< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/04/10

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: خبر ذي اليد والوسواسي

رابعاً : قد يُستدَلّ على حجيّة قول ذي اليد بسوق المسلمين، فإنهم قولاً أو عملاً يخبرونك أنّ اللحم الفلاني مذكّى أو أن الجبن طاهر ونحو ذلك مع أنّ أئمّتنا (عليهم السلام) أمرونا بالشراء منهم والإعتماد عليهم، وقول الباعة لا يفيد الظنّ دائماً، وهنا قد تقول : يجب الأخذ بقول ذي اليد مطلقاً، أو إلاّ في حال الظنّ بكذب قول ذي اليد .
أقول : لم أجد روايةً تفيدنا لزوم الأخذ بأقوال الباعة في سوق المسلمين، إلاّ ما قد رأيتَ، نعم هناك روايات تفيدنا أن لا نسألهم عن ذكاة اللحوم أو الجلود أو عن طهارة الجبن ونحو ذلك، وهي اُمور لا تفيدنا في القول بحجيّة قول ذي اليد إلاّ فيما ذكرناه .
فعلينا أن نقتصر في الأخذ بخبر ذي اليد على ما استقرّت عليه سيرة المتديّنين من عصر المعصومين إلى يومنا هذا، والمعلوم منها هو خصوص مورد حصول الظنّ بصدقه، أمّا في حال الشك وتساوي احتمالَي الصدق والكذب فلم يثبت أيُّ دليل على حجيّة قوله أصلاً، فيجب ح الرجوعُ إلى أصالة عدم حجيّة الخبر حتى يثبت بدليل واضح .

نعم، لا ينبغي السؤال في السوق الذي يغلب عليه المسلمون عن طهارة الشيء ونجاسته، بل لعلّه يكره ذلك، للنهي عنه في رواياتنا، فقد روى في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عمر بن أذينة عن فضيل وزرارة ومحمد بن مسلم انهم سألوا أبا جعفر (عليه السلام) عن شراء اللحوم من الأسواق ولا يدرى ما صنع القصابون فقال : ( كُلْ إذا كان ذلك في سوق المسلمين، ولا تسأل عنه )([1]) صحيحة السند، ولعلّ ذلك ناشئ من أنّ المولى تعالى يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر، ولعله أيضاً لإبعاد شبح الوسوسة عن النفس، وأيضاً ليقوم لسوق المسلمين قائمة ولا يختلّ ..

مسألة 1 : لا اعتبار بقطع الوسواسي في الطهارة والنجاسة.

لأنّ قطعه ناشئ من الخيالات الذهنية لا من العلم بالواقع ولا من مقدّمات عقلائية، أو قل هو غير عقلائي في قطوعاته، لذلك لا ينبغي له أن يأخذ بقطوعاته الخيالية التي هي في الواقع من الشيطان، ولا ينبغي أن يُعترَض علينا بأنّ هذا سلبٌ للحجيّة من القطع، وذلك لأنّ القطوعات الشيطانية يجب أن تترك للشيطان وأن لا يتّبعها المسلمُ المؤمِنُ، وبتعبير أصحّ : يجب على الوسواسي أن يلتفت إلى كونه وسواسيّاً يطيع الشيطان في وساوسه، فيجب عليه إذن أن يترك وساوسه وإلاّ فإنه سيُلقيه حتماً في التهلكة، فنحن في الواقع نريد أن نسلب منه نفس القطع، لا الحجيّةَ من القطع . ولا بأس أن تلاحظ كلام أئمّتنا (عليهم السلام) في ذلك،
1 ـ فقد روى في الكافي عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين(بن أبي الخطّاب) عن صفوان(بن يحيى) عن العلاء(بن رزين القلاّء) عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام)قال : ( إذا كثر عليك السهو فامض على صلاتك فإنه يوشك أن يدعك، إنما هو من الشيطان ) صحيحة السند .
2 ـ وفي الكافي أيضاً عن علي بن إبراهيم عن أبيه، وعن محمد بن إسماعيل(أبو الحسن النيسابوري) عن الفضل بن شاذان جميعاً عن حماد بن عيسى عن حريز عن زرارة وأبي بصير جميعاً قالا قلنا له : الرجل يشك كثيراً في صلاته حتى لا يدري كم صلى ولا ما بقي عليه، قال : ( يعيد )، قلنا : فإنه يكثر عليه ذلك كلما أعاد شك، قال : ( يمضي في شكه ) ثم قال : ( لا تُعَوِّدُوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه، فإنّ الشيطانَ خبيثٌ مُعتادٌ لما عُوِّدَ، فليَمْضِ أحدُكم في الوهم، ولا يُكثِرَنَّ نقضَ الصلاة، فإنه إذا فعل ذلك مرات لم يعد إليه الشك )، قال زرارة ثم قال : ( إنما يريد الخبيث أن يطاع، فإذا عُصِيَ لم يَعُدْ إلى أحدكم ) صحيحة السند . رواها في دعائم الإسلام عن أبي جعفر (عليه السلام)، ونسبها الشهيد الثاني في رسائله إلى الإمام الصادق (عليه السلام) .
3 ـ وفي يب بإسناده عن الحسين بن سعيد عن فضالة عن (عبد الله)ابن سنان عن غير واحد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال :( إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك ) يعرف الخبراء بصعوبة أن يقال بضعف هذا السند ـ طبعاً من باب الإرسال ـ لأكثر من سبب، منها أنّ الراوي ثقة من أصحابنا جليل في الطائفة لا يطعن عليه في شيء وله كتب، ومنها أن قوله عن غير واحد يعني أنّ هذا الحديث ثابت وأنه أكثر من خبر واحد ...
4 ـ وفي التهذيبين بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن معاوية بن حكيم عن عبد الله بن المغيرة عن علي بن أبي حمزة عن رجل صالح عليه السلام قال : سألته عن الرجل يشك فلا يدري واحدة صلى أو اثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً تلتبس عليه صلاته، قال : ( كل ذا ؟ ) قال قلت : نعم، قال : ( فليمض في صلاته ويتعوَّذ بالله من الشيطان، فإنه يوشك أن يذهب عنه )[2]، ورواه الصدوق في الفقيه بإسناده عن علي بن أبي حمزة عن العبد الصالح عليه السلام مثله.
5 ـ وفي التهذيبين بإسناده عن سعد عن أحمد بن الحسن عن عمرو بن سعيد عن مصدق عن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يكثر عليه الوهم في الصلاة فيشك في الركوع فلا يدري أركع أم لا، ويشك في السجود فلا يدري أسجد أم لا، فقال : ( لا يسجد ولا يركع ويمضي في صلاته حتى يستيقن يقيناً ) موثّقة السند .
6 ـ وقال في الفقيه : وقال الرضا (عليه السلام): ( إذا كثر عليك السهو في الصلاة فامضِ على صلاتك ولا تُعِدْ )، وهذا إخبار ثقة، والمظنون جداً أنه معتمد على الحسّ في إخباره بالصدور عن الإمام الرضا (عليه السلام) .
7 ـ وفي الفقيه أيضاً بإسناده ـ الصحيح ـ عن محمد بن أبي عمير عن محمد بن أبي حمزة (الثمالي ثقة فاضل) أن الصادق (عليه السلام) قال : ( إذا كان الرجل ممن يسهو في كل ثلاث فهو ممن كثر عليه السهو ) صحيحة السند .

وما اُريد قولَه هنا هو ثلاثة اُمور :
1 ـ تلاحظُ في هذه الروايات مدى اهتمام أئمّتنا (عليهم السلام) بمرض الوسوسة ولزومَ الإبتعاد عنها، فإنها ـ بتعبير الإمام الباقر (عليه السلام) السابق ـ ( من الشيطان ) وهذا يعني أنّ الوسواسي يطيع الشيطان، أي يعبده ولا يعبد الله تعالى، فالشيطان عَوّاد لما عُوّد عليه، بل هو يطمع أن يطاع، ثم يطمع أن يطاع، ثم يطمع .. إلى أن يكفّر الإنسانَ ويخرجَه عن عقله ثم عن دينه .. لاحظوا قول المعصومين (عليهم السلام)( لا تُعَوِّدُوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه، فإنّ الشيطانَ خبيثٌ مُعتادٌ لما عُوِّدَ ) .
2 ـ إذن إذا كان الأمر كذلك فما العمل ؟
الجواب : إعلم أخي العزيز أنّ الله تعالى لا يريد لعباده أن يكونوا هجنة للناس ومضحكةً للعقلاء، ولكنّ الله يريد بخلقه اليسر ولا يريد بهم العسر، والشيطان خبيث عَوّاد لما عُوّد عليه .. إذن ما العمل ؟ الجواب : هو ما قاله لنا المعصومون (عليهم السلام) ( لا تُعَوِّدُوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه .. فليَمْضِ أحدُكم في الوهم، ولا يُكثِرَنَّ نقضَ الصلاة، فإنه إذا فعل ذلك مرات لم يعد إليه الشك )، وورد أيضاً أنه ( إذا كثر عليك الوهم فأدرج صلاتك إدراجاً، فإنّ اللعين يوشك أن يدعك )، فالأجدرُ للوسواسي البناء على الصحّة بمجرّد احتمال صحّة العمل أو الإتيان به، حتى وإن غرّهم الشيطان بأنّ هذا غير جائز، وأنّ هذا العمل خطأ، لاحِظْ قولَ الإمام الرضا (عليه السلام)( إذا كثر عليك السهوُ في الصلاة فامضِ على صلاتك ولا تُعِدْ ) فعليه أن يتنزّل إلى الظنّ ولا يطلب اليقين، لاحِظْ موثّقةَ عمار السابقة عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يكثر عليه الوهم في الصلاة فيشك في الركوع فلا يدري أركع أم لا، ويشك في السجود فلا يدري أسجد أم لا، فقال : ( لا يسجد ولا يركع ويمضي في صلاته حتى يستيقن يقيناً )، ولاحِظْ قولَه (عليه السلام) ( فليَمْضِ في صلاته ويتعوَّذْ بالله من الشيطان، فإنه يوشك أن يذهب عنه ) .
3 ـ الكلمة الأخيرة : إعلم أخي المؤمن أنّ الله تعالى رَفَعَ العسرَ والحرج عن خلقه منّاً منه ورحمة، لا بل حرّم إيقاع النفس في الضرر، واتّباعُ الشيطان في الوسوسة هو مقدّمة للوقوع في الضرر الحرام، لا بل يجب أن يعلم الوسواسي أنه يرتكب الحرام وأنه لا يطيع اللهَ تبارك وتعالى.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo