< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

37/05/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الطلاق.

القول في العدد. (أقسام العدد)

القول في عدة وطء الشبهة

والمراد به وطء الأجنبية بشبهة أنها حليلته إما لشبهة في الموضوع كما لو وطأ إمرأة بإعتقاد أنها زوجته، أو لشبهة في الحكم كما إذا عقد على أخت الموطوءة معتقداً صحته ودخل بها.[1]

ما ذكره الماتن (قده) هو التعريف الواقعي لوطئ الشبهة، وكما ذكر من الشبهة تارة في الموضوع كما مثّل له، وتارة في الحكم كما لو عقد على أخت الموطوءة معتقداً صحته ودخل بها. وهذا ممّا أتفق عليه بين الأعلام ومن الشبهة في الحكم ما لو إعتقد أن الجمع المحرم بين الأختين إنما هو في العقد الدائم دون ما لو كان أحدهما دائم والآخر منقطع مثلاً.

والشبهة تارة تكون من طرف الواطئ، وأخرى من طرف الموطوءة وثالثة تكون من الطرفين معاً.

مسألة (1): لا عدة على المزني بها سواء حملت من الزنا أم لا على الاقوى، و أما الموطوءة شبهة فعليها عدة سواء كانت ذات بعل أو خلية، و سواء كانت لشبهة من الطرفين أو من طرف الواطئ، بل الاحوط لزومها إن كانت من طرف الموطوءة خاصة[2] .

مسألة 1- في المسألة قضيتان: الأولى في حكم عدة الزانية والثانية في عدة وطئ الشبهة.

أما القضية الأولى: فقد ذهب المشهور شهرة عظيمة، بل أُدعى الإجماع عليه من أكثر من واحد على أنه لا عدة على المزني بها بالإضافة الى العديد من الروايات سواءً منها المطلقة من هذه الجهة كما في ظاهر قول الرسول الأكرم (ص) وآله:

-(عن أبي علي الاشعري، عن محمد بن عبد الجبار، وعن حميد بن زياد، عن ابن سماعة جميعا، عن صفوان، عن سعيد الاعرج، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن رجلين وقعا على جارية في طهر واحد لمن يكون الولد؟ قال: للذي عنده لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): الولد للفراش وللعاهر الحجر.).[3]

ومعتبرة الحلبي عن مولانا الصادق (عليه السلام):

-(عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، عن عبيد الله بن على الحلبي، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: أيما رجل فجر بامرأة ثم بدا له أن يتزوجها حلالاً، قال: أوّله سفاح وآخره نكاح ومثله مثل النخلة أصاب الرجل من ثمرها حراماً ثم اشتراها بعد فكانت له حلالاً)[4] .

فإنه غير مقيد جواز نكاحها بأخذ العدة لها. أو بالنص الصريح الدال على جواز المتعة بالزانية على كراهة، كما في صحيح زرارة:

-(محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن حديد، عن جميل، عن زرارة قال: سأله عمار وأنا عنده عن الرجل يتزوج الفاجرة متعة؟ قال: لا بأس، وإن كان التزويج الآخر فليحصن بابه)[5] . -(عن سعدان، عن علي بن يقطين قال: قلت لابي الحسن (عليه السلام): نساء أهل المدينة، قال: فواسق، قلت: فأتزوج منهن؟ قال: نعم)[6] . وغيره

وكل ذلك ظاهر في نفي الإحترام والأثر، ولذا نجد بأن الفقهاء يعبِّرون عن ذلك بأنه لا حرمة لماء الزاني.

وملخص التأمل في مجموع الروايات الواردة في المقام هو الإطمئنان بعدم ثبوت العدة للزانية كما هو المشهور

نعم ذكر البعض من الفقهاء وجوب العدة عليها كما حكي عن الفاضل في التحرير: (أن عليها العدة)[7] .

وفي محكي المسالك (لا بأس به حذراً من إختلاط المياه وتشويش الأنساب)[8] .

وإختار ذلك صاحب الحدائق (ره) بقوله: (أما لو لم تحمل من الزنا فظاهر الأثر أنها كذلك (عدم العدة )، وقرّب في التحرير أن عليها مع عدم الحمل وهو الظاهر عندي)[9] واستدل عليه:

برواية إسحاق بن جرير:

-(محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن بعض أصحابنا، عن عثمّان بن عيسى، عن إسحاق بن جرير، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: قلت له: الرجل يفجر بالمرأة، ثمّ يبدو له في تزويجها، هل يحل له ذلك؟ قال: نعم، إذا هو اجتنبها حتى تنقضي عدتها باستبراء رحمها من ماء الفجور، فله أن يتزوجها، وإنما يجوز له (تزويجها) بعد أن يقف على توبتها)[10] .

وحيث أنه لا يشترط في صحة النكاح التوبة ولا يتوقف عليها، فدلالتها محل تأمل ويمكن حملها مع ما يعارضها بين الصحيح المتقدم على الندب أو التقية وأيضاً أُستدل على لزوم العدة بخبر الحسن بن علي بن شعبة:

-(الحسن بن علي بن شعبة في (تحف العقول): عن أبي جعفر محمّد بن علي الجواد (عليه السلام)، أنّه سئل عن رجل نكح امرأة على زنا، أيحل له أن يتزوجها؟ فقال: يدعها حتى يستبرئها من نطفته ونطفة غيره، إذ لا يؤمن منها أن تكون قد أحدثت مع غيره حدثا كما أحدثت معه، ثمّ يتزوج بها إن أراد، فانّما مثلها مثل نخلة أكل رجل منها حراما، ثمّ اشتراها، فأكل منها حلالاً)[11] .

وفيه أنه يدل على الجواز مع العلم بعدم تحقق زنى بعد زناه ولكن الكلام في ما هو الأعم من ذلك، كما أن الكلام أعم من الإنزال وعدمه والملاحظ في كل من الروايتين كونهما منحصرتان بصورة الإنزال.

بالإضافة الى ضعف رواية الحسن بن علي بن شعبة الواردة في تحف العقول.

نعم بعضهم إستدل على لزوم العدة بالعمومات والإطلاقات الواردة بذلك كما في صحيحة الحلبي:

-(عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، في رجل دخل بامرأة، قال: إذا التقى الختانان وجب المهر والعدة)[12] .

وصحيح محمد بن مسلم:

-(محمّد بن يعقوب عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن علي بن الحكم، عن العلاء، عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السلام)، قال: العدة من الماء[13] (.

ويرد على كل من الصحيحين المستدل بهما بأن الصحيحين ناظران الى الماء المحترم فإن فيه العدة، وليس منه ما ألغى الشارع إحترامه، هذا بالإضافة إلى أن الإعتداد إنما هو لأجل إلحاق الولد ولا يلحق الولد بالزاني شرعاً، مع ثبوت الولديه تكوينياً لما تقدم.

وخلاصة الكلام: أنه لا عدة على المزنى بها سواءً حملت من الزنا أم لا.

وأما قضية عدة وطئ الشبهة: لا إشكال في ثبوت عدة وطئ الشبهة وذلك لأن وطئ الشبهة وطئٌ محترم شرعاً، وإطلاقات الأدلة على ذلك تشمل المقام كقوله (عليه السلام) في صحيح محمد بن مسلم (العدة من الماء) المتقدم [14] .

وأيضاً قول مولانا الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي المتقدم (إذا إلتقى الختانان وجب المهر والعدة) [15] .

وغيرها من الأخبار.

ولا يُفرق في وجوبها سواءً كانت الشبهة من الطرفين أم من خصوص الواطئ. لما تقدم من الإطلاقات فضلاً عن الإجماع.

نعم إذا كانت الشبهة من طرف الموطوءة خاصة ففيها قولان:

أحدهما للشيخ والشهيد الثاني وصاحب الحدائق وعن المحقق في الشرائع ودليلهم: الإطلاقات والعموم لما تقدم[16] وغيره.

وثانيهما: إختاره صاحب كشف اللثام وهو عدم الوجوب عليها في المفروض.

ودليله: أولاً: الأصل بعد الشك في شمول الإطلاقات للمقام.

ثانياً: لما هو المعروف من أنه: (لا حرمة لماء الزاني) المتصيد من قوله (صلى الله عليه وآله): (الولد للفراش وللعاهر الحجر)[17] المتقدم

ثالثاً: من أن المرأة وعاء فقط وإحترام الماء من طرف الرجل خاصة.

ويرد على هذه الأدلة للقول الثاني:

أولاً: فإن الأصل لا وجه له بعد صدق الإطلاقات والعمومات عرفاً.

ثانياً: ما هو المعروف المدعى، ليس خبراً معتبراً لنتمسك بإطلاقه.

وعلى إفتراض إعتباره فإن المنساق منه عدم المهر لقوله (عليه السلام):

(لا مهر لبغي).

ثالثاً: فإنه مجرد إستحسان لا يصلح لإثبات الأحكام.

وخلاصة القول: مقتضى إحترام الماء في الجملة، وحكمة التشريع للعدة.

وجوب العدة في المقام. والحمد لله رب العالمين.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo