< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ حسان سویدان

35/11/19

بسم الله الرحمن الرحیم

جرت العادة في مثل هذه الأبحاث على اعتماد أهمّ متن فقهيّ تفريعيّ في هذا المجال، وهو كتاب العروة الوثقى للمرحوم السيّد اليزدي رحمه‌الله، والذي لا نجد في بابه ما يضاهيه من حيث التفريع الفقهيّ والتركيز على المسائل، من هنا، كان هذا الكتاب هو محطّ تعليقات الفقهاء والأعلام المتأخّرين عليه، حتّى عُدّ عدم وجود تعليقةٍ لفقيهٍ ما على متن العروة شيئاً من النقص في مسيرته العلميّة.
من هنا، رأينا أنّ المناسب الجريان على متن العروة، وتسهيلاً على الإخوة لمراجعة الأبحاث أيضاً. وإن كان هناك أيضاً كتب مهمّة تجدر مراجعتها، منها: كتاب صلاة المسافر للمحقّق الأصفهانيّ رحمه‌الله، وكتاب صلاة المسافر للسيّد أبي الحسن الأصفهانيّ رحمه‌الله، وهناك أبحاث مهمّة أيضاً للمحقّق العراقيّ رحمه‌الله في شرحه على التبصرة، وباب صلاة المسافر من كتاب مصباح الفقيه للمحقّق الهمدانيّ رحمه‌الله، وباب صلاة المسافر في كتاب الصلاة تقريراً لأبحاث المحقّق النائيني رحمه‌الله بقلم الشيخ محمّد تقي الآملي رحمه‌الله. وكتاب نهاية التقرير للمرحوم الشيخ فاضل اللنكراني تقريراً لأبحاث أستاذه السيّد البروجرديّ رحمه‌الله. وكتاب البدر الزاهر في صلاتي الجمعة والمسافر للمرحوم الشيخ المنتظريّ تقريراً لأبحاث السيّد البروجرديّ رحمه‌الله أيضاً.

ما هو المقصود من عنوان صلاة المسافر؟
المقصود من هذا العنوان في كتب الفقه ليس مطلق صلاة التقصير؛ إذ توجد حالتان في الفقه فيهما قصر الصلاة:
الحالة الأُولى: تُعنون في الفقه بعنوان صلاة الخوف والمطاردة.
والثانية: حالة السفر المجرَّد عن الخوف والمطاردة.
وليس المقصود من الخوف في المقام هو مجرّد التوجّس الذي يحصل لدى إنسانٍ ما، خصوصاً ما كان يحصل في تلك الأزمنة عند السفر في البراري والصحاري ليلاً. بل المقصود في المقام من صلاة المسافر هو السفر المجرّد عن الخوف والمطاردة. ولا يحلّ المشكلة أن نعبّر عنها بـ صلاة التقصير؛ فإنّهما تشتركان في التقصير أيضاً.
لا شكّ في الجملة في أنّ المسافر بهذا المعنى يشرع له التقصير في الصلاة إذا تحقّقت شرائطه الآتية، وهذا ممّا اتّفقت عليه كلمة أهل الإسلام تقريباً.
كما لا شكّ عندنا في مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام في أنّ هذه المشروعيّة حيث تُوجد فهي على سبيل العزيمة لا الرخصة، إلّا ما استُثني، وهي الأماكن الأربعة، التي يُبحث فيها تارةً في أصل التخيير، وأُخرى في مشروعيّتها.
وما قيل في بعض الكلمات: إلّا من ابن حزم وداود الظاهريّ، فهو ليس في محلّه؛ إذ هذان لم يذهبا إلى عدم مشروعيّة قصر الصلاة في السفر، وأنّى لهما بذلك والسنن مسلّمة الصحّة عندهم في هذا الأمر؟! والتحقيق: أنّ خلافهما إنّما هو في بعض الشرائط الآتية، لا في أصل التقصير.
ولعلّ ما جعل البعض ينسب إليهما مخالفته في أصل المشروعيّة في التقصير هو إنكار إمام المذهب داود بن عليّ الظاهريّ لأصل لزوم قطع المسافة، بل جعل الأمر يدور مدار العنوان، وهذا أوضح في القول بالمشروعيّة. فلا نعرف حقيقةً مخالفاً من المسلمين في أصل الموضوع، كما لا نعرف مخالفاً منّاً في أنّ المشروعيّة في غير الأماكن الأربعة هي على سبيل العزيمة، لا الرخصة. بل طفحت الكلمات بدعوى الإجماع، بل الضرورة من الفقه، أقول: بل لا يبعد دعوى كونه من ضرورات المذهب؛ إذ هو مبحث عامّ البلوى انتقل من الفقه إلى المعارف العامّة في المدرسة الفقهيّة لأتباع أهل البيت عليهم‌السلام.
إنّما الكلام فيما ذكره بعض المحقّقين كالسيّد الخوئي رحمه‌الله من تواتر النصوص في ذلك، ولا بدّ أن يكون مراده حتّى يصحّ كلامه: التواتر المعنويّ في جزء المعنى، لا التواتر اللّفظيّ، أو التواتر الإجماليّ. وهذان الاصطلاحان يُعمَّمان ويُخصَّصان في الكلمات؛ لأنّ كثيراً من المحقّقين يعبّرون عن التواتر المعنويّ في جزء المعنى بالتواتر الإجماليّ، وإلّا، لا يبقى للتواتر الإجماليّ معنىً، بمعنى وجود رواية صادرة في مجموع الروايات الواردة.
وإنّما قلت هذا لأنّنا لا نجد تواتراً يقول: قصر الصلاة في كذا وكذا من الشروط، بل الموجود من النصوص طوائف: طائفة تعرّضت للمسافة الامتداديّة، وأُخرى للمسافة التلفيقيّة، وأُخرى لكيفيّة التقصير. وهذه الطوائف بمفردها ليس شيء منها متواتراً، فلا بد أن يكون مقصوده رحمه‌الله من تواتر النصوص هذا المعنى، بمعنى: أنّ البعض مدلوله الالتزاميّ لزوم التقصير، والبعض مدلوله الالتزاميّ لزوم التقصير عند بلوغ ثمانية، وهكذا، فالمتحصّل من مجموع هذه الروايات تواتر، بل فوق التواتر، لكن هذا يحصّل لنا أصل لزوم التقصير في الصلاة، بمعزل عن كمّه وكيفه وشرائطه.
ولا بدّ قبل الدخول في الأبحاث أن نبحث عن أصل مشروعيّة التقصير في الصلاة في السفر، هل هو نصّ القرآن الكريم، أم هو نتاج السنّة المطهّرة، قولاً وعملاً؟ وما يحفّزنا على هذا البحث هو ما ذهب إليه بعض المحقّقين من أنّ التقصير ثابت بالأدلّة الثلاثة: كتاباً وسنّةً وإجماعاً. فهل يصحّ هذا الكلام أم لا؟

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo