< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ حسان سویدان

36/03/22

بسم الله الرحمن الرحیم

انتهينا من البحث العلميّ في الشرط الرابع.
نعلّق على بعض الفروع الموجودة في عبارة الماتن ره.
الشرط الرابع من شرائط التقصير في السفر:
* قال الماتن!: أن لا يكون من قصده في أوّل السير أو في أثنائه إقامة عشرة أيّامٍ قبل بلوغ الثمانية، وأن لا يكون من قصده المرور على وطنه كذلك، وإلّا، أتمّ؛ لأنّ الإقامة قاطعة لحكم السفر، والوصول إلى الوطن قاطع لنفسه، فلو كان من قصْده ذلك من حين الشروع أو بعده لم يكن قاصداً للمسافة. وكذا يُتمّ لو كان متردّداً في نيّة الإقامة أو المرور على الوطن قبل بلوغ الثمانية. نعم، لو لم يكن ذلك من قصْده ولا متردّداً فيه، إلّا أنّه يَحتمل عروض مقتضٍ لذلك في الأثناء لم يُنافِ عزمه على المسافة، فيقصّر، نظير ما إذا كان عازماً على المسافة، إلّا أنّه لو عرض في الأثناء مانع من لصٍّ أو عدوٍّ أو مرضٍ أو نحو ذلك يرجع، ويحتمل عروض ذلك، فإنّه لا يضرّ بعزمه وقصده.[1]
الشرط الذي يختلّ هنا هو شرط القصد مستمرّاً. فتارةً يكون هناك قصور في المقتضي، بأن يكون من الأساس قاصداً للمرور على الوطن في أثناء الثمانية فراسخ، فمن الواضح هنا أنّه ليس قاصداً للمسافة. وتارةً أُخرى يكون هو متردّداً في أن يختار هذا الطريق الذي لا يمرّ عبر الوطن، وهو إلى المقصد ثمانية فأزيد، أو ذاك الذي يمرّ عبر الوطن، والوطن قبل الثمانية، لكنّ المقصد ثمانية فأزيد، فهو من الأساس ليس لديه مقتضٍ للتقصير.
وتارةً أُخرى يكون قاصداً إلى المقصد وهو لا يمرّ عبر الوطن، فلا مشكلة على مستوى الاقتضاء، لكن يحتمل أن يعرض عارض يمنع، كلصٍّ يقطع الطريق عليه، أو عزيز له يكابد سكرات الموت فيحتمل أن يأتيه خبر موته فيرجع أو يبقى في مكانه. فهذا الإنسان يقول الماتن ره: ما دام الأمر يرتبط بالمقتضي المعاكس، أي: بالمانع في الحقيقة، هذا الإنسان لو خُلّي وشأنه، دون عاملٍ خارجيّ، فهو قاصد، فهو يقصّر، وإن ابتُلي بمثل هذه الحالة.
لكن السؤال المهمّ في المقام، هو أنّ هذا الإنسان الذي يحتمل هذا الشيء من البداية أو في الأثناء ـ بناءاً على اشتراط استمراريّة القصد كما هو المشهور ـ هل يبقى لديه بالفعل عزم على مستوى الاقتضاء على قطع المسافة مهما حصل، بحيث إنّ ما يحدث سيقهره ويُرجعه أم أنّ أصل العزم بات معلَّقاً بعد أن كان المفروض أنّه كان منجَّزاً لولا هذه الحالة؟
لا شكّ في أنّ العزم الفعليّ لقطع المسافة على كلّ حال غير موجود. ومن هنا، فإنّ تحقّق الشرط الثاني، وهو القصد، فضلاً عن الشرط الثالث، بناءاً على شرطيّته، وهو استمرار القصد في كلّ آن، لا شكّ في أنّه غير موجود بالفعل.
والتحقيق أن يُقال في المقام: إنّ هذا الاحتمال تارةً يكون احتمالاً معتدّاً به عقلائيّاً، كما في المثال المتقدّم، وأُخرى يكون احتمالاً غير معتدٍّ به، من باب ندرة حصول المانع، ففي العادة لا يُبنى عليه، بل وفي العادة هو يواجهه إذا حصل، فإذا تغلّب عليه رجع القهقرى.
فعلى الأوّل، هناك احتمال عقلائيّ معتدّ به يمنعه من العزم على كلّ حال. بينما في الثاني هو عازم على كلّ حال، ولا يُعتنى بمثل هذا الاحتمال؛ إذ مثل هذا الاحتمال حتّى لو كانت نسبته الاحتماليّة معتدّاً لا ينفكّ عنها في العادة سفر، خصوصاً في زمن الروايات، حيث كانت تُقطع الفيافي والبراري في الأسفر. فإطلاق الماتن ره في غير محلّه.
ومن هنا، وجدنا جملة من المحقّقين علّقوا على العروة هنا بأنّه في الاحتمال المعتدّ به عقلائيّاً لا تقصير. وهذا هو السبب.

المسألة 25
* قال الماتن!: لو كان حين الشروع في السفر أو في أثنائه قاصداً للإقامة أو المرور على الوطن قبل بلوغ الثمانية، لكن عدل بعد ذلك عن قصده، أو كان متردّداً في ذلك وعدل عن ترديده إلى الجزم بأحد الأمرين. فإن كان ما بقي بعد العدول مسافة في نفسه، أو مع التلفيق بضمّ الإياب، قصّر، وإلّا، فلا. فلو كان ما بقي بعد العدول إلى المقصد أربعة فراسخ، وكان عازماً على العود ولو لغير يومه، قصّر في الذهاب والمقصد والإياب. بل وكذا لو كان أقلّ من أربعة، بل ولو كان فرسخاً فكذلك على الأقوى من وجوب القصر في كلّ تلفيق من الذهاب والإياب وعدم اعتبار كون الذهاب أربعةً أو أزيد كما مرّ.[2]
قد تقدّم البحث العلميّ لهذه المسألة.
وهي في إنسان قاصد من بداية مسيره أن يمرّ على وطنه، أو يقيم عشرة أيّام في الطريق، دون العشرة أيّام، فهو ليس قاصداً لمسافةٍ تقتضي التقصير. ثمّ عدل عن المرور على الوطن، أو كان مردّداً من البداية، لكن عدل عن التردّد. فبعد أن مشى فرسخين عدل. فما هو حكم ما مضى؟ وما هو حكم ما بقي؟
لا كلام فيما لو كان الباقي وحده ثمانية فراسخ؛ فإنّه سفر لوحده.
فإن كان الباقي مسافة مع التلفيق، قصّر أيضاً. وأمّا كيفيّة التلفيق، فكلّ وما بنى عليه في مسألته.
وقد تقدّم أنّ الأقوى أنّ التلفيق لا يكون إلّا في بريد في بريد.
النقطة التي تستحقّ البحث في المسألة، هي أنّه هل يحتسب ما سبق أم لا يحتسبه؟
والجواب قد بات واضحاً بناءاً على القاعدة التي أسّسناها؛ فإنّ هذا لم يقصد مسافة؛ إذ ليس مطلق قصد الثمانية فراسخ هو الذي يستوجب التقصير، بل قصد ثمانية فراسخ لا قاطع فيها، وهذا كان ناوياً للقاطع، فلم يقصد الثمانية الخاصّة المستوجبة للتقصير. فما مضى لا يُحتسب.
قوله: لو كان حين الشروع في السفر أو في أثنائه. كلمة (في أثنائه) ليست صحيحة؛ لأنّ هذه المسألة إنّما عقدها الماتن ره لأجل بيان أنّ القصد لم يكن في بداية السفر وبدأ في الأثناء. فمن الواضح أنّه لا كلام في احتساب ما مضى، فلو أدخلنا كلمة (أو في أثنائه) لكان يجب أن يُبحث أنّه يُحتسب ما مضى مع ما بقي أم لا. مع أنّ هذا سيتعرّض له في المسألة الآتية. والقرينة على هذا أنّ الماتن ره لم يبحث هنا حيثيّات المسألة، بدليل أنّه يستشكل ويحتاط في ضمّ ما مضى إلى ما بقي، بينما هنا في هذه المسألة جزم بعد ضمّ ما مضى إلى ما بقي. فهذه المسألة موجّهة إلى خصوص ما لو لم يكن من البداية لديه قصد سفرٍ يستوجب التقصير، ونشأ قصد السفر في الأثناء. فكلمة (في أثنائه) تضرّ بالمسألة هنا.

مسألة 26
* قال الماتن!: لو لم يكن من نيّته في أوّل السفر الإقامة أو المرور على الوطن، وقطع مقداراً من المسافة، ثمّ بدا له ذلك قبل بلوغ الثمانية، ثمّ عدل عمّا بدا له وعزم على عدم الأمرين، فهل يضمّ ما مضى إلى ما بقي إذا لم يكن ما بقي بعد العدول عمّا بدا له مسافة، فيقصّر إذا كان المجموع مسافة، ولو بعد إسقاط ما تخلّل بين العزم الأوّل والعزم الثاني، إذا كان كان قَطَع بين العزمين شيئاً؟ إشكال، خصوصاً في صورة التخلّل، فلا يُترك الاحتياط بالجمع، نظير ما مرّ في الشرط الثالث.
قوله: بدا له قبل بلوغ الثمانية، أي: بدا له أن يمرّ على الوطن قبل بلوغ الثمانية، فهو بدا له قبل بلوغ الثمانية، وما بدا له أيضاً كان قبل الثمانية، هذا هو مراده.[3]
قوله: ثمّ عدل عمّا بدا له. هذا الفرض هو فرض كلمة (في أثنائه) التي مرّت في المسألة السابقة.
قوله: فهل يضمّ ما مضى إلى ما بقي. تقدّم بحث هذا الحكم هنا، في وادٍ واحد مع التردّد، فإذا كان سفراً واحداً مع التردّد يُضمّ ما مضى إلى ما بقي، وإذا كان سفرين، فلا.
الكلام هو الكلام في الشرط السابق.
قوله: إشكال. لدى الماتن ره إشكال في الصورتين، صورة ما لو عزم على المرور ولم يمضِ، وصورة ما لو عزم على المرور ومضى فرسخاً ـ مثلاً ـ .
وقد تقدّم البحث في ذلك، وخالفْنا السيّد الخوئي ره في القاعدة التي ذهب إليها؛ لأنّها لم تتمّ لدينا. ووافقْنا المشهور في أنّ السفر بقي سفراً، لا سفرين. وإنّما خالفناهم في نقطةٍ وهو تشكيكنا في شرطٍ اسمه استمرار القصد، وقلنا: إنّ هذا سفر واحد، وهذا الذي مشاه في الأثناء في حال اختلال القصد إنّما اختلّ فيه استمرار القصد، لا الشرط الأوّل. فإذا قلنا بعدم وجود دليلٍ على شرطيّة استمرار القصد، فله أن يحتسب حتّى ما مشاه في الوسط. لكن نتيجةً للخلاف العظيم، فإنّ نفس حساب ما تخلّل في الوسط حال التردّد أو العزم المضادّ، هو الذي احتطنا فيه احتياطاً وجوبيّاً.
وتظهر الثمرة فيما لو كانت المسافة تسعة فراسخ ـ مثلاً ـ، فمشى فرسخين وهو عازم على عدم المرور إلى الوطن، الذي هو دون الثمانية، ثمّ عزم على المرور، ومشى فرسخين آخرين، ثمّ عاد إلى عزمه الأوّل، فبقي له خمسة فراسخ، فهي مع الاثنين سبعة، فتتمّ على المشهور؛ لأنّ المجموع أقلّ من ثمانية. وعلى ما ذهبنا إليه، فهنا مورد الاحتياط؛ لأنّنا حيث أنكرنا شرط استمرار القصد فلا بدّ من الاحتياط في الوسط.
هذا تمام الكلام في الشرط الرابع.

الشرط الخامس:
* قال الماتن ره: الخامس من الشروط: أن لا يكون السفر حراماً، وإلّا، لم يقصّر، سواء كان نفسه حراماً، كالفرار من الزحف، وإباق العبد، وسفر الزوجة بدون إذن الزوج في غير الواجب، وسفر الولد مع نهي الوالدين في غير الواجب، وكما إذا كان السفر مضرّاً لبدنه، وكما إذا نذر عدم السفر مع رجحان تركه، ونحو ذلك، أو كان غايته أمراً محرّماً، كما إذا سافر لقتل نفس محترمة، أو للسرقة، أو للزنا، أو لإعانة ظالم، أو لأخذ مال الناس ظلماً، ونحو ذلك، وأمّا إذا لم يكن لأجل المعصية، لكن تتّفق في أثنائه، مثل الغيبة وشرب الخمر والزنا ونحو ذلك ممّا ليس غايةً للسفر فلا يوجب التمام، بل يجب معه القصر والإفطار.
قوله!: سفر الزوجة بدون إذن الزوج، أي: إذا كان للزوج ولاية في منعها عن السفر بما لا يتنافى مع حقّه في الاستمتاع.
وبحثه في محلّه.
قوله!: سفر الولد مع نهي الوالدين.. أي: بناءاً على كفاية نهي الوالدين، وصدق العقوق على مجرّد مخالفة نهيهما. وبحثه أيضاً في محلّه.
قوله!: وكما إذا كان السفر مضرّاً لبدنه.. لا بدّ من تقييده بالضرر الذي يكون حراماً، لا مطلق الضرر.
قوله!: أو كان غايته أمراً محرّماً.. مقدّمة الحرام ليست حراماً، إلّا إذا كانت علّة تامّة، أو الجزء الأخير من العلّة التامّة.
ينبغي أن يُعلم أنّ هذا الشرط يُعنون في كلمات المحقّقين بعنوان: «سفر المعصية».
وهذا العنوان موهم؛ إذ اتّضح أنّه ليس هناك شيء اسمه سفر معصية أساساً. فالسفر بذاته ليس معصية. وإنّما العناوين هي التي تلوّنه بلون المعصية، وهي عناوين طارئة، وإلّا، فالسفر ذاتاً لا يكون معصية، بل يلازم معصيةً من المعاصي، إمّا فعل شيء أو ترك شيء.
كما أنّ عنوان سفر المعصية لا ينطبق على ما هو المشهور من ترجمة هذا الشرط، وهو السفر الذي يكون مقدّمة تُمكّنك من المعصية، وقد تعصي وقد لا تعصي؛ لأنّ اختيارك هناك يتوسّط بين السفر الذي هو المقدّمة، وبين العصيان الذي هو ذو المقدّمة، أو قد لا تختار العصيان، أو قد لا يتسنّى له حتّى لو اختاره، كما لو سافر لأجل الزنا لكن لم تطاوعه المرأة التي كان أراد أن يزني بها ومنعت نفسها منه.
فمقدّمة الحرام في هذه الحالات ليست محرّمة في حدّ نفسها.
وإن كان يوجد مجال للبحث في أنّ السفر بقصد المعصية هل هو حرام أم لا؟ كفتح الدكّان بقصد الإضرار بالجار، لا بقصد التكسّب.
لكن على المباني المعروفة والمشهورة فإنّ مقدّمة الحرام ليست بحرام، إلّا إذا كانت توليديّة، كما لو كانت بنفسها علّةً تامّة للحرام، أو الجزء الأخير من العلّة التامّة.
ولا بدّ من الكلام في دليل هذا الشرط.
***

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo