< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

39/02/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع :حكم النظر إلى الأجنبية :

الطائفة الثالثة: الأخبار الآمرة بالتنقب لحضور المرأة في مجلس الشهادة.

قد استدل علی حرمة النظر الی الوجه والکفين من الأجنبية بالخبر الذي ورد في باب شهادة المرأة و اليک نصه.

مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الصَّفَّارِ قَالَ كَتَبْتُ إِلَى الْفَقِيهِ ع فِي رَجُلٍ أَرَادَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى امْرَأَةٍ لَيْسَ لَهَا بِمَحْرَمٍ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهَا مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ وَيَسْمَعَ كَلَامَهَا إِذَا شَهِدَ رَجُلَانِ عَدْلَانِ أَنَّهَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ الَّتِي تُشْهِدُكَ وَ هَذَا كَلَامُهَا أَوْ لَا تَجُوزُ لَهُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهَا حَتَّى تَبْرُزَ وَيُثْبِتَهَا بِعَيْنِهَا؟

فَوَقَّعَ (ع): تَتَنَقَّبُ وَتَظْهَرُ لِلشُّهُودِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.[1]

وَ رَوَاهُ الصَّدُوقُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الصَّفَّارِ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ع وَ ذَكَرَ مِثْلَهُ قَالَ الصَّدُوقُ وَهَذَا التَّوْقِيعُ عِنْدِي بِخَطِّهِ ع[2]

وکيفية الاستدلال أنه (ع) أمرها بالتنقب أي ستر الوجه عند إقامة الشهادة والأمر بالتستر ملازم لحرمة النظر.وفيه:

أولاً: ان التنقب لا يستر جميع الوجه ، بل يستر بعضها من الانف و الفم حتی الذقن، والبعض الآخر من الوجه مکشوف لا يستره النقاب، ولا فرق بين النظر إلی جميع الوجه أو النظر الی بعض الوجه، وعلی هذا لا يمکن استفادة الوجوب منه، لأنه لو سلم دلالتها علی وجوب التستر فيلزم منه حرمة النظر الی بعض الوجه وجواز النظر الی بعض آخر و هو معلوم الفساد.

وثانياً: يحتمل أن نقول أن الخبر لا يدل علی وجوب التستر الملازم لحرمة النظر بل يدل علی حکم أخلاقي للتحفظ و الصيانة علی المرأة في مقام حضورها لإقامة الشهادة وغيرها. لأن المرأة محجبة بالحياء وحضورها مکشوف الوجه لا يناسب الحياء والعفاف، فمن هذه الجهة أمرها بالتنقب لا للوجوب الشرعي الملازم لحرمة النظر. مضافاً الى أن حضور المرأة الجليلة مکشوفة في مجلس الرجال من مجلس الحكم وغيره مناف لوجاهتها الاجتماعية.

 

الطائفة الرابعة : خبر المرأة الخثعمية:

ورد في بعض الأخبار لا سيما في المصادر العامة خبر سُمي بخبر المرأة الخثعمية ورواه أيضاً بعض مصادر الخاصة کالمحدث النوري وإليک نصه:

أن المرأة الخثعمية أتت رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) بمنى في حجة الوداع تستفتيه، و كان الفضل بن العباس رديف رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم)، فأخذ ينظر إليها وتنظر إليه، فصرف رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) وجه الفضل عنها، و قال: رجل شاب وامرأة شابة أخاف أن يدخل الشيطان بينهما.

وکيفية الاستدلال بها أن رسول الله (ص) صرّح بأن في النظر خوف الوقوع في الفتنة وهو يدل علی حرمة النظر. و استفاد أيضاً منها الدليلية علی الحکم ولد العلامة تبعا لوالده في إيضاح الفوائد :

وقال والدي في التذكرة: يحرم النظر إليهما كسائر جسدها وهو الأصح عندي لعموم الآية ولأنه مظنة الشهوة والفتنة لأن الخثعمية أتت رسول الله صلى الله عليه وآله بمنى وهو في حجة الوداع تستفتيه في الحج وكان ابن عباس رديف رسول الله صلى الله عليه وآله فأخذ ينظر إليها وتنظر إليه فصرف رسول الله صلى الله عليه وآله وجه الفضل عنها وقال رجل شاب وامرأة شابة فخشيت أن يدخل الشيطان بينهما ( لا يقال ) لا دلالة فيه لأنه عليه السلام صرح بخوف الفتنة ولا شك في تحريمه معه والمدعى عدم الخوف ( لأنا ) نقول علل بشبابها وهو مظنة الشهوة وخوف الشيطان وهو شرح لازم لعدم العصمة في مثلهما

نقول فيه وفيما قاله ولد العلامة:أولا: إنه لا يدل علی وجوب التستر ، بل يدل علی الجواز ، لأنه لم ينهها عن النظر بل صرف وجهها عن النظر وصرح بأنه يخاف أن يدخل بينهما الشيطان، الناشئ من التلذذ، أي يخاف رسول الله (ص) من أن دوام النظر منه إليها يوجب خوف الوقوع في الفتنه.

و ثانيا:إن الخبر حاک عن نظر رسول الله (ص) اليها حتی يتوجه الی نظر الفضل اليها فصرفها ، لانه لا يمکن تصور عدم نظر رسول الله الی المرأة و لکن صرف وجه الفضل، و إذا قلنا ان رسول الله نظر إليها فيدل علی جواز النظر، لا حرمة النظر.

و ثالثا: إن المرأة أتت رسول الله (ص) بمنی وهو قرينة علی أنه يمکن أن المرأة کانت في إحرام، وهو حالة خاصة يجب انکشاف الوجه فيها فلذلك هذا الخبر أجنبي عما نحن فيه.

و رابعاً: يحتمل أن الفضل نظر إليها نظر ريبة و تلذذ فصرف رسول الله (ص) وجهه عن النظر.و الحاصل أن خبر المرأة الخثعميه لا يدل علی حرمة النظر قطعا.

السادس: خبر سعد الإسکاف.

قد مضی في أول البحث من هذه المسألة خبر سعد الإسکاف وهذا لفظه:

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ عَنْ سَعْدٍ الْإِسْكَافِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ اسْتَقْبَلَ شَابٌّ مِنَ الْأَنْصَارِ امْرَأَةً بِالْمَدِينَةِ وَ كَانَ النِّسَاءُ يَتَقَنَّعْنَ خَلْفَ آذَانِهِنَّ فَنَظَرَ إِلَيْهَا وَ هِيَ مُقْبِلَةٌ فَلَمَّا جَازَتْ نَظَرَ إِلَيْهَا وَ دَخَلَ فِي زُقَاقٍ قَدْ سَمَّاهُ بِبَنِي فُلَانٍ فَجَعَلَ يَنْظُرُ خَلْفَهَا وَ اعْتَرَضَ وَجْهَهُ عَظْمٌ فِي الْحَائِطِ أَوْ زُجَاجَةٌ فَشَقَّ وَجْهَهُ فَلَمَّا مَضَتِ المرأة نَظَرَ فَإِذَا الدِّمَاءُ تَسِيلُ عَلَى صَدْرِهِ وَ ثَوْبِهِ فَقَالَ والله لآتين رسول الله و لا أخبرنه ، فاتاه فلما رآه رسول الله قال: ما هذا؟ فاخبره فهبط جبرائيل بِهَذِهِ الْآيَةِ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى‌ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ‌.[3]

و قد قدمنا الاستدلال به في الدليل علی حرمة النظر إلی الأجنبية فيما عدا الوجه والکفين،

وفيه أولا:کما ذکرنا سابقاً عدم صلاحيته للاستدلال، لأنا أثبتا هناک أن الآية لا تدل علی حرمة النظر، من جهه ان الغض لا يکون معناه سد النظر وقطع النظر بل معناه النقص في النظر وهو غير ترک النظر، وإذا ثبت هذا فبالنتيجة لايکون الخبر الذي هو مورد نزول الآيه صالحاً للاستدلال!

و ثانيا: کما قلنا سابقا أيضاً بأنه لايذکر فيه متعلق النظر، بل هو مجمل من حيث تعلق النظر ، هل هو يختص بالوجه والکفين ؟ أو يشمل جميع أعضاء جسد المرأة؟ أو يختص بما عدا الوجه والکفين؟ ومن حيث إجماله في المتعلق، فليس صالحاً للاستدلال.

وثالثاً: لا ريب في أن النظر الذي کان في هذا الخبر بقرينة حالية فيه هو النظر مع التلذذ والريبة؛ لأن النظر الذي سبّب الأذى في وجه الناظر من الجدار في السوق، لا يخرج عن کونه مع التلذذ الشهوي، لأن الشهوة تورث ذهاب العقل والفکر حتی لا يری الجدار وما کان فيه.

فعلی هذا يكون الاستدلال بهذا الخبر أجنبياً عما نحن فيه؛ لأن الذي نحن بصدده هو النظر بدون ريبة.فتحصل مما ذکرناه في الدليل علی القول بحرمة النظر الی الأجنبية من الوجه والکفين من دون ريبة وتلذذ أن ليس في البين دليل معتبر، دال، صريح أو کالصريح علی المدعی، وکل ما قيل فيه إما مردود أو مؤول.وإذا لم تثبت الحرمة ولم يوجد دليل علی حرمة النظر فبالطبع يخرج القول بالمنع عند الفقيه من دائرة الأقوال المعتبرة، وبقي فيها القول بالجواز فقط، فحيث لا يوجد دليل علی المنع فواضح أن عدم الدليل دليل علی العدم، أي عدم المنع، وعدم المنع مساوق للجواز.وأما القول بالتفصيل فليس قولاً ثالثاً، بل إنما هو نفس القول بالمنع؛ لأن المنع مختص بالنطرة الثانية و الثالثة وما زاد وهي مراحل النظرة لا نفسها، والجواز مختص بالنظرة الأولى لا غير، ونحن نقول إن النظرة الأولى ليست محلاً للبحث بل هي خارجة عما نحن فيه، بما أن النظرة الأولى کانت من باب الاتفاق والناظر ليس مريداً لها، والاتفاقي لا يتعلق به الحکم، لأن الحکم يتعلق بما کان مورد للعلم و القدرة، والاتفاقي لا يکون مورداً لهما.فحيث أبطلنا القول بالمنع فقد بطل القول بالتفصيل، وبالطبع ثبت القول بالجواز، بما ذکرناه آنفا إذ إن عدم الدليل علی المنع دليل علی الجواز، والتفصيل نفس المنع لا غير، والأقوال في المسألة منحصرة في الثلاثة، وبحسب البيان الذي ذکرناه؛ ترجع الی القولين، وإذا بطل الأول بقي الثاني.إلا أن يقال: لو سلم أن التفصيل نفس المنع، وأنت قد أبطلت دليل المنع، لا دليل التفصيل، لأنک تعرضت لأدلة المنع وأبطلتها، وما تعرضت لأدلة التفصيل حتی تبطلها، فاللازم لک التعرض لأدلة التفصيل والحكم فيها وإبداء النظر والدقة فيها حتی تصير المسألة أوضح مما کانت حتی الآن.

قلنا: هذه کلمة حق ، لا يثبت في مقابلها شيء، و الآن نتعرض لأدله التفصيل قبل التعرض لأدلة الجواز.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo