< قائمة الدروس

بحث الأصول آيةالله السيد محمود الهاشمي‌الشاهرودي

33/02/12

بسم الله الرحمن الرحیم

كان الكلام فِي الشَّرْط المتأخر فِي الأحكام وذكرنا الشَّرْط المتأخر فِي الْحُكْمِ بلحاظ عالم الجعل والمجعول الفعلي، وأجبنا عن الإشكال الموجه إليه، وبقي الحديث عنه بلحاظ عالم الملاك والَّذِي يُعَدُّ مرحلة أخرى للحكم؛ لأَنَّ للأحكام ملاكات وهي أغراض تكوينية وخارجية. وما هو شرط فِي الْحُكْمِ يقع شرطاً للوجوب من منطلق كونه دخيلاً فِي الملاك، فإن الاستطاعة - مثلاً - دخيلة فِي أَنْ يَكُونَ للحج ملاك، والعطش الَّذِي هو شرط لوجوب شرب الماء يوجب أَنْ يَكُونَ لشرب الماء ملاك ومنفعة. إذن إن شروط الوجوب دخيلة فِي اتصاف الْفِعْل بالملاك.

وَحِينَئِذٍ نَتَحَدَّثُ عن أن باب الملاك (كالوجوب والإرادة) لَيْسَ أَمْراً اعْتِبَارِيّاً أو مرتبطاً بعالم النفس حتَّى يقال بأن شرطه هو الوجود العلمي دون الوجود الْوَاقِعِيِّ، وَإِنَّمَا هو من باب التكوين، وأن احتواء شيء لملاك من الملاكات مرتبط بعالم التكوين والخارج، ومعناه أن ذاك الشَّرْط الخارجي سبب لإيجاد المصلحة ونشوء الملاك فِي الْفِعْل، وهذه هي السَّبَبِيَّة التكوينية والخارجية الَّتِي يستحيل فيها الشَّرْط المتأخر من دو أي إشكال. وما يسبب أن يَكُونَ للفعل مصلحة (إذا كان زمان وجوده مُتَأَخِّراً عن زمان الْفِعْل) هو تأثير المتأخر فِي المتقدم، ولذلك يرد إشكال امتناع الشَّرْط المتأخر بِالنِّسْبَةِ إلى عالم ملاكات الأحكام، ولا تأتي الإجابات السابقة حول عالم الجعل والمجعول الفعلي، ويجب التفتيش عن إجابة أخرى.

 

موقف سَيِّدِنَا الأُسْتَاذِ الشَّهِيدِ:

يذكر سَيِّدُنَا الأُسْتَاذُ الشَّهِيدُ الصَّدْرُ & بهذا الصدد صورتين لتأثير الشَّرْط المتأخر فِي مرحلة ملاك الحكم، وهما صورتان معقولتان وخاليتان من إشكال تأثير المتأخر فِي المتقدم، ونحن نضيف إليهما صورة أخرى ليكون مجموع صور تأثير الشَّرْط المتأخر فِي ملاك الحكم (مِنْ دُونِ أن يلزم منه تأثير المتأخر فِي المتقدم) عبارةً عن ثلاث صور:

الصُّورَة الأولى: أَنْ يَكُونَ الشَّرْط المتأخر دَخِيلاً فِي اتصاف الْفِعْل بالملاك (أي: حصول الحاجة إلى ذاك الْفِعْل) فِي ذاك الزمان المتأخر إلا أَنَّهُ لا يَكُونُ الإتيان بالفعل مقدوراً أو ميسوراً لِلْمُكَلَّفِ فِي زمان الشَّرْط وَإِنَّمَا يكون ميسوراً له قبل ذلك، ومن هنا يأمر المولى بذاك الفعل من قبلُ، ولكن بشرط أن يتحقق ذاك الشَّرْط المتأخر. ومثاله أن يأمر المولى بجلب الدواء أو الماء له قبل السفر وذلك إذا لم يتيسر تحصيل الدواء أو الماء فِي السفر حين حصول المرض أو العطش؛ لأَنَّ الاتصاف بالملاك وحدوث الحاجة إليه إِنَّمَا يحصل فِي فرض تَحَقُّق الشَّرْط، ولكن إذا ربط المولى الوجوبَ به بنحو الشَّرْط المقارن فَسَوْفَ لا يكون مقدوراً، ومن هنا يُجبر أن يجعل الوجوب مقدماً عَلَىٰ زمان تَحَقُّق الشَّرْط، ولكن بشرط أن يتحقق ذاك الشَّرْط؛ لأَنَّهُ إذا لم يتحقق الشَّرْط لا يحتاج إلى الدواء أو الماء، ويمكن أَنْ يَكُونَ مطلقُ الْفِعْل وجامعُهُ (سَوَاء السابق واللاحق) كافياً لرفع الحاجة، ولمصلحة التسهيل يجعل المولى الأمرَ قبل ذلك حتَّى يختار الْمُكَلَّفُ ما يتيسر له ويسهل عليه.

إذن، لا يلزم من تأثير الشَّرْط الْمُتَأَخّر فِي الْحُكْمِ المتقدم تأثيره فِي الملاك المتقدم كي يلزم منه محذور تأخر السَّبَب عن المسبب، بل إن الشَّرْط سبب للاتصاف فِي زمان الشَّرْط وهو سبب مقارن للمسبب، ولكن المولى يجعل الوجوبَ من قبلُ لمصلحة اللزوم أو التسهيل عَلَىٰ المكلفين، وهذا مطلب عرفي وكثير الوقوع فِي أغراض البشر التكوينية، فضلا عن الأغراض الشَّرْعِيَّة.

الصُّورَة الثَّانية: يمكن أَنْ يَكُونَ للعمل مصلحة فِي نفسه وأن يكون السَّبَب فِي اشتراط وجوبه بِالشَّرْطِ المتأخر هو أَنَّهُ إذا لم يتحقق الشَّرْط المتأخر يلزم منه مفسدة توجب انكسار تلك المصلحة وفقدانها لمفعولها، كما إذا وجدت مصلحة فِي أكله هذا الطعام ولكن بشرط أن لا يصاب بالزكام غداً؛ لأَنَّهُ إن أصيب بالزكام فسوف يسبب هذا الزكام حدوثَ مفسدة كبيرة تمحي أثر تلك المصلحة، ومن هنا يأمر بتناول هذا الطعام بشرط أن لا يصاب بالزكام غَداً، أو أَنْ يكون فقدان الشَّرْط سَبَباً لارتفاع الملاك وعدم بقائه. إذن، إن تَمَامِيَّة هذه المصلحة متوقفة عَلَىٰ تَحَقُّق الشَّرْط المتأخر، وإذا لم يتحقق فَسَوْفَ يفوت بقاء ما له المصلحة، ومن هنا يأخذ الشَّرْط المتأخر فِي الْحُكْمِ وهذا تصوير معقول وعرفي وكثير الوقوع أَيْضاً، مِنْ دُونِ أن يستلزم تأثيرَ السبب المتأخر فِي المسبب المتقدم.

الصُّورَة الثَّالثة: ما تَقَدَّمَ منّا فِي شروط الوجوب حيث قلنا إن شروط الوجوب إذا كانت اختيارية يجب أَنْ تَكُونَ دخيلة فِي الاتصاف، وَإلاَّ فإن المولى لم يكن ليتخذها شروطاً، وَأَمَّا إذا كانت غير اختيارية (مثل زمان >زوال شهر رمضان وغيره< أو القدرة والعجز) يجب عَلَىٰ المولى أن يجعله قَيْداً للوجوب وليس للواجب (حتَّى إذا لم يكن دَخِيلاً فِي الاتصاف؛ لأَنَّهُ إن جُعل قَيْداً للواجب فَسَوْفَ يكون من التكليف بغير المقدور ويكون غير اختيارياً وهو قبيح أو باطل.

وَحِينَئِذٍ فِي مثل هذه الشروط للوجوب (كالقدرة عَلَىٰ الوقوف فِي عرفاتٍ والحج فِي أيام الحج) يأخذها المولى بنحو الشَّرْط المتأخر فِي وجوب الحج منذ زمان حصول الاستطاعة وهو زمان سابق عَلَىٰ أيام الحج، لكي يصبح الْمُكَلَّف القادر عَلَىٰ الحضور فِي عرفاتٍ فِي أيام الحج ملزَماً بالحضور وأن لا ينتظر يوم عرفة لكي يقول: لا أستطيع الإتيان بالحج؛ فَإِنَّهُ إذا كان يأخذه بنحو الشَّرْط المقارن لوجوب الحج كان يفوته الحج.

إذن، مثل هذا الشَّرْط للوجوب أساساً لَيْسَ دَخِيلاً فِي الاتصاف بالملاك فِي مثل هذه الشروط المتأخرة للوجوب، حتَّى يقال بأنه يلزم منه تأثير المتأخر فِي المتقدم، بل الاتصاف بالملاك فعلي وَالشَّرْط المتأخر شرط فِي التحقق، ولكن حيث أَنَّهُ غير اِخْتِيَارِيّ يجب أن يقع شرطاً للوجوب عَلَىٰ نحو الشَّرْط المتأخر. وهكذا يتبين أن بحث امتناع الشَّرْط المتأخر فِي باب الأحكام لَيْسَ صحيحاً بلحاظ عالم الملاكات أَيْضاً.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo