< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

39/02/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : حكم النظر الأجنبي إلى الأجنبيّة :

تحدثنا في الفرع الثالث عن حكم نظر الرجل إلي الوجه والكفين من الأجنبية بدون التلذذ والريبة واستدلنا بالآيتين .

أما الآية الثالثة :

وثالثا: الاستدلال بمفهوم قوله تعالى : وَ الْقَوَا عِدُ مِنَ النِّسَاءِ الَّلاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتِ‌ بِزِينَةٍ وَ أَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )[1]

كيفية الاستدلال إن الآية صرحت بأن القواعد من النساء ليس عليهن أن يضعن ثيابهن عن أجسادهن ، وبالملازمة دلت على جواز النظر إليهن، و لا ريب في أن مفهوم الآية يدل على أن غير القواعد من النساء لا يجوز لهن أن يضعن ثيابهن ولا يجوز أيضا النظر إليهن بالملازمة ، ووجوب التستر عليهن، وواضح أن إطلاق المفهوم يشمل عدم الجواز في وضع الثياب عن الوجه والكفين عن غير القواعد وعدم جواز النظر إليهما، بل يجب التستر على الوجه والكفين منهن وهو الذي يريد إثباته المستدل.

وفيه إشكال:

إن لفظ "الثياب" مجمل من حيث معناه فهل يشمل جميع الثياب على جميع البدن أم يختص ببعض مواضعه؟

ولا ريب في عدم جواز وضع الثياب عن جميع جسد النساء وإن كن من القواعد، لأن هذا من ضروري المذهب بل الدين، وبناء عليه فلا بدّ أن نخصص الثياب هنا بمعناه الخاص ببعض أعضاء الجسد.

و قد فسرت الثياب في الآية بالخمار والجلباب في غير واحد من الأخبار و هما الساتران للرأس والشعر من النساء لا غيرهما.

وعلى هذا فالمستفاد من مفهوم الآية عدم جواز النظر إلى الرأس والشعر من غير النساء القواعد، ولكن من حيث شمولها للوجه والكفين فلا إطلاق فيها. والآية لم تتعرض لذلك بل هي ساكتة عن حكم النظر إليهما؛ ولذا لا يمكن الاعتماد على المفهوم في مورد لا تتعرض له الآية، لأن المفهوم تابع للمنطوق ولا يمكن أخذ المفهوم مما لم يتعرض له المنطوق.

و علي هذا لا يجوز الاستدلال بها في المقام.

و بعض العامة كابن قدامة استدل ببعض الآيات كآية الحجاب:

{...وَ إِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعًا فَاسْألُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ذَ لِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَ قُلُوبِهِنَّ...}. [2]

وكقوله تعالى : {يَأَيُّهَا النبي قُل لِأزْوَاجِكَ وَ بَنَاتِكَ وَ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَبِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَ كَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا }[3]

و لكن لأجل ضعف الاستدلال بهذه الآية في المقام من جهة أن بعضها خاص بنساء النبي | وليس فيها ما يدل على العموم، وبعضها كالاستدلال بإدناء الجلباب أو الجلابيب أيضا لا تدل على المطلوب، لأن الجلباب حسب ما فسره أهل اللغة هو الملحفة (لباس ساتر يشبه العباءة) أو المقنعة الطويلة أو غيرهما وليس في شيء منها ستر الوجه والكفين؛ فلذلك نترك الحديث عن الاستدلال بهذه الآيات.

فتحصل مما ذكرناه من الاستدلال بالكتاب وما أوردناه عليها من الإيراد أن الآيات قاصرة عن الاستدلال في المقام وقاصرة عن الدلالة على حرمة النظر إلى الوجه والكفين من المرأة الأجنبية من دون تلذذ و ريبة، بل الأحسن والأقوى الاستدلال بها على الجواز.

الاستدلال بالإجماع:

فقد ادعي الفاضل المقداد الإجماع على حرمة النظر إلى الوجه والكفين من المرأة الأجنبية من دون تلذذ و ريبة قائلا : إن جميع الفقهاء قائلون بأن تمام المرأة عورة، لا يجوز النظر إليها، ومن جملة العورة التي لا يجوز النظر إليها الوجه والكفان، لأنه ورد في الأخبار عن أمالي الشيخ الطوسي عن النبيصلی‌الله علیه و آله : النِّسَاءُ عَيٌّ وَ عَوْرَةٌ فَاسْتُرُوا عِيَّهُنَ‌ بِالسُّكُوتِ‌ وَ اسْتُرُوا عَوْرَ اتِهِنَّ بِالْبُيُوتِ[4] .

و رواه الصدوق مرسلا عن الصادقعلیهما‌السلام.

إن النساء عين العورة فاستروا العورة بالبيوت واستروا العيَّ بالسكوت.

وفيه إشكال:

أولا : إن دعوى الإجماع بهذا البيان دعوى إجماع منقول والمعتبر منه هو المحصَّل.

وثانيا: إن الإجماع دليل حيث لا دليل لفظياً من الكتاب والسنة و لا يستند إليهما، والحال أن مستند هذه الدعوى الأخبار التي ذكرنا نموذجاً منها آنفاً، فيكون الإجماع مدر كياً لا يعتنى به.

وثالثا: إن الإجماع لو ثبت لدل على تحريم إخراج المرأة من البيوت، و(لا يدل على تحريم النظر وجه والكفين ) والقول به مناف لما ثبت من الشر ع سالفا ولاحقا ومن سيرة المتشرعة المتصلة بزمن المعصومين ^.

و رابعا : إن الإجماع لو ثبت للزم منه العسر والحرج على النساء في معاشرتها الاجتماعية وفي تهيئة اللوازم الضرورية لبقاء الحيات الفردية ومن مزاولتهن البيع والشراء ودخولهن في المجتمع الإنساني باقتضاء الضرورة لمعاشهن والحكم الحرجي مرتفع في الشريعة.

و خامسا: إن هذه الدعوى في المقام موهونة ومردودة على مدعيها، لأنها لا تخرج عن صورتين: الأولى: الانطباق على جميع جسد المرأة حتى يشمل الوجه والكفين. وهذا لم يثبت لنا وليس ممكنا.

والثاني : الانطباق على ما دون الوجه والكفين. وهو لا ينفع في مقام .

فالأولى لم يثبت لنا بل لم لا يثبت لأحد، وهو معلوم لمن تأمل بأدنى تأمل في أقوال الفقهاء حيث ذهب جماعة من محققيهم كالشيخ الطوسي و الشيخ الأنصاري وغيرهما إلى الجواز، ومع ثبوت هذا كيف يمكن أن يدعى الإجماع المذكوروأما الصورة الثانية لا تنفع في المقام ، بل أجنبي عما يُراد إثباته.فظهر مما ذكرنا ضعف الاستدلال بالإجماع في المقام وعدم ثبوته ، نعم يمكن لنا أن نقول بأن الأمر بالالتزام بالبيوت أو السكوت كما في بعض الأخبار التي ذكرناها آنفا أمر إرشادي أو استحبابي يدل على رجحان عدم خروج المرأة من البيوت، إلا لضرورة، صيانة لعفا فهن، وحذراً من الابتلاء بمحرم.

[3] سوره احزاب، آیه 79.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo