< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/03/13

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: نَظرةٌ إلى العصير العِنَبي

قال السيد الخوئي : (ذكر ابن حمزة في الوسيلة أنّ العصير العنبي إذا نَشَّ وغلَى بنفسه ـ ولو بمعونة أمر خارجي غير منفرد في الإقتضاء كالشمس وحرارة الهواء ونحوهما كما إذا مضت عليه مدّة ـ لا محالة يصير مسكراً، لأنه ببقائه مدة من الزمان يلقى الزبد وتحدث فيه حموضة وهي التي يعبّر عنها في الفارسية بـ "تُرْشِيدَنْ" فبه ينقلب مسكراً حقيقياً، وهو إذن من أحد أفراد الخمر والمسكر) .
ثم قال ـ أي السيد الخوئي معلّقاً عليه ـ : (إنه لم يثبت عندنا أن العصير إذا غَلَى بنفسه ينقلب خمراً مسكراً، كما لم يَدَّعِ ذلك أهلُ خبرته وهم المخلِّلون وصنّاع الخل والدبس، بل المتحقق الثابت خلافه، فانّ صُنْع الخمرِ وإيجادَها لو كان بتلك السهولة لم يتحمّل العقلاء المشقّة في تحصيلها من تهيئة المقدّمات والمؤونات وبذل الأموال الطائلة في مقابلها، بل يأخذ كل أحد مقداراً من العصير ثم يجعله في مكان فإذا مضت عليه مدّة ينقلب خمراً مسكراً . نعم، ربما يَنقلب العصيرُ ـ الذي وُضِـعَ لأجل تخليله ـ خمراً، إلاّ أنه أمْرٌ قد يتّفق مِن قِبَلِ نفسِه وقد لا يتّفق)(إنتهى) .
ومنَعَ السيدُ السبزواري في مهذّب الأحكام أن يكون العصير العنبي خمراً، ثم قال (لشهادة أهل الخبرة، وفي اختلاف الآثار بالعيان غنىً عن إقامة البرهان) .
أقول : بعد الشكّ الواضح في إسكار العصير العنبي المغلي لا يبقى عندهم دليلٌ على نجاسته، على أنّه قد استفاضت الروايات السابقة في طهارة الخمر، فكيف بالعصير العنبي المغلي ؟!

أمّا حرمته فلا خلاف فيها ولا إشكال، فقد ورد فيها العديد من الروايات منها :
1 ـ ما رواه في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن أحمد بن أبي نصر عن حمّاد(بن عثمان) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : ( لا يحرم العصير حتى يغلي )[1] صحيحة السند .
وأيضاً في الكافي عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد(بن عيسى أو ابن خالد) عن أبي يحيى الواسطي(سهيل بن زياد)[2] عن حمّاد بن عثمان(ط : ضا ظم ق) عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال : سألته عن شرب العصير، قال : (تشرب ما لم يَغْلِ، فإذا غلَى فلا تشربه )، قلت : أيّ شيء الغليان ؟ قال : ( القَلْب )[3] . يمكنُ القول بصحّة السند أو صحّة الرواية، ولو من باب تصحيح روايات الكافي .
2 ـ وأيضاً في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن محبوب عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال : ( كل عصير أصابته النار فهو حرام حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه ) صحيحة السند .
3 ـ وأيضاً في الكافي عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن علي ابن أبي حمزة عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) وسئل عن الطلا فقال : ( إن طبخ حتى يذهب منه اثنان ويبقى واحد فهو حلال، وما كان دون ذلك فليس فيه خير ) ضعيفة السند بـ علي بن أبي حمزة البطائني .
4 ـ وأيضاً في الكافي عن أبي علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن منصور بن حازم عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : ( إذا زاد الطلا[4]على الثلث فهو حرام ) صحيحة السند، وأيضاً في الكافي : عن بعض أصحابنا عن محمد بن عبد الحميد عن سيف بن عميرة عن منصور عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : ( إذا زاد الطلا على الثلث أوقيةً فهو حرام ) ويظهر أنها نفس الرواية السابقة .
5 ـ وأيضاً في الكافي عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن (الحسن بن علي)ابن فضال(ثقة جليل القدر) عن الحسن بن جهم(بن بكير بن أعين، ثقة) عن ذريح(المحاربي ثقة له أصل) قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)يقول : (إذا نَشَّ العصيرُ أو غَلَى حَرُمَ )[5] صحيحة السند .
6 ـ وأيضاً في الكافي عن محمد بن يحيى عن علي بن الحسن أو رجل عن علي بن الحسن عن عمرو بن سعيد عن مصدق بن صدقة عن عمار بن موسى الساباطي قال : وصف لي أبو عبد الله (عليه السلام)المطبوخ كيف يطبخ حتى يصير حلالاً فقال لي (عليه السلام): ( تأخذ ربعاً من زبيب وتنقّيه، ثم تصبّ عليه اثنَي عشر رطلاً من ماء، ثم تنقعه ليلة، فإذا كان أيامُ الصيف وخشيت أن ينشّ جعلتَه في تنور سخن قليلاً حتى لا ينشّ، ثم تنزع الماء منه كلّه إذا أصبحت .. ) .
ـ وروى في الكافي أيضاً بعد هذه الرواية مباشرةً قال : وعنه عن محمد بن أحمد عن أحمد بن الحسن عن عمرو بن سعيد عن مصدق عن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال :( سئل عن الزبيب كيف يحل طبخه حتى يُشرب حلالاً .. ) وذكر قريباً من الرواية السابقة .
وتلاحظ من الروايات أنّ العصير العنبي حرام سواء غَلَى بالنار أو بالشمس أو غَلَى بنفسه، أمّا إذا غلى بالنار فلتصريح صحيحتَي عبد الله بن سنان وذريح ومصحّحة حمّاد بن عثمان ورواية أبي بصير، وأمّا إذا غَلَى بالشمس أو بنفسه فللإطلاق في صحيحة ذريح السابقة وفي رواية عمّار .
وإذا ذهب ثلثاه صار حلالاً، لاحِظْ مثلاً صحاح عبد الله بن سنان وابن أبي يعفور ومعاوية بن عمّار السابقة وضعيفة أبي بصير .
ثم إنّ الأقوى حرمته بمجرد النشيش وإن لم يَصِلْ إلى حَدِّ الغليان وذلك لما رواه ذريح في صحيحته السابقة ( إذا نَشَّ العصيرُ أو غَلَى حَرُمَ ) .
ولا فرق بين العصير ونفس العنب فإذا غَلَى نفسُ العنبِ من غير أن يُعْصَر كان حراماً، وذلك لكون المناط في التحريم هو غليان ماء العنب الموجود في العنب، على أنّ روايات مقاسمة إبليس مع آدم ونوح (عليهم السلام) كان نفس العنب .

وأما الزبيب المغلي بالماء فقد قالوا إن المشهور طهارته وحلّيّته، وفي الحدائق (الظاهر أنه لا خلاف في حلّيته، وعن جماعة حكاية الشهرة على ذلك، بل قيل : لم نعثر على قائل بالتحريم، وإن نسبه الشهيد إلى بعض مشايخه وإلى بعض فضلائنا المتقدّمين)(إنتهى) .
أقول : أمّا طهارته فلا شكّ فيها ولو للأصل، فإنه لا دليل أصلاً على نجاسته، خاصّةً بعد ثبوت طهارة العصير العنبي المغلي .
وأمّا بالنسبة إلى حرمته فلا شكّ أنّ الأحوط وجوباً اعتبارُه محرّماً إن لم يكن ذلك هو الأقوى، وذلك لبقاء كلّ أو جلّ موادّ العنب فيه، وذلك لأنه لم يجفّ منه إلاّ الماء فقط كما قال لي بعض أهل الخبرة، قال "حتى ولو فرضنا ذهابَ نسبةٍ ضئيلة جداً من الفيتامينات عند التجفيف بالشمس فإنّ الأغلب الأعمّ من موادّ العنب تبقى في الزبيب بلا شكّ" أقول وهذا يوجب أن نقول التحريمَ، ولا أقلّ من الإحتياط الوجوبي في ذلك، خاصّةً لورود بعض روايات تحرّمه من قبيل :
1 ـ ما رواه في الكافي عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد عن أحمد بن الحسن(بن علي بن فضّال فطحيّ ثقة مات 260 هـ) عن عمرو بن سعيد(الساباطي) عن مصدّق بن صدقة(المدائني) عن عمّار(بن موسى) الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال : سئل عن الزبيب كيف يحل طبخه حتى يشرب حلالاً، قال : ( تأخذ ربعاً من زبيب فتُنَقِّيه، ثم تطرح عليه اثني عشر رطلاً من ماء، ثم تنقعُهُ ليلةً، فإذا كان من غد نزعت سُلافَتَه[6]، ثم تصب عليه من الماء بقدر ما يغمره، ثم تغليه بالنار غَلْيَةً، ثم تنزع ماءه فتصبه على الأول ثم تطرحه في إناء واحد، ثم توقد تحته النار حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه وتحته النار، ثم تأخذ رطل عسل فتغليه بالنار غلية وتنزع رغوته، ثم تطرحه على المطبوخ، ثم اضربه حتى يختلط به واطرح فيه إن شئت زعفراناً وطيِّبْهُ إن شئت بزنجبيل قليل )، قال : ( فان أردت أن تقسمه أثلاثاً لتطبخه فكِلْهُ بشيء واحد حتى تعلم كم هو، ثم اطرح عليه الأول في الإناء الذي تغليه فيه ثم تضع فيه مقداراً وحِدَّهُ حيث يبلغ الماء . ثم اطرح الثلث الآخر وحِدَّهُ حيث يبلغ الماء، ثم اطرح الثلث الآخر وحِدَّهُ حيث يبلغ الماء، ثم توقد تحته بنار لَيِّنَة حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه )[7] موثّقة السند،
وفي أصل زيد النرسي قال : سألتُ أبا عبد الله(عليه السلام)عن الزبيب يُدَقُّ ويُلقَى في القدر ثم يصب عليه الماء ويوقد تحته ؟ فقال : ( لا تأكله حتى يذهب الثلثان ويبقى الثلث، فإنّ النار قد أصابته ) قلت : فالزبيب كما هو يلقى في القدر ويصب عليه الماء ثم يطبخ ويصفى عنه الماء ؟ قال : ( فكذلك هو سواء، إذا أدَّتِ الحلاوة إلى الماء فصار حلواً بمنزلة العصير ثم نَشَّ من غير أن تصيبه النار فقد حرم، وكذلك إذا أصابته النار فاغلاه فقد فسد) . وهذا هو سند الكتاب : حدثنا الشيخ أبو محمد هارون بن موسى بن أحمد التلعكبري(جليل القدر عظيم المنزلة واسع الرواية ثقة مات 385 هـ) أيَّدَهُ اللهُ قال حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني(المعروف بـ إبن عقدة جليل القدر عظيم المنزلة ثقة ثقة إلاّ أنه كان زيدياً جاروديّاً وعلى ذلك مات) قال حدثنا جعفر بن عبد الله العلوي أبو عبد الله المحمدي(كان وجهاً في أصحابنا وفقيهاً وأوثق الناس في حديثه) قال حدثنا محمد بن أبي عمير عن زيد النرسي . أقول : يجب أن يكون النرسي ثقة ولو لرواية ابن أبي عمير عنه، ولذلك لن تراني أصفُ هذا السند بالضعف، وعلى الأقلّ اِعتبرْ متنَ هذه الرواية مؤيّداً للمطلوب .
ومثلهما رواية إسماعيل بن الفضل الهاشمي(ثقة من أهل البصرة) ورواية إسحق بن عمّار(ثقة فطحيّ وأصله معتمد) ورواية عبد الله بن سنان .
المهمّ هو أنه لا محلّ لإجراء قاعدة الإستصحاب في القضايا التعليقية في المقام . وقد ذهب إلى تحريمه جماعةٌ من المتأخّرين واختاره العلاّمةُ الطباطبائي في مصابيحه ناسباً ذلك إلى الشهرة بين الأصحاب وأنها بين القدماء كشهرة الحلّ بين المتأخّرين .



[2] جش : "لقي أبا محمد العسكري عليه السلام، شيخنا المتكلّم، وقال بعض أصحابنا لم يكن سهيل بكلّ الثبت في الحديث"، وعن ابن الغضائري وفي خلاصة العلاّمة : "وإن حديثه نعرفه تارةً وننكره اُخرى، ويجوز أن يخرّج شاهداً" . ويظهر أن أبا يحيى الواسطي لقي أربعةَ أئمّة : الرضا والجواد والهادي وأبا محمد العسكري عليهم السلام، وروى عنه أحمد بن محمد بن عيسى وأحمد بن محمد بن خالد وهما من طبقة 7، فقد لقي ابن عيسى الأئمّةَ الرضا والجواد والهادي عليهم السلام. فمثلاً صفوان بن يحيى ط 6 أي طبقة الكاظم والرضا عليهم السلام ممّا يعني أنّ الواسطي من ط الإمام الرضا عليهم السلام أيضاً .
[4] قال شارح وسائل الشيعة في تعليقته على هذه الرواية : الطلا هو الخمر المسكر، والعصير إذا لم يطبخ وتُرِك حتى يتخمّر اشتدّ إسكارُه، وإذا طُبِخ على النصف أو الثلث ثم ترك مدّةً تخمّرَ أيضاً، لكن فيه إسكارٌ ضعيفٌ بالنسبة، وكلّما زِيدَ طبْخُهُ قلّ إسكارُه، حتى يذهب الثلثان، فلا يتخمّر ح وإن مكث شهوراً . ولم يرَ الشارعُ المقدّسُ المصلحةَ في إحالة ذلك على العرف، فإنّ الإسكار الضعيفَ في العصير المتخمّر بعد الطبخ يصير مثاراً للشكّ والوسوسة ووسيلةً لمن يشربه بأصالة عدم حصول الإسكار، فحرّم كلّ عصير طُبِخَ بالنار، حتى ولو لم يمكث حتى يغلي بنفسه ويتخمّر حسّاً، وجعل الحدّ في ذلك ذهابَ الثلثين حسماً للفسادإنتهى .
[6] السُلافة ـ في كتاب لسان العرب ـ هي : "أوّل ما يعصر من الخمر، وقيل هو ما سال من غير عصر، وقيل هو أوّل ما ينزل منها، وقيل هي أوّل كلّ شيء عُصِرَ، وقيل "هي أوّل ما يرفع من الزبيب، والنَّطْلُ هو ما اُعيد عليه الماء" . وفي التهذيب : "السلافةُ من الخمر أخْلَصُها وأفضلُها، وذلك إذا تحلّب من العنب بلا عَصْرٍ ولا مَرْث، وكذلك من التمر والزبيب ما لم يَعُدْ عليه الماء بعد تحلُّب أوّلِه"، والسلاف هو ما سال من عصير العنب قبل أن يُعْصَر، ويسمّى الخمر سُلافاً . وسُلافةُ كلّ شيءٍ عصرتَه : أوّلُه"إنتهى .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo