< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

39/02/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب القصاص.

(تابع) مسألة (14): لو سحره فقتل وعلم سببية سحره له فهو عمد إن أراد بذلك قتله، وإلا فليس بعمد بل شبهه، من غير فرق بين القول بأن للسحر واقعية أو لا، ولو كان مثل هذا السحر قاتلا نوعا يكون عمدا ولو لم يقصد القتل به[1] .

 

5 – وقع الكلام بين الاعلام في جواز تعليم السحر وتعلمّه أو إبطال السحر بالسحر، والأقوى جواز ذلك بل رجحانه فيما لو كان ذلك لغرض عقلائي وشرعي كما لو تعلق بمصلحة إنسانية كعلاج مجنون أو مريض أو إصلاح بين زوجين، بخلاف ما لو كان للتفرقة بين البشر أو لأذية الآخرين والإضرار بهم فإنه يحرم ذلك لكونه من الأغراض الشيطانية، وعليه تحمل كل من الروايات الناهية أو المجوّزة والله العالم.

وبعد هذا العرض الموجز في قضية السحر وحالاتها وماهيتها نعود إلى متن سيدنا (قده) فقوله: (لو سحره فقُتل وعُلم سببية سحره) إلى قوله (ولو لم يقصد القتل به).

وهذه المسألة من موارد تسبيب القتل العمدي، فالموجب للقصاص متحقق بمقتضى القاعدة المتقدمة في ذلك.

وأما مع عدم علم الساحر بتأديته للموت وعدم قصده لذلك فهو من شبه العمد لأنه ليس قاصدًا إلى القتل وليس فعلُه مما يقتل عادة، وهنا ليس عليه إلا الديّة وذلك لأن فعله كان بإختياره ولو لم يكن عن قصد ولكنه أفضى إلى القتل ودم المسلم لا يذهب هدرًا.

وأما قوله (قده): (من غير فرق بين القول بأن للسحر واقعية أو لا).

هذا ما تعرضنا إليه في مقدمات قضية السحر قبل قليل فراجع.

والصحيح عدم الفرق بين القول بكون السحر له واقع أو لا، وذلك لكفاية الإعتقاد بأن للسحر تأثيرًا واضحًا وجدانيًا وخارجيًا وهذا مما لا ينكره أحد، سواءً قال بواقعيته أم لا، وهذا هو المناط في تحقق القتل العمدي، ولو بإستخدام الساحر من خلال اقواله وافعاله ما يوحي للمسحور بعض الصور الوهمية والخيالية ولكنها تؤثر ببعض الأشخاص، وتسيطر على حواسهم، فتظهر لهم حالات مختلفة، وذلك لأجل ضعف إرادة الروح عنهم فيتأثرون أحيانًا، لأن العلم في المقام أثبت أن الوهم إذا ما كبُر وتعاظم في نفس وقلب الموهوم فإنه يصبح قويًا وواقعًا بنظر المسحور فقد يفضي ذلك لموته. ومن الطبيعي أن ينشأ من شدة إعتماده على الأثر النفسي، يمكن لنا أن نقول إنّه في جوهره عمل نفسي له آثار مادية، ولذا لا يمكن أن يتحقق إلّا في محل قابل ومستعد لقبول ما يصدر عن الساحر، ولذلك كان تأثيره في النفس محدودًا بالفرد الناقص من حيث المعرفة والكمال، وأمّا الإنسان الكامل فلا أثر للسحر فيه، ولم يعهد أنّ نبيًا من أنبياء الله تعالى تغلّب عليه السحر وأثّر فيه، وما ورد في سحر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلنا فيه كلام يأتي في محله.

ومن ذلك يعلم وجه انتشار السحر في الاُمم البدائية، التي يكثر فيها الجهل والاعتقاد بالخرافات.

ثمّ إنّ إنفاذ السحر وتأثيره في النفوس الضعيفة، يتوقف على قوة الساحر وثبات في العزيمة، وأكاذيب يستعين بها على التأثير في وعي المسحور ووهمه يشبه في ذلك بعلم التوهّم – علم التنويم المغناطيسي – المبني على التأثير في وهم الأفراد، ويستفيد الساحر من الأكاذيب والمفتعلات ما لا يستفيده من غيرها، وهو إنما بلغ إلى هذه المرتبة بظل ما كان يعتقده الناس في السحر والسحرة من أنّ لهم التصرّف في كل شيئ، وتصدر عنهم أعمال عظيمة، كإحياء الأموات، أو إصابة الناس بالأمراض، فكانوا يخافون منهم كخوفهم من الله تعالى.

وعلى أي حال، فهذا ما سنحت لنا الفرصة لكتابته وما بقي فكثير قد لا يتأتى ذكره ههنا.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo