وذلك بعد سقوط الإطلاقين. وفي الواقع أراد أن يذكر نتيجة الإجزاء بناء عَلَىٰ ما سيأتي فِي مُقْتَضَى الأَصْلِ الْعَمَلِيِّ من البراءة عن وجوب الإعادة.

3- الإشكال الثَّالث يتميز بأهمية أكبر كما أَنَّهُ إِشْكَال مبنائي، وإن كان سَيِّدنَا الأُسْتَاذ الشَّهِيد & لا يقبل ذاك المبنى. وحاصله أن ما قيل من عدم معقولية التَّخْيِير بين الأَقَلّ والأكثر، إِنَّمَا هو لدى السيد الخوئي ولعلّ الميرزا معه أيضاً، إِنَّمَا هو فِي ما إذا كان الأَقَلّ اللابشرط طرفاً وَعِدْلاً للأمر التَّخْيِيرِيّ بالأقل والأكثر، لا الأَقَلّ بشرط لا عن الأكثر. أي: أَنَّهُ يفصّل ويقول: إذا كان الأمر التَّخْيِيرِيّ متعلّقاً بذات الأَقَلّ اللابشرط عن الزيادة، مثل ذات تسبيحة من التسبيحات الأربعة، أو عدّة تسبيحات، أي: تسبيحة واحدة لا بشرط الزيادة. ففي هذه الصُّورَة يستحيل التَّخْيِير بين الأَقَلّ والأكثر؛ لأَنَّ الأمر يسقط بمجرّد تحقّق ذات الأَقَلّ، فلم يعد يَتَعَلَّقُ أمرٌ بالزيادة والأكثر، حتّى يطلب امتثاله. إذن فلا يكون مَأْمُوراً به.

وأمّا إذا كان التَّخْيِير بين الأَقَلّ بقيد الأَقَلّ وبشرط >لا< عن الزيادة، أي: إن الأمر التَّخْيِيرِيّ قد تعلّق بتسبيحة واحدة بشرط عدم الزيادة، أو أكثر والأقل بشرط الوحدة وعدم الزيادة يكون طرفاً لِلتَّخْيِيرِ، فلا إِشْكَال فِي هذا النَّوْع من التَّخْيِير بين الأَقَلّ والأكثر، ولا يوجد فيه ذاك المحذور العَقْلِيّ وهو معقول عندهم؛ لأَنَّ الأَقَلّ بشرط >لا< عن الزيادة ومع قيد الوحدة يصبح متبايناً مع الأكثر؛ لأَنَّ الأَقَلّ بشرط >لا< لا يجتمع مع الزيادة. وَالَّذِي أتى بالزيادة لم يأت بالأقل بشرط الوحدة. فيصبحان بالدِّقَّة متباينين معاً، ولا يسقط الأمر تخييري به حتّى يقال: الأكثر لا أمر له، ولا يَتُِمّ امتثال الأمر به؛ فإِنَّهُ فِي الواقع تخيير بين المتباينين وَالَّذِي لا يستشكل أحد فِي جوازه.

يقول سَيِّدنَا الأُسْتَاذ الشَّهِيد &: وَفقاً لمبناهما (حيث قالا بهذا التَّفْصِيل) يجب أن يذهبا هنا إلى جواز التَّخْيِير بين الوظيفة الاختيارية فِي آخر الوقت أو الوظيفة الاضطرارية فِي أوَّل الوقت والاختيارية فِي آخر الوقت؛ لأَنَّ واقع التَّخْيِير هنا هو التَّخْيِير بين الأَقَلّ بشرط >لا<. أي: يَسْتَلْزِم عدمُ الإجزاء التخييرَ بين الأَقَلّ بشرط >لا<، وهو الإتيان بالمأمور به الاختياري آخر الوقت وحده. والواقع أن عَلَىٰ المُكَلَّف إما أن يأتي بالوظيفة الاضطرارية والاختيارية معاً وإما أن لا يقوم بالوظيفة الاضطرارية ويبقى منتظراً وفقط يأتي بالوظيفة الاختيارية فِي آخر الوقت. إذن، إن عِدل الأكثر هو الوظيفة الاختيارية لوحدها، وَالَّتِي هي نفس الأَقَلّ بشرط >لا< عن الأكثر، وهذا من التَّخْيِير بين المتباينين.

وبعبارة أخرى: حَيْث أَنَّ الوظيفة الاضطرارية الَّتي هي الزيادة في ما نحن فيه متوفرة قبل الوظيفة الاختيارية، فلا يسقط الأمر التَّخْيِيرِيّ بالأقل فيقع الأكثر امتثالاً له، فعلى المُكَلَّف إما أن يأتي بالفعل الاختياري فِي آخر الوقت مِنْ دُونِ الأمر الاضطراري، وإما أن يأتي بكليهما. وهذا تخيير بين المتباينين، وهو لَيْسَ بمستحيل وَفقاً لمبناهما. فلم يَتُِمّ الوجه الثُّبوتيّ المذكور.

ثم يردف سَيِّدنَا الأُسْتَاذ الشَّهِيد & كلامه قائلاً: نحن لا نؤمن بهذا التَّفْصِيل فِي ذاك البحث، وقلنا: كما أَنَّهُ يستحيل التَّخْيِير بين الأَقَلّ اللابشرط والأكثر، كذلك يستحيل التَّخْيِير بين الأَقَلّ بشرط >لا< والأكثر؛ لأَنَّهُ وإن كان بالدِّقَّة تخييراً بين المتباينين ولكن هذا التَّخْيِير غير معقول أيضاً، لنكتة أخرى هي أَنَّهُ يَسْتَلْزِم من التَّخْيِير المذكور أمرٌ ضمني مخيّر بقيد >بشرط لا عن الزيادة< و>بشرط الزيادة<. وهذا أمر ضمني تخييري بأحد النقيضين، والتخيير بأحد النقيضين لغو ومحال؛ لأَنَّ أحد النقيضين ضروري التَّحقُّق، فهذا النَّوْع من التَّخْيِير بين الأَقَلّ والأكثر مستحيل أيضاً.

وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى: إِن استحالة التَّخْيِير بين الأَقَلّ والأكثر له وجهان، يأتي الوجه الثَّانِي منهما فِي فرض التَّخْيِير بين الأَقَلّ بشرط >لا< والأكثر أيضاً. والوجه هو أن يَسْتَلْزِم أمراً ضمنيّاً تَخْيِيرِيّاً بأحد النقيضين، والأمر التَّخْيِيرِيّ بأحد النقيضين لغو، فكأنه يقول: >إن العمل الفلاني واجب عليك القيام به أو عدم القيام به< وجعل هكذا أمر لغو ومستحيل.

إذن، إن مبنى سَيِّدنَا الأُسْتَاذ الشَّهِيد & القائل باستحالة التَّخْيِير بين الأَقَلّ والأكثر، موجود هنا أيضاً، ولكن وَفقاً لمبنى الميرزا & القائل بالتخيير بين الأَقَلّ بشرط >لا< والأكثر، يجب أن يقول هنا بالإمكان، وسوف يبطل الوجه الثُّبوتيّ الَّذي ذكره للإجزاء؛ لأَنَّ عدم الإجزاء لا يَسْتَلْزِم التخييرَ الَّذي هما يقولان باستحالته، بل يَسْتَلْزِم التَّخْيِير الَّذي هو بالدِّقَّة تخيير بين المتباينين وَالَّذِي هو ممكن لديهما.

طبعاً، نحن ارتأينا سابقاً أن التَّخْيِير بين الأَقَلّ والأكثر جائز حتّى إذا كان بين ذات الأَقَلّ والأكثر، ناهيك عن التَّخْيِير بين الأَقَلّ بشرط >لا< عن الزيادة والأكثر، وَالَّذِي ذكرنا تفصيله فِي مكانٍ ما، فليُرجع إلى هناك. وعليه، فإن أساس هذا الوجه الثُّبوتيّ للإجزاء لَيْسَ صحيحاً.

1237 كلمة

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo