< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

39/01/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: حكم النظر إلى الأجنبيّة

بعد حديثنا عن الاستدلال بالكتاب وقبول الاستدلال بآية غض البصر مع إثبات المقدمات، وعدم قبول الاستدلال بآية الاستئذان ننتقل إلى الاستدلال بالسنة.

وقد ذكر الفقهاء طوائف عديدة من الأخبار عند استدلالهم بالسنة على حرمة النظر إلی الأجنبية عدا الوجه والکفين، بعضها صريحة وبعضها غير صريحة، ويمكننا الاستدلال بها بالتعرض لجميعها إمَّا صراحةً أو بالإشارة.

الخبر الأول: وهو خبر زيد الشحام .

مُحَمَّد بْنُ الحَسَنِ عَنْ سَعْد بن عبد الله عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِي جَمِيلَةَ عَنْ زَيْد الشَّحَّامِ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ×عَنِ امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَهِيَ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ مَعَهُمْ امْرَأَةٌ غَيْرُهَا؟ قَالَ: إِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ لَهَا زَوْجٌ وَ لَا >ذُو رَحِمٍ< دَفَنُوهَا بِثِيَابِهَا وَ لَا يُغَسِّلُونَهَا وَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ زَوْجُهَا أَوْ ذُو رَحِمٍ لَهَا فَلْيُغَسِّلْهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى عَوْرَتِهَا. قَالَ: وَ سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ مَاتَ فِي السَّفَرِ مَعَ نِسَاءٍ لَيْسَ مَعَهُنَّ رَجُلٌ؟ فَقَالَ ×: إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِنَّ امْرَأَةٌ فَلْيُدْفَنْ فِي ثِيَابِهِ وَ لَا يُغَسَّلْ وَإِنْ كَانَ لَهُ فِيهِنَّ امْرَأَةٌ فَلْيُغَسَّلْ فِي قَمِيصٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَنْظُرَ إِلَىْ عَوْرَتِهِ<[1]

وهذا الحديث يدلُّ علَى عدم جواز النظر إلى جسد الأجنبية حتَّىْ بعد وفاتها.

الخبر الثاني: مُوَثَّقة سَمَاعة.

محمد بن الحسن َ عَنْ سعد بن عبد الله عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى >عَنْ سَمَاعَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ×عَنْ رَجُلٍ مَاتَ وَ لَيْسَ عِنْدَهُ إِلَّا نِسَاءٌ؟ قَالَ: تُغَسِّلُهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَحْرَمٍ مِنْهُ وَ تَصُبُّ النِّسَاءُ عَلَيْهِ الْمَاءَ وَلَا تَخْلَعُ ثَوْبَهُ وَإِنْ كَانَتِ امْرَأَةٌ مَاتَتْ مَعَ رِجَالٍ لَيْسَ مَعَهَا امْرَأَةٌ وَلَا مَحْرَمٌ لَهَا فَلْتُدْفَنْ كَمَا هِيَ فِي ثِيَابِهَا وَإِنْ كَانَ مَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ لَهَا غَسَّلَهَا مِنْ فَوْقِ ثِيَابِهَا وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَمَاعَةَ بْنِ مِهْرَانَ مِثْلَهُ.[2]

فإنْ قُلْتَ: إنَّ هذا الخبر والذي قَبْله مُرتبِطٌ بتغسيل الموتى، وَمعلومٌ أنَّ غَسْل الميِّت يَسْتلزِمُ مَسَّ المَيِّت، وأنَّ مَنْع غَسْل الأجْنبيِّ غيْرُ المماثل، لِمَنْعِ مَسِّه الأجنبيَّةَ، لا لِحُرْمةِ النظر؟

قُلْتُ: نعَم إنَّ هاتين الرِّوايتين تختصَّان بِمَوْردٍ يلزَمُ مِنْ الغَسْلِ المَسُّ، ولكن يرتفع الاشكال باتِّحَاد الحُكْم بَيْن النظر وَمسِّ الجسَد، فإنه کلُّ مَا يُحكم بِمَنْع النظر إليه يُحكم بِمَنْع مَسِّه.

الخبر الثالث: خبر محمد بن سنان.

روي فِي الْعِلَلِ وَ عُيُونِ الْأَخْبَارِ بِأَسَانِيدِهِ >عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنِ الرِّضَا فِيمَا كَتَبَهُ إِلَيْهِ مِنْ جَوَابِ مَسَائِلِهِ وَحُرِّمَ النَّظَرُ إِلَى‌ شُعُورِ النِّسَاءِ الْمَحْجُوبَاتِ بِالْأَزْوَاجِ وَإِلَى غَيْرِهِنَّ مِنَ النِّسَاءِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَهْيِيجِ الرِّجَالِ وَمَا يَدْعُو إِلَيْهِ التَّهْيِيجُ مِنَ الْفَسَادِ وَالدُّخُولِ فِيمَا لَا يَحِلُّ وَلَا يَجْمُلُ وَكَذَلِكَ مَا أَشْبَهَ الشُّعُورَ إِلَّا الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {..وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ} أَيْ غَيْرَ الْجِلْبَابِ فَلَا بَأْسَ بِالنَّظَرِ إِلَى شُعُورِ مِثْلِهِنَّ. [3] ومن الممكن أن يكون محمد بن سنان قد جمع عدة الروايات في حديث واحد.

الخبر الرابع: خبر عقاب الأعمال.

فِي عِقَابِ الْأَعْمَالِ بِإِسْنَادٍ تَقَدَّمَ فِي عِيَادَةِ الْمَرِيضِ >عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ’قَالَ: مَنِ اطَّلَعَ فِي بَيْتِ جَارِهِ فَنَظَرَ إِلَى عَوْرَةِ رَجُلٍ أَوْ شَعْرِ امْرَأَةٍ أَوْ شَيْ‌ءٍ مِنْ جَسَدِهَا كَانَ حَقّاً عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ النَّارَ مَعَ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ كَانُوا يَتَّبَّعُونَ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ فِي الدُّنْيَا وَلَا يَخْرُجُ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى يَفْضَحَهُ اللَّهُ وَيُبْدِي لِلنَّاسِ عَوْرَتَهُ فِي الْآخِرَةِ. وَمَنْ مَلَأَ عَيْنَيْهِ مِنِ امْرَأَةٍ حَرَاماً حَشَاهُمَا اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَسَامِيرَ مِنْ نَارٍ وَحَشَاهُمَا نَاراً حَتَّى يَقْضِيَ بَيْنَ النَّاسِ ثُمَّ يُؤْمَرُ بِهِ إِلَى النَّارِ<[4] .

الخامس: مُرْسلة ابن أبی نجران

>..عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجْرَانَ عَمَّنْ ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ حَمَّادٍ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي جَمِيلَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ‘ قَالَا مَا مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَهُوَ يُصِيبُ حَظّاً مِنَ الزِّنَا فَزِنَا الْعَيْنَيْنِ النَّظَرُ وَزِنَا الْفَمِ الْقُبْلَةُ وَزِنَا الْيَدَيْنِ اللَّمْسُ صَدَّقَ الْفَرْجُ ذَلِكَ أَمْ كَذَّبَ<[5] .

وَلا رَيْب فِي أنَّ المقصود مِنْ تشبيهِ النظر في الخبر بالزِّنا الموصوف بالحرام، هو النظر المُحرَّم، والمُتَيقَّن مِنْهُ هو نظر الأجنبي إلَی الأجنبية وهو الذي نحن بِصَدَدِه.

وَبعْد الاستدلال بهذه الروايات التي ذكرناها بعينها في هذا المجال، نشير إلى بعض الطوائف من الروايات المُتَعلِّقة بِسائر أبواب الفقه والتي يمكن الاستدلال بمفهومها في هذا الباب وهذه المسألة، وقد استدل السيد الخوئي في كتابه بما يلي.

الطائفة الأولی: الأخبار الدَّالة على حُرْمة النظر إلى وجه المرأة ويديها ...فإنَّها تَدُلُّ بالأولويَّة القطعية علَى حُرْمة النظر إلى غيرهما من أعضائها، أي هي تدل على حرمة نظر الأجنبي إلى الأجنبيّة حتى الوجه والكفين.

الطائفة الثانیة: الروايات الدالة على جواز النظر إلى شعر المرأة وساقها لمن يُرِيد التزويج منها، أو يريد شراء الأمة فإنَّ اختصاص الحكم فيها بِمُرِيد التزويج والشراء يدلُّ بِوضُوْحٍ علَى الحُرْمة إذا لم يكن الرجل بِصَدد الزواج منها ، أو شرائها.

الطائفة الثالثة: معتبرة السكوني الدالة على جواز النظر إلى نساء أهل الكتاب معللة ذلك بأنهن لا حرمة لهن، فإنها تدل على حرمة النظر إلى المسلمة نظراً إلى كونها محترمة من حيث العرض .

الطائفة الرابعة: النصوص الدَّالة علَى جواز النظر إلى نساء أهل البادية باعتبار أنَّهُنّ لاَ يَنْتَهِيْنَ إذا نُهِيْنَ، فَإنَّ التَّعْلِيل يكشف عن حرمة النظر إلَى المرأة بِحَدِّ ذاته وأنَّ الحكم باِلجَواز في أهلِ البادية إنَّما ثبَت نتيجة إلْغائِهنَّ لِحُرْمةِ أنْفُسِهِنّ، وإلاَّ فالحُكم الأولي فِيْهِنَّ أيْضَاً هو عَدَم الجَواز.

>تلك هي الطوائف الأربعة التي أوردها السيد الخوئي للاستدلال على حُرْمَة نظَرِ الرَّجُل إلَی المَرْأة الأجنبية مَعَ مَا أوْرَدْنَاه أوَّلاً، وَهِي الرِّوَاياتُ الدَّالةُ صَرَاحةً عَلَی الحُرْمة، ومَع هذا البيان لا يبقی مَجَالٌ للشك والتَّرْدِيْد فِي إثبات المسألة- أيْ حُرْمة النظر إلَیْ الأجنبية، فللمسألة - مُضَافاً إلَی الإجماع المنقول الذي ادَّعَاه غيرُ وَاحد- أدِلَّةٌ مِنْ الكتاب والسُّنة أوْرَدْنَاها بِقَدْر الكفاية <

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo