< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/05/16

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: بعض أحكام المسجد

مسألة 7 : لو توقف تطهير المسجد على حفر أرضه جاز بل وجب، وكذا لو توقف على تخريب شيء منه، ولا يجب طَمُّ الحُفَرِ وتعميرُ الخراب إن كان التصرّف بحقّ، نعم لو كان مثل الآجر مما يمكن ردُّهُ بعد التطهير وجب الردّ .

سبق وقلنا بوجوب تطهير بيوت الله جلّ وعلا، وعليه فتجب مقدّمات ذلك بلا شكّ، حتى وإن استلزم حفرَ الأرض ـ كما كان في الزمان السابق ـ وهذا لا يصدق عليه أنه تخريب للمسجد، وإنما هو مقدّمةٌ لإصلاحه، كما هو الحال في تخريب المسجد لتوسعته مثلاً أو لإحداث باب له ونحو ذلك ممّا فيه صلاح المسجد . ولك أن تقول يجوز ذلك لغلبة المصلحة على مفسدة التخريب . إذن يجب أن يُدرَس الحالُ : هل أنّ المصلحة أهمّ من مفسدة التخريب أم لا، فإن كانت المصلحة أهمّ جاز بل قد يجب أحياناً، خاصةً إذا وُجِدَ الباذل للتصليح فيجوز الحفر ح بلا أيّ مانع، وذلك لأهميّة إزالة النجاسة على مفسدة الحفر لوقت قصير، وخاصّةً إذا كانوا يريدون تحسينَ الوضع عمّا كان عليه . ولا شكّ في فائدة الرجوع إلى قاعدة البراءة في التخريب للإصلاح في بعض حالات الشكّ .
وأمّا إن كانت المفسدة أشدّ من المصلحة لم يجز، وح يجب الإقتصار على أقلّ قدر ممكن من التخريب لأجل إزالة النجاسة، كما لو فرضنا إمكان طمّ النجاسة من دون تخريب المسجد، أو كان يمكن الحفر قليلاً والتطهير بحيث لا يفسد إلاّ الشيء اليسير ثم يُصلح فوراً .
إذن المسألة مسألة تزاحم في الملاكات، فهي إذن مسألة عقلية محضة، فمثلاً إن لم يُعرَف الأهمّ وجب العمل بالظنّ، فما يُظنّ أهميّتُه يُعمل على أساسه وهكذا، إذن فالنظر دائماً إلى لزوم تقديم مصلحة المسجد .
لأنه تكليف آخر لا دليل عليه، لا بل هذا التكليف هو عبارةٌ عن الضمان، والأصل في هكذا حالة عدمُه .
توضيح ذلك : لو توقّف إنقاذُ الناس من حريق بيتهم على تدمير بعض حيطان البيت وجب ذلك، ولكن لا يجب ـ عقلاً وبالإجماع ـ إصلاحُ بيتهم وضمان ما خرّبوه، لأنهم إنما خرّبوا بيتَهم لإنقاذهم، فينبغي أن يشكر أهلُ البيت المنقِذين على ذلك، لا أن يضمّنوهم إصلاحَ الحائط !! يقول الله تعالى[ مَا عَلَى المُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ ][1]، وهذا يُعَدُّ شرعاً من الاُمور الحسبية التي يحتسب فيها المنقذُ عَمَلَه في سبيل الله ويكون أجْرُه فيها على الله تعالى . ولك أن تقول : هناك إذن من الشارع المقدّس في هكذا حالات في تخريب المسجد لإصلاحه، ولكن لم يثبت ـ بل يبعد جداً ـ وجوب الإصلاح بعد ذلك، بل لم يثبت هكذا تكليف آخر، وإن كان يحسن جداً، وللمصلح أجر عظيم . كما كان الأمر فيمن هدم الحائط لإنقاذ الناس المتواجدين فيه، بل هناك وجوب عقلي وشرعي من قِبَلِ اللهِ تبارك وتعالى في هذا التخريب، كما يجب لمس المرأة الأجنبية إذا توقّف إنقاذها على ذلك، وهكذا الحال في الطبيب ... لكنك تعلم أنّ الضرورات تقدّر بقدرها، فلو زاد التخريب عن مقدار الضرورة لا شكّ في ضمان الزائد، أي يجب على المخرّب الإصلاحُ فوراً .
ثم لو فرضنا أنهم أخرجوا السجّاد ـ مثلاً ـ من المسجد لتطهيره، فإنه يجب عقلاً على القادرين ردّه إليه ـ بنحو الوجوب الكفائي ـ لأنه وقف لهذا المسجد .

مسألة 8 : إذا تنجس حصيرُ المسجد أو سجّادُه وجب تطهيرُه لأنه من المسجد، أو لوحدة المناط بينه وبين نفس المسجد، أمّا لو كانت بعض الآلات المتنجّسة غير دخيلة عرفاً في عنوان المسجديّة ولم تكن نجاستها في معرض السريان، ولا تضرّ نجاستُها المسجدَ بحال ولا تورث الهتك له، فإنّ إبقاءها على النجاسة جائز بلا شكّ، كما لو فرضنا أن باطن الخزانة كانت متنجّسة، ولم تكن النجاسة في معرض السريان .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سبق وقلنا قبل قليل إنّ أعظم أمكنة الدنيا شرفاً وأقدس ما فيها هي مساجد الله، وهي أماكن عبادة الله تعالى .. ولا يُحتمَل جوازُ تنجيس المساجد أو حُصُرِه وسجّاده أو جواز إبقائها على النجاسة، وذلك لوحدة المناط بين المسجد والحصير عقلاً أو عرفاً، ولشدّة قبح ذلك وشدّةِ قبْحِ ما قد يترتّب على ذلك من مفاسد عظيمة من سريان النجاسة إلى أماكن اُخرى في المسجد وقد تسري إلى بعض المصلّين أيضاً، حتى تخرج عن أهليّة أن تكون مكاناً للصلاة والعبادة، بل قد تصل إلى حال ينفر منها الناس ـ فضلاً عن المؤمنين ـ لشدّة نجاستها، وبأدنى تأمّل يحكم العقلُ الصافي بوجوب المحافظة على طهارة سجّاد بيوت الله قطعاً .
وذكرنا أيضاً قول الله تعالى[وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ][2] وهي واضحة فيما نريد، بعد عدم وجود فرق في أصل المسجدية بين المسجد الحرام وسائر بيوت الله ومراكز عبادته وحصير المساجد وسَجّادها، ويقول تعالى[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا المَسْجِدَ الحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ..][3] وذلك بتقريب أنّ الآية الكريمة تدلّ ـ بعد وضوح عدم الفرق بين المسجد الحرام وسائر مساجد الله تبارك وتعالى إلاّ بالأشرفية ـ على لزوم المحافظة على الطهارة المعنوية للمساجد وهذا يشمل سجّاده أيضاً، وأيضاً لاحِظْ صحيحةَ أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر(عليه السلام)أنه قال ـ بعد حديث طويل ـ : ( .. فأوحى الله تعالى إلى نبيه أنْ طَهِّرْ مسجدَك .. )[4] وما رواه أصحابنا في كتب الإستدلال عن النبيّ (ص) أنه قال : ( جَنِّبُوا مساجِدَكُم النجاسةَ[5] أي بما فيها من نجاسات على الفَرْش ـ أي السجّاد والحُصُر ـ وغيرها، وكلّها واضحة في وحدة المناط عقلاً أو عرفاً بين المسجد وحصيره وسجّاده، لا بل لك أن تقول بأنّ السجّاد ـ بنظر العرف ـ من المساجد موضوعاً أيضاً، وذلك لأنّه إنما يصلّي عليه، فهو جزؤه قطعاً، بل أهمّ أجزائه وإن كان منقولاً، ولذلك ترى الكثير تبنَّوا وجوبَ تطهيرِ آلات المساجد، بل لم يُنقَل فيه خلافٌ، بل عن مجمع البرهان والمدارك ما يُشعِرُ بالإتفاق على ذلك .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo