< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/03/14

بسم الله الرحمن الرحیم

وأما الزبيب المغلي بالماء فقد قالوا إن المشهور طهارته وحلّيّته، وفي الحدائق "الظاهر أنه لا خلاف في حلّيته، وعن جماعة حكاية الشهرة على ذلك، بل قيل : لم نعثر على قائل بالتحريم، وإن نسبه الشهيد إلى بعض مشايخه وإلى بعض فضلائنا المتقدّمين"(إنتهى) .
أقول : أمّا طهارته فلا شكّ فيها ولو للأصل، فإنه لا دليل أصلاً على نجاسته، خاصّةً بعد ثبوت طهارة العصير العنبي المغلي .
وأمّا بالنسبة إلى حرمته فلا شكّ أنّ الأحوط وجوباً اعتبارُه محرّماً إن لم يكن ذلك هو الأقوى، وذلك لبقاء كلّ أو جلّ موادّ العنب فيه، وذلك لأنه لم يجفّ منه إلاّ الماء فقط كما قال لي بعض أهل الخبرة، قال "حتى ولو فرضنا ذهابَ نسبةٍ ضئيلة جداً من الفيتامينات عند التجفيف بالشمس فإنّ الأغلب الأعمّ من موادّ العنب تبقى في الزبيب بلا شكّ" أقول وهذا يوجب أن نقول التحريمَ، ولا أقلّ من الإحتياط الوجوبي في ذلك، خاصّةً لورود بعض روايات تحرّمه من قبيل :
اولا : ـ ما رواه في الكافي عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد عن أحمد بن الحسن(بن علي بن فضّال فطحيّ ثقة مات 260 هـ) عن عمرو بن سعيد(الساباطي) عن مصدّق بن صدقة(المدائني) عن عمّار(بن موسى) الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام ) قال : سئل عن الزبيب كيف يحل طبخه حتى يشرب حلالاً، قال : ( تأخذ ربعاً من زبيب فتُنَقِّيه، ثم تطرح عليه اثني عشر رطلاً من ماء، ثم تنقعُهُ ليلةً، فإذا كان من غد نزعت سُلافَتَه[1]، ثم تصب عليه من الماء بقدر ما يغمره، ثم تغليه بالنار غَلْيَةً، ثم تنزع ماءه فتصبه على الأول ثم تطرحه في إناء واحد، ثم توقد تحته النار حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه وتحته النار، ثم تأخذ رطل عسل فتغليه بالنار غلية وتنزع رغوته، ثم تطرحه على المطبوخ، ثم اضربه حتى يختلط به واطرح فيه إن شئت زعفراناً وطيِّبْهُ إن شئت بزنجبيل قليل )، قال : ( فان أردت أن تقسمه أثلاثاً لتطبخه فكِلْهُ بشيء واحد حتى تعلم كم هو، ثم اطرح عليه الأول في الإناء الذي تغليه فيه ثم تضع فيه مقداراً وحِدَّهُ حيث يبلغ الماء . ثم اطرح الثلث الآخر وحِدَّهُ حيث يبلغ الماء، ثم اطرح الثلث الآخر وحِدَّهُ حيث يبلغ الماء، ثم توقد تحته بنار لَيِّنَة حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه)[2] موثّقة السند، ومثلها رواية إسماعيل بن الفضل الهاشمي(ثقة من أهل البصرة) ورواية إسحق بن عمّار(ثقة فطحيّ وأصله معتمد) ورواية عبد الله بن سنان .
فلا محلّ ح لإجراء قاعدة الإستصحاب في القضايا التعليقية في المقام . وقد ذهب إلى تحريمه جماعةٌ من المتأخّرين واختاره العلاّمةُ الطباطبائي في مصابيحه ناسباً ذلك إلى الشهرة بين الأصحاب وأنها بين القدماء كشهرة الحلّ بين المتأخّرين .

نظرةٌ إلى الإستصحاب التعليقي :
بمناسبة تعرّض العلماء في هذا البحث إلى الإستصحاب التعليقي فلا بأس للنظر فيه فنقول : لا شكّ أنّ الإستصحاب التعليقي هو استصحاب في الشبهات الحكمية، ولا بأس أن نأخذ ما نحن فيه مثالاً في بحثنا فنقول :
استدلّ بعضهم بعدم جريان الإستصحاب التعليقي في المقام، وذلك بذريعة تغيّر الإسم والموضوع، ويجاب على هذا التوهّم بجوابين :
أوّلاً : بلحاظ مادّة الموضوع، فنقول بوضوح كون موادّ الزبيب هي نفسها موادّ العنب، فلا محلّ للتعرّض للأصول العملية من الأصل .
ثانياً : بلحاظ مادّة البحث ـ أي الإستصحاب التعليقي ـ فنقول : إنّ قولكم بتغيّر إسم الزبيب عن إسم العنب، فيجب أن لا يجري استصحابُ حرمة الزبيب المغلي، يجاب عليه بأننا لا نغلي إسمَ العنب ولا لفظةَ الزبيب، وإنما نغلي نفس العنب أو الزبيب، والمفروض أنّ موادّ العنب باقية في الزبيب، فلا معنى للقول بتغيّر إسم الزبيب عن إسم العنب، فيجب أن ننظر إلى نفس الموادّ قبل النظر إلى الإستصحاب، فإنّ الأسماء والألفاظ تتغيّر لأدنى مناسبة .
وقال بعضهم بعكس القول السابق فقالوا بلزوم بقاء القضيّة الشرطية على ما كانت عليه وهي (إذا غلى العصير العنبي حَرُم) فنقول ـ مع الشكّ في تغيّر الموضوع ـ (إذا غلى الزبيب حَرُمَ)، وجوابه واضح، فإنّ غليان العصير العنبي ـ كحالة متصوّرة في الذهن ـ لم يكن، فكيف تستصحبُ الغليانَ ؟! ثم كيف تستصحب الحرمةَ ؟! على أنه استصحاب في عالم الجعل، والأحكام الجعلية لا تستصحبُ لأنها دفعية .
فإن قلتَ : نغيّر التعبير فنقول : نستصحب السببيةَ، فنجعل الإستصحابَ إستصحاباً في قضيّة منجّزة ـ لا معلّقة على الغليان ـ وذلك كاستصحاب الطهارة والنجاسة .
فأقول : يرد على ذلك :
أوّلاً : إنّ استصحاب السببية هو أيضاً عبارة عن استصحاب الجعل، إذ السببية عبارة عن الجعل ليس إلاّ، واستصحاب بقاء الجعل لا يصحّ ـ كما قلنا ـ لأنه دفعي .
ثانياً : نعم، الصحيح هو صحّة جريان الإستصحاب في الشبهات الحكمية، ولكن بتحويل الشبهة الحكمية إلى شبهة موضوعية، وذلك بالقول بأنّ العنب إنْ شُكّ في تغيّره لوجب استصحابُ بقاء العنبيّة، وبالتالي وجب الحكم ببقاء الحرمة على فرض الغليان . وهذا هو المنطلق لنا في توجيه صحّة الإستصحاب في الشبهات الحكمية، فنحن في الشبهات الحكمية نستصحب بقاء موضوع الحكم، ولا ننظر إلى تغيّر الإسم، فإنّ الإسم يتغيّر لأدنى مناسبة . وعلى هذا فإننا نجري الإستصحاب في الشبهات الحكمية ولكن بتحويل الشبهة إلى موضوعية، أي باستصحاب بقاء موضوع الحكم .

وأيضاً الأقوى طهارة عصير التمر المغلي .
وقد يستدلّ على نجاسته :
أوّلاً ـ بما رواه في التهذيب أيضاً بنفس السند السابق ـ أي بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن الحسن عن عمرو بن سعيد عن مصدق عن عمار ـ عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سألته عن النضوح ؟ قال : ( يطبخ التمر حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه ثم يمتشطن )موثّقة السند .
ثانياً ـ وما رواه علي بن جعفر في كتابه عن أخيه قال : سألته عن النضوح يجعل فيه النبيذ أيصلح للمرأة أن تصلِّيَ وهو على رأسها ؟ قال : ( لا، حتى تغتسل منه )([3])، ورواه الحِمْيَري في قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسن عن علي بن جعفر .
أقول : لا شكّ في كراهية التمشّط بالنضوح وذلك لكراهية الصلاة فيه وذلك لعدّة أسباب :
أوّلاً ـ منها صراحةُ الروايات السابقة بطهارة النبيذ وكراهية الصلاة فيه، راجع مثلاً موثّقة عبد الله بن بكير السابقة قال : سأل رجلٌ أبا عبد الله (عليه السلام) ـ وأنا عنده ـ عن المسكر والنبيذ يصيب الثوب ؟ قال : ( لا بأس )، ومثلها صحيحة علي بن رئاب السابقة قال : سألت أبا عبد الله ( عليه السلام) عن الخمر والنبيذ المسكر يصيب ثوبي أغسله أو أصلّي فيه ؟ قال : ( صَلِّ فيه، إلاّ أن تَقذَّره فتغسل منه موضع الأثر، إنّ الله تعالى إنما حرّم شربها ) .
إذن بمقتضى الجمع بين الروايات لا بدّ من حمل الطائفة الاُولى من الروايات على التقذّر .
ثانياً ـ ومنها مارواه في التهذيب بإسناده الصحيح عن محمد بن أحمد بن يحيى عن العباس بن معروف عن سعدان بن مسلم(كبير القدر جليل المنزلة له أصل) عن علي الواسطي(مهمل) قال : دخلت الجويرية ـ وكانت تحت عيسى بن موسى ـ على أبي عبد الله (عليه السلام) وكانت صالحة، فقالت : إني أتطيَّبُ لزوجي فيُجعل في المشطة التي امتشط بها الخمر وأجعله في رأسي ؟ قال : ( لا بأس) ضعيفة السند .
ثانياً ـ يحتمل جدّاً ـ من خلال رواية علي الواسطي السابقة وموثّقة عمار الآتية ـ أنّ النضوح نوع من أنواع الخمور، ثم يُجعل فيه النبيذ، ثم كانوا يمتشطون به، وأنت تعلم أنه يكره الصلاة بالخمر .
إذن يجب أن نقول بطهارة النبيذ وهو التمر المغلي بالماء .



[1] السُلافة ـ في كتاب لسان العرب ـ هي : "أوّل ما يعصر من الخمر، وقيل هو ما سال من غير عصر، وقيل هو أوّل ما ينزل منها، وقيل هي أوّل كلّ شيء عُصِرَ، وقيل "هي أوّل ما يرفع من الزبيب، والنَّطْلُ هو ما اُعيد عليه الماء" . وفي التهذيب : "السلافةُ من الخمر أخْلَصُها وأفضلُها، وذلك إذا تحلّب من العنب بلا عَصْرٍ ولا مَرْث، وكذلك من التمر والزبيب ما لم يَعُدْ عليه الماء بعد تحلُّب أوّلِه"، والسلاف هو ما سال من عصير العنب قبل أن يُعْصَر، ويسمّى الخمر سُلافاً . وسُلافةُ كلّ شيءٍ عصرتَه : أوّلُه"إنتهى .
[2]

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo