< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

39/04/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب القصاص.

مسألة (40): لو جنى عليه فصيره في حكم المذبوح بحيث لا يبقى له حياة مستقرة فذبحه آخر فالقود على الأول، وهو القاتل عمدا، وعلى الثاني دية الجناية على الميت، ولو جنى عليه وكانت حياته مستقرة فذبحه آخر فالقود على الثاني، وعلى الأول حكم الجرح قصاصا أو أرشا، سواء كان الجرح مما لا يقتل مثله أو يقتل غالبا.[1] .

 

ويمكن تحرير المسألة بصيغة اُخرى: فتارة تكون جناية المجني على المجنى عليه بما تجعله بحكم الميت لظهور علامات الموت عليه وأبرزها توقف القلب عن النبض والرئة عن التنفس وسكن الجسد بلا حراك إلا في العضلات كما في تلفظه للنفس الأخير ولا يمكن عود الحركة والنبض إلا بإنعاش خارجي فجاء الآخر وذبحه في المفروض فلا إشكال في كون القود على الجاني الأول لإعتباره القاتل حقيقة وعمدًا وأما الثاني فحكمه دفع الجناية على الميت لجريان حكم الميت عليه وسيأتي حكم من قطع راس الميت وديته.

وتارة تكون جناية المجني على المجنى عليه غير مفضية إلى الموت الحتمي بل حياته إلى حد ما مستقرة وما زال القلب ينبض والرئة تتنفس فذبحه آخر فالقود على الثاني (الذابح) وعلى الأول حكم الجرح والجناية بحسبها كما سيأتي لاحقًا وذلك لكون القاتل فعلًا وحقيقة هو الثاني لا الأول بحسب المفترض، مع الغض عمّا إذا كان الجرح مما يقتل غالبًا أو، لا؟ لإعتبار كون القاتل فعلًا هو الثاني لا الأول لأن المفترض أنه جنى على الحي المستقر الحياة فتشمله أدلة الجناية بلا إشكال في المقام، وعندئذ لا يُفرّق في كون الجرح بين إيجابه القصاص أو الدية أو الأرش لإطلاق أدلة الجنايات الشامل لجميع ذلك كما سيأتي مفصلًا.

مسألة (41): لو جرحه اثنان فاندمل جراحة أحدهما وسرت الأخرى فمات فعلى من اندملت جراحته دية الجراحة أو قصاصها، وعلى الثاني القود فهل يقتل بعد رد دية الجرح المندمل أم يقتل بلا رد؟ فيه إشكال وإن كان الأقرب عدم الرد[2] .

 

لا بد أولًا من تحرير موضوع الحكم في المسألة المفترضة، ليستقيم الحكم على موضوعه، وإلا فلا وجه للحكم المفروض في المقام.

فيكون مراد كلامه في جرحه بموضعين من شخصين هو بأن أقدم الأول على قطع يده والآخر قطع رجله ومن ثم إندملت جراحة أحدهما وسرت الاُخرى فمات، وعندئذٍ فالحكم على من إندملت جراحته دية الجراحة أو قصاصها بحسب التفصيل القادم في المقام من إلزام الجاني بالدية فيما لو لم يمكن القصاص، أو القصاص في مورد القصاص كما سيأتي. وهذا مما لا خلاف فيه بينهم كما هو واضح.

وأما الثاني الذي لم يندمل جرحه بل سرى ومات المجروح فعلى الجاني القود لأنه القاتل فعلًا بما سببه بجرحه للمجنى عليه وعليه الأدلة الشرعية مما تقدم من الآية والنصوص الصريحة على ذلك بالإضافة إلى الإجماع.

وهذا لا خلاف فيه ولكن الكلام وقع بين الاعلام في أنه هل يُقتل الجاني بعد رد دية الجرح المندمل إلى وليِّه، كما اختاره المحقق الحلي (قده) في شرائعه حيث قال في المسألة: (فمن إندمل جرحه فهو الجارح، والآخر قاتل يُقتل ولكن بعد رد دية الجرح المندمل)[3] لأن الفرض (المفترض) كمال الجاني ونقص المقتول أم (أو) يقتل بلا رد؟ كما عن صاحب القواعد (قده) ووجهه أن الدية إنما كانت للنفس وليست للأعضاء، ولو كانت للأعضاء لسقط القصاص عمّن قتل مقطوع اليدين أو الرجلين، أو أن القصاص في هذه الموارد بعد رد دية الأعضاء المقطوعة مع أنه محل تأمل عنده.

واستقرب الماتن (قده) عدم الرد لعدم الدليل إلا ما تقدم قبل قليل من الوجه الإعتباري وتقدم الإشكالُ فيه. نعم يمكن الإستفادة من وجوب الرد إذا أرادوا قتله برواية سورة بن كليب عن مولانا الصادق (عليه السلام).

-(محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، وعن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن سورة بن كليب، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال: سئل عن رجل قتل رجلا عمدا وكان المقتول أقطع اليد اليمنى؟ فقال: إن كانت قطعت يده في جناية جناها على نفسه أو كان قطع فأخذ دية يده من الذي قطعها، فان أراد أولياؤه أن يقتلوا قاتله أدوا إلى أولياء قاتله دية يده الذي قيد منها إن كان أخذ دية يده ويقتلوه، وإن شاؤوا طرحوا عنه دية يد وأخذوا الباقي، قال: وإن كانت يده قطعت في غير جناية جناها على نفسه ولا أخذ لها دية قتلوا قاتله ولا يغرم شيئا، وإن شاؤوا أخذوا دية كاملة، قال: وهكذا وجدناه في كتاب علي (عليه‌ السلام))[4] .

والرواية معتبرة فيتعين لزوم الرد إذا شاؤوا قتله، اللهم إلا أن يُقال بضعف الرواية وعدم الإعتماد عليها، فيرجع إلى عدم وجود دليل على الرد والاصل عدمه، ولكن الارجح بالنظر إعتبار روايته ولا يكفي في البناء على ضعفه لعدم ثبوت مدحه بل يكفي عدم الطعن به. والله العالم.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo