< قائمة الدروس

بحث الأصول آيةالله السيد محمود الهاشمي‌الشاهرودي

32/11/26

بسم الله الرحمن الرحیم

كانَ الكلامُ فِي إجزاء الأوامر الاِضْطِرَارِيّة فيما إذا كان العذر مستوعِباً لتمام الوقت وقد أتى المُكَلَّف بالوظيفة الاِضْطِرَارِيّة داخل الوقت، ويُحتمل وجوب القضاء عليه بعد الوقت. قلنا: إن أهمّ الوجوه المذكورة للإجزاء عن الإعادة تجري فِي المقام أيضاً، خلافاً لبعض الوجوه الَّتي لا تَتُِمّ مثل: >إذا لم يثبت الإجزاء فَسَوْفَ يستلزم التَّخْيِير بين الأَقَلّ والأكثر وهو مستحيل فلا تجب الإعادة< فلا يجري هذا الوجه فِي المقام؛ لأَنَّه بناء عَلَىٰ عدم الإجزاء يكون كل من الأَمْرَيْنِ تَعْيِينِيّاً.

والسّيّد الأستاذ الخوئي & ينقل عن الميرزا وجهاً آخر لإجزاء الفعل الاِضْطِرَارِيّ عن وجوب القضاء ثم يناقشه قائلاً: إن القيد المتعذر داخل الوقت كالطهور المائي أو القيام فِي حال الصَّلاة لَيْسَ خارجاً عن إحدى الحالتين:

     الحالة الأولى: أَنْ يكون دخيلاً فِي ملاك الفريضة مطلقاً، أي: أَنَّهُ ثابت حتّى فِي الاضطرار، ولا يتأتّى من دونه ملاكُ الصلاة حتّى من المضطر.

     الحالة الثَّانية: أَنْ لا يَكُونَ ذاك القيد دخيلاً فِي الملاك بِالنِّسْبَةِ إلى المتعذر، ويتحقق من دونه ملاك الفريضة بالإتيان بالفعل الاِضْطِرَارِيّ.

     بناء على الحالة الأولى: بِأَنْ يَّكُونَ دخيلاً فِي الملاك مطلقاً، فَسَوْفَ يلغو الأمر بالمقدار المُتَبَقَّىٰ (أي: الاِضْطِرَارِيّ)، ويجب أن لا يَتَعَلَّقُ به الأمر؛ لأَنَّهُ لا يوجد ملاك فِي المُتَبَقَّىٰ.

     وبناء عَلَىٰ الحالة الثَّانية: بِأَنْ لاَّ يَكُونَ دخيلاً في الملاك حالَ العذر وأن يكون مأخوذاً فِي الملاك للمختار فقط، ففي هذه الحالة يصحّ الأمر بالفعل الاِضْطِرَارِيّ، ولكن لا وجهَ للأمر بالقضاء حِينَئِذٍ؛ لأَنَّه قد حصل تمام الملاك ولم يكن القيد المتعذر دخيلاً فيه، فلا موضوعَ للأمر بالقضاء.

وحاصل كلامه هو أَنَّهُ لا يمكن أن نجمع بين الأمر الاِضْطِرَارِيّ للمضطر فِي تمام الوقت وبين الأمر بالقضاء؛ لأَنَّ معنى الأمر الاِضْطِرَارِيّ عدم دخل القيد المتعذر فِي الملاك، ومن هنا تعلّق الأمر بالفعل الاِضْطِرَارِيّ وبالمقدار المُتَبَقَّىٰ ويحصل الملاكُ ولا يوجد فوات حتّى يصبح مَوْضُوعاً للقضاء، بينما الأمر بالقضاء يعني فوات الملاك وكون القيد مأخوذاً فِي الملاك حتّى بِالنِّسْبَةِ إلى المتعذر. إذن، الأمر بالفعل الاِضْطِرَارِيّ داخلَ الوقت لغوٌ، وحيث أن الأمر بالوظيفة الاِضْطِرَارِيّة داخلَ الوقت يقينيّ لمن استمر عذره أو أن دليله أَخَصّ، فلا أمر بالقضاء ويثبت الإجزاء.

مناقشة السَّيِّدِ الأُسْتَاذِ الْخُوئِيِّ &: ذكر السَّيِّدُ الأُسْتَاذُ الْخُوئِيُّ & أَنَّهُ لا يَتُِمّ هذا الكلام ويجب علينا إثبات الإجزاء بأحد الوجوه الاستظهارية السَّابِقَة؛ لأَنَّ المطلب السَّابِقَ غير كامل ثبوتاً، بل تُتَصَوَّر صورة ثالثة بِأَنْ يَّكُونَ القيد المتعذر داخل الوقت مأخوذاً فِي ملاك الفريضة، ولكن مِنْ دُونِ أن يكون مأخوذاً فِي كُلّ الملاك، بل فِي بعض الملاك وَالَّذِي من حصصه حصّةُ الإتيان بالأركان والأجزاء المتبقية من المركب داخل الوقت، ومن هنا يأمر المولى بالوظيفة الاِضْطِرَارِيّة داخل الوقت حتّى تحصل حصّةٌ من الملاك القائمة بالإتيان بالصَّلاة داخل الوقت إلى جانب القضاء فِي خارج الوقت حتّى تحصل تلك الحِصَّة من الملاك الَّتي فقدت لأجل القيد. وعليه فلا يوجد تنافٍ ولا تناقض بين الأمر الاِضْطِرَارِيّين داخل الوقت وبين الأمر الاِخْتِيَارِيّ قضاءً خارجَ الوقت، حتّى يقال: إن الأمر بالوظيفة الاِضْطِرَارِيّة داخل الوقت ينفي القضاء.

دراسة المناقشة: إن هذا الجواب صحيح بالبيان المتقدّم أعلاه، ولكن هذا الوجه قد ورد فِي التقريرات الثَّانية للميرزا (أي: فِي فوائد الأصول) بنحو آخر، وهو فِي واقعه التفات إلى هذا الجواب ليرد عليه قائلاً: إن بالإمكان أن يكون للملاك حصتان:

الحِصَّة الأولى: أَنْ تكُونَ للفعل الاِضْطِرَارِيّ الناقص داخل الوقت درجةٌ ومرتبة من الملاك.

الحِصَّة الثَّانية: أَنْ تَكُونَ هناك مرتبة فِي القيد المتعذر أيضاً، ولكن حَيْث أَنَّ التَّكليف ارتباطيٌ وعبارة عن فريضة واحدة لا أكثر، فتلك المرتبة الزائدة عَلَىٰ الملاك يَتُِمّ امتثاله ضمن امتثال الفريضة نفسها وفي الحصَّةِ الأولى من الملاك، لا مستقلاًّ.

إذن، الأمر بالفعل الاِضْطِرَارِيّ سَوَاءٌ كَانَ كاشفاً عن أَنَّ له تمام الملاك، أم كان كاشفاً عن أن له مرتبةٌ منها، يكون نافيا للقضاء. وفي الواقع يجيب عن تلك المناقشة قائلاً: لا يمكنه الإتيان بتلك المرتبة الزائدة من الملاك المتعذر الفائت داخل الوقت إلاَّ ضمن المرتبة الأولى من الملاك؛ لأَنَّ التَّكليف واحد وارتباطي، ولا يمكن الإتيان به ضمن واجبين مستقلين. وهو بمثابة الواجب فِي الواجب الَّذي إذا امتثل الواجب الأوّل مِنْ دُونِ الثَّانِي لا يمكن امتثاله بعد. وهو يستفيد هذه النُّقْطَة من ارتباطيّة التَّكليف ووحدة الفريضة، ومن الطَّبِيعِيّ إثبات الإجزاء بناء عَلَىٰ صحَّة هذا الاستظهار، ولكن لا دليل يدعم استظهار ارتباطيّة ملاك الفريضة بهذا النَّحْو.

بل لقائل أن يقول: إن كان >ترك الوظيفة الأصلية< (أي: الاِخْتِيَارِيّ) داخل الوقت مَوْضُوعاً لإطلاق الأمر بالقضاء، فيشمل من أتى بالفعل الاِضْطِرَارِيّ داخل الوقت ويكون هذا الإِطْلاَق حجّةً وكاشفاً عن عدم ارتباطية المرتبة الزائدة من الملاك فِي الفعل الاِخْتِيَارِيّ.

طبعاً، إن قام التسالم والإجماع عَلَىٰ عدم تعدّد الفريضة فِي وقتٍ واحد ولو بشكل الأداء والقضاء وأنه لا يجب (حتّى بعنوان الأداء والقضاء) أكثر من خمس فرائض فِي كُلّ يوم، فَسَوْفَ يكون ذاك الإجماع والتسالم بنفسه نافياً للأمر بالقضاء ويثبت الإجزاء.

وكما ذكرنا سابقاً إن الوجه المذكور تامّ بِالنِّسْبَةِ إلى نفي القضاء وإن لم يَتُِمّ فِي نفي الإعادة والإجزاء به.

وجه آخر: بالإمكان أن نذكر وجهاً آخر (غير الوجوه الاستظهارية المتقدّمة) وهو ميزة أخرى لإجزاء الأمر الاِضْطِرَارِيّة عن القضاء بِالنِّسْبَةِ إلى الأداء، فيقال: إنَّ أدلّة قيود المركبات الشَّرعيَّة غالباً ما تأتي منفصلة عن دليل أصل ذاك المركب ومسماه، وهو فِي واقعه يقيِّد إطلاقَ مُتَعَلَّق الأمر بالمركب ويضيف إليه شرطاً أو جزءاً إِنْ لَمْ يَكُنْ موجوداً لاقتضى إطلاق الأمر بالمركب (كالأمر بالصَّلاة أو الصوم) نفيَ ذاك القيد. وحينئِذٍ إذا كان دليل ذاك القيد بلسان الأمر والتَّكليف أو إذا كان بلسان الوضع (أي: بيان الشَّرْطِيَّة أو الجزئية) مثل أدلّة التكاليف بشأن القادرين فِي الوقت، فمن الطَّبِيعِيّ أَنْ لاَّ يَكُونَ الدَّلِيل مقيِّداً للإطلاق لمن استمر اضطراره تمامَ الوقت، ويصبح إطلاق الأمر بِالْمُرَكَّبِ حجةً بِالنِّسْبَةِ إليه ويُثبت أن المركَّب الفريضة بِالنِّسْبَةِ إليه لَيْسَ مقيَّداً بالقيد المتعذر بشأن العاجز والمضطر، وفريضته الأولية هي الفعل الاِضْطِرَارِيّ، أي: أن المركب فاقد لذاك القيد، وهذا الْمَوْضُوع ينفي القضاء، ويثبت الإجزاء لكون المأمور به الأولي كان جامعاً بين الفعل الاِخْتِيَارِيّ للمختار أو الاِضْطِرَارِيّ للمضطر فِي تمام الوقت.

ولا يَتُِمّ هذا البيان فِي إجزاء الإعادة (أي: للمضطر الَّذي يرتفع عذره داخل الوقت)؛ لأَنَّ القيد مقدور له، ودليل تقييد المركب بذاك القيد مطلق بِالنِّسْبَةِ إليه. ومن هذا المنطلق آمن عموم الفقهاء بإجزاءِ الوظيفة الاِضْطِرَارِيّة لمن عذره مستوعِب.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo