< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/04/26

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: إذا شككنا في سراية الرطوبة وعدمها

فصلٌ في كيفية تنجُّسِ المتنجِّسات

يُشترط في تنَجُّسِ الملاقي للنجس أو المتنجس أن يكون فيهما أو في أحدهما رطوبةٌ مُسرِيَةٌ، فإذا كانا جافَّين أو كانت الرطوبة بينهما غير مسرية فإنّ الملاقي للنجاسة لا ينجس وإن كان ملاقياً للمَيتة، لكن الأحوط غسل ملاقي ميت الإنسان قبل الغسل وإن كانا جافَّين .
ثم إن كان الملاقي للنجس أو المتنجّس مائعاً تنجس كله كالماء القليل المطلق والمضاف مطلقاً، والدهن المائع ونحوه من المايعات .
نعم لا ينجس العالي بملاقاة السافل إذا كان جارياً من العالي، بل لا ينجس السافل بملاقاة العالي إذا كان جارياً من السافل كالنافورة، من غير فرق في ذلك بين الماء وغيره من المايعات. وإن كان في الملاقي رطوبة غير مسرية أو كان جافّاً اختصت النجاسة بموضع الملاقاة، وكذا إن شككنا في سراية النجاسة فإنه إذا وصلت النجاسة إلى جزء من الأرض أو الثوب لا يتنجس ما يتصل به وإن كان فيه رطوبة مسرية، بل النجاسة مختصة بموضع الملاقاة، ومن هذا القبيل الدهن والدبس الجامدان، وعلى ما ذكر فالبطيخ والخيار ونحوهما مما فيه رطوبة مسرية إذا لاقت النجاسةُ جزءً منها فإنّ البقية لا تتنجس، بل يكفي غسلُ موضعِ الملاقاة .

تعرضنا أمس لكلّ أدلّة هذه المسألة وكانت نتيجة البحث هو أنّ ما ذكره في المتن هو من البديهيّات والمسلّمات التي لا خلاف فيها عند العلماء بل حتى عند العوام ..
ويجب أن نقول هنا بأنه إذا تنجس جزء من البطيخة مثلاً، فإنك لا يصحّ لك أن تبني على نجاسة كلّ البطيّخة، وذلك لعدم معلومية انتقال النجاسة إلى ما بعد خمسة سنتم مثلاً، نعم الأجزاء المتاخمة التي يعلم انتقال النجاسة إليها فإنه يحكم بنجاسته حتماً كالسنتم والإثنين، وأمّا مع البُعْد والشكّ في انتقال النجاسة إليها فإنه ينبغي استصحاب الطهارة فيها وعدم انتقال النجاسة إليها . وكذا الأمر في أرض البيت المرطوبة برطوبة مسرية، فإنك إن رأيت نجاسةً وقعت على هذه الأرض فإنك ينبغي أن لا تبني على نجاسة كلّ الأرض حتى على بُعْدِ عدّةِ أمتار، ولكن يجب أن تستصحب الطهارة في كلّ موضع تشكّ في انتقال النجاسة إليه .
فإذا عرفت هذا الحكم فإنك ستعرف بالاَولوية لزوم استصحاب الطهارة إن لم تكن الرطوبة مسرية .
ثم لا شكّ بأن المتشرّعة يرَون أنّ النجاسة لا تحصل إلاّ بسرايتها إلى الملاقَى، هذا الإرتكاز قرينة قوية على تقييد الروايات السابقة وانصرافها بوضوح إلى خصوص حصول انتقال للنجاسة إلى الملاقَى ووجود رطوبة مسرية بينهما . وموثقةُ عمار (اِغسلِ الإناء الذي تصيب فيه الجرذَ ميتاً سبع مرات ) غير ناظرةٍ إلى وجود رطوبة مسرية أو لا، إنما هي ناظرة إلى عدد الغسلات .
المهم هو أنه لا شكّ عند كلّ المتشرّعة أنه إنْ كان الملاقي للنجس أو المتنجّس مائعاً تنجس كله كالماء القليل المطلق والمضاف مطلقاً، والدهن المائع ونحوه من المايعات، وقد ورد في هذا عدّة روايات، ولا بأس أن نتبرّك بذِكْرِ روايةٍ واحدة فقط في ذلك : فقد روى في يب بإسناده الصحيح عن الحسين بن سعيد عن محمد بن أبي عمير عن عمر بن أذينة عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : ( إذا وقعت الفارة في السمن فماتت فإن كان جامداً فاَلْقِها وما يَلِيها وكُلْ ما بَقِي، وإن كان ذائباً فلا تأكُلْهُ واستصْبِحْ به، والزيتُ مِثْلُ ذلك )[1].
وقد جرت العادة في بعض البلاد بصبّ ماء الورد على يد الضيف في بعض المناسبات، فلو صَبّ شخصٌ ماء وردٍ على يدٍ متنجّسة فإنه لا ينجس بوضوح لأنّ التدافع يمنع من سراية النجاسة والقذارة إلى داخل الإبريق، ولا داعي ـ بعد وضوح المسألة ـ للقول بجريان قاعدة الإستصحاب في ماء الإبريق، وكذا لو كان التدافع من الأسفل إلى الأعلى كما في النافورة فإنّ السراية لا تحصل إلى الأسفل، وكذا لو كان الشخص في الحمّام مثلاً وكلّه ماءٌ وكان واقفاً على أرضٍ متنجّسة فإنّ السراية لا تسري من الأرض إلى كلّ جسده، ولا أقلّ لوجود شكّ في هكذا سراية بعيدة عن مرتكزات الناس، فتستصحب الطهارة، ويقتصر في الحكم بالنجاسة على أقل قدر متيقّن وهو المتاخم للأرض، بل هذا أمر واضح عرفاً، ولذلك أجمع المحققون على ذلك .
بناءً على ما ذكرنا مراراً يجب القول بأنّ كلّ موضع شككنا في سراية النجاسة إليه فإنه يجب استصحابُ طهارته، وذلك كالبطيخ والخيار ونحوهما مما فيه رطوبة مسرية إذا لاقت النجاسةُ جزءً منها فإنّه لم يُعلم بأنّ بقية الأجزاء قد سرت إليها النجاسة، فيجب استصحابُ طهارة سائر الأجزاء، وبالتالي يكفي غسلُ موضعِ الملاقاة .

مسألة 1 : إذا شُك في رطوبةِ أحد المتلاقيَين أو عُلِمَ وجودُها وشُكَّ في سرايتها لم يُحكَم بالنجاسة، وأما إذا عُلِمَ سبْقُ وجودِ الرطوبةِ المسرية وشُك في بقائها فالأحوط الإجتناب، وإن كان الحكم بعدم النجاسة لا يخلو عن وجه .

وذلك لما ذكرناه مراراً من لزوم استصحاب الطهارة في الطرف الملاقي للنجاسة بعد الشكّ في انتقال النجاسة إليه .
يجب أن نقول أوّلاً بأنّ موضوع نجاسة الطرف الملاقي للنجاسة هي انتقال النجاسة، وهي ما يعبّر عنه بالسراية، وليس موضوع نجاسة الطرف الملاقي للنجاسة هي الرطوبة المسرية مع الملاقاة للنجاسة . وعليه نقول : لا شكّ أنّ استصحاب الرطوبة المسْرِيَة لا يُثبِتُ السرايةَ ـ لأننا لا نقول بالأصل المثبت أي الأصل الذي يُثبِتُ عناوينَ وجودية ـ أو قُلْ : لا يُثبتُ انتقالَ النجاسةِ إلى الطرف الملاقِي للنجاسة، وذلك لمعلومية لزوم بقاء الرطوبة المسرية في انتقال النجاسة، وإثباتُ السراية هو أثر وجودي ـ لا سلبي ـ فلا يَثبُتُ بالإستصحاب .
فإن قلتَ : بل نستصحبُ بقاء الرطوبة المسرية، ونحن نعلم بالملاقاة، فيثبت تكويناً وبالوجدان انتقال النجاسة إلى الطرف الآخر، وانتقالُ النجاسة حكمٌ شرعي وضعيّ .
قلتُ : إنتقالُ النجاسة ليس حكماً شرعياً، وإنما الحكم الشرعي هي نفس النجاسة، على أننا نشكّك في كون الأحكام الوضعية أحكاماً شرعية، وإنما هي موضوعاتٌ لأحكامٍ شرعية . فيصعب أو قُلْ يَبعد صحّةُ استصحاب بقاء الرطوبة المسرية ليترتّب على بقاء الرطوبة المسرية إنتقالُ النجاسة إلى الطرف الآخر، ومع الشكّ لا يصحّ التمسّك بهذا الإستصحاب، وذلك لعدم العلم بالتعبّد بالبناء على نجاسة الطرف الآخر، بل يجب استصحابُ طهارةِ الطرفِ الآخر فقط بلا معارض .
وبتعبير آخر : إستصحابُ بقاءِ الرطوبة المسرية غير معلوم، واستصحابُ طهارة الطرف الآخر معلوم، فلا ينبغي أن نقول بالتساقط، وإنما نأخذ بالمعلوم ونترك المشكوك، كما هو الأصل في التعبّديّات، بل حتى لو قلتَ بالتساقط، فإنك يجب أن ترجع إلى قاعدة طهارة الطرف الآخر .
ولذلك كان ما ذكره في المتن صحيحاً، وهو أنّ الأحوط إستحباباً اعتبار الطرف الملاقي نجساً، أي لا يجب الإحتياط في ذلك .

ملاحظةٌ : اللزوجةُ غيرُ الرطوبةِ المسرية، فلو كان في الطرف الطاهر لزوجةٌ كالزئبق، فلامس شيئاً نجساً، فإنه يجب البناءُ على بقاء طهارة الزئبق، وذلك لعدم معلومية انتقال النجاسة إليه .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo