< قائمة الدروس

بحث الأصول آيةالله السيد محمود الهاشمي‌الشاهرودي

33/03/19

بسم الله الرحمن الرحیم

{مُقَدَِّمَةُ الْوَاجِبِ\الواجب المشروط\تفاسير الواجب المشروط}

التقسيم الثاني:

تقسيم الواجب إلى الواجب المعلق والواجب المنجز

التقسيم الثاني في الواجب تقسيمه إلى الْمُعَلَّقِ وَالْمُنَجَّزِ، وهذا التقسيم من منشآت صاحب الفصول & وقد نقل الخراساني عبارته في الكفاية، وكان الهدف من ذكر هذا التقسيم حل بعض المشاكل في الواجب المشروط، مثل وجوب الصوم المشروط بطلوع الفجر والذي يجب الإتيان بإحدى مقدمات الصوم (وهو الغسل والطهارة من الحدث الأكبر) قبل الفجر، ومثل إناطة وجوب الحج بأشهر الحج حيث يجب بعض مقدماته قبل الموسم.

وهذه المسألة أحدثت تساؤلاً حول أَنَّهُ كيف يمكن لمقدمة الواجب أن تصبح واجبةً قبل فعلية وجوب الواجب النفسي؟ ومن هنا أثار صاحبُ الفصولِ وآخرونَ البحثَ عن >الواجب المعلق والمنجز< لحل هذا الإشكال.

فيقول صاحب الفصول: إن الواجب ينقسم إلى مطلق ومشروط، والأخير هو الواجب الذي يرجع القيد والشرط فيه إلى الوجوب، كالاستطاعة التي هي شرط لوجوب الحج، والشروط الراجعة إلى الوجوب تجعل الواجب مَشْرُوطاً بذلك الشَّرْط فلا يكون فِعْلِيّاً قبل تحققه. وَأَمَّا الشروط التي لا ترجع إلى الوجوب بل تكون قيوداً وشروطاً للواجب دون الوجوب، فالوجوب بِالنِّسْبَةِ إليها مطلق، وهي علىٰ قسمين:

1)- الواجب المطلق الْمُنَجَّ

2)- الواجب المطلق الْمُقَيَّد.

ثم يقول: إن تحصيل القيد في الواجب الْمُنَجَّز واجب، كالطهور لوجوب الصَّلاَة؛ فَإِنَّ الطهور قيد للواجب (ولَيْسَ شَرْطاً لوجوب الصَّلاَة) ولهذا يجب تحصيله، ويكون الوجوب بِالنِّسْبَةِ إليه مُنَجَّزاً، أي: ما إن يدخل وقت وجوب الصَّلاَة وشرطه حتَّى يصبح الواجب فِعْلِيّاً بنفسه وبقيوده. أي: يجب أن يصلي مع الطهور. فهذا هو الواجب المنج

وهناك نوع آخر من القيود هي قيود للواجب دون الوجوب، ولٰكِنَّهَا قيود لا يجب تحصيلها وَإِنَّمَا يجب الْفِعْل المعلَّق عَلَىٰ تحققها، فيكون الوجوب فِعْلِيّاً ولكن الواجب مُعَلَّق عَلَىٰ القيد ويكون استقبالياً. وهذا يكون فِي القيود غير الاِخْتِيَارِيَّة للواجب كالزَّمان.

وقد مثل له بوجوب الحج حيث أَنَّهُ يصبح فِعْلِيّاً بعد تَحَقُّق الاستطاعة، بينما الواجب معلَّق ومشروط بحلول شهر ذي الحجة، أو وجوب الصوم حيث يصبح فِعْلِيّاً بحلول هلال شهر رمضان من الليل، ولكن الإمساك الواجب يكون من حين طلوع الفجر ومقيد به. وهذا ما سموه بالواجب المعلق ورتّبوا عليه آثاراً من جملتها وجوب مقدمات ذاك الواجب قبل وقت الواجب؛ لأَنَّ وجوب الواجب كان فِعْلِيّاً قبل ذلك.

ويجب الالتفات إلى أن الواجب المعلق من حيث الوجوب عين الواجب المنجز، ويتميز عنه فِي أن المولى يريد القيد فِي المنجز فيجب عَلَىٰ الْمُكَلَّف الإتيان به، ولا يريد الإتيان بالقيد فِي الواجب المعلق؛ لأَنَّهُ خارج عن اختياره، أو لأنه يجب أن يحصل صدفةً وَاتِّفَاقاً، وَعَلَىٰ الْمُكَلَّفِ أن يتريّث إلى أن يتحقق القيد، ثُمَّ بعد ذلك يأتي بالواجب.

ومن هذا المنطلق يقسم صاحب الفصول الواجبَ إلى ثلاثة أقسام:

الأَوَّل: الواجب المشروط وهو ما كان الشَّرْط فيه قَيْداً للوجوب وشرطاً لاتصاف الْفِعْل بالملاك، ولولا الشَّرْط لا يريد المولى ذاك الْفِعْلَ أصلاً.

الثَّانِي: الواجب الَّذِي وجوبه مطلق بِالنِّسْبَةِ إلى القيد، والقيد لَيْسَ شرطاً للاتصاف بل الملاك فعلي، وَإِنَّمَا الشَّرْط شرط استيفائه، أي: تحصيل الملاك مُقَيَّدٌ بالإتيان بالفعل مع ذاك القيد، وَبِالتَّالِي يكون الوجوب مُطْلَقاً، والقيد يتدخل فِي تَحَقُّق الملاك، وَحِينَئِذٍ إذا كان الْفِعْل اختيارياً يمكن الإتيان به فِي جميع الأزمنة، فَسَوْفَ يكون الواجب مُطْلَقاً ومنجزاً، ويلزم من فِعْلِيَّة وجوب الْمُقَيِّد وجوب قيده لا محالة، ومن الضروري حِينَئِذٍ أن يتحد زمان الوجوب مع زمان الواجب. أي: حينما يأتي الوجوب يصبح الواجب واجباً مع قيده ويجب امتثاله عَلَىٰ الْمُكَلَّف؛ لأَنَّهُ مقدور. وهذا هو الواجب المنجز.

القسم الثَّالِث: ما إذا كان الوجوب مطلقاً، ولكن يكون الواجب مُقَيَّداً بتحقق قيدٍ غير مقدور لِلْمُكَلَّفِ لكونه غير اِخْتِيَارِيّ له أو لأَنَّهُ مُقَيَّد بالوجود الاتفاقي الَّذِي يجب أن يتحقق من تلقاء نفسه، لا بواسطة الْمُكَلَّف، ومثاله الحج فِي عرفة، أو وجوب إكرام زيد عَلَىٰ فرض مجيئه باختياره ورغبته. فالمولى لم يجعل الوجوب مشروطاً بالمجيء، ولم يجعل المجيء شَرْطاً لفعلية الوجوب، بل الوجوب مجعول قبل تَحَقُّق الشَّرْط إِلاَّ أَن الواجب هو الإكرام بعد طلوع الشَّمْس أو بعد المجيء الاتفاقي وبهذا يكون الواجب الْمُعَلَّق قسماً من الواجب المطلق وقسيماً للواجب المنجز. أي: الواجب إما مشروط أو مطلق، والمطلق إما مُنَجّز أو مُعَلَّق.

وأَمَّا الشيخ & فقد أرجع الواجبَ المشروط إلى الواجب المعلق ولم يرتض بالواجب المشروط؛ لأَنَّهُ أرجع الشَّرْط قَيْداً للواجب دَائِماً، غاية الأمر جعله قيداً لا يكون تحصيله وَاجِباً عَلَىٰ الْمُكَلَّف، بل يجب أن يتحقق فِي نفسه (كما تَقَدَّمَ). وسمّاه الشيخ & بالواجب المشروط، وهذا ما جعله صاحب الفصول وَاجِباً مُعَلَّقاً. وَأَمَّا الواجب المشروط فقد جعل الشَّرْط فيه قَيْداً للوجوب والإرادة التشريعية؛ لأَنَّهُ ممكن لا محذور فيه عنده لا ثُبُوتاً ولا إِثْبَاتاً.

ومعنى ذلك أن الشيخ & يقبل بالواجب المعلق ويقول به بحسب الحقيقة فِي القيد غير الاِخْتِيَارِيّ أو الاتفاقي، فلا يكون واجب التحصيل، ويُرجع جميع الواجبات المشروطة إلى هذا القسم ويسميها بالواجب المشروط، بخلاف صاحب الفصول الَّذِي يقبل بالأقسام الثَّلاَثة؛ فهو ينكر الواجب المشروط بحسب الحقيقة، لا الْمُعَلَّق.

إذن، تقسيم الواجب عند الشيخ & ثنائي وليس ثلاثياً، فلا يقبل & بالقسم الأَوَّل من الأقسام الثَّلاَثة الَّتِي يذكرها صاحب الفصول وهو ما كان الشَّرْط قَيْداً للوجوب، ويقبل & بالقسمين المنجز والمعلق، ولٰكِنَّهُ يُسَمِّي الْمُعَلَّق وَاجِباً مَشْرُوطاً. وعليه فإن الشيخ & لم ينكر الواجب الْمُعَلَّقَ بالدقة، وَإِنَّمَا أنكر الواجب المشروط، وإن كانت عبارته ظاهرةً فِي إنكاره للواجب الْمُعَلَّق.

وَعَلَىٰ كُلّ فقد وقع القسم الثَّالِث من هذه الأقسام الثَّلاَثة (أي: الواجب الْمُعَلَّق الَّذِي يكون الوجوب فيه فِعْلِيّاً ولكن الواجب فيه استقبالي، ويكون القيد الْمُعَلَّق عليه غير اِخْتِيَارِيّ ولا يكون هذا القيد قَيْداً للوجوب بل يكون قَيْداً للواجب، ومن هنا يكون الوجوب فِعْلِيّاً قبله) محل الجدل والإشكال مِنْ قِبَلِ المحقق الخراساني وكذلك الميرزا النَّائِينِيّ، ونذكر ذلك ضمن إشكالين:

الأَوَّل: ما ورد فِي كلمات الميرزا النَّائِينِيّ والسَّيِّدِ الأُسْتَاذِ الْخُوئِيِّ & من أن قيد الواجب وإن كان شرط التحصيل والاستيفاء ولم يكن شَرْطاً للاتصاف بالملاك، ولكن حيث أَنَّهُ لَيْسَ اِخْتِيَارِيّاً لا يمكن للمولى إلاَّ أن يجعله شَرْطاً للوجوب؛ لأَنَّ الوجوب إذا لم يشترط به وكان قَيْداً للواجب يصبح مَأْمُوراً به. فيجب تحصيله وهو غير مقدور لِلْمُكَلَّفِ؛ لأَنَّ تقيُّد الْفِعْل الْمُقَيَّد بقيد واجب أَيْضاً إذا كان الْمُقَيَّد وَاجِباً ووجوبه فِعْلِيّاً مع أَنَّهُ غير مقدور؛ لأَنَّ القيد إذا كان غير اِخْتِيَارِيّ فالتَّقَيُّد أَيْضاً غير اِخْتِيَارِيّ فلا يمكن الأمر به؛ لأَنَّهُ قبيح ومخالف لأدلة اشتراط القدرة فِي التكاليف حيث يستفاد من الأَدِلَّة الْعَقْلِيَّة والشرعية (كدليل الرفع وغيره) اشتراط القدرة فِي التكاليف، وَبِالتَّالِي يجب أَنْ يَكُونَ وجوب الحج مُقَيَّداً بالقدرة عَلَىٰ الإتيان بالواجب، ومعنى ذلك اشتراط تَحَقُّق تلك القيود غير الاِخْتِيَارِيّ للوجوب، وإذا أراد الشَّارِع أن يجعل الوجوب لاَ بُدَّ له من أن يجعل وجوبه مَشْرُوطاً بتحقق تلك القيود ولو فِي زمانها، ومن هنا قلنا فِي الواجب المشروط أن من الممكن أن لا تكون القيود دخيلة فِي الاتصاف، ولكن حيث أَنَّهَا غير اِخْتِيَارِيّة يجب أخذها فِي الوجوب وَيَتَحَوَّل الواجب إلى واجب مشروط.

طَبْعاً إن اشتراط الوجوب بشرط غير اِخْتِيَارِيّ عَلَىٰ قسمين:

الأَوَّل: الاشتراط عَلَىٰ نحو الشَّرْط المقارن، بحيث إذا حصلت القدرة أو توفّر ذاك الشَّرْط غير الاِخْتِيَارِيّ فَحِينَئِذٍ يصبح وَاجِباً، وهذا هو الشَّرْط المقارن.

الثَّانِي: الشَّرْط المتأخر بأن يصبح الوجوب فِعْلِيّاً الآن إذا توفّر الشَّرْط فِي الْمُسْتَقْبَل، وذلك بناءً عَلَىٰ إمكان الشَّرْط المتأخر كما هو الصَّحِيح بأن يكون وجوب الحج قبل الموسم مَشْرُوطاً بالحياة والقدرة فِي الموسم بنحو الشَّرْط المتأخر.

إذن، أساس اشتراط الواجب بقيد أو شرط غير اِخْتِيَارِيّ أمر لاَ بُدَّ منه، ولا يمكن أن يتعلق الأمر بالفعل الْمُقَيَّد بقيدٍ غير اِخْتِيَارِيّ مُطْلَقاً، بل يجب أَنْ يَكُونَ ذاك القيد قَيْداً للوجوب ولو بنحو الشَّرْط المتأخر للوجوب المتقدم، حتَّى لا يقع ذاك القيد أو التَّقَيُّد به تحت الأمر ولا يلزم التكليف بغير المقدور؛ لأَنَّنَا قلنا إن تحصيل شروط الوجوب لَيْسَ وَاجِباً، بل لا يصبح الوجوب فِعْلِيّاً ما لم تَتَحَقَّقُ تلك الشروط، ومن هنا ذكر السَّيِّدُ الأُسْتَاذُ الْخُوئِيُّ & بأن الواجب الْمُعَلَّق واجب مشروط بحسب الحقيقة ولٰكِنَّهُ مشروط بشرط متأخر، فكان عَلَىٰ صاحب الفصول أن يجعله قسماً من الواجب المشروط لا المطلق، أَيْ: أَن يقول منذ البداية: إن الواجب المشروط عَلَىٰ قسمين:

1)- واجب مشروط بشرط مقارن.

2)- واجب مشروط بشرط متأخر.

فالواجب الْمُعَلَّق قسيم للواجب المطلق وليس من أقسامه، أي: الواجب المطلق ضربٌ من الواجب المشروط الَّذِي هو بدوره قسيم للواجب المطلق.

وَمِنَ الطَّبِيعِيِّ أن من يُنكر الشَّرْط المتأخر (كالميرزا النَّائِينِيّ) لاَ بُدَّ له أن يقول هنا بأن وجوب الحج يأتي بعد تَحَقُّق الشَّرْط المتأخر، وإن قَبِلَ بفعلية الوجوب منذ وقت الاستطاعة (كما عليه الحكم الفقهي) فعليه أن يأتي بالتأويل الَّذِي كان يذكره بشأن الواجب المشروط بِالشَّرْطِ المتأخر، بأن يقال مثلاً بأن تعقب ذاك الشَّرْط المتأخر شرط للوجوب، وهو شرط مقارن.

إِلاَّ أَن السَّيِّدَ الأُسْتَاذَ الْخُوئِيَّ & حيث أَنَّهُ يرىٰ إمكان الشَّرْط المتأخر للوجوب فلا محذور عنده فِي قبول الواجب الْمُعَلَّق بهذا المعنى الراجع إلى الواجب المشروط.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo