< قائمة الدروس

بحث الأصول آيةالله السيد محمود الهاشمي‌الشاهرودي

33/02/07

بسم الله الرحمن الرحیم

انتهينا من البحث عن الْمُقَدَِّمَة الدَّاخِلِيَّة والأجزاء، وقد حاول المحقق العراقي & أن يذكر فِي ذيل هذا البحث ثمرةً لوجوب الْمُقَدَِّمَة الدَّاخِلِيَّة، ولكن حيث أن هذا البحث غير مهم وتلك الثمرة غير صحيحة لا نخوضها.

التقسيم الثَّانِي: من تقسيمات الْمُقَدَِّمَة تقسيمها إلى متقدمة ومقارنة ومتأخرة، فقد يقال فِي هذا التقسيم بإمكانية الشَّرْط المقارن دون الشَّرْط المتأخر، فقد وقع الكلام فِي إمكانية الشروط المتأخرة عن الواجب، مثلاً يقولون فِي غسل المستحاضة لصلاتي المغرب والعشاء أن هذا الغسل شرط لصحة الصيام فِي اليوم الماضي أو شرط لأصل وجوب الصيام فِيه، أو مثلما يقال فِي أن الإجازة المتأخرة للمالك شرط فِي صِحَّة العقد الفضولي، أو أَنْ تَكُونَ القدرة عَلَىٰ الإتيان بالواجب فِي زمانه شرطاً فِي الوجوب السابق، أي: من كان مستطيعاً فِي زمان الحج وحياً وصحيحاً وقادراً يصبح الحج واجباً عليه من بداية السنة، وهكذا أمثلة ليست قليلة فِي الفقه مِمَّا يكون زمان شرط الوجوب أو الواجب فيها متأخراً عن زمان المشروط، سَوَاء كان المشروط وَاجِباً أم وجوباً متقدماً.

وهكذا نشأ الإشكال والشبهة فِي أن الشَّرْط هو أحد الأجزاء للعِلَّةِ والَّذِي يُصَحِّحُ قابليةَ القابلِ أو فاعلية الفاعل، فكيف يمكن أَنْ يَكُونَ متأخراً عن المشروط؟ ومعنى ذلك أن يتشكل أحد أجزاء العلة بعد المعلول وهذا مستحيل؛ لأَنَّه إذا لم يكن لذاك الشَّرْط أو الجزء العلة أي تأثير فِي المعلول المتقدم فلا يكون شَرْطاً أو جزءاً للعلةِ، وإذا كان لأي منهما تأثير فنتساءل عن ظرف تَحَقُّق ذاك التأثير؟ فإن الشَّرْط غير موجود فِي زمان المعلول والمشروط، والمعدوم لا يؤثِّر فِي الموجود، وهو فِي زمانه متأخر فلا يكون مشروطاً ومعلولاً، إذن يستحيل الشَّرْط المتأخر.

وقد وسّع الخراساني هذا الإشكال العقلي وذهب إلى سريان هذا البحث إلى الشَّرْط المتقدم أَيْضاً، وإذا كان شرطٌ ما متقدماً ولم يكن الواجب أو الوجوب متوفراً بعدُ، فكيف يُؤَثِّر الشَّرْط المتقدم فيه، وفي المستقبل حينما يأتي المشروط يكون الشَّرْط منعدماً. وِمِنْ هُنَا وَسَّعَ الْخُرَاسَانِيّ الإِشْكَالَ، فَعَلَى مَنْ لا يستطيع الإجابة عن إشكال الامتناع أن يؤوّل ما يثبت من الشروط أَنَّهَا شرط متأخر أو متقدم فِي الفقه ويُرجع تلك الشروطَ إلى الشَّرْط المقارن، فعلى سبيل المثال يجب عليه أن يجعل عنوان >تعقب الشَّرْط< شرطاً، ويعتقد بأن عنوان تعقب الْفِعْل واتصافه بأن >الفعل الفلاني سوف يقع بعده فِي عمود الزمان< ثابتٌ منذ البداية، وهذا الوصف هو الشَّرْط المقارن، وَبِالتَّالِي تلك الروايات الَّتِي اشترطتْ الغسلَ فِي وجوب الصيام أو فِي صحته كانت ترمي إلى شرطية التعقب، ولعل لهذا آثار فِي الفقه.

وَأَمَّا إذا لم نؤمن بامتناع الشَّرْطِ المتأخر فَحِينَئِذٍ نَتَمَسَّك بظواهر الأَدِلَّة والروايات ونحمل آثارها أَيْضاً، وقد أشرنا سَابِقاً إلى أن هذا البحث لا يختص بشروط الواجب (أي: مقدمات الواجب) وَإِنَّمَا يجري فِي شروط الوجوب أَيْضاً، بل إنها الأساس فِي البحث، وأن الشَّرْط المتأخر لا يواجه إشكالاً أساسياً فِي شروط الواجب والإجابة عنه سهلة كما سوف يأتي، ومن هنا وقع الكلام فِي إمكان الشَّرْط المتأخر وعدم إمكانه فِي ثلاث نقاط:

النُّقْطَة الأولى: الشَّرْط المتأخر للحكم نفسه سَوَاء الحكم التَّكْلِيفِيّ (كوجوب الحج المشروط بالقدرة فِي المستقبل) أو الوضعي (كالملكية فِي البيع الفضولي المشروطة بالإجازة فِي المستقبل).

النُّقْطَة الثَّانية: الشروط المتأخرة فِي مُتَعَلَّق الحكم (أي: الواجب) كغسل المستحاضة حيث يقال فيه بأنه يشترط فِي صيام المستحاضة أن تغتسل فِي الليلة المقبلة لصلاتي المغرب والعشاء مضافاً إلى أغسالها اليومية، مع أن غسلها فِي الليل كان بعد مضي الصيام فِي نهار تلك الليلة حيث ينتهي وقتُ الصيام بمجرد دخول المغرب، ولكن غسلها لصلاتها المغرب والعشاء هو الَّذِي يُصحِّحُ صيامها فِي النهار المتقدم عَلَىٰ ذلك. أَيْ: تعلق الأمرُ بصومٍ تلفه الأغسالُ النهارية والأغسال الليلية أَيْضاً حيث يكون غسل الصباح شرطاً متقدماً وغسل الظهر شرطاً مقارناً وغسل الليل شرطاً متأخراً. إذن إن لمتعلق وجوب الصوم ثلاثة قيود: 1)- غسل الفجر و2)- الغسل فِي النهار و3)- الغسل فِي الليل وهذا هو الشَّرْط المتأخر فِي مُتَعَلَّق الحكم، وهذا من مقدمات الواجب وقيوده، ولٰكِنَّهُ مُقَدَِّمَة متأخرة عن ذي الْمُقَدَِّمَة، وقد تقيَّد الواجب بقيد متأخر عنه.

النُّقْطَة الثَّالثة: فِي الشَّرْط المتقدم والَّذِي أفاده الخراساني سَوَاء كان الشَّرْط للوجوب أو للواجب.

ويجب دراسة إشكال الامتناع فِي هذه الموارد الثَّلاَثة، والإشكال فِي شروط الحكم أقوى منه فِي شروط الواجب حيث أن مثل الميرزا ذهب إلى الامتناع فِي شروط الحكم بينما أجاب عن الإشكال فِي شروط الواجب:

1)- الشَّرْط المتأخر فِي الأحكام

ذكر الخراساني فِي الشروط المتأخرة للحكم أَنَّ الشَّرْط بوجوده الخارجي قد يكون شرطاً متأخراً وقد يكون شرطاً متقدماً، إِلاَّ أَن هذه الشروط كُلّهَا شروط مقارنةً فِي واقعها وحقيقتها؛ لأَنَّ الحكم لَيْسَ أمراً حَقِيقِيّاً فِي الخارج وَإِنَّمَا هو أمر اعتباري ظرف تحققه عالَم نفس المولى والجاعل فيتقوّم بلحاظ الجاعل وتصوره للشَّرْطِ، فالآمر يتصور الْمَوْضُوع والمحمول وشروطه فيصدِّق بوجود المصلحة فيها فيحصل له الشوق والإرادة ويأمر به، وبجعل الوجوب أو تَحَقُّق الإرادة لا يتحقق شيء فِي الخارج، بل يحصل جميع ذلك فِي عالم النفس، وحيث أن شروطه عبارة عن تصور أو تصديق الْمَوْضُوع والمحمول وشروطهما، لا تحققهما الخارجي، فتكون الشروط مقارنة بحسب الحقيقة دَائِماً.

إذن، إن شرطية الشَّرْط للحكم ليست بوجود الشَّرْط الخارجي وَإِنَّمَا الشَّرْط هو وجوده التَّصْدِيقِيّ ولحاظه فِي حكم المولى وهو الأمر الَّذِي يتزامن ويتقارن مع جعل المولى أو إرادته دَائِماً ولا يتأخر عنه ولا يتقدم عليه، وما يتقدم أو يتأخر لَيْسَ إلا الوجود الخارجي والَّذِي هو المحكي الخارجي للحكم وَالشَّرْط وليس هو الحكم نفسه.

إذن، حيث أن الأحكام أمور اعتبارية وهي أمور لا تحظى بحقيقة خارجية وَإِنَّمَا هي وجودات ذهنية فِي عالَم نفس المُعْتَبِر الموجود، وليس الشَّرْط إلا وجوده الذهني، فيكون مقارناً للحكم دَائِماً.

 

ملاحظة الميرزا:

وللميرزا النَّائِينِيّ ملاحظة عَلَىٰ كلام الخراساني بأن كلام الأخير إِنَّمَا يصح بِالنِّسْبَةِ إلى الجعل دون المجعول الفعلي، فقد وقع خلط مِنْ قِبَلِه بين الجعل والمجعول؛ لأَنَّ هذا شأن القضية الكلية الَّتِي يجعلها المولى، فلا يمكن للمولى أن يجعلها قبل أن يتصور الْمَوْضُوع والمصلحة وَالشَّرْط، ولحاظ هذه الأمور وتصورها شرط مقارن مع جعل القضية الحقيقية، لٰكِنَّهُ لَيْسَ محل البحث ذلك وَإِنَّمَا البحث فِي الْحُكْمِ بمعنى >المجعول الفعلي< وهو لا يصبح فِعْلِيّاً طالما لم يتحقق الوجودُ الخارجي للموضوع وَالشَّرْط، فَمَثَلاً ما لم يصبح الْمُكَلَّف مستطيعاً خارجاً، لا يصبح وجوب الحج فِعْلِيّاً عليه ولا توجد مُحَرِّكِيَّة فِي البين، وجعل وجوب الحج عَلَىٰ المستطيع عَلَىٰ نحو القضية الحقيقية لا يستوجب فِعْلِيَّة الوجوب لغير المستطيع ما لم يصبح مستطيعاً خارجاً. إذن، قبل أن يتحقق الشَّرْط خارجاً لا يوجد لدينا وجوب بمعنى الحكم المجعول.

وكذا الحال فِي الملكية الَّتِي هي حكم وضعي؛ لأَنَّهُ إذا لم تصدر إجازة خارجية من المالك لا تحصل لدينا ملكية خارجية، وجعل القضية الحقيقية لا تُحصِّل الملكيةَ الخارجية وقبل صدور الإجازة الخارجية لا توجد ملكية فِي البين، وهذه المرحلة من الحكم (أي: الحكم بمعنى المجعول الفعلي) مشروطة بالوجود الخارجي للشرط وهو متأخر، فيعود الإشكال.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ جعل القضية المشروطة فِي القضايا الحقيقية متقوّم بلحاظ الشَّرْط وهو مقارن. وَأَمَّا الشَّرْطُ بلحاظ المجعول الفعلي فهو الوجود الخارجي للشرط وهو متأخر، فإن الأمر الَّذِي لم يحصل بعدُ يريد أَنْ يَكُونَ سبباً وجزء عِلَّةٍ لفعلية الحكم التَّكْلِيفِيّ أو الوضعي من قبلُ، وهذا مستحيل؛ لأَنَّ فِعْلِيَّة ذاك الحكم كفعلية القضايا الحقيقية الوجودية حيث أن الشَّرْط خارجاً جزء عِلَّة لهذه الفعلية، فلا يمكن أَنْ يَكُونَ متأخراً، وهكذا فقد قسم الميرزا النَّائِينِيّ الحكمَ إلى مرحلتين وقال: إن كلام الخراساني إِنَّمَا يصح فِي المرحلة الأولى وهي الحكم بمعنى >جعل القضية الحقيقية< ولا يَتُِمّ فِي المرحلة الثَّانية للحكم الَّتِي تعني المجعول الفعلي.

نعم، الجعل فِي الأوامر الشخصية فِي الأحكام المجعولة عَلَىٰ نحو القضية الخارجية، المولى بنفسه يُحرز القيودَ ولا يجعل أمره مشروطاً، فعلى سبيل المثال حينما يرىٰ الأب أن ابنه مستطيع يأمره بالقيام بالعمل الفلاني، فَحِينَئِذٍ الأمر فعلي حتَّى لو لم يكن الشَّرْط موجوداً واقعاً، والمولى قد أخطأ فِي التحديد، لا أن لا يكون قد أمر؛ لأَنَّهُ قد أمر عَلَىٰ نحو القضية الحملية الفعلية والمطلقة، بينما لَيْسَ الأمر هكذا في القضايا الحقيقية وَالَّتِي هي شرطية، فالمولى يجعل الملازمةَ وَالشَّرْطِيَّة. فصحيح أن المولى يلحظ الاستطاعة ويتصورها ويرى أن الملاك موجود فِي المستطيع ولكن ذلك إِنَّمَا هو سبب لجعل القضية الكلية الشَّرْطِيَّة الَّتِي يعبر عنها بالقضية الحقيقية وَالَّتِي يكون المجعول فيها حينما تتوفر الاستطاعة خارجاً.

إذن، إن الحكم بمعنى المجعول دَائِماً منوط بواقع الشَّرْط وبوجوده الخارجي، وَحِينَئِذٍ يعود الإشكال والميرزا يرىٰ أن هذا الإشكال مسجل فِي باب الشَّرْط المتأخر للأحكام، ومن هنا ذهب إلى امتناع الشَّرْط المتأخر فِي الْحُكْمِ ولذلك أصبح بحاجة إلى التأويل فِي الفقه.

أَمَّا سَيِّدُنَا الأُسْتَاذُ الشَّهِيدُ & فقد شرح أطوار الحكم لكي يتبين هل أن هذا الإشكال مسجل عَلَىٰ الخراساني أم لا؟ ومن هنا قسم الحكم إلى ثلاث مراحل، ذكر الميرزا مرحلتين منها، والمرحلة الثَّالثة هي مرحلة الملاك ومصلحة الحكم حيث يجب أَنْ يَكُونَ الشَّرْط المتأخر مأخوذاً فيه أَيْضاً وَإلاَّ فلم يكن يقع شرطاً للحكم، وقد قلنا سَابِقاً إن شروط الوجوب إِنَّمَا هي شروط الاتصاف.

ويصعب الإشكال فِي هذه المرحلة أكثر من ذي قبل؛ لأَنَّهُ كيف يمكن للشرط المتأخر أَنْ يَكُونَ مؤثراً فِي الملاك، مع كون الملاك أمراً تَكْوِينِيّاً ومن الواضح أَنَّهُ فِي الأمور التكوينية لا يمكن أَنْ يَكُونَ الأمر المتأخر شرطاً وجزءاً للعِلَّةِ فيها.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo