< قائمة الدروس

بحث الأصول آيةالله السيد محمود الهاشمي‌الشاهرودي

33/02/14

بسم الله الرحمن الرحیم

القسم الثَّالِث: المشكلة فِي الشَّرْط المتقدم حيث أضاف الخراساني أن إشكال الشَّرْط المتأخر نفسه يرد عَلَىٰ الشَّرْط المتقدم أَيْضاً، كالغسل قبل الفجر لتصحيح صيام المستحاضة، أو الوضوء لأجل الصَّلاَة؛ لأَنَّهُ يجري برهان امتناع تأخر الشَّرْط عن المشروط وَالسَّبَب عن المسبب فِي الشَّرْط المتقدم أَيْضاً، وكيف يمكن لشرطٍ أَنْ يَكُونَ له تأثير قبل توفر الواجب المشروط، وفي المستقبل حينما يصبح الواجب مَوْجُوداً لا يعود الشَّرْط مَوْجُوداً، وهذا هو الإشكال العقلي الَّذِي يطرحه الخراساني ثُمَّ يجيب عنه بإجابة مشتركة في الشَّرْط المتقدم والمتأخر والمقارن بأنه يشترط لحاظ العلم ووجوده ولا يشترط الوجود الخارجي للشرط.

طَبْعاً، إِنَّهُ ذكر بشأن الملاك الواجب أنَّ الإضافةَ الحاصلة بين الواجب وَالشَّرْط هو الَّذِي يُسبب اتصافَ الْفِعْل بالحسن والقبح، والحسن والقبح أمران اعتباريان يختلفان بالوجوه والاعتبار، أَيْ: أَن الأمور الاعتبارية تُؤثِّر فيها أثرَها، وليس الكلام عن الإيجاد والوجود وَالسَّبَبِيَّة.

وقد أجبنا عن هذا الكلام سَابِقاً وقلنا: إِنَّهُ غير تَامّ؛ ذَلِكَ لأَنَّ الملاك لو كان أَمْراً تَكْوِينِيّاً (وهو السائد فِي قيود الواجب) فلا شَكّ فِي أن كثيراً من المقدمات والشروط والمقدمات المتقدمة فِي الواجبات الشَّرْعِيَّة والعرفية من هذا القبيل، ومن هنا نحتاج إلى جواب آخر. طَبْعاً، لا توجد مشكلة فِي أن يقع الشَّرْط المتقدم فِي عالم الجعل قَيْداً للواجب؛ لأَنَّ مرجعه - كما تَقَدَّمَ - إلى تقييد مُتَعَلَّق الوجوب، وهذه تضيّق الخناق عَلَىٰ الْمُتَعَلَّق وتجعلها خاصة بالحصة الواجدة للقيد، سَوَاء كان القيد مقدماً عَلَىٰ الواجب أو مقارناً له أو متأخراً عنه، ولا أثر لقيد الواجب وشرطه فِي الوجوب، كما لا محذور فِي تضييق إطلاق الْمُتَعَلَّق، وما لم يتشكّل الْمُقَيَّد فِي الخارج لا يَتُِمّ امتثال الواجب، فإن تَحَقُّق الْمُقَيَّد فِي الخارج فِي طول تَحَقُّق قيده ولا محذور فيه، وهذا شأن الأجزاء والأفعال الَّتِي تقع متعلقات للأمر فِي الْمُرَكَّب الواحد وتكون تدريجية الحصول.

إذن، لا نواجه مشكلةً فِي شروط الواجب ومقدماته (سَوَاء المقارن منها أو المتأخر أو المتقدم) بِالنِّسْبَةِ إلى عالم مُتَعَلَّق الوجوب، ولكن بِالنِّسْبَةِ إلى عالم ملاكات الواجب حيث أن شروط الواجب تَتَدَخَّلُ فِي تَحَقُّق ملاك الواجب والملاك أمر تكويني، يلزم منه إشكال انفكاك السَّبَب عن المسبب؛ لأَنَّ شروط كُلّ واجبٍ مؤثرة فِي تحصيل ملاك الواجب نفسه، ويرد الإشكال العقلي (الوارد فِي الشَّرْط المتأخر للواجب) بذاته فِي الشَّرْط المتقدم أَيْضاً، ولا يَتُِمّ فِي هذه المرحلة شيء من الجوابين المقدَّمين من الخراساني، بِأَنْ يَكُونَ السَّبَب فِي ذلك اشتراط الوجود العلمي وَاللِّحَاظِ الذهني للشروط وهو مقارن؛ لأن الوجود العلمي ولحاظ المولى شرط فِي الجعل، لا فِي عالم ملاكات الواجب، بل ما هو دخيل فِي تَحَقُّق الملاك فِي الْفِعْل هو واقع الشَّرْط، وعلم المولى إِنَّمَا هو طريق إلى واقع الشَّرْط، فليس الشَّرْط هو اللِّحَاظِ ولا إضافة الواجب إلى الأمر المتأخر أو المتقدم؛ فَإِنَّ هذه الإضافة أمر اعتباري أَيْضاً بإمكانها أَنْ تَكُونَ منشأً ووجهاً لاتصاف الْفِعْل بالحسن والمطلوبية، والحسن والقبح إِنَّمَا هما بالوجوه والاعتبارات؛ لأَنَّنَا إن آمنّا بهذا المطلب فِي باب الحسن والقبح فَإِنَّهُ لا يصح فِي الملاك بمعنى الفائدة والمصلحة الَّتِي هي أمر تكويني خارجي.

والإجابة الصحيحة ما تقدمت فِي شرط الواجب المتأخر من أن الشَّرْط المتقدم يوجِد حالةً فِي الْمُكَلَّف أو فِي الخارج، وهذه الحالة تبقى إلى زمان تَحَقُّق الواجب، كالنورانية الَّتِي يقال بِأَنَّهَا تحصل بواسطة الطهور، وهذه الواسطة هي الَّتِي تُخلَق مقارناً مع الشَّرْط وتبقى إلى زمان تَحَقُّق الْفِعْل الواجب (كالصلاة أو الصيام) عَلَىٰ موضوعه، وبقاؤها إِنَّمَا هي ببقاء موضوعها كالبَنَّاء الَّذِي يبني بِناءً أو النجار الَّذِي يصنع سريراً، ويبقى فِي موضوعه فلا مشكلة فِي ذلك. وتلك الحالة فِي زمان الْفِعْل الواجب تؤثِّر فِي تحصيل ملاك الْفِعْل الواجب ومصلحته وتقارنه أَيْضاً.

إذن، لا يلزم من ذلك تفكك السَّبَب عن المسبب أو الشَّرْط عن المشروط حتَّى فِي عالم ملاكات الواجب بمعنى المصالح التكوينية، ولهذا المطلب أمثلة عُرْفِيَّة وَعُقَلاَئِيَّة وشرعية كثيرة، كما إذا قال المولى: >نظف البيت فَإِنَّهُ يأتينا بعض الضيوف فِي هذه الليلة< فيجب عليه أن ينظف البيت قبل مجيء الضيوف لكي يكون البيت نَظِيفاً حين وصولهم، وهذه الحالة تبقى مَوْجُوداً إلى حين قدوم الضيوف حيث يؤثِّر أثره فِي حين قدومهم، وهذه النظافة والخدمة فيها مصلحة كاملة، فلا يكون من التأثير فِي المتأخر، ولم تُنتقض القاعدةُ الْعَقْلِيَّة.

 

تعبير المحقق الإِصْفِهَانِيّ:

أَمَّا المحقق الإِصْفِهَانِيّ وآخرون فقد قالوا بأن الشروط والمقدمات فِي المعلولات والمسببات الخارجية ليست دائماً من باب التأثير، بل إن هناك مقدمات وشروطاً للواجب تكون مؤثرة فِي إيجاد المسبَّب (ولو بنحو التأثير فِي فاعلية الفاعل أو فِي قابلية القابل) كما أن هناك شروطاً ومقدماتٍ غير مؤثرة، بل هي مقدمات إعدادية.

وبصدد الإجابة عن إشكال الخراساني (القائل بأنه كيف يمكن للشرط المتقدم أَنْ يَكُونَ دَخِيلاً فِي إيجاد الملاك وتحقق المصلحة) قالوا إن هذه الشروط من النَّوْع الثَّانِي أي: من المقدمات المعدِّة، فهي تُهَيِّؤُ إمكانية تَحَقُّق الْفِعْل من الفاعل، لا أَنْ يَكُونَ مُؤَثِّراً فِي فاعلية الفاعل والمقتضي أو فِي قابلية القابل حتَّى يقال: يستحيل أن يتقدم عَلَىٰ الواجب، بل إن مثل هذه الشروط تحصل قبل زمان الواجب وتكون متقدمة عليه عَادَةً؛ اتخاذ خطوات واجتياز مسافة والاقتراب من الكرسي للجلوس عليه، فهو مُقَدَِّمَة إعدادية تُهيؤ للفاعل إمكانية صدور فعل >الجلوس< منه؛ لأَنَّ هذا الإمكان بحاجة إلى أن يقترب من الكرسي فإذا كان قريباً منه يستطيع أن يجلس عليه. إذن، إن هذا الذهاب واجتياز المسافة يُعَدُّ مُقَدَِّمَةً إعدادية ولا يعتبر شرطاً مُؤَثِّراً فِي فاعلية الفاعل أو قابلية القابل. والخطوات الَّتِي يجتازها لا تزيد فِي قدرته كما لا تُقوِّي الكرسيَّ، وَإِنَّمَا تُبدِّل امتناع الجلوس إلى الإمكان. وهذا النمط من الشروط والمقدمات المتقدمة خارجة عن الشَّرْط المؤثر.

هنا يقول سَيِّدُنَا الأُسْتَاذُ الشَّهِيدُ & أن هذا كلام مشهور ورد فِي مصطلحات الحكماء -رحمهم الله - ولكننا لا نفهم معناه، إلا أَنْ يَكُونَ رَاجِعاً إلى كلامنا بأن يُرَاد منه أن أحد شروط تَحَقُّق الجلوس عَلَىٰ الكرسي هو اقتراب من يريد الجلوس عَلَىٰ الكرسي، فلو لم يكن قريباً منه لا يتحقق فعل >الجلوس<، كما أن النار لا تُحرق مِنْ دُونِ المجاورة، والذهاب واجتياز المسافة يُحدث حالةَ المجاورة والاقتراب فِي الإنسان، فيصبح مقارناً بلحاظ تَحَقُّق فعل >الجلوس<، وَبِالتَّالِي هذه الشروط تكون مُؤَثِّرةً بالواسطة وتوجب إيجاد القابلية فِي القابل أو الفاعلية فِي الفاعل، وهذه هي الواسطة الَّتِي قلنا بشأنها: إنها فِي واقعها شروط مُؤَثِّرةٌ، فلا ينبغي اتخاذها قسيماً للشرط المؤثر.

وَحِينَئِذٍ نقول: لو أريد بهذا النمط من الشروط والمقدمات أَنَّهَا غير مُؤَثِّرةً أبداً وأنها ترفع الامتناع فحسب (كما هو ظاهر الكلمات) فهذا مِمَّا لا يمكن قبوله؛ لأَنَّهُ إن أريد بارتفاع الامتناع ارتفاع الامتناع بالذات فهذا الامتناع لا يمكن ارتفاعه، ولو أريد به ارتفاع الامتناع بالغير (هو امتناع وجود شيء باعتبار انعدام علته)؛ فإن ارتفاع هذا الامتناع يكون بارتفاع عدم العلة بوجودها لكي يرتفع هذا الامتناع (أي: يجب أن يرفع منشأ الامتناع بالغير ومنشأ الامتناع بالغير هو انعدام العلة).

إذن، إن الْمُقَدَِّمَة الإعدادية رافعة لعدم العلة، والرافع لعدم العلة إِنَّمَا هو العلة والأجزاء والشروط المؤثرة فيها لا غير، فَلاَ بُدَّ وأن يرجع إلى تأثير ذاك الشَّرْط وتلك الْمُقَدَِّمَة فِي المسبب والمعلول، وما يعبر عنه أحياناً بأن >المقدمات الإعدادية تُحْدِثُ الإمكانَ الاستعداديَّ فِي تَحَقُّق المعلول< يجب أن يرجع إلى كلامنا، أي: يجب أن نرجع مَرَّة أخرى إلى تأثير الشَّرْط ولو بشكل غير مباشر، وَإلاَّ فلا نتعقله.

وهكذا ننتهي من البحث عن إمكان الشَّرْط المتقدم وَالشَّرْط المتأخر للواجب (سَوَاء فِي ناحية تعلق الوجوب به أم من ناحية تأثير تلك الشروط فِي تحصيل مصلحة الواجب وملاكه والَّذِي يمكن أَنْ يَكُونَ أَمْراً تَكْوِينِيّاً) وقد ثبت أن لا محذور فيه.

كما تبين أن المصب الأَسَاسِيّ للإشكال إِنَّمَا هو فِي الشَّرْط المتأخر فِي البحث الأَوَّل (أي: الشَّرْط المتأخر فِي الأحكام) والَّذِي ألحّ عليه الميرزا واختار الامتناع فيه، بل ادَّعَىٰ أن تصوّره كافٍ للتصديق به، والحل الأَسَاسِيّ لإشكال الشَّرْط المتأخر فِي الأحكام هو ما تَقَدَّمَ من تفكيك الحكم (سَوَاء الوضعي منه أم التَّكْلِيفِيّ) إلى مرحلة جعل القضية الكلية الحقيقية ومرحلة المجعول الفعلي ومرحلة الملاك، وقد ذكرت المحاذير المتقدمة فِي كُلّ واحدة من هذه المراحل مع الإجابة عليها، حيث أورد الميرزا إشكال الخلف والتهافت فِي اللِّحَاظِ فِي مرحلة جعل القضية الحقيقية الشَّرْطِيَّة وترتب الحكم عَلَىٰ الْمَوْضُوع المقدر الوجود. وكان الجواب عنه أن الشَّرْط لم يُلحظ بنحو القضية الماضوية، ومعنى ترتب الجزاء عَلَىٰ الشَّرْط هو أَنَّهُ كلما كانت جملة الشَّرْط محقَّقة وصادقة يتحقق الجزاء ويصدق. وَأَمَّا زمان جملة الشَّرْط الملحوظ منه الوجود فيُعقل أَنْ يَكُونَ متقدّماً أو مقارناً أو استقبالياً ولا تهافت فِي البين.

ويصح جواب الخراساني فِي مرحلة الجعل حيث يقول بأن لحاظ الشَّرْط ووجوده العلمي شرط للجعل، لا الوجود الخارجي، وَبِالتَّالِي يمكن للشرط أن يُلحظ بلحاظ ماضوي أو استقبالي.

ولكن لا يَتُِمّ هذا الجواب فِي مرحلة المجعول، ناهيك عن مرحلة الملاكات الَّتِي هي أمور تكوينية؛ لأَنَّهَا منوطة بواقع الشَّرْط ووجوده الخارجي، لا الوجود العلمي والذهني للمولى، بل إن علم المولى كالآخرين طريق إلى فِعْلِيَّة المجعول وإلى المصالح والملاكات.

والجواب الصَّحِيح في مرحلة المجعول الفعلي هو أن فِعْلِيَّة المجعول تَصَوُّرِيَّة وبالحمل الأَوَّلِيّ وليست تَصْدِيقِيَّة وبالحمل الشائع. أَيْ: أَن المجعول لَيْسَ أَمْراً حَقِيقِيّاً وَإِنَّمَا هو أمر تصوري وتخيّلي، فلا يتحقق شيء فِي الخارج أو فِي إرادة المولى ونفسه، فهو صرف انطباق الجعل عَلَىٰ الخارج وهو موضوع حكم العقل بالتنجز. إذن، يتبدل الإشكالُ والإجابة عنه فِي هذه المرحلة أَيْضاً. أَمَّا مرحلة الملاك فالاتصاف بالمصلحة والملاك والحاجة إلى الْفِعْل فيها لا يُعَدُّ من عالَم الاعتبار كي يمكن ربطه بالأمر الاستقبالي ويقال بانطباقه عَلَىٰ الخارج وأنه أمر تصوري ومن الحمل الأَوَّلِيّ، وَإِنَّمَا الاتصاف بالملاك كالملاك نفسه أمر تصديقي وخارجي، فكان هذا بحاجة إلى إجابة أخرى وقد تقدمت إجابات ثلاث عليه.

إذن، يجب التفكيك بين المراحل الثَّلاَثة للأحكام الدَّلِيل بحث الشَّرْط المتأخر للحكم (وهو مركز إشكال الامتناع) حتَّى يتبين إشكال الامتناع فيه أوَّلاً ويُجاب عن كُلّ مرحلة عن الإشكال بإجابة أساسية وفنية تُناسب تلك المرحلةَ.

فلا يصح ما ذكره البعض كالخراساني والمحقق العراقي من الإجابة الواحدة عن إشكال الشَّرْط المتأخر فِي جميع ذلك (سَوَاء فِي الأحكام أم فِي الواجبات ومتعلقات الأحكام أم فِي الشَّرْط المتقدم)، كما أن أساس جواب العراقي & مبتلى بملاحظات أخرى لا نرى ضرورة فِي التطرق إليها.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo