< قائمة الدروس

بحوث خارج الأصول

الأستاذ الشیخ حسان سویدان

35/12/07

بسم الله الرحمن الرحیم

انتهينا إلى أنّ الرأي الذي يمكن اعتماده في تخريج دلالة الجمع المحلّى على العموم هو الاستفادة من اللّازم لوضع اللّام للتعيين بعد نفي احتمالاتٍ ينفيها الوجدان اللّغويّ من إرادة حزمات الجمع ووحداته.
وهذا الكلام لم أجد من تعرّض للإشكال المباشر عليه سوى الشهيد الصدر رحمه‌الله. حيث أفاد في المقام إشكالين:
الإشكال الأوّل:
إشكال تعرّض له ودفعه، وهو أنّه لو كانت اللّام أو هيئة الجمع الداخلة عليها اللّام تدلّ على العموم فكيف تدخل أداة العموم على الجمع المحلّى باللّام، فيُقال: (أكرم كلّ العلماء)؟ ذلك أنّها لو كانت دالّةً على العموم بنفسها فإنّ دخول (كلّ) عليها يكون لَغْويّاً (هو لم يعبّر باللّغْويّة، لكن هذا لازم إشكاله)؛ لأنّه لا يفيد فائدة زائدة. وحينئذٍ: فهذا نعم المنبّه على أنّ الجمع المحلّى لا يفيد بنفسه العموم الاصطلاحيّ، فلا يوجد دالّ لفظيّ على التعميم لجميع الأفراد بحيث تكون فائدته ـ بعد إثبات التكثّر الأفراديّ ـ نفي الحاجة إلى إجراء مقدّمات الحكمة في المدخول.
ثمّ أجاب هو رحمه‌الله عن ذلك بأنّه إنّما يصحّ لو كان الجمع المحلّى بعد دخول (كلّ) يفيد نفس فائدته قبل دخولها، لكنّ الصحيح: أنّ هنالك شمولاً استيعابيّاً سمّيناه فيما تقدّم بالعموم الأفراديّ، وهو الذي يُستفاد من الجمع المحلّى قبل دخول (كلّ) عليه. ولكن في المقابل، إذا دخلت (كلّ) فإنّها تفيد الشمول، لكنّها تحوّل العموم من عموم أفراديّ إلى مجموعيّ، فلا تكون غير ذات فائدة إضافيّة، وهذا كافٍ في دفع اللّغْويّة. ونظيره: (كلّ) الداخلة على الجمع غير المحلّى، المضاف إلى اسم الطبيعة المفرد المحلّى، من قبيل: أفراد العالم، فإنّه على غرار الجمع المحلّى.
هذا الكلام يرسله الشهيد الصدر رحمه‌الله إرسال المسلّمات، وكأنّه واضح على مستوى المتفاهم العرفيّ واللّغويّ أنّ الجمع المحلّى أو المفرد أو الجمع المضاف إلى اسم الطبيعة المفرد، إذا دخلت عليه أداة العموم الدالّة على الشمول والاستيعاب، فهو يتحوّل من عموم أفراديّ إلى عموم مجموعيّ، مع أنّنا إذا راجعنا الوجدان اللّغويّ فلا نجد أنّ الأمر كذلك؛ فإنّ قول القائل: (أكرم كلّ العلماء)، وإن كان صحيحاً لغةً وعرفاً، لكنّ أبناء العرف لا يفهمون منه تحويل الأفراد إلى أجزاء، وأنّه على غرار (اقرأ كلّ الكتاب)، أو (كلّ السورة)، خصوصاً إذا بدّلنا الجمع المحلّى بما يرادفه في المعنى، وهو جمع الفرد المضاف إلى اسم الطبيعة المفرد المحلّى، كما يُقال: (أكرم كلّ أفراد العالم)، فإنّه واضح جدّاً أنّه لا يفيد أكثر من العموم الأفراديّ.
ولا ندري كيف أرسل رحمه‌الله هذه الدعوى إرسال المسلّمات، وأنّ دخول (كلّ) على الجمع المحلّى يحوّل العموم فيه إلى عموم مجموعيّ، إلّا أن تكون عبارة التقرير لم تؤدِّ حقّ المطلب الذي يريده، ويكون مراده رحمه‌الله أنّ (كلّ) الداخلة على الجمع المحلّى تحوّله من عموم أفراديّ إلى ما يقبل أن يكون عموماً أفراديّاً أو عموماً مجموعيّاً، فتصبح الغائلة أخفّ حينئذٍ، ومع هذا، فإنّ هذا كان موجوداً أيضاً قبل دخول كلمة (كلّ). ففي مثل: (أكرم العلماء)، بدواً، يمكن أن يكون الملاك كامناً في كلّ فردٍ فردٍ من الأفراد ثبوتاً، كما أنّه يمكن أن يكون موجوداً في ضمّ الأفراد جميعاً بعضها إلى بعض.
خلاصة الأمر: أنّنا لا نجد بالذوق العربيّ أصلاً أنّ دخول (كلّ) على الجمع المحلّى، أو جمع الفرد المضاف إلى اسم الطبيعة المفرد المحلّى، لا نجد أنّ هذا ظاهر في العموم المجموعيّ.
نعم، إذا شككنا في موردٍ من الموارد فحينئذٍ: يقع الكلام في أنّ الأصل ما هو؟
وهذا خلافٌ قد تقدّم التعرّض له، حيث زعم المحقّق النائيني رحمه‌الله أنّ الأصل هو العموم الأفراديّ، وأنّ العموم المجموعيّ يحتاج إلى مؤونة زائدة. وقد ذكرنا هناك أنّ هذا خلط بين عالم الثبوت وعالم الإثبات، ونحن إنّما نريد أن ننقّح الأصل اللّفظيّ في عالم الإثبات.
وعليه: فإنّ دخول (كلّ) لا يحوّل العموم الأفراديّ إلى عموم مجموعيّ.
وإذا لم يصحّ هذا الكلام، عاد الإشكال، بأنّه إذا كان الجمع المحلّى دالّاً على العموم فكيف دخلت كلمة (كلّ) عليه؟!
والجواب أبسط ممّا أفاده رحمه‌الله، ولعلّه لهذا نجد هذا الإشكال غائباً في كلمات المحقّقين، وهو أنّه بناءاً على استفادة العموم بالوجه المدرسيّ في القرن الأخير تقريباً، من أنّه لا يوجد دالّ لفظيّ موضوع للدلالة على العموم في الجمع المحلّى، بالبيان المتقدّم، بل أقصى ما في البين: أنّ اللّام موضوعة للتعيين والتعريف، وهو يُلازم المرتبة العليا من مراتب التعيين؛ إذ لا يوجد تعيين خارجيّ إلّا في هذه المرتبة، والتعيّن في غيرها تعيّن ماهويّ.
فعملاً: إنّ مُثبت العموم في الجمع المحلّى بهذه الطريقة، لم يدّعِ وجود أداةٍ موضوعة للدلالة على الشمول والاستيعاب لكلّ الأفراد التي تصلح الطبيعة للانطباق عليها، بل قال: حيث إنّ اللّام موضوعة للتعيين، فنحن ـ عقلاً ـ لا نجد تعيّناً خارجيّاً إلّا في المرتبة العليا، وهي مرتبة جميع الأفراد، فهذا عموم استُفيد بضمّ ملازمةٍ خارجةٍ عن الوضع اللّفظيّ. فإذا كان الأمر كذلك، فليكن هذا تبريراً منطقيّاً لصحّة دخول أداة العموم الموضوعة للشمول والاستيعاب لفظاً ولغةً، المغنية عن الحاجة إلى مثل هذه القرينة حينئذٍ، فتكون تنصيصاً على أنّ الأمر يشمل جميع الأفراد.
وبعبارةٍ أوضح: لم يكن لدينا دالّ لفظيّ إلّا على الأفراد، أمّا عموم الأفراد فقد استفدناه من القرينة، لا من وضع اللّام، بل اللّام موضوعة للتعيين فقط، دخول (كلّ) هو دالّ لفظيّ على التعميم إلى جميع الأفراد، وهذا يكفي في دفع اللّغْويّة.
ولذا، فإنّه يصحّ وجداناً دخول (كلّ) و(جميع) وما ناظرهما على الجمع المحلّى أو المضاف إلى المفرد المحلّى، وهذا المقدار واضح لا يحتاج إلى برهنةٍ واستدلال.
الإشكال الثاني:
الإشكال الذي أفاده رحمه‌الله وبنى عليه، وحاول أن يجعله كلام صاحب الكفاية رحمه‌الله، وإن لم يُشِرْ تعبير صاحب الكفاية رحمه‌الله إليه، وحاصله:
أنّ الجمع يدلّ على الجمع، واللّام تدلّ على التعيين والتعريف، لكن كما أنّه يوجد تعيّن ماهويّ ثبوتاً، ـ وهو ما حُمل عليه كلام صاحب الكفاية رحمه‌الله، وهو لا يلازم العموم؛ فإنّ كلّ مرتبة من مراتب الجمع متعيّنة ثبوتاً في نفسها، وفي حدّ ذاتها (أي: لا في مقام الإفادة)، والقوم على حقٍّ في رفض هذا الكلام ـ وكما أنّه يوجد تعيّن خارجيّ يلازم أعلى مراتب التعيّن وهو الشمول لجميع الأفراد، وهو ما بنى عليه القائلون بالعموم في الجمع المحلّى كلامهم، كذلك يمكن تخريج التعيّن على أساسٍ آخر غير هذين، وهو أن تكون اللّام الداخلة على الجمع دالّةً على تعيّن ماهويّ من نوعٍ آخر، وهو إفادة تعيّن جنسٍ في مقابل جنسٍ آخر، أو صنفٍ في مقابل صنفٍ آخر، فيكون (أكرم العلماء) قد أفاد التعيّن لطبيعة العالم في مقام الإفادة، في مقابل الجاهل، كما تقول في المفرد: (الرجل خير من المرأة)، أي: لا من جميع الجهات، بل هو رحمه‌الله أراد أن يقرّب الفكرة، وأنّ مراده أنّه يكفي لإشباع حيثيّة التعيين في اللّام الداخلة على الجمع أن تكون تعييناً غير ناظر إلى مراتب الجمع، بل إلى التقابل بينه وبين ما يقابله، (أكرم العلماء) في مقابل (أكرم الجاهلين). وكذلك أيضاً يمكن أن يكون في مقابل التثنية والإفراد، (أكرم العلماء) في مقابل (العالِمَيْن) و(العالم)، وهذا تعيّن.
ولا يُورَد عليه نفس ما أُورد على صاحب الكفاية رحمه‌الله؛ فإنّ هذا التعيّن ليس في مقام الثبوت والواقع فقط، بل هو تعيّن أيضاً في مقام الإفادة.
وعليه ـ إذا صحّ ـ: فلا يكون هناك دالّ لفظيّ، لا مباشر، ولا بمعونة قرينة، على الشمول والاستيعاب الأفراديّ.
لكنّ هذا الكلام كما ترى، مجرّد فرضيّة عقليّة واحتمال عقليّ، مع أنّ المتّبع في الظهورات اللّفظيّة هو الظاهر، لا مجرّد التحليلات العقليّة، وفي الأبحاث الأصوليّة الاكتشافيّة نحن نكتشف علّة الظهور، لا أننا نثير احتمالات على خلاف الظهور لا تأتي إلى ذهن العربيّ إلّا مع قرينة كبيرة. ولا شكّ ولا ريب في أنّ الظاهر والمنساق من (أكرم العلماء) ليس تعيّن طبيعة العالم، أو أفراد العالم مقابل أفراد الجاهل، أو الجمع في مقابل التثنية والإفراد؛ فإنّ تعيّن الجمع في مقابل التثنية والإفراد يُستفاد من نفس هيئة الجمع ولو لم تدخل عليه اللّام، كما هو واضح.
وإنّني بقدر ما تأمّلْتُ في هذا الكلام لم أجد له محملاً صحيحاً، خصوصاً وأنّه رحمه‌الله بنى عليه نظريّته في إنكار دلالة الجمع المحلّى باللّام على العموم الاصطلاحيّ.
وبمعزل عن صحّة هذا الكلام أو عدم صحّته، فإنّ الغريب في الأمر أنّه بمجرّد تصحيحه كاحتمال بنى النتيجة عليه، مع أنّ هناك خطوة ثانية إن صحّ هذا الاحتمال، وهو أنّه يتعدّد الاحتمال، ويصبح لدينا احتمالان، فلا بدّ أن يُستظهر أحدهما في مقام الاستظهار إذا كان يمكن تصحيح كلّ واحدٍ منهما على مستوى الاحتمال والإمكان.
لكنّ الذي صنعه رحمه‌الله هو أنّه بمجرّد إثارة هذا الكلام انتهى مباشرةً، ومن دون أن يخطو الخطوة الثانية، إلى أنّه ما دام هذا الاحتمال صحيحاً، فلا يوجد دالّ على العموم؛ لأنّ تعدّد الوضع للّام مرفوض كما تقدّم، وتفسير التعيّن بأعلى المراتب غير منحصر؛ إذ يوجد تفسير آخر، فحينئذٍ: لا يوجد دالّ على العموم الاصطلاحيّ، غاية ما هو موجود: دالّ على الأفراد، لكن على الشمول لجميع الأفراد لا يوجد دالّ لفظيّ. وهذا وحده لا يصيّره عموماً؛ لأنّه حتّى يُصبح عموماً فلا بدّ من تماميّة الركنين معاً.
وعليه: فالجمع المحلّى ليس من العموم الاصطلاحيّ في شيء.
وهذا الكلام يتضمّن منه رحمه‌الله قبولاً للنظريّة القائلة بالاستغناء عن مقدّمات الحكمة فيما لو أخذنا بما بنى عليه السيّد الخوئي رحمه‌الله والجماعة في دلالة الجمع المحلّى على العموم، وهو استفادة هذا بالقرينة العقليّة من وضع اللّام للتعيين الخارجيّ. وعليه: فقد انتهى إلى أنّ الجمع المحلّى ليس من العموم في شيء.
وقد بات الجواب على هذا الكلام واضحاً، وأنّه:
أوّلاً: مجرّد احتمال لا توافقه اللّغة.
وثانياً: مجرّد تطرّق الاحتمال لا يكفي، بل لا بدّ من الاستظهار. ومن الواضح جدّاً: أنّ اللّام ظاهرة في التعيّن الأفراديّ الخارجيّ بمعونة القرينة.
إنّما الكلام كلّ الكلام في أنّنا حتّى لو آمنّا بما هو الصحيح من وضع اللّام للتعيين، وأنّ التعيين يلازم بالقرينة التعيين الخارجيّ، فهل هذا يعني عدم الاحتياج إلى قرينة الحكمة والمنع منها، كما ربما ذُكر هذا وأُرسل في جملةٍ من الكلمات إرسال المسلّمات؟
ما نزعمه في هذا المجال هو أنّه لا ملازمة بين الأمرين؛ فإنّنا ـ بالآخرة ـ حتّى نحصل على عموم لا نحتاج معه إلى إجراء مقدّمات الحكمة، نحتاج إلى دالٍّ لفظيّ على أنّ موضوع الحكم هو الأفراد، جميع الأفراد، وهذا ما وُضعت له كلمة (كلّ)، وما ثبت لدينا بالدليل السابق هو أنّ اللّام ليست موضوعة للتعرّض للأفراد، بل هي مهملة من حيث مراتب الجمع، استفدناها من هيئة الجمع، قبل دخول اللّام، لا من اللّام نفسها، ولذلك، فاللّام إذا دخلت على المفرد فهي لا تفيد التعرّض للأفراد، والذي استفدناه من اللّام هو التعريف والتعيين فقط، والتعريف والتعيين بنفسه أجنبيّ عن الأفراد. بقرينةٍ خارجيّةٍ، ليست دالّاً لفظيّاً، قلنا إنّ التعيّن في الخارج لا يكون إلّا في حالة كذا وكذا، هذا لم يُثبت وضع دالٍّ وضعيٍّ ووجود دالٍّ لفظيّ يدلّ على التعميم والشمول لجميع الأفراد.
صحيح أنّنا استفدنا نتيجة العموم من جهة أنّ الأفراد هي الموضوع ببركة الجمع، وأنّ جميع الأفراد مشمولون ببركة القرينة التي ضممناها إلى لام التعيين، لا من نفس لام التعيين، وهذا غير دعوى وضع اللّام للدلالة على منتهى الجمع؛ إذ تارةً يُقال: إنّ اللّام إذا دخلت على الجمع تفيد وضعاً الشمول والاستيعاب لجميع الأفراد التي تنضوي تحت الجمع ما لم يكن يفيده، وهذا قد قلنا سابقاً: إنّه يلزم منه القول بوجود وضعين للّام: وضع عندما تدخل على المفرد، وآخر عندما تدخل على الجمع، وهذا لم يقل به أحد، ولم يقبله أحد، والوجدان العرفيّ لا يرى دلالتين للّام.
إذاً، غاية ما حصل هو أنّنا بقرينةٍ انضمّت إلى الجمع وإلى اللّام الداخلة عليه استفدنا التعميم للأفراد، هذه القرينة ليست وضعاً لغويّاً، بل هذه انضمّت إلى الموضوع للتعيين، وإلى هيئة الجمع، فأفادت أعلى مراتب الجمع، وهو الشمول لجميع الأفراد، وليست دالّاً لفظيّاً. وإذا لم تكن دالّاً لفظيّاً، فهنالك ما يفيد التعميم للأفراد، لكن لا يوجد دالّ لفظيّ يمنع من انعقاد قرينة الحكمة والإطلاق، بل لا يوجد دالّ لفظيّ يُغني عنها.
وإذا كان كذلك، فتصبح النتيجة: أنّ (العلماء) في قولنا: أكرم العلماء، إذا احتملنا أنّه يُراد خصوص العدول أو الفقهاء منهم، نحتاج إلى التمسّك بمقدّمات الحكمة لنفيه، وهذا لا نجد فيه أيّ محذور على الإطلاق. ففي الحقيقة، نفس ما برّر دخول (كلّ) على الجمع المحلّى، وأنّه لا يوجد دالّ لفظيّ، هو بنفسه يبرّر عدم الاستغناء عن قرينة الحكمة.
وما نزعمه هنا هو أنّ هذا هو حقيقة مراد صاحب الكفاية رحمه‌الله؛ لأنّه لم يشكّك في الدلالة واستفادة العموم من الجمع المحلّى، والقيد الموجود في عبارة الكفاية، وهو (إن أفاد العموم) راجع للمفرد المحلّى، لا للجمع المحلّى. ومع ذلك، قال في ذيل كلامه ما مضمونه: بأنّ اعترافنا بأنّ الجمع المحلّى يفيد العموم لا يمنع من جريان مقدّمات الحكمة في المدخول.
طبعاً، صاحب الكفاية رحمه‌الله في مثل (كلّ) أيضاً لم يمنع من هذا، وإن كان يوجد لديه عبارة بعد ذلك، بأنّ نفس (كلّ) ظاهرة في التعميم من دون حاجةٍ إلى مقدّمات الحكمة، بينما هنا لا يقول بذلك.
والسرّ في ذلك: هو عدم وجود الدالّ اللّفظيّ وضعاً.
وهذا يناسب تعريف الذين قالوا بلزوم أخذ قيد (بالوضع) في تعريف العموم؛ فإنّه غائب عن الجمع المحلّى، لا يوجد ما وُضع للعموم. وعليه: فلا يكون عموماً اصطلاحيّاً.
ومع ذلك، فهو إذا تعارض مع الإطلاق يُقدَّم عليه؛ لأنّه إطلاق وزيادة؛ لأنّه يوجد فيه دالّ على الأفراد، بينما في الإطلاق لا يوجد أصلاً دالّ لفظيّ على الإطلاق، والقضيّة ليست عقليّة: فإمّا عموم وإمّا إطلاق، بل يمكن للإطلاق أيضاً أن يكون على درجات.
فهذا، وإن بات من الإطلاق، لا من العموم الاصطلاحيّ، لكنّه أقوى من المفرد الذي لا تُستخرج منه الأفراد إلّا بالتطبيق، بينما هذا دالّ على الأفراد في مرحلة اللّفظ؛ إذ ببركة الجمع دلّ على الأفراد.
هذا تمام ما ينبغي أن يُذكر في هذا المجال.
وبه يتّضح جملة من الإشكالات في بعض الكلمات التي جعلت تلازماً بين الدلالة على التعيين مع القرينة، وبين عدم الحاجة إلى قرينة الحكمة.
وبه يتمّ الكلام في الموقف الخامس.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo