< قائمة الدروس

بحوث خارج الأصول

الأستاذ الشیخ حسان سویدان

35/11/21

بسم الله الرحمن الرحیم

تذييل لا بدّ منه:
تقدّمت الإشارة إلى أنّ صاحب الكفاية رحمه‌الله أخرج أسماء أعداد الجمع عن تعريف العموم، ومثّل بلفظ (العشرة)، وذكر في وجه ذلك: أنّه غير قابل للانطباق على آحاده.
وهذا الكلام بظاهره لا بدّ وأن يُراد منه: أنّ أسماء الطبائع والأجناس التي لها أفراد تقبل الانطباق عليها بحسب القابليّة تُخرجها ألفاظ العموم من هذه القابليّة إلى الفعليّة، فعندما تدخل أداة العموم يصبح هذا المفهوم دالّاً على الأفراد بالفعل، بينما لفظ (عشرة) ليس عموماً؛ لأنّه لا قابليّة له للانطباق على آحاده، وإن دخلت عليه أداة العموم، ذلك أنّه وإن قبل دخولها عليه، لكنّ الأداة تُحوّل العشرة إلى عشرات، إن عرِيت عن أداة التعريف، وإن عُرِّفت باتت الدلالة من قبيل العموم المجموعيّ. وهذا لا يختصّ بأسماء الأعداد، كما تقول: اقرأ كلّ سورة، أو اقرأ كلّ السورة، فتقول أيضاً: أكرم كلّ عشرة، وأكرم كلّ العشرة، فكلمة (عشرة) في حدّ ذاتها ليست من ألفاظ العموم وإن استوعبت آحادها؛ لعدم قابليّة مفهومها للانطباق على كلّ واحد واحد من أفرادها.
وهذا المعنى لم يكن ينبغي أن يُفهم غيره من كلامه رحمه‌الله، وهو واضح الصواب. ولا يُؤخذ عليه! الاقتصار على التمثيل بالعشرة؛ ذلك أنّ هذا الأمر ليس من مختصّات لفظ (عشرة)، أو بقيّة أسماء الجمع العدديّ، بل يشمل كلّ اسم لشخصٍ مركّب من أجزاء، في أنّ اسمه لا قابليّة له للانطباق على الأفراد، من قبيل: لفظ (الدار) أو (السورة) أو كلمة (إنسان) إن لوحظ فيه جهة الأجزاء التي يتألّف منها، ذلك أنّ أسماء هذه الطبائع ممّا لا يُتوهّم الالتباس بها فيما يرتبط بمحلّ البحث. وخصوصيّة (العشرة) ـ وإن ظهر من بعض المحقّقين عدم الفرق بين لفظ (عشرة) ومثل لفظ (دار)، كما في تقريرات السيّد الخوئي رحمه‌الله ـ من جهة أنّ لفظ (عشرة) يدلّ على آحادٍ إلى أن تبلغ هذا الحدّ، لا على أجزاء ذات أسماء مختلفة، كما في الجصّ والاسمنت والحديد وغير ذلك من مكوّنات الدار، فمن هذه الجهة، قد يحصل الالتباس بين محلّ الكلام في العموم، وبين أسماء الأعداد؛ ذلك أنّ تحصّل العشرة إنّما يكون ماهويّاً بإضافتها إلى ماهيّة من الماهيّات، كـ عشرة رجال، أو عشر نساء.
وهذا الكلام كان ينبغي أن يُؤخذ بهذا المقدار، وهو واضح، وإمكانيّة الالتباس إنّما تتأتّى من جهة ما عرّف به العموم، من أنّه استيعاب مفهومٍ لتمام ما يصلح أن ينطبق عليه. ويتأتّى نفس الالتباس فيحتاج إلى الدفع، إن اقتصرنا على إضافة قيد (بالوضع)، كما صنّع المحقّقان النائيني والخوئي؛ إذ لفظ (عشرة) يدلّ بالوضع على تكرّر الآحاد، فيحصل الالتباس. لكن من نافلة القول أنّ مثل هذا الالتباس لا يتأتّى أصلاً بناءاً على ما اخترناه في تعريف العموم؛ إذ باتت الدلالة على الاستيعاب مدلول الأداة التي دخلت على اسم الجنس أو الماهيّة، من هنا، فإنّ (عشرة) كغيرها من أسماء الطبائع إن دخلت عليها أدوات العموم تصبح دالّةً على العموم، لكنّ عمومها يكون مستغرقاً للعشرات، لا للآحاد. وإن تحلّت بأداة التعريف ودخلت عليها أداة العموم، استفيد العموم المجموعيّ أيضاً، نظير لفظ (الدار) أو لفظ (السورة).
وعليه: فالعموم عرفاً بما له من المعنى المرتكز في الأذهان، والذي يحتاج إلى الأداة التي تدخل على أسماء الأجناس، من الواضح أنّه لا يلتبس بمحلّ الكلام.
نعم، كان ينبغي أن نقف في هذا البحث عند هذا الحدّ. لكنّ المحقّق العراقيّ رحمه‌الله ذكر في المقام كلاماً ربما كان هو الذي أوجب التباس بعض المحقّقين في حملهم كلام صاحب الكفاية رحمه‌الله على محملٍ بعيد عن كلامه، وإن لم يصرّح رحمه‌الله، لا في مقالاته، ولا في تقريراته، بأنّه في مقام تفسير كلام أستاذه. وخلاصة ما ذكره المحقّق العراقيّ رحمه‌الله: أنّ الفرق بين مثل (عشرة) وأسماء الأجناس: أنّ (عشرة) تدلّ على آحادها دلالة الكلّ على أجزائه، بينما دلالة أسماء الأجناس، هي دلالة الكلّيّ على أفراده. ومن هنا، فإنّه فرّق بين مثل لفظ (عشرة) وبين محلّ الكلام.
لكنّ الشهيد الصدر رحمه‌الله والشيخ الفيّاض> فسّرا عبارة صاحب الكفاية رحمه‌الله بما أفاده المحقّق العراقيّ رحمه‌الله، فأشكلا على عبارة الكفاية، بأنّ هذا ليس مائزاً بين العموم وبين مثل لفظ (عشرة)؛ إذ العموم كما يكون من قبيل الكلّيّ وأفراده، يكون من قبيل الكلّ وأجزائه، فليكن لفظٌ من ألفاظ العموم مختصّاً بالعموم المجموعيّ، فهذا ليس مائزاً موضوعيّاً.
وهذا الإشكال صحيح، لكنّه لا يتوجّه على صاحب الكفاية رحمه‌الله؛ لأنّه لم ينطق بهذا الكلام أصلاً، وعبارته ليست ظاهرة فيه ولا صريحة. نعم، يصلح إشكالاً على المحقّق العراقيّ رحمه‌الله، وهو ما لم يذكراه. فكأنّهما اعتبرا أنّ كلام المحقّق العراقيّ رحمه‌الله تفسير لكلام صاحب الكفاية رحمه‌الله، أو ربما أغفلا كلام المحقّق العراقيّ وفهما مطلب الكفاية بهذا الشكل، وإن كان هذا بعيداً.
نعم، ذكر الشهيد الصدر رحمه‌الله أنّنا إن أخذنا بتعريف صاحب الكفاية للعموم يمكن لنا أن نستأنف جواباً يُفرَّق بين العموم وبين مثل لفظ (عشرة)، وهو أنّ لفظ (عشرة) لا يشبه العموم في شيء؛ فإنّ دلالة العموم على الكلّ والأجزاء هو ببركة أداةٍ حوّلته من قابليّة التطبيق الكلّيّ على الأفراد، إلى الكلّ والأجزاء، مثل دخول كلّ على اسم الطبيعة المحلّى بالألف واللّام، أو لفظ صريح في ذلك، ككلمة (مجموع)، بينما لفظ (عشرة) اسم بما له من الوضع اللّغويّ في أساس وضعه، معناه الوضعيّ الدلالة على ما يتركّب منه، مثله مثل اسم أيّ شيء ولو كان جزئيّاً حقيقيّاً في الخارج، وكان مركّباً، وليس من البسائط، فهذه لا يتوهّم أحد من العرف أنّها من قبيل العموم المجموعيّ؛ إذ في المرتكز الذهنيّ العرفيّ لا يُقال للشيء إنّه عموم مجموعيّ إلّا إذا دخل عنصر إضافيّ دلّ على تحويل الشيء من دلالة الكلّيّ على الأفراد إلى دلالة الكلّ على الأجزاء، ولا يشمل العموم المجموعيّ عند العرف دلالة الكلّ على أجزائه إذا كانت دلالة بأصل الوضع.
وهذا الكلام يُشبه أن يكون هو كلام الشهيد الصدر رحمه‌الله، وهو كلام صحيح؛ فإنّ العرف يفرّق بوضوح بين أسماء المركّبات وبين العموم المجموعيّ، الذي لا يكون حصيلة أصل الوضع، بل نتاج أداةٍ من الأدوات دخلت عليه.
لكنّ هذا الكلام من أساسه لا يتنافى بوجهٍ مع ما أفاده صاحب الكفاية رحمه‌الله. نعم، قد يكون رحمه‌الله مطالَباً بإبراز هذه الجهة. ولا يبعد عدّها من لوازم كلامه؛ إذ بناء كلامه في الكفاية على الاختصار والاختزال. فلا يعود الأمر يصحّ إشكالاً عليه.
نعم، ذكر المحقّق الأصفهانيّ رحمه‌الله كلاماً في المقام، خلاصته: أنّه جعل الفرق بين مراتب الأعداد وبين محلّ الكلام: أنّ المفهوم في أسماء الأجناس بمادّته ينطبق على أفراده عرْضاً، بينما مفهوم اسم العدد الجمعيّ بمادّته اللّفظيّة لا ينطبق على آحاده، أي: أنّ لفظ (رجل) ـ مثلاً ـ ينطبق على آحاد الرجل بما له من اشتقاق المادّة اللّغويّة، بينما لفظ (عشرة) لا يلتقي في مادّته اللّغويّة مع آحاده؛ لأنّ أسماء آحاده: واحد واحد واحد، إلى أن نبلغ العشرة. ولم يذكر أنّ هذا تفسير لكلام صاحب الكفاية رحمه‌الله، بل كان صاحب الكفاية قد ذيّل كلامه بقوله: فافهم، فحمل المحقّق الأصفهانيّ رحمه‌الله الأمر بالفهم على هذا المعنى.
ما ينبغي أن يُقال في التعليق على ما أفاده رحمه‌الله: أنّ المادّة اللّفظيّة الاشتقاقيّة غير ملحوظة في المقام، نحن نريد أن نذكر مائزاً بين العموم وبين أسماء الجمع، وواضح على مستوى الوجدان العرفيّ أنّ الفرق معنويّ وليس لفظيّاً حتّى نلجأ إلى هذه التفرقة التي هي تفرقة صحيحة، لكنّها ليست هي الفارقة بين العموم وبين أسماء المركّبات وألفاظ الجمع، بل الفرق أوضح من ذلك؛ فإنّ مثل اسم (دار)، المركّبة من أسماء لا ينطبق عليها اسم الدار، وعليه: فلم يكن ينبغي اللّجوء إلى التعلّق بأذيال اللّفظ مع إغضاء النظر عن المعنى.
والمتحصّل: أنّ خروج مثل ألفاظ الجمع بناءاً على ما اخترناه من التعريف واضح غاية الوضوح، وبناءاً على ما اختاره صاحب الكفاية رحمه‌الله ومن جرى مجراه، أيضاً لا يكاد يخفى بناءاً على ما هو الصحيح في تفسير كلام صاحب الكفاية رحمه‌الله في التفرقة بينهما.
يأتي الكلام في أقسام العموم

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo