< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/02/27

بسم الله الرحمن الرحیم


مسألة 1 : الأقوى طهارةُ ولد الزنا.

ورد في نجاسة ابن الزنا عدّة روايات كلّها قاصرةٌ عن إثبات نجاسته، وما وجدته منها هو ما يلي :
1 ـ ما رواه في الكافي قال : بعض أصحابنا عن (محمد)بن جمهور[1] (لا يعتمد عليه) عن محمد بن القاسم عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : ( لا تغتسل من البئر التي تجتمع فيها غسالة الحمّام، فإنّ فيها غسالة ولد الزنا، وهو لا يطهر إلى سبعة آباء، وفيها غُسالة الناصب، وهو شرّهما، إن الله لم يخلق خلقاً شراً من الكلب، وإنّ الناصب أهون على الله من الكلب ) . قلت : أخبِرْني عن ماء الحمام يَغتسل منه الجنبُ والصبي واليهودي والنصراني والمجوسي ؟ فقال : ( إنّ ماءَ الحمّامِ كماء النهر يُطَهِّرُ بعضُه بعضاً ) ضعيفة السند بابن جمهور الذي هو محمد ـ بحسب السياق الواضح ـ وليس ولده الحسن بن محمد بن جمهور الثقة، إضافةً إلى أنه لا يمكن الأخذُ بها بالإجماع، فإنّ ولد ابن الزنا ـ على فرض كون زواج ابن الزنا شرعياً ـ طاهر بلا شكّ ولا خلاف .
2 ـ وروى في التهذيب بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن عدة من أصحابنا عن محمد بن عبد الحميد عن حمزة بن أحمد(مجهول جداً) عن أبي الحسن الأول (عليه السلام) قال : سألته أو سأله غيري عن الحمام، قال : ( أدخله بميزر، وغُضَّ بصرَك، ولا تغتسلْ من البئر التي تجتمع فيها ماء الحمام، فإنه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب وولد الزنا والناصب لنا أهل البيت، وهو شرُّهُم ) ضعيفة السند، وهي واضحة ـ بمقتضى ورود الجنب مع ولد الزنا ـ في الكراهة . والظاهر أنّ الشيخ الكليني لم يذكر حمزة بن أحمد السالف الذكر في روايته التالية لجهالة حمزة المذكور، فقال :
(في الكافي عن) محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن رجل عن أبي الحسن (عليه السلام) ـ في حديث ـ أنه قال : ( لا تغتسل من غسالة ماء الحمام فإنه يغتسل فيه من الزنا، ويغتسل فيه ولد الزنا، والناصب لنا أهل البيت وهو شرُّهُم ) مرسلة السند.
3 ـ وفي الكافي عن أحمد بن إدريس عن محمد بن أحمد بن يحيى عن أيوب بن نوح عن الوشاء عمَّن ذَكَرَهُ عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه كره سؤر ولد الزنا وسؤر اليهودي والنصراني والمشرك وكل من خالف الإسلام، وكان أشد ذلك عنده سؤر الناصب . مرسلة السند، إضافةً إلى صراحة قولِه (عليه السلام) أنه "كَرِهَ سؤرَ ولد الزنا" .
4 ـ وفي الكافي والتهذيبين بإسناده عن الحسين بن سعيد عن محمد بن خالد(البرقي) عن أبي الجهم(بكير بن أعين مشكور مات على الإستقامة) عن أبي خديجة(سالم بن مكرم، له كتاب، ثقة ثقة) قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : (لا يطيب ولد الزنا أبداً، ولا يطيب ثمنه أبداً ) صحيحة السند . قال الحرّ العاملي : "حمله الشيخ على الكراهة لما تقدم"(إنتهى) . أقول : هذه الرواية غير واضحة في النجاسة، وإنما الظاهر من كلمة ( لا يطيب .. ولا يطيب ثمنُه أبداً ) أنّ المراد عدمُ الطيب المعنوي للثمن وكذلك لولد الزنا .
ورواها في التهذيب أيضاً بإسناده عن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه عن أبي الجهم عن أبي خديجة قال : سمعت أبا عبد الله(عليه السلام) يقول : ( لا يطيب ولد الزنا أبداً، ولا يطيب ثمنه، والممزير لا يطيب إلى سبعة آباء(أبناء ـ ظ) ) فقيل : أي شيء الممزير ؟ قال : ( الذي يكتسب مالاً من غير حِلِّه، فيتزوج أو يتسرى فيولد له، فذلك الولد هو الممزير )[2] صحيحة السند، ورواها الكليني عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن أبي عبد الله مثله إلا أنه قال(الممزار ) بدل الممزير، وكما قلنا قبل قليل هذه الرواية غير واضحة في النجاسة، وإنما تفيد الكراهة، ولو بقرينة أنه لا يطهر إلى سبعة أبناء،
5 ـ قال في علل الشرايع : حدثنا أحمد بن محمد رحمه الله عن أبيه عن محمد بن أحمد عن إبراهيم بن إسحاق عن محمد بن سليمان (ابن عبد الله) الديلمي (له كتاب يرمى بالغلوّ قال عنه العلاّمةُ في منتهى المطلب ضعيف جداً) عن أبيه (قال النجاشي"غُمِزَ عليه وقيل كان غالياً كذّاباً وكذلك ابنه محمد لا يعمل بما ينفرد به من الرواية") رفع الحديث إلى الصادق (عليه السلام) قال : ( يقول ولد الزنا يا ربِّ ما ذنبي فما كان لي في أمري صنع، قال : فيناديه مناد فيقول : أنت شر الثلاثة، أذنب والداك، فتبتُ عليهما، وأنت رجس ولن يدخل الجنة إلا طاهر )[3] ضعيفة السند.
أقول : لا شكّ في وجوب ردّ عِلْمِها إلى أهلها، لوجود كلام واضح فيها تعرّضنا له مطوّلاً في رسالتنا في علم الباري، ومن المسلّمات أنّ الله تعالى عادل، بل هو فوق العدالة، ولا يظلم ربّك أحداً، ولا يسلب اللهُ الإختيارَ عن أحدٍ مِن ولد آدم (عليه السلام)، وليس لأحدٍ الحجّةُ على الله، لا في الدنيا ولا في الآخرة، بل للهِ الحجّةُ على العالمين .
فالمرجع أصالة الطهارة وقاعدتها .

التاسع : قيل بنجاسة الخمر، والصحيح طهارتُه، إنما حرّم اللهُ شربَه ولم يحرّمِ الصلاةَ فيه1 .

قال السيّد الحكيم في مستمسكه في تعليقته على العروة في مسألة ( من النجاسات : الخمر، بل كل مسكر مائع بالأصالة )قال : على المشهور شهرة عظيمة، بل عن جماعة الإجماع عليه صريحاً أو ظاهراً منهم السيدان والشيخ والمحقق، بل الظاهر أنه إجماع في جملة من الطبقات، إذ لم يُنقل الخلاف إلاّ عن جماعة من القدماء كالصدوق وأبيه في الرسالة، والجعفي وابن أبي عقيل العماني وجماعة من متأخري المتأخرين أولهم المقدس الأردبيلي وتبعه عليه جماعة ممّن تأخر عنه، وعن الحبل المتين أنه قال : ( أطبق علماء الخاصة والعامة على نجاسة الخمر إلاّ شِرذمة منّا ومنهم لم يعتدَّ الفريقان بمخالفتهم ... ) انتهى .
أمّا العامة فالمشهور جداً عندهم نجاسةُ الخمر، إلاّ أن سلاطينهم وأمراءهم كانوا يشربون الخمر .
على أي حال لننظر إلى الروايات الواردة في المقام ـ بعد عدم وجود آية قرآنية تدلّ على نجاسة الخمر ـ فمن أهمّ روايات النجاسة ما يلي :
1 ـ محمد بن الحسن في تهذيبيه بإسناده ـ الصحيح ـ عن سعد(بن عبد الله) عن (شيخه)أحمد بن محمد(بن عيسى) عن الحسن بن محبوب عن عبد الله بن سنان قال : سأل أبي أبا عبد الله (عليه السلام) ـ وأنا حاضر ـ إني أعير الذمّي ثوبي وأنا أعلم أنه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير فيردّه عليّ، فأغسله قبل أن أصلي فيه ؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : ( صلّ فيه ولا تغسله من أجل ذلك، فإنك أعرته إيّاه وهو طاهر ولم تستيقن أنه نجّسه، فلا بأس أن تصلي فيه حتى تستيقن أنه نجّسه ) [4] صحيحة السند، ببيان أن الإمام (عليه السلام) أقرّه على ارتكازه بنجاسة الخمر .
ورواها في التهذيبين أيضاً بإسناده ـ الصحيح ـ عن علي بن مهزيار عن فضالة(بن أيوب) عن عبد الله بن سنان قال : سأل أبي أبا عبد الله (عليه السلام) عن الذي يعير ثوبه لمن يعلم أنه يأكل الجري أو يشرب الخمر، فيردّه، أيصلّي فيه قبل أن يغسله ؟ قال(عليه السلام) : ( لا يصلي فيه حتى يغسله )[5] صحيحة السند .
2 ـ وفي التهذيب بإسناده ـ الصحيح ـ عن محمد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن الحسن(بن علي بن فضّال) عن عمرو بن سعيد عن مصدّق(بن صدقة) عن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) من قوله : ( ولا تصلّ في ثوب قد أصابه خمر أو مسكر حتى يغسل )[6] موثقة السند .
3 ـ ما رواه في الكافي عن (شيخه)محمد بن يحيى(العطار) عن (شيخه)أحمد بن محمد(بن عيسى) عن (الحسن)بن محبوب عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن آنية أهل الذمة والمجوس؟ فقال : ( لا تأكلوا في آنيتهم ولا من طعامهم الذي يطبخون ولا في آنيتهم التي يشربون فيها الخمر )[7] صحيحة السند .
4 ـ روى في الكافي والتهذيب : محمد بن يعقوب بإسناده عن علي بن مهزيار وعن محمد بن يحيى عن (شيخه)أحمد بن محمد(بن عيسى) وعن علي بن محمد[8] عن سهل بن زياد عن علي بن مهزيار قال : ( قرأت في كتاب عبد الله بن محمد[9] إلى أبي الحسن(عليه السلام) : جعلتُ فداك، روى زرارة عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليه السلام) في الخمر يصيب ثوب الرجل أنهما قالا : ( لا بأس بأن يصلي فيه، إنما حُرِّم شربها )، ورُوي عن[10] زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال : ( إذا أصاب ثوبَك خمرٌ أو نبيذ ـ يعني المسكر ـ فاغسله إن عرفت موضعه، وإن لم تعرف موضعه فاغسله كلَّه، وإن صليت فيه فأعد صلاتك، فأعلمني ما آخذ به ؟ فوقّع(عليه السلام) بخطّه وقرأته : (خذ بقول أبي عبد الله(عليه السلام) ) ضعيفة السند لجهالة عبد الله بن محمد .



[1] قال فيه النجاشي والشيخ : العمى غال، ضعيف في الحديث فاسد المذهب، فاسد في الرواية، لا يلتفت إلى حديثه، ولا يعتمد على ما يرويه، وقيل فيه أشياء اللهُ أعلمُ بها مِن عِظَمِها . .
[2] وسائل الشيعة ج12 ب 96 من أبواب ما يكتسب به ح 8 و 9 ص 224 ..
[3] باب 366 ح 2 ص 564 ..
[4] وسائل الشيعة، ج2، ص1059، أبواب النجاسات، ب74، ح1، ط الاسلامية .
[5] المصدر السابق ح 2 .
[6] ئل ب 35 من أبواب الأشربة المحرمة ح 2 .
[7] ئل ب 73 من أبواب النجاسات ح 2 .
[8] بن بندار، ظاهراً لأنّ الكليني يروي عنه كثيراً .
[9] مردّد بين القليل من الثقاة والكثير من المجاهيل .
[10] في هامش نسخة مخطوطة غير بدل عن .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo