< قائمة الدروس

بحث الأصول آيةالله السيد محمود الهاشمي‌الشاهرودي

33/03/07

بسم الله الرحمن الرحیم

كان الكلام في الواجب المشروط وفي الإشكال الثُّبُوتِيّ الذي وُجّه إليه في عالم الإرادة والشوق، فقلنا: إن للأُصُولِيِّينَ تفسيرات وحلول متعددة له.

 

تفسير المحقق الإِصْفَهَانِيّ والسيد الأستاذ الْخُوئِيّ قدس سره تبعاً للشيخ قدس سره

وكان التفسير الأول للمحقق الإِصْفَهَانِيّ & وَالسَّيِّد الأَسْتَاذ الْخُوئِيّ & وجمع من الأُصُولِيِّينَ تبعاً للشيخ & أن الشَّرْط قيد للمراد (لا الإرادة التشريعية نفسها) وقد أقيم عليه دليل وجداني وآخر برهاني:

أَمَّا الدَّلِيل الوجداني فكان عبارة عن وجود فرق بين المولى الذي لا يريد الفعل المشروط (كالحج علىٰ تقدير الاستطاعة) من المكلف، وبين المولى الذي يريد هذا الفعل (على تقدير الاستطاعة)؛ فَإِنَّ الأخير يوجد فيه شوق فعليّ وإرادة فعلية كذلك، إذن يجب أن يكون الشرط قيداً للمراد وإلا فسوف لا تكون الإرادة فعلية. وهذا التقريب الوجداني الموجود في كلمات الشيخ &.

وأَمَّا الدَّلِيل الْبُرْهَانِيّ فيمكن تقريبه بأن الوجوب المشروط الَّذِي يجعله المولى إِنَّمَا هو مُقَدَِّمَة فِي واقعه لتحريك العبد نحو الامتثال وتحصيل الواجب. ومن الطبيعي أن تكون هذه المقدمة مرتبطة بالمولى وليست مرتبطة بالعبد كما هو الحال في مقدمات الفعل، (أَيْ: أن المولى يجعل الوجوب على المستطيع قبل تحقق الاستطاعة ليطلع المكلف على الحكم فيقوم بتحصيله وامتثاله في وقته).

إذن، إن جعل الأحكام وتشريعها في الواقع مقدمةٌ للوصول إلى المكلفين وتحريكهم، ومن هنا فإن المولى لديه إرادة تكوينية غيرية لجعل الوجوب، والإرادة الغيرية تابعة لِلإرادة النفسية، وما دامت الإرادة النفسية غير موجودة لا تتحقَّق الإرادة الغيرية ولا تصبح موجودةً، وهذا يكشف عن تعلق الإرادة المولوية بالحج علىٰ تقدير الاستطاعة بالفعل. ولكن يمكن الخدشة في كلا الدليلين وذلك كالتالي:

 

الإِشْكَال الوارد على كلا الدليلين البرهاني والوجداني

أَمَّا البحث الوجداني الذي ذكروا فيه أن هناك فرقاً بين من يريد الفعل على تقدير تحقق الشرط وبين من لا يريد ذلك، فهو وجدان صحيح ولكن لا ينحصر تفسيره في أن يكون الشوق والإرادة فعلياً ومتعلقاً بِالْمُقَيَّدِ؛ لأَنَّهُ يمكن أن يكون له تفسير آخر علىٰ أساسه لا تكون الإرادة مطلقةً ومتعلقة بذلك الشَّرْط. أي: أن هذا التفسير إنما يتعين فيما إذا لم نستطع أن نجد تفسيراً آخر للفرق الوجداني بين هذين الشخصين (اللذان أحدهما يريد على تقدير الاستطاعة والآخر لا يريد)، ولكن الأمر ليس كذلك كما سوف يتضح، بل هناك وجدان آخر يرى أنَّ الإرادة في مورد الواجبات المشروطة تختلف عن الإرادة في مورد الواجبات غير المشروطة مع وجود قيد في متعلقها.

وبعبارة أخرى: إننا نقبل أن الوجدان يحكم هنا بوجود إرادة، ولكن لا نقبل أن تكون الإرادة فعلية وشرطاً للمراد، مُضَافاً إلى توفر وجدان آخر يفرّق بين من يريد الحج على تقدير الاستطاعة وبين من يريد الصلاة بالطهور؛ لأَنَّهُ بحاجة إلى الطهور والشرط في الصلاة وهما فعليان، بينما الإرادة تعليقية في الواجب المشروط ولا يريد الشرط أَبداً وهذا التعليق وجداني أيضاً حيث نرى أن طلب الحج منوط بالاستطاعة بنحو من الأنحاء، بينما ليس الأمر هكذا في إرادة الصلاة مع الطهور، وهذا الوجدان مما لا يمكن إنكاره، وليس اختلافه ما قيل من أن الحصول التلقائي للاستطاعة قيدٌ للمراد ومطلق الطهور قيدٌ للصَّلاَةِ، بل نشعر بأن الإرادة نفسها معلقة على الشرط وهذا أمر وجداني أَيْضاً وهذا الوجدان لا يتفق مع هذا التفسير.

وأَمَّا الدليل البرهاني الذي قيل بشأنه: >إنه إذا لم تكن إرادة المولى فعلية بالنسبة للواجب المشروط، فكيف تتعلق إرادته الغيرية بمقدمته (وهي جعل الحكم) وأن إرادة المقدمات لا تكون فعليته قبل فعلية الإرادة لذي المقدمة< فجوابه أننا سوف نقول في المستقبل: إن ما يقال من >أن إرادة المقدمة مترشحة عن إرادة ذي المقدمة< ليس مقصوداً بظاهره؛ لأَنَّ كليهما معلولان لشيء واحد، أَيْ: أنهما مسببان عن الملاك النفسي، فالإرادة الغيرية كالإرادة النفسية مسببة عن الملاك النفسي، وسوف يأتي في البحث عن المقدمات المفوتة وستتم الإشارةُ إليها أَيْضاً ضمن الوجوه الأخرى بأن مقدمة الواجب التي وجوبها مشروطٌ بأمرٍ مستقبلي يمكن أن تكون مقدماته الأخرى واجبة ومرادة للمريد قبل تحقق زمان الواجب المشروط. وهذه أحد التقريبات في توجيه وجوب المقدمات المفوتة قبل وقت الواجب.

وعلى سبيل المثال قد أشكل فقيهاً علىٰ ما قيل من أن المكلف إذا توفر لديه الماء قبل وقت الصلاة وعَلِمَ أَنَّهُ سوف لن يمكنه تحصيل الماء في الوقت، فلا يجوز له أن يريق الماء ويجب المحافظة عليه؛ فَإِنَّ الطهور شرط للصلاة مع الوجوب ليس فعلياً قبل تحقق وقت الصلاة، فكيف تكون مقدمته واجبة؟ فأجابوا بأن المقدمات إذا كانت مفوتةً يمكن أن يتعلق بها الوجوب الغيري قبل الإرادة لحفظ الملاك والواجب الذي سوف يكون فعلياً في الوقت. إذن، لا يوجد تلازم بين الإرادة النفسية والغيرية في زمان الفعلية لكي يكون البرهان تَامّاً في المقام.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ تبعية الإرادة الغيرية ليست أَكْثَر من أن الملاك النفسي إذا أصبح فِعْلِيّاً في الحال أو في المستقبل فسوف يكون منشأً لتعلق الإرادة الغيرية التي يتوقف عليها إيجاد الملاك وتحققه، وهذا ما يعبّر عنه بوجوب المقدمات المفوتة. أي: أن جعل الوجوب ليس من مقدمات الاتصاف، بل هو من مقدمات الوجود والامتثال، وحيث أَنَّهُ فعل المولى والمولى يعلم أنه إذا لم يجعل الحكم الآن فسوف يفوت الملاك على المكلف في وقته، لذا فإن المولى منذ البداية يجعل الوجوب مَشْرُوطاً على نحو القضية الحقيقية. إذن، هذا البرهان غير تَامّ أَيْضاً.

 

إشكال سَيِّدِنَا الأُسْتَاذِ الشَّهِيدِ علىٰ هذا التفسير

ولسيدنا الأستاذ الشهيد & برهان آخر ينسف به هذا التفسير بتقريب أن شرط الوجوب إذا كان قَيْداً للمراد، أَيْ: إذا كانت الاستطاعة شرطاً للمراد وكان المولى يريد الحج من المستطيع وهذه مثل إرادة الصلاة مقيَّداً بالطهور؛ فإن لازم ذلك تعلق الإرادة والشوق بقيد الاستطاعة؛ لأَنَّ القيد مقدمة لِلْمُقَيَّدِ، ولا يصحّ ما يقال من أَنَّهُ قيدٌ للمراد بنحو الاتفاق ومن دون الإلزام من قبل المولى؛ لأَنَّ هذا القيد يمكن أن ينفي إلزام المولى بالقيد وهو فعل اختياري للمولى، وَأَمَّا الإرادة بمعنى الشوق الذي هو أمر تكويني فيتعلق حتى بِالأُمُورِ غير الاختيارية.

فإذا كان المقصود من كون الشَّرْط في الاستطاعة تلقائياً واتفاقياً وغير إلزامي هو عدم الإلزام وعدم جعل الوجوب عليه فهذا لا ينفي الحب والشوق لذلك الشرط والقيد للمراد من دون أن يجعل الوجوب والإلزام عليه، وإن كان المقصود من ذلك تعلق الإرادة بِالْمُقَيَّدِ بقيد لا تكون مراده للمولى فهذا بنفسه محال؛ إذ يعني عدم ترشح إرادة الْمُقَيَّد علىٰ قيده وهو في نفسه خلف وممتنع.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo