< قائمة الدروس

بحث الأصول آيةالله السيد محمود الهاشمي‌الشاهرودي

33/02/01

بسم الله الرحمن الرحیم

كنّا نتناول بحثين فِي المقدمات الدَّاخِلِيَّة (أي: الأجزاء) وهما:

     البحث الأول: أساساً هل تُعَدُّ الأجزاءُ مُقَدَِّمَةً أم لا؟

     البحث الثَّانِي: لو سلمنا بمقدميتها فهل يثبت الوجوب الغيري لمثل هذه الْمُقَدَِّمَة أم لا؟

     أَمَّا البحث الأَوَّل: تناولنا البحث الأَوَّل عَلَىٰ عجلٍ يجدر أن نكرره ونضيف إليه بعض النكات أَيْضاً فنقول: عَادَةً ما يُذكر لِلْمُقَدَِّمِيَّةِ شرطان (فِي النُّقْطَة الأولى) هما:

الشَّرْط الأَوَّل: أَنْ تَكُونَ الْمُقَدَِّمَةُ مغايرة لذي الْمُقَدَِّمَة؛ لأَنَّ الشيء لا يمكن أَنْ يَكُونَ مُقَدَِّمَةً لنفسه، أي: لاَ بُدَّ من الثنائية بين الْمُقَدَِّمَة وذي الْمُقَدَِّمَة.

الشَّرْط الثَّانِي: توقف ذي الْمُقَدَِّمَةِ عَلَىٰ الْمُقَدَِّمَة.

وبالنسبة إلى علاقة الأجزاء مع الْمُرَكَّب نوقش في مقدمية الأجزاء للكل من كلتا الجهتين:

الجهة الأولى: قيل أن الأجزاء عين الكل فلا يوجد فيها الشرط الأول وهو المغايرة بين المقدمة وذيها. وقد أجاب الخراساني عن ذلك بأن الثنائية والمغايرة موجودة بين الجزء والكل، ولكن تلك المغايرة اعتبارية؛ لأَنَّ الجزء يختلف عن الكل اعتباراً ولحاظاً؛ لأَنَّ الجزء يُلحظ لا بشرط، بينما الكل يُلحظ مع مجموع الأجزاء المنضمة إلي بعضها تحت عنوان >شيء واحد اعتباري<، ومعلوم أن اعتبار >لابشرط< يختلف عن اعتبار >بشرط شيء والمجموعية<. أَيْ: فِي النَّظَر إلى >كُلّ< واعتباره يُلحظ جميع الأجزاء منضمةً إلى بعضها وبثوب الوحدة الاعتبارية، وهذا اللِّحَاظِ يختلف عن لحاظ الجزء اللابشرط عن الانضمام إلى سائر الأجزاء، وهذان لحاظان واعتباران ذهنيان.

طَبْعاً، إن المقصود هو ذات الجزء وذات الكل اللتان تقعان متعلقين للوجوب، لا الْجُزْئِيَّة والكلية اللتان هما مفهومان متضايفان ومن المعقولات الثَّانَوِيَّة يُنتزعان من مجموع الأجزاء؛ لأَنَّ المقصود هو الفارق بين الْمُقَدَِّمَة الَّتِي هي واجب غيري وبين ذي الْمُقَدَِّمَة فِي باب أجزاء الْمُرَكَّب، ومتعلق الوجوب الغيري والنفسي هو ذات الجزء والكل، لا الْجُزْئِيَّة والكلية، وهذا أمر واضح. لأن المقصود هو معرفة الفارق بين لحاظ الجزء ولحاظ الكل، لا لحاظ الْجُزْئِيَّة ومفهومها عن مفهوم الكلية اللذان هما معقولان ثانويان متضايفان ومتلازمان حتى في الانتزاع .

وفي ضوء هذا تبين أن هناك فارقاً وتغايراً اعتبارياً بين الكل والجزء،فيكون الشَّرْط الأَوَّل من شرطي الْمُقَدَِّمِيَّة محفوظاً في الأجزاء بالنسبة إلى الكل ويمكن القول: إن الشَّارِع والآمر حينما يلحظ الجزء (كالركوع فِي الصَّلاَة) بشكل لا بشرط (وهو غير لحاظه له فِي ضمن مجموع المركب و الصَّلاَة) يرىٰ أن الكل متوقف عليه، فمن هنا يتعلق به الوجوب الغيري والإرادة الغيرية، وهذا التغاير الاعتباري يكفي لسريان الإرادة والوجوب الغيري.

وقلنا: إن التَّوَقُّف الذي هو الشَّرْط الثَّانِي أيضاً متوفر فِي الأجزاء، بمعنى الترتب الطبعي لا الوجودي حيث ذكرنا أننا لا نريد خصوص التَّوَقُّف الوجودي والسببي والمسببي والعلي والمعلولي حتَّى يقال: إن ذلك غير متوفر فِي المقام، بل إن التَّوَقُّف الطبعي كاف في الشرط الثاني، وهكذا يتبين أن البحث عن مُقَدِّمِيَّة الأجزاء لَيْسَ بَحْثاً لَفْظِيّاً، وَإِنَّمَا البحث عن وجود شرطين لِلْمُقَدَِّمِيَّةِ وعدم وجودهما، والشرطان هما 1- الثنائية والتغاير و2- التَّوَقُّف والترتب.

والمحقق العراقي & أضاف فِي المقام مطلباً ثُمَّ ذكر أقسام المركبات الاعتبارية ولكننا لا ندخل فِي ذاك البحث، وهو & يهدف من ذكر ذلك إثبات أن الأجزاء متحد مع مُتَعَلَّق الأمر النَّفْسِيّ (وهو الْمُرَكَّب) ولا يوجد تغاير بينهما؛ لأَنَّ هذا الفارق الاعتباري المذكور (أي: الوحدة وبشرط شيئية الأجزاء فِي الكلّ) فِي طول تعلق الأمر وليس فِي مُتَعَلَّق الأمر النَّفْسِيّ؛ فَإِنَّ مُتَعَلَّق الأمر النَّفْسِيّ قبل تعلق الأمر ورتبةً ذوات الأجزاء، إذن هذا الفارق والتغاير الاعتباري بين الجزء (وهو اللابشرط) وبين الكل المشروط بشرط الانضمام والمجموعية لَيْسَ مجدياً ولا تُختلق الْمُقَدَِّمِيَّة فِي الأجزاء؛ لأَنَّهُ فِي طول تعلق الأمر، ولا يوجد فارق بين الجزء والكل فِي مُتَعَلَّق الأمر قبل تعلقه، ومتعلق الأمر الَّذِي هو قبل الأمر لَيْسَ إلا تلك الأجزاء الَّتِي تريد أن تقع متعلقاً للوجوب الغيري. إذن، لا يوجد تغاير ولا ثنائية اعتبارية فِي البين حتَّى تتعقل مُقَدِّمِيَّةُ الأجزاء للكل، ومن هنا يصرّ & عَلَىٰ هذا المطلب من عدم الْمُقَدَِّمِيَّة فِي باب الأجزاء للكلّ وللمركب؛ لأنهما متحدان وليس لهما تغاير حتى اعتباري و لحاظي إلا فِي طول تعلق الأمر، وهو أمر لا طائل تحته؛ لأَنَّ الْمُقَدَِّمِيَّة والثنائية لا بد أن تكون محفوظة ضرورية قبل تعلق الأمر.

ولكن المطلب المذكور الَّذِي هو الظاهر من عبارته غير صحيح؛ فَإِنَّ الآمر والشارع لا يلحظ الوحدة فِي طول الأمر فِي باب الأمر بالكل والمركبات الاعتبارية وَإِنَّمَا عليه أن ينظر إلى المجموعية قبل الأمر وفي متعلقه؛ لأَنَّهُ يريد أن يجعله تحت أمر واحد، ومعلوم أن وحدة الأمر تابع لوحدة متعلقه، دون العكس. وإذا كان مُتَعَلَّق الأمر متكثّراً فمن الطبيعي أن لا يكون الأمر واحداً، بل يتكثر الأمرُ أَيْضاً؛ لأَنَّ الأمر عارض عَلَىٰ الْمُتَعَلَّق وتابع له، وإذا لم تُلحظ الوحدةُ (الَّتِي تُوجد بلحاظ المجموعية) قبل الأمر فلا يتحد الأمر ولا يصبح واحداً.

إذن، إن تغاير الجزء والكل وازدواجيتهما محفوظ فِي عالم اللِّحَاظِ والاعتبار الذهني، بيد أَنَّهُ & عَكَسَ الآيةَ وافترض الوحدةَ فِي طول الأمر، وهذا مستحيل؛ لأَنَّهُ يجب أوَّلاً توحيد مجموع الأجزاء فِي عالم الاعتبار وَاللِّحَاظِ حتَّى يمكن تعلق الأمر الواحد به، وإذا لحظنا الأجزاء مستقلةً وغير مُقَيَّدَة بعضها ببعض ومن دون اعتبار المجموعية أو كونها مع بعض (أي: اللابشرط) فَسَوْفَ تكون واجبات متكثرة ومتعددة.

والخلاصة أَنَّهُ تَمَّ الحفاظ فِي البحث الأَوَّل فِي الأجزاء بِالنِّسْبَةِ إلى الكل عَلَىٰ كُلّ من 1- المغايرة والازدواجية الاعتبارية واللحاظية بين الجزء والكل و2- التوقف والترتب الطبعي للكل عَلَىٰ الجزء، ومن هذه الجهة تصدق الْمُقَدَِّمِيَّة، كما يمكن أن يكتفي الإنسان بهذا المقدار من سريان الوجوب الغيري ويقول: حينما نلحظ الأجزاء مُقَيَّدَةً ببعضها وبشكل مجموعي فِي اعتبار وحداني، تصبح مطلوباً نَفْسِيّاً، ولكن حينما نلحظ كُلّ فرد فردٍ من الأجزاء لا بشرط فَسَوْفَ تكون مطلوبات غيرية؛ لأَنَّ هذا الاعتبار وَاللِّحَاظِ يختلف عن اعتبار الكل وَاللِّحَاظِ المجموعي للأجزاء.

كان هذا إيضاحاً للبحث الأَوَّل، وقد تبين أن البحث الأَوَّل لَيْسَ بَحْثاً لَفْظِيّاً وَإِنَّمَا هو بحث ثبوتي.

     وأَمَّا البحث الثَّانِي: فكان حول الوجوب الغيري لِلْمُقَدَّمَةِ الدَّاخِلِيَّة (أي: الأجزاء)، وقلنا: قد استدل عليه بدليلين عليه:

     الدَّلِيل الأَوَّل: أن مُقْتَضَىٰ الوجوب الغيري غير موجود فِي المقام.

     الدَّلِيل الثَّانِي: وجود المانع العقلي (الامتناع).

     أَمَّا الدَّلِيل الأَوَّل: فقد ذكره الخراساني فِي حاشيته عَلَىٰ الكفاية، وهو وجه وجداني يمكن البرهنة عليه، خاصة عَلَىٰ مبنى صاحب الفصول الَّذِي يعتقد بوجوب الْمُقَدَِّمَة الموصلة، لا مطلق الْمُقَدَِّمَة. وكان حاصل الوجه الأَوَّل أن المقتضي والسبب والملاك لسريان الأمر الغيري إلى الْمُقَدَِّمَة هو توقف ذي الْمُقَدَِّمَة عليها وعدم تحول الأمر النفسي لها و لذلك يطلبها الآمر لأجل تَحَقُّق ذي الْمُقَدَِّمَة، وهذا طلب غيري، أي: لأجل ذاك الواجب النَّفْسِيّ. ومن هنا لو رأى أن ذاك الأمر النَّفْسِيّ قد تعلق بتلك الْمُقَدَِّمَة فَسَوْفَ لا وجه لتعلق إرادة أو وجوب آخر بها، لا لنكتة اللغوية حتَّى يقال: إن الإرادة والشوق من الصفات النفسانية والصفات النفسانية ليست اختيارية كالجعل ووجوب الْفِعْل لكي تجري فيها اللغويةُ، وَإِنَّمَا لنكتة أن الغرض من إرادة المولى لشيء تحصيله وهذا يكون فيما لم تتعلق به إرادته النفسية ومجرد تعدد اللحاظ لو فرض ليس كافياً في تعلق الإرادتين بالملحوظ الواحد.

     وبعبارة أخرى أوَّلاً: الوجدان حاكم بأن مجرد التعدد والتغاير الاعتباري واللحاظي لَيْسَ كافياً إذا كان ملحوظهما واحداً (مثل ذات الركوع والسجود وغيرهما مِمَّا يكون ملحوظهما واحداً سَوَاء لوحظا بلحاظ اللابشرط أم لوحظا بشرط انضمام باقي الأجزاء). وهذا المقدار من التوحد بين ذوات الأجزاء وبين الكل وَالْمُرَكَّب الاعتباري (والَّذِي هو هذه الأجزاء نفسها) بقيد الانضمام والمجموعية والمعية، يكفي لأجل أن لا يطلب الآمر إياها فرداً فَرْداً بإرادة أخرى غير الإرادة النَّفْسِيَّة، وهذا مطلب جلي وواضح جِدّاً كما أَنَّهُ أمر وجداني وتامّ حتَّى لو سلمنا بمبنى الخراساني من أن مطلق الْمُقَدَِّمَة واجب.

     وَثَانِياً: بناءً عَلَىٰ المبنى الصَّحِيح من أن الْمُقَدَِّمَة الموصلة هي الواجب وأن الْمُقَدَِّمَة غير الموصلة من الأساس ليست متعلقة للوجوب الغيري، ما يقع متعلقاً للوجوب الغيري هو مجموع المقدمات الموصلة إلى ذي الْمُقَدَِّمَة، ولا يوجد أكثر من وجوب غيري واحد فيها، وليس صحيحاً أَنْ يَكُونَ لِكُلّ جزء منها وجوباً غيرياً مستقلاً، لازم هذا المبنى أَنْ يَكُونَ مجموع الأجزاء الموصل إلى الكل وَاجِباً غَيْرِيّاً، وهذا عين الكل اعتباراً ولحاظاً أيضاًفضلاً عنه واقعاً. أي: لا توجد ثنائية ومغايرة فِي عالم الاعتبار بين الْمُقَدَِّمَة الموصلة الدَّاخِلِيَّة وبين الكل، بل إن مجموع الأجزاء متحد مع الْمُرَكَّب حتَّى عَلَىٰ صعيد الاعتبار وَاللِّحَاظِ الذهني. وبهذا يظهر أيضاً أنه يَتُِمّ كلام المحقق العراقي & فِي المقام ولكن لا لنكتة طولية وحدة الكل للأمر (الَّذِي أفاده &) بل لنكتة أخذ قيد الموصلة فِي مُتَعَلَّق الوجوب الغيري كما تَقَدَّمَ شرحه وتوضيحه.

     والحاصل أَنَّهُ بناء عَلَىٰ وُجُوبِ الْمُقَدَِّمَة الموصلة فقط، تصبح الْمُقَدَِّمَة الدَّاخِلِيَّة الموصلة عينَ الكل ( حتَّى فِي الاعتبار وَاللِّحَاظِ) وبذلك تزول المغايرة والإثنينية فتزول الْمُقَدَِّمِيَّة وينتفي موضوع الوجوب الغيري. وهذا برهان عَلَىٰ عدم الْمُقْتَضِي والملاك، لا مجرد وجدان.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo