< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/06/09

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: أحكام تنجيس المصحف

مسألة 27 : تنجيسُ مصحفِ الغَير مُوجِبٌ لضمانه بحسب العَدْل، أي يَضمَنُ المنجّسُ مقدارَ الإضرار، بمعنى أنه إن احتاج تطهيرُه إلى اُجرةٍ وجب على مسبّب النجاسة دفْعُها، وأمّا لو سقط المصحف عن كماله وجماله المهمّ بنظر صاحبه وبنظر العقلاء فإن رَضِيَ صاحبُ المصحفِ بالأرش ـ أي فرْق القيمة ـ فبها، وإن لم يَرْضَ بالأرش فعلى المنجّس مثلُه .

لو فُرِضَ أنّ تطهير القرآن الكريم اَوجب عَيباً فيه لا يحتمله صاحب القرآن، وكان عدمُ تحمّلِهِ مقبولاً عند العقلاء، فح يجب على مسبّب النجاسة أن يجلب له مصحفاً مثله، وذلك لأنه مقتضى الضمان والعدل عقلاً، ومن الضرر على صاحب القرآن الكريم أن يعطَى فرقَ المالية والقيمة في حال صار المصحف فاقداً لجماله وكماله .
نعم قد لا يرى العقلاء أيّ مشكلة في ضمان الأرش فقط، وذلك كما لو أمكن تصليح ما فسد من المصحف الشريف بحيث يرجع إلى عين ما كان عليه، في هكذا حالة يضمنُ المسبّبُ مقدارَ الخسارة فقط، وذلك من قبيل تطهير الثياب، فإذا نجّس شخص ثياب شخص آخر وأمكن تطهيرها من دون أن يطرأ أيّ خسارة على الثوب فإنّ الضامن يضمن التطهير فقط، ولا يضمن مثل الثوب أو قيمته، وهذه اُمور واضحة عقلاً وعقلائياً .
ولو فرضنا أنّ شخصاً رَمَى آخَرَ في البالوعة واحتاج إنقاذُه إلى خبراء واُجرة، وبالفعل صُرِفَت عليه الأجرة واحتسبها الدافعُ دَيناً على الملقِي، لصارت الاُجرةُ فِعلاً دَيناً على الملقِي، لأنه كان السبب، وكان الدافع للاُجرة محسناً، فلا يكلّف شيئاً .
وكذا لو حبس الظالمُ شخصاً في دارٍ واَقفَلَ عليه وذهب، واحتاج إنقاذه إلى تكسير الحائط مثلاً، فتبرّع أحدهم باُجرة هدم الحائط لإنقاذه، واحتسب ذلك دَيناً على الظالم، لصارت الاُجرة فعلاً دَيناً في عُهدة الظالم، وذلك لأنه واقعاً هو السبب الحقيقي للهدم.
وأمّا لو نجّس الشخصُ مِصحَفَ نفْسِه، ولم يطهّرْه، لوجب على الآخرين أن يطهّروه . ولو فُرِضَ أنه احتاج في تطهيره إلى اُجرة لما وجب على المنجّس أن يدفع، لأنه لم يَطلب من المطهّر التطهير، وإنما المطهِّرُ طهّره للوجوب الشرعي فقط لا غير، فالأجر للمطهّر يكون من عند الله، لا من عند المنجّس .
وهنا تبرز مشكلة وهي : إنّنا لم نضمّنْ صاحبَ المصحفِ كلفةَ التطهير ـ لو فرضنا أنّ شخصاً آخر قد تكلّف اُجرةً على تطهير المصحف الذي نجّسه صاحبُه ـ وكان دليلُنا هو أنّ السبب في وجوب التطهير هو المولى تعالى، وليس نفس النجاسة، فإذن يجب أن تكون الاُجرة على الله تعالى ـ لأنّ الله تعالى هو الجزء المتمّمُ للعلّة في إيجاب التطهير ـ لا على مَن نجّسَ مصحفَ نفسِه، لأنّ المنجِّسَ لمصحف نفسه لم يكن العلّةَ التامّةَ لوجوب التطهير، فلِمَ لَمْ تُضَمّنْ صاحبَ المصحف في حالة ما لو نجّس مصحفَه، وضمّنت المنجّسَ لمصحف غيره اُجرةَ التطهير ؟! مع أنّ جزء العلّة لوجوب التطهير هو هنا أيضاً الله تعالى ! ما الفرق بين الحالتين ؟!
الجواب : هو أنّ مصحف الشخص هو صاحبه، وهو نجّسه، وهو لم يطلب من المؤمن تطهيره، لكن المؤمن حينما وجد أنّ صاحب المصحف لا يطهّر مصحف نفسه، وكان الواجب الشرعي هو تطهيره حتى ولو قصّر صاحب المصحف، كان الواجب من قبل الله عزّ وجلّ أن يطهّره كلّ قادر على ذلك، لدفع الهتك والمهانة عن كتاب الله المجيد، فهو لم يعمل شيئاً خدمةً لصاحب المصحف، بل قد يكون صاحب المصحف فاسقاً أو كافراً، وقد تعمّد في التنجيس، فلا وجه لضمان ما تكلّفه المؤمن في تطهير المصحف .
أمّا لو نجّس الشخصُ مِصحفَ غيرِه ـ لا مصحف نفسه ـ فهو قد اعتدى على مصحف غيره، فلصاحب المصحف أن يقول له إنك قد أوقعتني في صرف المال الفلاني لتطهيره، فكان اللازم أن تسأل هل يتوجّب على تنجيسه شيء أم لا ثم تفعل، فالجهل بالقوانين الإلهية أو الوضعية لا ترفع الضمان على الفاعل، فيَضْمَنُ المنجّسُ حتى وإن كان من أوجب تطهير المصحف هو الله .
وكذا لو كان الواجب في القانون الوضعي أن تقف السيارةُ على الإشارة الحمراء، لكنْ كان لا بدّ من قطعها لأنّ سائق السيارة الخلفية كان سكراناً مثلاً فاضطرّ صاحب السيارة الأمامية أن يهرب منه، فقطع الإشارة الحمراء، فترتّب عليه جريمة مالية معيّنة، فعلى السكران أن يدفع هذه الجريمة، لأنه هو السبب التامّ بنظر العرف، وليس السكران جزء السبب، وكان اللازم أن يسأل أنه ماذا يترتّب على هذا الفعل قانونياً .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo