< قائمة الدروس

بحث الأصول آيةالله السيد محمود الهاشمي‌الشاهرودي

33/01/24

بسم الله الرحمن الرحیم

كان الكلام فِي تبدل الحكم الظَّاهِرِيّ إلى الأصل الْعَمَلِيّ وذكرنا صوراً أربعاً له،تقدمت ثلاث صور وبقيت الصورة الرابعة:

     الصُّورَة الرابعة من الصور الأربع لتبدل الحكم الظَّاهِرِيّ إلى الأصل الإلزامي هي تبدل الحكم الظَّاهِرِيّ الأَوَّل إلى أصالة الاشتغال العقلية أي قاعدة أن الشغل اليقيني يستلزم الفراغ اليقيني في موارد الشك في الامتثال أو الشك في المحصّل لا مُنَجِّزِيَّة العلم الإجمالي، وذلك فِي موارد دوران الأمر بين الأقل والأكثر أو بين التعيين وَالتَّخْيِير بناءً عَلَىٰ أَنْ يَكُونُ الإتيان بالأكثر وَاجِباً ولكن لا من باب العلم الإجمالي؛ لأَنَّنا افترضنا أن هذا العلم الإجمالي منحل؛ ذلك لأن الأقل واجب عَلَىٰ كُلّ حال (سيأتي هذا البحث وشرحه وتفصيله فِي مَحَلّه إن شاء الله)، بل من باب مُنَجِّزِيَّة الشَّكّ فِي سقوط غرض المولى فِي الْمُرَكَّب المعلوم وجوبه والعلم بالغرض كالعلم بالتكلييف مُنَجّز عَلَىٰ الْمُكَلَّف بحكم العقل. والشك فِي سقوطه وتحصيله مجرى لأصالة الاشتغال العقلية كَالشَّكِّ فِي امتثال الواجب أو تحصيله، وهذا هو البحث الَّذِي ذكره الخراساني فِي التَّعَبُّدِيّ وَالتَّوَصُّلِيّ من مُنَجِّزِيَّة غرض المولى، فإذا علمنا بغرض للمولى تنشغل الذمة به إلى أن نتيقّن بتحصيلنا لغرض المولى وسقوطه بامتثاله.

إذن، الصُّورَة الرابعة هي تبدل الحكم الظَّاهِرِيّ إلى أصالة الاشتغال العقلية فِي موارد الدوران بين الأقل والأكثر (بناءً عَلَىٰ عدم مُنَجِّزِيَّة العلم الإجمالي الدائر بين الأقل والأكثر بل مُنَجِّزِيَّة الشَّكّ فِي سقوط الغرض). كما إذا كان مبنى المجتهد كفاية الأقل ثُمَّ أعاد رأيه إلى عدم الكفاية وسقط دليل الحكم الظَّاهِرِيّ عن الْحُجِّيَّة بسبب من الأسباب وبات من موارد الدوران بين الأقل والأكثر، فَحِينَئِذٍ إذا كان يرىٰ أن الشَّكّ فِي الغرض مُنَجّز فيجب عليه الاحتياط هنا، فلو حصل لديه هذا الشَّكّ داخل الوقت (أي: سَوَاء كان قبل الإتيان بالأقل أم بعد امتثاله) يجب عليه الإتيان بالأكثر من جديد؛ لأَنَّهُ يشك فِي الامتثال وفي سقوط غرض المولى، وهذا الاشتغال لَيْسَ من باب مُنَجِّزِيَّة العلم الإجمالي حتَّى يقال: بعد مغادرة طرفٍ وسقوطه بالإتيان بطرف آخر يصبح الشَّكّ فِي التكليف وتجري البراءةُ عنه، بل لأنه متيقن باشتغال ذمته بالغرض وشك بفراغ الذمة داخل الوقت (سَوَاء قبل الإتيان بالأقل أم بعده)، فإن سلب منه الحكم الظَّاهِرِيّ الأَوَّل على كفاية الأقل وسقطت حُجِّيَّتُه فَسَوْفَ يقتضي شكه فِي سقوط الغرض أن يأتي بالأكثر، وهذه نقطة تمتاز بها الصُّورَة الرابعة عن الصُّورَة الثَّالثة في الفرض الأَوَّل من الفروض الثَّلاَثة كما أن هناك فارقاً بين الصورتين في الفرضين الآخرين كما سيظهر ففي الفرض الأول وهو حصول التبدل داخل الوقت يجب الأداء هنا حتى إذا حصل التبدل بعد الإتيان بالأقل بخلافه في الفرض الأول من الصورة الثالثة.

     الفرض الثانِي: أن يتبدل الحكم الظاهري الأول داخل الوقت ولكن لا يأتي بالأكثر متعمداً إلى أن ينقضي الوقت، فهل يجب عليه قضاؤه أم لا؟ هنا أيضاً يجب أن ندرس تلك الوجوه الخمسة:

     الوجه الأَوَّل، إن قبلنا بالوجه الأول لوجوب القضاء في الأداء الفائت الذي كان منجزاً عقلاً، فيأتي فِي المقام أَيْضاً؛ لأَنَّ أداءه كان مُنَجّزاً.

     الوجه الثاني يأتي فِي المقام أَيْضاً، أي: استصحاب عدم الإتيان بالفريضة والواجب بما هو واجب.

     الوجه الرابع يأتي فِي المقام أَيْضاً (وهو أَنْ يَكُونُ القضاء بالأمر الأَوَّل)؛ لأَنَّ معناه أَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إلى المطلوب الأَوَّل يكون شكاً فِي الأداء.

     الوجهان الثالث والخامس لا يأتيان فِي المقام؛ لأَنَّ هذين الوجهين كانا مبنيّين عَلَىٰ تشكّل العلم الإجمالي التدريجي بوجوب أحدا الطرفين في الوقت أو يكون الطرف الآخر وَاجِباً فِي المستقبل وذلك إن تكررت الواقعة. وهنا حيث أن الأقل معلوم الوجوب عَلَىٰ كُلّ تقدير وهو أحد الطرفين في هذا العلم الإجمالي فلا يكون الأكثر منجزاً. فمن هذا المنطلق يدور أمر هذين العلمين الإجماليين التدريجيين كالعلم الإجمالي الدفعي بين الأقل والأكثر،والذي فرض فِي هذه الصُّورَة الرابعة عدم منجزيته، فيتمخض عنه عدم جريان الوجهين الثَّالِث والخامس في هذه الصُّورَة.

     الفرض الثالث: أن يتبدل الحكم الظاهري خارج الوقت. ولا يأتي الوجه الأَوَّل أَيْضاً من تلك الوجوه الخمسة لوجوب القضاء هنا لأَنَّهُ يشترط فِي الوجه الأَوَّل أن يحصل التبدل داخل الوقت بحيث يكون الأداء مُنَجّزاً وواجباً شَرْعاً أو عَقْلاً، وفي هذا الفرض الثَّالِث تبدل الحكم الظَّاهِرِيّ خارج الوقت ولم يكن الأكثر مُنَجّزاً داخل الوقت. إذن، ما يأتي فِي هذا الفرض هو الوجه الثَّانِي (أي: استصحاب عدم الإتيان بالواجب) والوجه الرَّابِع (أي: إذا لم يكن القضاء بأمر جديد فَسَوْفَ يكون الشَّكّ فِي امتثال غرض المولى أو مطلوبه الأَوَّل أداءً، وتجري فيه قاعدة الاشتغال العقلية ولا يجري فيه الوجه الثالث لعين ما ذكرناه في الفرض السابق.

وبذلك تتضح الصور الأربع لتبدل الحكم الظَّاهِرِيّ إلى الأصل الْعَمَلِيّ والفروض المتصورة فِي كُلّ منها ووجوب وعدم وجوب الإعادة أو القضاء فِي كُلّ منها، وكما قلنا فِي بداية البحث: إن نفي الإعادة أو القضاء أو كليهما فِي بعض تلك الصور والفروض لا علاقة له بإجزاء الحكم الظَّاهِرِيّ المرتَفع والمتبدَّل، بل يرتبط بمقتضيات مجاري الأُصُول العملية الَّتِي تجري بعد سقوط الحكم الظَّاهِرِيّ الأَوَّل وتقتضي نفي الإعادة أو القضاء.

وتطبيقات الأُصُول العملية هذه تحظى بأهمية بالغة ونحن بحاجة إلى الدقة والمهارة فِي هذه التطبيقات فِي مواطن كثيرة من الفقه، وما إن فَقَدَ الباحثُ الهيمنةَ والسيطرة عَلَىٰ هذه التطبيقات حتَّى ارتطم فِي الخلط والخطأ.

وفذلكة الكلام أَنَّهُ قد تجب الإعادة فِي بعض الفروض ولا يجب القضاء فيها، وقد تجب الإعادة والقضاء معاً فِي فروض أخرى، كما أن هناك فروضاً لا تجب الإعادة فيها ولا القضاء، ونحن قد وجدنا فرضاً لا تجب الإعادة فيه داخل الوقت ولكن يجب قضاؤه خارج الوقت، وهكذا ينتهي بحث الإجزاء.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo