< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

36/05/19

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : احكام السفر .
مسألة 9 : إذا دخل عليه الوقت وهو حاضر متمكن من الصلاة ولم يصل ثم سافر وجب عليه القصر، ولو دخل عليه الوقت وهو مسافر فلم يصل حتى دخل المنزل من الوطن أو محل الإقامة أو حد الترخص منهما أتم، فالمدار على حال الأداء لا حال الوجوب و التعلق لكن الأحوط في المقامين الجمع .[1]

9 - ما تعرّض أحدٌ لهذه المسألة إلا وأصيب بشيءٍ من الشك والإضطراب في حلها وذلك لكون الأدلة عليها في تعارض شديد وإدعاء الجمع العرفي بينها في غاية البعد إذ من غير الممكن الجمع بينها فيما هو الظاهر منها .
وفي المسألة أقوالٌ أربعة منشاؤها أربع طوائف من الروايات وهي :
1 – الطائفة الاولى : أن المدار في الإتيان بالصلاة ههنا هو على وقت الأداء ويدلّ عليه :

( محمد بن الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن صفوان، عن العلاء، عن محمد بن مسلم ـ في حديث ـ قال : قلت لابي عبدالله ( عليه السلام ) : الرجل يريد السفر فيخرج حين تزول الشمس ؟ فقال : إذا خرجت فصل ركعتين )[2].
( عن صفوان ومحمد بن سنان جميعا عن إسماعيل بن جابر قال : قلت لابي عبدالله ( عليه السلام ) : يدخل عليّ وقت الصلاة وأنا في السفر فلا اصلي حتى أدخل أهلي ؟ فقال : صل وأتم الصلاة، قلت : ( فدخل عليّ ) وقت الصلاة وأنا في أهلي اريد السفر فلا اصلي حتى أخرج ؟ فقال : فصل وقصر، فان لم تفعل فقد خالفت ( والله ) (2)رسول الله ( صلى الله عليه وآله )[3].

( وعنه، عن صفوان بن يحيى، عن العيص بن القاسم قال : سألت أبا عبدالله ( عليه السلام ) عن الرجل يدخل عليه وقت الصلاة في السفر ثم يدخل بيته قبل أن يصليها ؟ قال : يصليها أربعا وقال : لا يزال يقصر حتى يدخل بيته )[4].

بالإضافة الى ما في الفقه الرضوي : ( فإن خرجت من منزلك، وقد دخل عليك وقت الصلاة في الحضر فلم تصلِّ حتى خرجت، فعليك التقصير، وإن دخل عليك وقت الصلاة في السفر ولم تصلِّ حتى تدخل أهلك فعليك التمام )[5].

2 – الطائفة الثانية : ما دلَّ على أن المدار هو وقت الوجوب لا الأداء . ويدل عليه طائفة من الروايات منها :

( عن النضر بن سويد، عن موسى بن بكر، عن زرارة، عن أبي جعفر ( عليه السلام )، أنه سئل عن رجل دخل وقت الصلاة وهو في السفر فأخر الصلاة حتى قدم وهو يريد ( أن ) يصليها إذا قدم إلى أهله، فنسي حين قدم إلى أهله أن يصليها حتى ذهب وقتها ؟ قال : يصليها ركعتين صلاة المسافر، لان الوقت دخل وهو مسافر، كان ينبغي له أن يصلي عند ذلك )[6].

( عن صفوان بن يحيى وفضالة بن أيوب، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبدالله ( عليه السلام ) عن الرجل يدخل من سفره وقد دخل وقت الصلاة وهو في الطريق ؟ فقال : يصلي ركعتين، وإن خرج إلى سفره وقد دخل وقت الصلاة فليصل أربعا )[7]


( عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن داود بن فرقد، عن بشير النبال قال : خرجت مع أبي عبدالله ( عليه السلام ) حتى أتينا الشجرة، فقال لي أبو عبدالله ( عليه السلام ) : يا نبال، قلت : لبيك، قال : إنه لم يجب على أحد من أهل هذا العسكر أن يصلي أربعاً أربعاً غيري وغيرك، وذلك أنه دخل وقت الصلاة قبل أن نخرج )[8].

( وعن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد، عن حريز، عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبدالله ( عليه السلام ) عن رجل يدخل من سفره وقد دخل وقت الصلاة، قال : يصلي ركعتين، وإن خرج إلى سفر وقد دخل وقت الصلاة فليصل أربعا )[9].

3 – الطائفة الثالثة : ما هو ظاهر منه التخيير . ويدل عليه صحيح إبن حازم .

( عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن محمد بن عبد الحميد، عن سيف بن عميرة، عن منصور بن حازم قال : سمعت أبا عبدالله ( عليه السلام ) يقول : إذا كان في سفر فدخل عليه وقت الصلاة قبل أن يدخل أهله فسار حتى يدخل أهله فان شاء قصر، وإن شاء أتم، والاتمام أحب إليّ )[10].

4 – الطائفة الرابعة : فيما يظهر منه دوران الحكم مدار خوف الفوت وعدمه . ويدل عليه :

( عن محمد بن الحسين، عن جعفر بن بشير، عن حماد بن عثمان، عن إسحاق بن عمار قال : سمعت أبا الحسن ( عليه السلام ) يقول في الرجل يقدم من سفره في وقت الصلاة، فقال : إن كان لا يخاف فوت (1)الوقت فليتم، وإن كان يخاف خروج الوقت فليقصر )[11] .

( عن صفوان بن يحيى وفضالة بن أيوب، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم، عن أحدهما ( عليهما السلام )، في الرجل يقدم من الغيبة فيدخل عليه وقت الصلاة، فقال : إن كان لا يخاف أن يخرج الوقت فليدخل وليتم، وإن كان يخاف أن يخرج الوقت قبل أن يدخل فليصل وليقصر)[12].
وقبل التعرّض لعلاج هكذا تعارض لا بد من القول بأنه لا يوجد بين هذه الطوائف من الروايات أيُّ جامع يمكن من خلاله حمل بعضها على البعض الآخر وبه ينفضّ النزاع خصوصاً بين الطائفة الأولى والثانية حيث نرى بأن التعارض مستحكم بين القصر والتمام ولكن مع هذا فإن أمكن الحمل والجمع العرفي فبه ونعمت وإلا فلا مناص من الرجوع الى المرجحات المعمول بها .
أما الطائفة الأولى فهي المشهورة بين الأعلام شهرة روائية وفتوائية أيضاً وعمل بها أكثر العلماء حتى كاد أن تصل الى حد الإجماع، ولذا نجد أن السيد الخوئي ( قده ) ذكر بأنه المتسالم عليه بين المتأخرين، إشارة الى وقوع الخلاف قبل ذلك . وعلى أي حال، فإنها مقتضى إطلاق آية التقصير وعموم أدلة وجوب التقصير على المسافر والتمام في الوطن .
هذا وقد إدّعى صاحب السرائر ( قده ) الإجماع على ما يوافق هذه الطائفة، وإننا ما سمعنا عن أحد قط صلى قصراً بعد عوده من سفره إذا كان في الوقت .
وإذا تأملنا بالرواية الأولى في هذه الطائفة صحيحة إسماعيل بن جابر ( قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : يدخل عليَّ وقت الصلاة وأنا في السفر فلا أصلي حتى أدخل أهلي ؟ فقال : صلِّ وأتم الصلاة، قلت : ( فدخل عليّ ) وقت الصلاة وأنا في أهلي أُريد السفر فلا أصليِّ حتى أخرج ؟ فقال : فصلِّ وقصّر، فإن لم تفعل فقد خالفت (والله ) رسول الله صلى الله عليه وآله ).
فإن الامام ( عليه السلام ) يحلف بالله على بطلان ما يخالف الحكم المذكور .
وحينئذ نقول بأنه يمكن حمل الطائفة الثانية على الإرشاد الى إتيان الصلاة في أول الوقت وليس في مقام بيان جهة ثانية، خصوصاً في صحيح محمد بن مسلم . ( سألت أبا عبد الله (عليه السلام ) عن رجل يدخل من سفره، وقد دخل وقت الصلاة وهو في الطريق، فقال ( عليه السلام ) : يصلي ركعتين . وإن خرج الى سفره وقد دخل وقت الصلاة فليصلِّ أربعاً . وهكذا في صحيحه الآخر.
وأما خبر موسى بن بكر فيمكن الخدشة فيه لأنه لم يوثق، ولكن بما أننا نميل الى تصحيحه لرواية الأجلاء عنه كصفوان وإبن أبي عمير والبيظنطي ( قده ) فنعالج أمره كغيره ( فتكون الرواية مصححة خصوصاً اذا قلنا ان كل روايات الكافي مصححة )
بأن القول مع الطائفة الأولى لوجود المرجح فيها كونها موافقة لعموم الآية واطلاق روايات أن المسافر يقصّر في السفر ويتم في الوطن .
وأما خبر بشير ( بن أبي أراكه ) النبال، فإنه لم يوثق، وذهب جمع الى تضعيفه فلا ينهض معارضاً لروايات الطائفة الأولى بالإضافة الى أنه يمكن حملها على كون الإمام ( عليه السلام ) قد صلى في المدينة قبل سفره، إذ من المستبعد جداً أن يقصر الإمام (عليه السلام ) صلاته، مع كون عامة الناس كانوا لا يفوتون الصلاة في مسجد النبي ( صلى الله عليه وآله )، خاصة إذا ما أرادوا السفر .
وأما الطائفة الثالثة : والدال عليه صحيح منصور بن حازم والذي يفهم منه التخيير ( إن شاء قصّر، وإن شاء أتم والإتمام أحب ّ إليّ ) .
وهذا ما نُسب العمل بها الى الشيخ في كتاب ( الخلاف )، فهي بالإضافة الى كونها شاذه، وحيده، وقد أعرض عنها المشهور، ولم يعملوا بها، فإنها لا تنهض لمعارضة صحيح بن جابر في الطائفة الأولى لكونها مرجحة على ما سواها خصوصاً أنها تشتمل على الحلف بالله على أن من يترك الحكم المذكور في الرواية فهي مخالفة لسنة رسول الله ( صلى الله عليه وآله )، ومعه لا تتم المعارضة فيسقط ما عداها عن الإعتبار لكونها أرجح مما عداها . هذا ويمكن حملها على التخيير في الموضوع وليس في الحكم بمعنى أنه إن شاء صلى في السفر قصراً وإن شاء صلى في الوطن تماماً .
وأما الطائفة الرابعة ففيها رواية اسحاق بن عمار ( إن كان لا يخاف فوت الوقت فليتم، وإن كان يخاف خروج الوقت فليقّصر ). عندما سئل الإمام ( عليه السلام ) عن الرجل يقدم من سفره في وقت الصلاة .
فإنها يمكن تفسيرها بصحيح بن مسلم ( في الرجل يقدم من الغيبة فيدخل عليه وقت الصلاة، فقال ( عليه السلام ) : إن كان لا يخاف أن يخرج الوقت فليدخل وليتم وإن كان يخاف أن يخرج الوقت قبل أن يدخل فليصلِّ وليقصّر ) .
فهي واضحة جداً في دلالتها على أنه إن كان لا يخاف فوت الوقت وهو في السفر فليدخل الى بلده وليتم الصلاة، وإن كان يخاف الفوت وهو في السفر فليقصّر وهو في سفره، وحينئذ فلا تعارض مع الطائفة الأولى بوجه من الوجوه . وإلا فترد الى أهلها .
وخلاصة الكلام أن ما ذكره الماتن ( قده ) هو ما نميل اليه لما ذكرناه .


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo