< قائمة الدروس

بحث الأصول آيةالله السيد محمود الهاشمي‌الشاهرودي

32/11/25

بسم الله الرحمن الرحیم

كانَ الكلامُ فِي إجزاء الفعل الاِضْطِرَارِيّ عن وجوب القضاء لمن استوعب عذرُه كُلَّ الوقت واستمر إلى آخر الوقت، وامتثل الفعل الاِضْطِرَارِيّ داخل الوقت ثم ارتفع اضطراره بعد الوقت. وهنا توجد ثلاثة بحوث:

البحث الأوّل: هل أن دليل الأمر بالقضاء له إطلاق فِي المقام أو لا؟ وقد تقدّم الحديث عنه.

البحث الثَّانِي: فِي استفادة الإجزاء من أدلّة الأوامر الاِضْطِرَارِيّة بِالنِّسْبَةِ للقضاء. أي: استفادة نفي وجوب القضاء عَلَىٰ المُكَلَّف الَّذي استمر اضطرارُه إلى آخر الوقت، وقد امتثل الوظيفة الاِضْطِرَارِيّة.

والآن نريد أن نرى هل يمكننا أن نستفيد الإجزاءَ من الأمر الاِضْطِرَارِيّ فِي داخل الوقت وننفي وجوب القضاء أم لا؟ وهذا البحث مُبْتَنٍ عَلَىٰ دراسة الوجوه الْعَقْلِيَّة أو الاستظهارية المذكورة فِي المسألة السَّابِقَة، حتّى نرى أي وجه من تلك الوجوه يمكن لحاظه هنا أَيْضاً، وأيّ وجه لا يبت بصلة إلى ما نحن فيه.

الوجه الأوّل: وهو ما ذكره السَّيِّدُ الأُسْتَاذُ الْخُوئِيُّ & وهو وجه عقلي كان يستفيد منه الإجزاءَ بالملازمة، وكان عبارة عن التَّخْيِير بين الأَقَلّ والأكثر في فرض عدم الإجزاء وكان يقول باستحالته.

ولا يَتُِمّ هذا الوجه فِي المقام؛ لأَنَّ الأمر الاِضْطِرَارِيّ تعييني وليس تَخْيِيرِيّاً لمن استوعب عذرُه تمامَ الوقت، وبناء عَلَىٰ عدم الإجزاء فِي المقام يصبح الفعل الاِضْطِرَارِيّ واجباً تَعْيِينِيّاً أيضاً، وكذلك الفعل الاِخْتِيَارِيّ يصبح واجباً تَعْيِينِيّاً بعنوان القضاء خارج الوقت، ولا يلزم منه التَّخْيِير بين الأَقَلّ والأكثر. إذن، لا يَتُِمّ ذاك الوجه العَقْلِيّ والبرهاني فِي ما نحن فيه.

الوجه الثَّانِي: وهو ما ذكره الميرزا النائيني حيث قال: لا يجب عَلَىٰ المُكَلَّف فِي وقت واحد واجبان وفريضتان، فإذا كان الفعل الاِضْطِرَارِيّ بناء عَلَىٰ جواز البِدار واجباً فِي أوَّل الوقت ويصبح الفعل الاِخْتِيَارِيّ بعد رفع العذر واجباً أيضاً، يكون معناه وجوب فريضتين عَلَىٰ المُكَلَّف فِي وقت واحد، وهو خلاف المسلم الفقهيّ. إذن، لا يجب الفعل الاِخْتِيَارِيّ مع فرض جواز البِدار.

دراسة الوجه: إن تَمَامِيَّة هذا الوجه متوقّفة عَلَىٰ أن نرى هل أن الإجماع والتسالم الفقهيّ قائم عَلَىٰ تعدّد الفرائض بنحو يكون أداء الوظيفة الاِضْطِرَارِيّة واجبة فِي الوقت إلى جانب وجوب قضاءً الاِخْتِيَارِيّ خارج الوقت؟ بحيث إن قال قائل بأن ذاك التسالم والإجماع الفقهيّ ينفي ذاك التَّعدُّد للفريضة ولو بنحو الأداء والقضاء خارجَ الوقت، فحينئذٍ يَتُِمّ الوجه فِي المقام، ولكن إن احتملنا وجود فرق بين الأداء والقضاء فَسَوْفَ لا يَتُِمّ الوجه فِي المقام.

الوجه الثَّالث: وهو استفادة إطلاق التنزيل من الأوامر الاِضْطِرَارِيّة الَّذي كان يجعل الوظيفة الاِضْطِرَارِيّة بدلاً عن الاِخْتِيَارِيّة، ويجعلها نازلةً منزلة المبدل. فيقال: إن إطلاق التنزيل والْبَدَلِيَّة يقتضي التنزيل فِي جميع مبادئ الحكم والملاكات أيضاً. فإن تَمَّ هذا الوجه يَتُِمّ فِي المقام أيضاً.

وكذلك الوجه الآخر الَّذي كان عبارة عن الإِطْلاَق المَقَامِيّ حيث كان يقال فيه: إن السُّؤَال والجواب ظاهران فِي بيان تمام الوظيفة، فإذا كان التمام فيجري فِي المقام. أي: إذا كان السؤال عن الإمام × وجوابه ظاهرين فِي أن الإمام × فِي مقام بيان تمام الوظيفة ولا يكون ظاهراً فِي نفي الوظيفة الأخرى، فهذا الإِطْلاَق كما أَنَّهُ ينفي الإعادة داخل الوقت كذلك ينفي وجوب القضاء فِي خارج الوقت؛ لأَنَّ القضاء يعتبر بطريقة مّا وظيفةً مرتبطةً بالفريضة نفسها.

وكذلك يجري فِي المقام الوجهُ الاستظهاري الآخر الَّذي كان مستفاداً من أدلّة جعل الْبَدَلِيَّة والتوسعة والشرطية والجزئية، وَالَّذِي يثبت تحقّق ذاك الشَّرْط أو الجزء الْمُوَسَّع.

ولكن لا يَتُِمّ الوجهان المذكوران مِن قِبَلِ المُحَقِّق الْعِرَاقِيّ &؛ لوجود مشكلتين فيهما:

الأولى: أنهما ذُكرا للإجزاء بملاك التفويت وعدم إمكانية تدارك الملاك.

والثانية: أنهما كانا مبتنيان عَلَىٰ تعارض بين ظهورين تَعْيِينِيَّيْنِ فِي الأمر الاِخْتِيَارِيّ والأمر الاِضْطِرَارِيّ؛ لأَنَّهُ لا يوجد لدينا واجبان تعيينيان داخل الوقت، فكان الوجهان يقولان: إن لم يجد الإجزاء يجب أن يكون أخذ الْخُصُوصِيَّة للفعل الاِضْطِرَارِيّ خاصّة فِي مُتَعَلَّق الأمر لغواً، ويجب أني حمل عَلَىٰ التَّخْيِير، وهذا خلاف الظَّاهِر، ومن هنا كان يحمله عَلَىٰ التَّرْخِيص التَّعْيِينِيّ لرفع الحظر العَقْلِيّ، أو كان يجعله معارضاً للظهور فِي تَعْيِينِيَّة الأمر بالفعل الاِخْتِيَارِيّ، وكان يأخذ بمدلوله الاِلْتِزَامِيّ، ولكن لا يَتُِمّ شيء من ذينك الوجهين فِي المقام؛ لأَنَّ كلا من الأَمْرَيْنِ >الاِضْطِرَارِيّ الأدائي داخل الوقت< و>الاِخْتِيَارِيّ القضائي خارج الوقت< تعييني، ولا يوجد تعارض فِي المقام بناء عَلَىٰ عدم الإجزاء.

وهكذا تَتُِمّ الوجوهُ الاِسْتِظْهَارِيَّةُ الأخرى المذكورة فِي بحث الإجزاء عن الإعادة وتجري فِي ما نحن فيه، بل إن إجزاء الوظيفة الاِضْطِرَارِيّة عن القضاء أولى من الإجزاء عن الأداء، ونذكر نكات هذه الأَوْلَوِيَّة وفق التسلسل الآتي:

     الميزة الأولى: هي ما تقدّم ذكره من أن الأَدِلَّة الاِضْطِرَارِيّة عَلَىٰ ثلاثة أنواع:

     النَّوْع الأوّل: الأمر الاِضْطِرَارِيّ الَّذي يُجعل جعلاً بَدَلِيّاً مثل أدلّة التَّيَمُّم والجبيرة.

     النَّوْع الثَّانِي: الأوامر الاِضْطِرَارِيّة الثَّابِتَة بأدلة >لا حرج< و>لا ضرر< و>الميسور< مع ضمّ دليل عدم سقوط أصل الفريضة وبقاء المقدار المُتَبَقَّىٰ (أي: المركب الناقص) عَلَىٰ وجوبه. كالصَّلاة عن جلوس للعاجز عن الصَّلاة قَائِماً. أي: نتمسك بقاعدة الميسور أو نجمع بين أدلة >لا ضرر< و>لا حرج< و>الاضطرار< وبين دليل >الصَّلاة لا تسقط بحال<.

     النَّوْع الثَّالث: أدلّة التقية الَّتي كانت تأمر بالصَّلاة أو بالوضوء وَفقاً لرأي العامة، وقد تقدّمت استفادة الإجزاء من أدلّة الْبَدَلِيَّة والتقية وَالَّتِي هي تمام الوظيفة، بينما لا يُستفاد جواز البِدار (أي: إطلاق الأمر الاِضْطِرَارِيّ فِي أوَّل الوقت) من أدلّة >لا حرج< و>لا ضرر< أو >قاعدة الميسور<؛ لأَنَّ موضوعها هو كون المأمور به الأولي معسوراً وحرجيّاً أو ضرريّاً أو اضطرارياً، وهو مختص بما إذا كان المُكَلَّف معذوراً إلى آخر الوقت، فإذا أصبح قادراً داخل الوقت وارتفع عذره، فَحَيْثُ أَنَّ المأمور به الأولي هو جامع الصَّلاة بين الحدين فَيَكُونُ ميسوراً، وأساساً ليس معسوراً. إذن، لا يثبت جواز البِدار من مثل هذه الأَدِلَّة، لكي يصل الدّور إلى البحث عن إجزائها، وهذا الكلام غير تامّ فِي المقام. أي: إن المأمور به غير مقدور أو متعسر فِي فرض استمرار العذر وقاعدة الميسور أو أدلّة نفي الاضطرار والحرج والضرر بالانضمام إلى >الصَّلاة لا تسقط بحال< تُثبت الأمرَ بالمقدار المُتَبَقَّىٰ، وحيث أن المُتَبَقَّىٰ هو المأمور به الأوّلي والفريضة، يقتضي الإجزاء أيضاً، ولم يَتُِمّ هذا الكلام هناك، ولذلك هذه الأنواع الثَّلاثة من أدلّة الاضطرار تثبت الإجزاءَ فِي المقام.

     الميزة الثَّانية: هي أن الإِطْلاَق المَقَامِيّ الَّذي قلنا إن الظَّاهِر من السُّؤَال والجواب أَنَّهُما فِي مقام بيان تمام الوظيفة أقوى هنا؛ لأَنَّهُ قد يقول قائل هناك: إن أدلّة جواز البِدار لا تنفي وجوب الإعادة الَّذي قد يبتلى به المُكَلَّف أثناء الوقت؛ أن ارتفاع عذر المُكَلَّف أثناء الوقت لَيْسَ دائماً أو غالباً، خلافاً لما نحن فيه؛ فَإِنَّه كل مضطر داخل الوقت يرتفع اضطراره بعد الوقت عادةً، وفرض الاضطرار إلى آخر العمر فرض مستبعد. فإذا كانت وظيفة المُكَلَّف هو القضاء الْفِعْلِيّ الاِخْتِيَارِيّ، كان ينبغي أن يذكره الإمام ×؛ لأَنَّ غالبَ الْمُكَلَّفينَ غير ملتفتين إلى ذلك وعَلَىٰ الشَّارعِ أن يذكّرهم به. إذن، الإِطْلاَق المَقَامِيّ المذكور هو الأوضح فِي المقام.

     الميزة الثَّالثة: أن الأمر الاِضْطِرَارِيّ فِي المقام أمر تعييني وليس تَخْيِيرِيّاً، بينما هناك كان تَخْيِيرِيّاً وكان البِدار جائزاً ولم يكن واجباً، ومن هنا وبناء عَلَىٰ عدم الإجزاء كان يمكن أن يكون الواجبُ أمراً واحداً وفريضة واحدة، فكان هو التَّخْيِير بين الأَقَلّ والأكثر. ولكن هنا وجوب الفعل الاِضْطِرَارِيّ وجوبٌ تعييني، ولا يحتمل التَّخْيِير بين الأقلّ والأكثر بناء عَلَىٰ عدم الإجزاء، ولازمه تعدّد الأمر وثبوت واجبين تعيينين عَلَىٰ الْمُكَلَّف، فبناء عَلَىٰ وحدة الفريضة والواجب، يثبت الإجزاء ويُنفى وجوبُ القضاء.

     الميزة الرَّابعة: هي أن أدلّة الأوامر الاِضْطِرَارِيّة فِي العذر المستوعِب أَخَصّ من إطلاق الأمر بالقضاء، خلافاً لأدلة الأوامر الاِضْطِرَارِيّة فِي العذر غير المستوعِب بِالنِّسْبَةِ إلى إطلاق الأمر بالإعادة، حَيْث أَنَّ كليهما إطلاق ولكنهما عامان من وجه؛ لأَنَّ مورد الأوامر الاِضْطِرَارِيّة والقَدْر المتيَقَّن لها هو العذر المستوعِب، فإن لم يكن ثبوت الفريضتين (أحدهما الأداء والأخرى القضاء) ممكناً (لأي سبب من الأسباب) فِي وقت واحد وتشكل تعارض بينهما، سوف يُقدَّم دليل الأمر الاِضْطِرَارِيّ من باب التخصيص ونفي القضاء ويُثبت الإجزاءُ، بينما هناك كان يتعارض الإطلاقانِ ويتساقطان ولم يكن يثبت الإجزاء إلا بالرجوع إلى الأُصُول العمليّة.

     الميزة الخامسة: أنَّ إطلاق الأمر بالقضاء غير ثابت فِي المقام؛ لأَنَّهُ ظاهر فِي تفويت الفريضة الفعليّة أو تركها، خلافاً للأمر الاِخْتِيَارِيّ فِي الوقت حيث كان مطلقاً بشأن من يقدر عَلَىٰ الفريضة داخل الوقت، وإن كان قد امتثل الفعل الاِضْطِرَارِيّ أيضاً.

ويستفاد من مجموع هذه الميزات أن إجزاء الوظيفة الاِضْطِرَارِيّة عن القضاء أوضح وأولى من الإجزاء عن الأداء، ولعلنا لا نجد قائلاً بعدم الإجزاء عن القضاء فِي الفقه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo