< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

38/06/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الخمس.

تابع السابع: الحلال المختلط بالحرام مع عدم تميز صاحبه أصلا ولو في عدد محصور وعدم العلم بقدره كذلك، فإنه يخرج منه الخمس حينئذ، أما لو علم قدر المال فإن علم صاحبه دفعه إليه ولا خمس، بل لو علمه في عدد محصور فالأحوط التخلص منهم، فإن لم يمكن فالأقوى الرجوع إلى القرعة، ولو جهل صاحبه أو كان في عدد غير محصور تصدق بإذن الحاكم على الأحوط على من شاء ما لم يظنه بالخصوص، وإلا فلا يترك الاحتياط بالتصدق به عليه إن كان محلا له، نعم لا يجدي ظنه بالخصوص في المحصور، ولو علم المالك وجهل بالمقدار تخلص منه بالصلح، ومصرف هذا الخمس كمصرف غيره على الأصح[1] .

وقد ذكر سيدنا المتن (قده) الصور التي يمكن أن تقع في المسألة وهي:

الأولى: عدم تميز صاحبه أصلًا ولو في عدد محصور وعدم العلم بقدره كذلك (ولو في عدد محصور) فإنه يُخرج منه الخمس حينئذ. وهذا ما تقدم حكمه في مقام الإستدلال على التخميس .

الثانية: لو علم قدر المال، فإن علم صاحبه دفعه إليه ولا خمس. وهذا واضح لوجوب رد المال إلى صاحبه ومفروض المقام أن كلا الأمرين (مقدار المال وصاحبه معلومان) فيجب دفعه إلى صاحبه ولا خلاف في ذلك.

الثالثة: لو علم قدر المال وعلم صاحبه لكن على نحو الشبهة المحصورة.

فقد ذهب سيدنا الماتن (قده) إلى الإحتياط بالتخلص منهم، وظاهر كلامه (قده) لزوم التخلص بأي وجه من وجوهه ولو بإسترضائهم جميعًا مع الإمكان. وهذا يمكن تقريبه بقاعدة اليد (على اليد ما أخذت حتى تؤدي ).

والواضح منها لزوم إرجاع المال إلى أهله وهو له ضامن غاية ما في الأمر أن العدد محصورًا بجماعة فلا بد من التخلص منهم إما بإسترضائهم، أو بوضع المال بين أيديهم ويأمرهم بالعمل بحسب تكليفهم وغير ذلك، وهذا هو الأوفق بالإحتياط بلا إشكال. هذا ويمكن القول بأن إسترضاءهم مطلقًا هو الإحتياط في الماليات كما اُدعي ذلك. ولكنه لم يثبت.

الرابعة: لو علم قدر المال ولم يعلم صاحبه بعينه بل في عدد محصور ولم يمكن التخلص منهم. ذهب سيدنا الماتن (قده) في هذه الصورة إلى وجوب العمل بالقرعة.

وذلك لعموم دليل القرعة وأنها لكل أمر مشكل، ويدل على عمومها ومنها ما نحن فيه:

-(عن ابن أبي عمير، عن جميل، قال: قال الطيّار لزرارة: ما تقول في المساهمة؟ أليس حقّاً؟ فقال زرارة: بلى، هي حقّ، فقال الطيّار: أليس قد ورد أنّه يخرج سهم المحقّ؟ قال: بلى، قال: فتعال، حتّى أدّعي أنا وأنت شيئاً، ثمّ نساهم عليه، وننظر هكذا هو؟ فقال له زرارة: إنّما جاء الحديث بأنّه ليس من قوم فوَّضوا أمرهم إلى الله، ثمَّ اقترعوا، إلاّ خرج سهم المحقّ، فأمّا على التجارب فلم يوضع على التجارب، فقال الطيّار: أرأيت إن كانا جميعاً مدّعيين، ادّعيا ما ليس لهما، من أين يخرج سهم أحدهما؟ فقال زرارة: إذا كان كذلك جعل معه سهم مبيح، فإن كانا ادّعيا ما ليس لهما خرج سهم المبيح)[2] .

وما رواه البرقي:

-(أحمد بن محمّد البرقيُّ في (المحاسن) عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن منصور بن حازم، قال: سأل بعض أصحابنا أبو عبد الله (عليه السلام) عن مسألة، فقال: هذه تخرج في القرعة، ثمَّ قال: فأيُّ قضيّة أعدل من القرعة، إذا فوَّضوا أمرهم إلى الله عزَّ وجلَّ، أليس الله يقول: (فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ المُدْحَضِينَ)[3] .

كل من خبري جميل ومنصور بن حازم، ويمكن أن يُفهم منهما أنهما يقضيان الرجوع إلى القرعة ولم يؤخذ في موضوعهما عنوان المشكل كي يُقال أن الإشكال ينتفي مع إمكان الإحتياط.

الخامسة: ولو جهل صاحبه، أو كان في عدد غير محصور، ذهب سيدنا الماتن (قده) إلى القول ههنا إلى الإحتياط بالتصدق على من شاء ما لم يظنه بالخصوص بإذن الحاكم الشرعي، وإلا (مع ظنه بالخصوص) فلا يترك الإحتياط بالتصدق عليه إن كان محلًا له. نعم لا يجدي ظنه بالخصوص في المحصور. وهذا من أبرز مصاديق مال مجهول المالك وحكمه لزوم التصدق به وهو ما يُسمى بالسنة المتشرعة برد المظالم ولا يفرق فيه سواءً كان موضوعه العين الخارجية أم في الذمة. كما هو واضح وهو مختار المشهور بين الفقهاء كما هو المحقق في ذلك، وإن ذهب الشيخ الأعظم الأنصاري[4] (قده) إلى كونه موردًا لإتفاق الأصحاب، كما ورد في كتابه الخمس.

 

بقي أن سيدنا الماتن (قده) إحتاط وجوبًا بأن يكون بإذن الحاكم الشرعي، ووجهه على الأرجح كونه مال الغير وما الغير لا يصح التصرف به إلا بإذن الحاكم الشرعي.

وربما يستدل عليه أيضًا بحديث داوود بن أبي يزيد عن مولانا الصادق (عليه السلام):

-(محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن موسى بن عمر، عن الحجّال، عن داود بن أبى يزيد ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رجل: إنّي قد أصبت مالاً، وإنّي قد خفت فيه على نفسي، ولو أصبت صاحبه دفعته إليه وتخلّصت منه، قال: فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): والله أن لو أصبته كنت تدفعه إليه؟ قال: إي والله، قال: فأنا والله ما له صاحب غيري، قال: فاستحلفه أن يدفعه الى من يأمره، قال: فحلف، فقال: فاذهب فاقسمه في إخوانك، ولك الأمن ممّا خفت منه، قال: (فقسّمته بين إخواني ))[5] .

والواضح في وجه الدلالة بالخير هو أن صاحب الإختيار ومرجع الأمر في مجهول المالك هو الإمام (عليه السلام) بقوله (فأنا والله ما له صاحب غيري) بقريب أن المراد من قوله (عليه السلام) ذلك ليس أنه مالكه طبعًا بل إنه لا بد من أن يراجع إليه.ومع غيبة مولانا الإمام (عليه السلام) يكون المرجع نائبه العام.

ولكن يمكن أن يرد على الإستدلال المذكور، بالأول والثاني (الخبر) أما تقريب الأول فبأن مقتضى دليل التصدق كفايته وعدم توقفه على الأذن للإطلاق والأصالة، وبالتالي المطلوب إيصال المال المجهول المالك إلى من يجوز التصدق عليهم.

وأما ثانيًا فالخبر قاصرٌ سندًا لوقوع الإجمال في موسى بن عمر بين المؤقت وغيره، نعم مجرد كون الرواي في إسناد كامل الزيارة – وكل من ورد في إسناد هذا الكتاب فهو ثقة- فهو مما لا نقول به ولا أثر له، وبالتالي فالسند غير تام، ولا تصل النوبةُ إلى ملاحظة الدلالة مع أن تقريب المدعى غير تام.

السادسة: (ولو علم المالك وجهل بالمقدار تخلّص منه بالصلح ).

وهذه الصورة هي كالصورة الرابعة بوجوب التخلص منه بالصلح والتراضي وهذا مما لا خلاف فيه ويرفع الإشكال.

نعم مع عدم إمكان الصلح لعدم رضا المالك به، فقد يُقال بجواز الإقتصار على دفع الأقل إليه كما لو دار الأمر بين الأقل والأكثر وهو الأقوى وإن كان الأحوط دفع الأكثر وإلا فكما مر في الصورة الرابعة من أن مقتضى القاعدة التوسل إلى القرعة لكونها لكل أمر مشكل ولما تقدم في خبري جميل ومنصور. والله العالم.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo