< قائمة الدروس

بحث الأصول آيةالله السيد محمود الهاشمي‌الشاهرودي

33/03/06

بسم الله الرحمن الرحیم

كان البحث في الواجب المشروط، وقد عرّفنا الواجبَ المشروطَ بِأَنَّهُ الواجب الذي وجوبه مشروط وَمُقَيَّد بشرطٍ يكون شَرْطاً للوجوب لا الواجب.

وقد ذكرنا بأَنَّ الوجوب بالنسبة للشرط يمكن أن يكون مشروطاً ويمكن أن يكون مطلقاً، وهذا الإطلاق والاشتراط هما أمران إضافيان يختلفان باختلاف الشروط.

وذكرنا كذلك أنه قد أشكل في الواجب المشروط بأنه هل بإمكان الشرط يكون شَرْطاً للوجوب أم لا؟ وهذا الإشكال ما أورده الشيخ & أيضاً ويمكن استفادة إشكالين من مجموع المطالب التي طرحها & في الواجب المشروط حيث أرجع الشَّرْطَ إلى المادة والواجب، لا إلى الوجوب.

الإشكال الإثباتيّ: هناك إشكال إثباتيّ في الجمل الإنشائيّة الدالَّة على الأمر والوجوب بصيغة الأمر، وهو أنَّ مدلول الصيغة ليس قابلاً للتضييق والتقييد، وبهذا الصدد يذكر بعض المطالب ولكن أساس بحثه يرتكز على هذا الإشكال الإثباتيّ، ولكنه في آخر بحثه يذكر وجهاً يعتبر ثُبُوتِيّاً ولا يرتبط باستفادة الواجب المشروط من صيغة الأمر، وهو أنَّ الوجوب المشروط غير معقول أَسَاساً في عالم الإرادة والشوق والإرادة التشريعية، ولا يمكن أن يتعلق الشرط بالإرادة نفسها بل لابد وأن يكون مرتبطاً بمتعلق الإرادة (أَيْ: المراد).

ونحن هنا نطرح البحث الثُّبُوتِيّ أَوَّلاً، فنقول: قد ذكر & في هذا البحث الثُّبُوتِيّ أنَّ الوجوب المشروط بلحاظ عالم الإرادة والطلب (الطلب والإرادة هما روح الحكم) يرجع الشرط فيه إلى المراد ومتعلق الإرادة.

إذن، لا يوجد عندنا واجب مشروط في مرحلة الإرادة التشريعية وهي المرحلة الثانية للحكم بحيث يرجع الشرط فيها للإرادة التشريعية، بل يجب أن يكون الشرط قيداً للمطلوب والمراد. وهذا البيان كان منشأ البحث الثبوتي في كيفية تصوير الإرادة في الواجب المشروط وهناك تفسيرات عديدة في هذا المجال.

التفسير الأَوَّل: وهذا التفسير ذكره الشيخ وَهُوَ أَنَّ الشرط في الواجب المشروط قيد للمراد مثل سائر قيود الواجب، ولكن مع فرق يوجب عدم الالتزام بتحصيل هذا القيد، وقد بيَّن & الفرقَ بينه وبين قيود الواجب الآخرين.

وقد آمن الآخرون بأصل هذا التفسير كالسَّيِّدِ الأَسْتَاذ الْخُوئِيّ & في باب الشوق ولكنه اختلف مع الشيخ في النتائج. وقد أفاد الشيخ & أنَّ الإنسان يرى بالوجدان أن المولى عند ما يريد عملاً وفعلاً (ولو كان مشروطاً بشرط) فإِنَّهُ يستتبع الشوق إلى ذاك العَمَل ولو علىٰ تقدير تحقق الشَّرْط وهذا شوق فعلي في نفس المولى، فعلى سبيل المثال يشتاق المريض إلى استعمال الدواء علىٰ تقدير المرض (وكذلك بالنسبة إلى الحج للمستطيع) وهذا يختلف عن المولى الذي لا يريد الحج حتى مع فرض الاستطاعة.

ومن هنا فإن المولى يتحقق الشوق لديه بالنسبة لحج المستطيع وهذا الطلب فعليٌّ للمولى، ويعني هذا أن الإرادة التشريعية غير مشروطة؛ فمن هنا يجب أن يكون الشَّرْط هنا قَيْداً للمراد، ومراد المولى هو الحج على تقدير الاستطاعة وقد اشتاق للحج علىٰ تقدير الاستطاعة، ولذا يضعها شَرْطاً.

وقد يستشكل عليه أنَّ المولى إِذَا كان لديه الشوق الفعلي بالنسبة للمستطيع فما الفرق هنا بينه وبين قيود الواجب التي يكون فيها الوجوب والطلب مطلقاً ويريد فيه الْمُقَيَّد؟ مثل إرادة الصلاة الْمُقَيَّدة بالطهور؛ إذ كيف ينشد المولى الطهارةَ في سائر قيود الواجب كالطهور، ولكن في قيد الاستطاعة لا يريد قيدَ الاستطاعة. فلو أرجعتم الشَّرْط إلى المراد أيضاً لأصبح قَيْداً للواجب كسائر القيود وبالتالي يجب تحصيله، في حين أن شرط الوجوب ليس واجب التحصيل جزماً.

الجواب: وقد أجاب & عن الإِشْكَال بأنَّ الشَّرْطَ وإن كان في القسمين قيداً للمتعلَّق ولا فرق بينهما من هذا الجانب إلاَّ أن قيود الواجب والمراد تقسم إلى قسمين؛ فَإِنَّهُ إِذَا كان مطلق القيد والشرط قيداً للواجب يتعلق به الإلزام - ولو غيرياً - ويصبح واجب التحصيل، وَأَمَّا إِذَا لم يؤخذ مطلق وجود القيد قَيْداً في المراد بل أخذ وجوده الاتفاقي ومن دون إلزام من قبل المولى قيداً للمراد، فلا يكون بذلك واجب التحصيل، وإلاَّ يكون خُلفاً.

وفي ضوء هذه النظرية لا يكون الشَّرْط في الواجب المشروط في عالم الإرادة التشريعية - والتي هي روح الحكم في نظر الشيخ - قَيْداً للوجوب والإرادة بل هو شرطٌ للواجب والمراد ولكن بالنحو الذي لا يكون فيه الشرط واجب التحصيل، فيكون الشَّرْط هنا بلحاظ مصب التَّقْيِيد كسائر قيود الواجب قيداً للواجب والمراد، لا شَرْطاً للوجوب والإرادة التشريعية.

وقد آمن بهذا التفسير الكثير من العلماء ومنهم السَّيِّد الأَسْتَاذ الْخُوئِيّ & حيث قال: إن هذا التحليل لعالم الإرادة بمعنى شوق المولى وحبه صحيح ولكن النتيجة التي تَوَصَّلَ إليها الشيخُ غير صحيحةٍ؛ لأَنَّ هذا لا يمكن أن يكون سَبَباً للقول بأن الواجب يصبح مشروطاً كالواجب المطلق، والشرط قيدٌ للواجب وليس للوجوب؛ لأَنَّ الشوق ليس وُجُوباً وَحُكْماً؛ لأَنَّ الوجوب أمر اعتباري وإنشائي وهو فعل المولى ولطالما المولى لم يعتبر الفعل في ذمة العبد لا يكون وجوباً؛ فَإِنَّ قوام الوجوب إِنَّمَا هو باعتبار المولى وضعه للفعل عَلَىٰ ذمة الْمُكَلَّف، وإِذَا كان الشوق هو روح الوجوب فيصح كلام الشيخ، ولكن الأمر ليس كذلك وحيث أن الوجوب والاعتبار يمكن أن يكون مشروطاً (أَيْ: يرجع الشَّرْط فيه إلى الوجوب والمجعول الفعلي) فلا وجه للتشكيك في إمكان الواجب المشروط.

وللبحث في المقام نقطتان:

النقطة الأولى: دراسة أصل المطلب المذكور بالنسبة للشوق والإرادة التشريعية في الواجب المشروط من أنَّ الشَّرْط هل هو قيد للمراد في الواجبات المشروطة كسائر قيود الواجب مع الفرق بينهما من حَيْثُ أَنَّ القيد بوجوده الاتفاقي يكون قَيْداً أم لا؟

النقطة الثانية: في السؤال عن ماهية الحكم وقوامه وهل أن الشوق والإرادة هي روح الحكم أو أن قوام الحكم بالاعتبار؟

دراسة النقطة الأولى وتمحيصه: وهي النقطة التي آمن بها الشيخ وَالسَّيِّد الأَسْتَاذ الْخُوئِيّ & والآخرون من أن الشروط والقيود في عالم الشوق والإرادة ترجع إلى المراد لا إلى الإرادة؛ فَإِنَّهُ على الرغم من أن هذا المطلب مخالف للوجدان الأوليّ للإِنْسَانِ، فهو يشعر في باب الواجبات المشروطة بوجود فارق بين إرادة الواجب المشروط مع إرادة الواجب المطلق (والذي هو الواجب المقيد) وأن الاستطاعة ليست كالطهور ولا يجده الوجدان قيداً للمراد، ولكن الشيخ وَالسَّيِّد الأَسْتَاذ الْخُوئِيّ & ادعوا خلاف هذا الوجدان وقالوا بعدم وجود فارق بين شروط الوجوب والواجب في عالم الإرادة، واستشهد الشيخ على ذلك بالوجدان وقبل السَّيِّد الأَسْتَاذ الْخُوئِيّ & ذلك الوجدان وأضام عليه برهاناً.

وحصيلة التقريب الوجداني هو أن الإنسان حينما يرى منفعةً في فعل مشروط بشرطٍ مّا وأنه بحاجة إليه يطلبه وينشده، وهذا الطلب والإرادة فعليٌّ وهذا الإنسان يختلف بالوجدان عمّن لا يريد هذا الشيء أصلاً حتى على ذلك التقدير، ومن هنا يقول: إنه يريد الحج من المستطيع ولديه الشوق إليه فإِذَا كان هذا الشوق موجوداً لديه فعلاً لا يمكن لذلك الشَّرْط أن يكون قَيْداً لتحققه، وإذا كان هناك قيدٌ فلا يمكن أن يرجع إلى الإرادة التشريعية نفسها، بل يجب أن يرجع إلى المراد، أي: أنه يريد الحج من المستطيع وفي فرض تحقق الاستطاعة من دون أن يلزمه بتحصيل الاستطاعة، وأنَّ ما هو قيد للمراد هو الاستطاعة الاتفاقية ومن دون الإلزام من قبل المولى وهذا المطلب وجداني.

 

أما السَّيِّد الأَسْتَاذ الْخُوئِيّ & فقد أضاف إلى ذلك برهاناً يقول فيه: إن الدليل على أن الإرادة (أَيْ: أن الشوق فعليّ بالنسبة لحج المستطيع) هو أنَّ المولى جعل الوجوب على تقدير الاستطاعة، وجعل الحكم نفسه من مقدمات تحصيل مراد المولى وهو فعل المولى نفسه ومقدمة مربوطة به لا بالمكلف، وَإِرَادَة المقدمة فرع وجود الإرادة لذي المقدمة؛ لأَنَّ إرادة المقدمة سواء كانت مرتبطة بالمولى أم بالمكلف هي غيرية ومترشحة من الإرادة النفسية لذي المقدمة، وكلما لم تكن الإرادة لذي المقدمة فعليةً لا يمكن أن تكون الإرادة لمقدمتها فعلية.

إذن، إرادة المولى وإقدامه علىٰ جعل وجوب الحج على المستطيع - والتي هي إرادة غيرية - كاشف برهاني عن وجود الإرادة النفسية للمولى بالنسبة لذي المقدمة (وهو الحج). إذن يجب أن تكون إرادة المولى وشوقه للواجب المشروط فعلياً قبل تحقق الشرط، وأن يكون الشرط قيداً لمتعلق الإرادة كما جاء في تفسير الشيخ &.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo