< قائمة الدروس

بحث الأصول آيةالله السيد محمود الهاشمي‌الشاهرودي

32/12/29

بسم الله الرحمن الرحیم

تَقَدَّمَ أن مُقَدَِّمَة الْوَاجِبِ عَادَةً ما يُبحث عنها في فصلين أحدهما تقسيمات الْمُقَدَِّمَة والأخر تقسيمات الواجب، وأحد تقسيمات الواجب تقسيمه إلى الواجب النَّفْسِيّ والغيري فيأتي البحث عن وجوب الْمُقَدَِّمَة فِي ذلك التقسيم.

 

الفصل الأَوَّل

تقسيمات الْمُقَدِّمَة

ذكر الأصوليون تقسيمات عديدة لِلْمُقَدَّمَةِ كما ذكروا لِكُلّ تقسيم أقساماً، وبالجملة ذكروا خمسة تقسيمات لِلْمُقَدَّمَةِ:

الأَوَّل: تقسيمها إلى مُقَدَِّمَة الْوَاجِبِ ومقدمة الوجوب، أو شرط الواجب وشرط الوجوب.

الثَّانِي: تقسيمها إلى الْمُقَدَِّمَة العقلية والشرعية والعادية.

الثَّالث: تقسيمها إلى مُقَدَِّمَة وجود الواجب ومقدمة صِحَّة الواجب والمقدمة العلمية، أي: العلم بتحقق الواجب وامتثاله.

الرَّابِع: تقسيمها إلى مُقَدَِّمَة داخلية ومقدمة خارجية، وتقسيم كُلّ منهما إلى >المعنى الأعم< و>المعنى الأخص<.

الخامس: تقسيم الْمُقَدَِّمَة أو الشَّرْط إلى الشَّرْط المقارن والمتقدم والمتأخر، سَوَاء كان شرطاً للوجوب أم كان شرطاً للواجب.

وقبل الدخول فِي صلب البحث لاَ بُدَّ من تبيين المقصود وشرح المراد من كُلّ تقسيم فنقول:

     التقسيم الأَوَّل: أَمَّا ما ذكروه من تقسيم الْمُقَدَِّمَة إلى مُقَدَِّمَة الْوَاجِبِ ومقدمة الوجوب، فالمقصود من مُقَدَِّمَة الْوَاجِبِ هو الْمُقَدَِّمَة الَّتِي يتوقف عليها الإتيان بالواجب، أَن المأمور به متوقف عليه لا الوجوب، أَيْ: أَن وجوبه فعليّ ولكن يجب أَنْ تَتَحَقَّقَ تلك الْمُقَدَِّمَة فِي سبيل تحقيق الواجب، كالطهور واستقبال القبلة، أو تحصيل الماء وسائر مقدمات الصَّلاَة، فهذه مقدمات فعل الواجب الَّذِي هو الصَّلاَة، ولا تشترط هذه المقدمات فِي فِعْلِيَّةِ وجوب الصَّلاَة، وَإِنَّمَا الصَّلاَة واجبة عَلَىٰ الإنسان قبل تحققها والوجوب موجود وعلى الْمُكَلَّف أن يقوم بتحصيل تلك المقدمات الَّتِي وجوبها فعلي مِنْ قِبَلُ، خِلاَفاً لمقدمات الوجوب الَّتِي هي شرط لفعلية الوجوب والوجوب منوط بتحققها كالاستطاعة للحج، فلا يكون الوجوب فِعْلِيّاً قبل تحققه.

إذن، إذا كانت الْمُقَدَِّمَة شرطاً فِي تَحَقُّق الواجب يطلق عليها اسم >مُقَدَِّمَةِ الْوَاجِبِ< وإذا كان شرطاً فِي فِعْلِيَّة الوجوب يطلق عليها اسم >مُقَدَِّمَة الوجوب< كالاستطاعة الَّتِي هي مُقَدَِّمَة لوجوب الحج أو القدرة الَّتِي هي شرط للتكاليف، أو الزوال الَّذِي هو شرط لوجوب الظهر أو خروج هلال رمضان الَّذِي هو شرط لوجوب الصيام.

والواضح فِي هذا التقسيم أن البحث عن وجوب الْمُقَدَِّمَة خاص بالقسم الأَوَّل، أَيْ: أَن البحث عن الوجوب الغيري لِلْمُقَدَّمَةِ يختصّ بالقسم الأَوَّل الَّذِي هو مُقَدَِّمَة الْوَاجِبِ، فيقع البحث فِي المقدمات الَّتِي يتوقف عليها فعل الواجب هل أنها تكون واجبة أم لا؟ وَأَمَّا المقدمات المشترطة للوجوب (كالاستطاعة والوقت) فليس لها وجوب غيري؛ لأَنَّهُ لا يوجد قبل تحققها وجوب فعلي، وَحَيْثُ أَنَّ الوجوب الغيري تبعي، فكلما لا يوجد وجوب نفسي لا يوجد وجوب غيري أَيْضاً، وهذا هو معنى التَّبَعِيَّة، وبعد تَحَقُّق الوجوب النَّفْسِيّ وفعليته حيث أن فعليته مشروط بتحقق شرط الوجوب فتلك الْمُقَدَِّمَة أصبحت موجودة، فيكون تعلق الوجوب الغيري بها تحصيلاً للحاصل، ومن هنا تتميز مقدمات الوجوب باستحالة تعلق الوجوب الغيري بها.

ومن هذا المنطلق خرج شرايط الوجوب عن بحث وجوب الْمُقَدَِّمَة. وبعبارة أخرى: إن مُقَدَِّمَة الْوَاجِبِ تابع للوجوب ومحكوم له فيجب عَلَىٰ الْمُكَلَّف أن يُوجِدَه، ولكن مُقَدَِّمَة الوجوب فِي اتجاه معاكس والوجوب تابع له ومنوط بتحققه، ولا يتنجز وجوب عَلَىٰ الْمُكَلَّف ما لم تَتَحَقَّقُ مُقَدَِّمَة الوجوب فلا يمكن أن تكون واجبة التحصيل من قبل ذلك الوجوب.

وهناك فارق آخر بين هذين القسمين بلحاظ ملاك الواجب ومبادئه، وهو أنهم عَادَةً ما يقسمون الشروط والمقدمات بلحاظ ملاكات الأحكام إلى قسمين:

القسم الأَوَّل: ما يكون شرط اتصاف الْفِعْل بالملاك.

القسم الثَّانِي: ما يكون شرط تَحَقُّق ملاك الْفِعْل فِي الخارج.

والمقصود من شرط الاتصاف أن لا يكون للفعل ملاك مِنْ دُونِ تحقق الشَّرْط، كشرب الماء الَّذِي ملاكه ارتفاع العطش، فالعطش شرط لكي يُتصف شرب الماء بذي ملاك، فإن لم يكن ظَمآناً لا يكون لشرب الماء ملاك عنده، وهذا ما يسمونه بشرط الاتصاف. ولكن الإتيان بالماء وسكبه داخل الإناء شرطٌ لتَحَقُّق الملاك في الخارج، وليس شرطاً للاتصاف، ولذلك فإن إحضار الماء للمرويّ لا يُعَدُّ سببا لاتصاف شربه الماء بكونه ذا ملاك، بل إذ تحقق العطش فهو يريد شرب الماء و له ملاك فِيه سَوَاء أحضر له الماء أم لم يحضر له، وسواء سُكب له الماء فِي الإناء أم لم يسكب.

إذن، جلب الماء له شرط لتحقق الملاك وليس شرطاً للاتصاف.

ثُمَّ إن مقدمات الواجب حيث أَنَّهَا دخيلة فِي تَحَقُّق الواجب كالواجب نفسه فلا يمكن أن تقع شرطاً للاتصاف؛ لأَنَّ لازمه أن لا يكون الملاك فِعْلِيّاً قبل تَحَقُّق الْمُقَدَِّمَة، إذن فلا يكون الوجوب فِعْلِيّاً أَيْضاً، وهذا عَلَىٰ خلاف مقدمات الوجوب الَّتِي بإمكانها أَنْ تَكُونَ شرطاً لاتصاف الملاك مع إمكانية أن تكون شرطاً لتَحَقُّق الملاك كما إذا كانت غير اختيارية للمكلف مع كونها دخيلة في تحقق الملاك وحصوله ولكن المولى يأخذها شرطاً للوجوب لكونها غير اختيارية فلا يمكن اطلاق الوجوب من ناحيتها وهذا يعني أنها ، ولٰكِنَّهَا بلحاظ الوجوب لا تكون إلا شرطاً لاتصاف الْفِعْل بالوجوب، فَمَثَلاً لو لم يكن الزوال أو الاستطاعة مَوْجُوداً لا تتصف صلاة الظهر أو الحج بالوجوب، ولكن بلحاظ الملاك قد يكون هذا الشَّرْط شرط اتصافٍ وقد يكون شرطاً لتحقق الملاك.

إذن، إن شروط الوجوب بلحاظ ملاك الوجوب عَلَىٰ قسمين:

القسم الأَوَّل: تلك الشروط الاِخْتِيَارِيَّة كالاستطاعة؛ إذ بإمكان الإنسان أن يصيّر نفسه مستطيعاً، أو كالنذر الَّذِي هو شرط لوجوب الوفاء بالنذر، والنذر فعل اِخْتِيَارِيّ للإنسان. فيقال في مثل هذه الشروط الاِخْتِيَارِيَّة: كما أَنَّهَا شرط اتصاف للوجوب، كذلك أَنَّهَا شرط اتصاف للملاك أَيْضاً؛ لأَنَّ الملاك إن كان فِعْلِيّاً قبل تَحَقُّق ذاك الْفِعْل الاِخْتِيَارِيّ كان عَلَىٰ المولى أن يجعله شرطاً للواجب لا شرطاً للوجوب أي يجعل الوجوب مطلقاً من ناحيتها؛ لأَنَّ الملاك اللزومي بات فِعْلِيّاً قبل تَحَقُّق الشَّرْط، فكان عَلَىٰ المولى أن يقول: اذهب وامتثله، كسائر مقدمات الواجب.

إذن، نكتشف من جعله الوجوبَ مشروطاً بتحقق الاستطاعة إذا كان اختيارياً أَنَّهُ شرط اتصاف، وأن ملاك الحج لم يكن فِعْلِيّاً قبل ذلك، فلا يكون الملاك اللزومي للحج فِعْلِيّاً فِي غير المستطيع، كما أن العطش شرط لوجوب شرب الماء واتصافه بالملاك، ومن هنا يقال بأن شروط الوجوب الاِخْتِيَارِيَّة بِالنِّسْبَةِ إلى ملاكات الأحكام تظل شروطاً لاتصاف الملاك بذاك الوجوب.

القسم الثاني: الشروط الوجوبية الَّتِي ليست اختيارية كالوقت والحيات البلوغ مِمَّا يناط بها الوجوبُ وهي يمكن أَنْ تَكُونَ دخيلة فِي الاتصاف بالملاك كما يمكن أَنْ تَكُونَ دخيلة فِي تَحَقُّق الملاك. أي: بالإمكان أَنْ يَكُونُ الملاك كالوجوب نفسه بأن لا يكون فِعْلِيّاً قبل الشرط، فعلى سبيل المثال لا يكون الملاك اللزومي فِعْلِيّاً قبل البلوغ أو الوقت، واتصاف ذاك الْفِعْل بكونه ذا ملاك مشروط بهذا الشَّرْط كما يمكن أن لا يكون كذلك، بل يكون الملاك فِعْلِيّاً من دونه، وأن يكون ذاك الشَّرْط شرطاً لتحقق الملاك، ولكن السَّبَب فِي صيرورته شرطاً للوجوب هو كونه غير اختياري حيث أنه لا يمكن للمولى أن يجعل أمره بذاك الْفِعْل مُطْلَقاً؛ لأَنَّهُ يجب عَلَىٰ الْمُكَلَّف حِينَئِذٍ أن يأتي بالمقيد مع قيده، والحال أن القيد غير اِخْتِيَارِيّ له، إذن يضطر أن يجعل الوجوب مشروطاً بتحقق ذاك الشَّرْط وإن كان ملاكه مُطْلَقاً.

وفي ضوء هذا تبين أن شروط الوجوب قد تكون شروطَ التحققِ لملاكات الأحكام ومقدمةً لها، ولكن فِي الوقت نفسه تقع شروطاً للوجوب لكونها غير اختيارية. إذن إن الفارق الآخر بين مُقَدَِّمَة الْوَاجِبِ ومقدمة الوجوب هو أن شرط الواجب يظل شرطاً لتحقق الملاك دَائِماً، بينما شرط الوجوب قد يكون شرطاً للتحقق وقد يكون شرطاً للاتصاف بالملاك. كما أن شروط الوجوب الاِخْتِيَارِيَّةَ تبقى شروطاً للاتصاف دائماً، بيد أن الشروط غير الاِخْتِيَارِيَّة قد تكون شروط اتصافٍ وقد تكون شروط تَحَقُّق الملاك.

     التقسيم الثَّانِي: تقسيم الْمُقَدَِّمَة بلحاظ نوعها إلى العقلية والشرعية والعادية، فإذا امتنع عَقْلاً تَحَقُّق ذي الْمُقَدَِّمَة مِنْ دُونِ الْمُقَدَِّمَة تكون الْمُقَدَِّمَة عَقْلِيَّة، وإذا كان الشَّارِع قد أخذها مُقَدَِّمَةً مثل الطهور للصلاة (حيث كان بإمكانه أن لا يتخذها مُقَدَِّمَةً للصلاة) تكون الْمُقَدَِّمَة شرعية، وإذا لم يكن ذي الْمُقَدَِّمَة ممتنعاً عَقْلاً مِنْ دُونِ الْمُقَدَِّمَة، ولٰكِنَّهَا عَادَةً لا تحصل من دونها، مثل اجتياز المسافة بوسيلة النقل، تكون الْمُقَدَِّمَة عادية.

     وقد يلاحظ فِي هذا التقسيم أن جميع تلك الأقسام الثَّلاَثة راجعة بالدقة إلى الْمُقَدَِّمَة الْعَقْلِيَّة:

     أَمَّا رجوع الشَّرْعِيَّة إلى الْعَقْلِيَّة فلأن ذي الْمُقَدَِّمَة (وهو الصَّلاَة) مقيَّد بالطهور، أَيْ: أَن تقيُّد أفعال الصَّلاَة بالطهور أو بالاستقبال جزء من الْمُرَكَّب والواجب النَّفْسِيّ أَيْضاً؛ لأَنَّ التقيُّدَ جزء وداخل والقيد خارج من الْمُقَيِّد، وَحِينَئِذٍ إن نظرنا إلى ذات المقيَّد (وهي أفعال الصَّلاَة) نرى أن الطهور أو الاستقبال لَيْسَ مقدمةً لها وليست متوقفة عليها عَقْلاً، ولكن المأمور به النَّفْسِيّ لَيْسَ ذات الأفعال، بل عبارة عن الأفعال المقيدة بالطهور أو الاستقبال، وَالتَّقَيُّد جزء منه، والآن بعد أن أصبح التَّقَيُّد جزءاً، يعود قيد الطهور أو الاستقبال مقدمةً عَقْلِيَّة للتقيّد الواجب؛ لأَنَّهُ مع انعدام القيد يمتنع تحقق التقيّد و الْمُقَيِّد عَقْلاً.

وعليه، الْمُقَدَِّمَة الشَّرْعِيَّة لَيْسَت إلا مسامحة، ولا توجد مُقَدِّمِيَّة شرعيةو الْمُقَدَِّمَة الشَّرْعِيَّة ترجع إلى الْعَقْلِيَّة، أَيْ: أَن مقدميتها عَقْلِيَّة، ومنشؤها و هو الأمر النَّفْسِيّ بِالتَّقَيُّدِ يكون شَرْعِيّاً وهو غير المقدمة.

     وكذلك الْمُقَدَِّمَة العاديّة ترجع إلى الْمُقَدَِّمَة الْعَقْلِيَّة؛ لأَنَّ توقف الوجود فِي مكان عَلَىٰ اجتياز مسافة أمر عَقْلِيّ ومن دونه يكون ممتنعاً، أي: التَّوَقُّف عَلَىٰ جامع >اجتياز المسافة< عَقْلِيّ ووسائل النقل مصاديق لذاك الجامع، ومعنى ذلك أَنَّ الاجتياز مِنْ دُونِ وسيلة النقل ممتنع لمن لا توجد لديه طرق أخرى لاجتياز المسافة، وَبِالتَّالِي تصبح مُقَدَِّمَة عَقْلِيَّةً. إذن فهذا التقسيم أيضاً تقسيم عرفي ومسامحي، و بالدقة ترجع المقدمة العادية إلى الْمُقَدَِّمَة الْعَقْلِيَّة. وهكذا يتضح أن هذا التقسيم لَيْسَ تقسيماً صحيحاً.

     التقسيم الثَّالِث: تقسيمها إلى شرط الوجود أو مُقَدَِّمَة الوجود وشرط الصِّحَّة والمقدمة العلمية، وهو كالبحث السابق يُرَاد من مُقَدَِّمَة الوجود أسباب وجود الْفِعْل وعلله، كوضع السلم للصعود إلى السطح، ويراد بشرط الصِّحَّة أو مُقَدَِّمَة الصِّحَّة الشَّرْط الدخيل فِي صِحَّة الْفِعْل، لا أَنْ يَكُونُ دخيلا فِي أصل تحققه. أَيْ: أَن ذات الْفِعْل يصبح موجوداً من دونه ولكن لا يكون صحيحاً، كالصلاة مِنْ دُونِ الطَّهَارَة أو الهبة مِنْ دُونِ القبض.

     ولكن هذا التقسيم كتقسيم الْمُقَدَِّمَة إلى الشَّرْعِيَّة والعقلية غير صحيح؛ لأَنَّ ما يتصف بالوجود مِنْ دُونِ الْمُقَدَِّمَة هو ذات الْفِعْل لا المأمور به المقيَّد فإن التَّقَيُّدُ جزء من المأمور به النفسي الَّذِي إن لحظناه تصبح مُقَدَِّمَةُ الصِّحَّة مُقَدَِّمَةَ الوجود للمأمور به أَيْضاً، أي: لو نظرنا إلى كُلِّ المأمور به النَّفْسِيّ، فَسَوْفَ تصبح مُقَدَِّمَة الصِّحَّة مُقَدَِّمَة للوجود.

     أَمَّا الْمُقَدَِّمَة العلمية الَّتِي يُرَاد بها مُقَدَِّمَة حصول العلم بالامتثال والإتيان بالمأمور به (كالإتيان بالصلاة لأطراف أربعة، أو غسل أكثر من المرفق فِي الوضوء) فهي خارجة عن بحث مُقَدَِّمَة الْوَاجِبِ؛ لأَنَّها مُقَدَِّمَة للعلم بامتثال الواجب وليست مُقَدَِّمَةً لنفس الواجب، وتحصيل العلم بالامتثال لَيْسَ وَاجِباً شَرْعِيّاً، وَإِنَّمَا هو اشتغال عَقْلِيّ.

     التقسيم الرَّابِع: تقسيم الْمُقَدَِّمَة إلى داخلية وخارجية. وقد ورد هذا المصطلح فِي كلمات الخراساني وبعض من تأخر عنه بأن أجزاء وقيود الْمُرَكَّب الواجب تصبح مُقَدَِّمَة لِلْمُرَكَّب أو المقيَّد، لوجود التَّوَقُّف بينهما كالسبب والمسبب، أَيْ: أَن وجود الْمُرَكَّب متوقف عَلَىٰ وجود الجزء أو القيد، ولكن وجود الجزء أو القيد لَيْسَ متوقفاً عَلَىٰ الكل، ومن هنا بحثوا عن أن الجزء أو القيد هل يصبحان واجبين بوجوب غيري كالسبب وَمُقَدَِّمَات إيجاد المسبب أم لا؟

     وسمّوا الجزءَ بالمقدمة الداخلية بالمعنى الأخص كما عنونوا القيد بالمقدمة الداخلية بالمعنى الأعم؛ ذلك لأن القيد خارج، خِلاَفاً للجزء الَّذِي يُعَدُّ فِي ضمن الكل مأموراً به وداخلاً فيه.

     التقسيم الخامس: وهو (بحث مهم وله آثار فِي الفقه) تقسيم المقدمات والشروط إلى الشَّرْط المتأخر والمتقدم والمقارن وهو تقسيم يتناول شرط الوجوب. أي: قد يكون شيء ما شرطاً للوجوب والأمر ومع ذلك يكون متأخر عن الوجوب أو مقارناً له أو متقدماً عليه، كما أن هذا التقسيم يسري إلى مقدمات الواجب وشروطه، كاشتراط غسل صلاتي المغرب والعشاء الذي يقال أنه شرط فِي صِحَّة صوم المستحاضة مع انقضاء زمان الواجب (وهو الصوم فِي النهار). إذن، هذا التقسيم يأتي فِي شرايط الوجوب وشرايط الواجب.

وَأَهَمُّ هذه التقسيمات هو التقسيم الأَوَّل والرابع والخامس، ولا يصح التقسيم الثَّانِي والثالث.

وبالنسبة إلى التقسيم الأَوَّل لا يوجد بحث أكثر مِمَّا ذكرناه، ولكن وقع الكلام فِي إمكان وامتناع التقسيم الرَّابِع والخامس، أي: وقع الكلام فِي التقسيم الرَّابِع فِي إمكان الوجوب الغيري لِلْمُقَدَّمَةِ الداخلية وامتناعها، كما وقع الكلام فِي التقسيم الخامس عن إمكان الشَّرْط المتأخر وامتناعه، فعلينا أن ندرس هذين البحثين فِيما يأتي.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo