< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/07/13

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: الكلام في بيع الخنزير والخمر
وكذلك الكلام في بيع الخنزير،
فقد روى (1) في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد(بن عيسى) عن حريز عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام)في رجل كان له على رجل دراهم فباع خمراً وخنازير وهو ينظر فقضاه ؟ فقال : ( لا بأس به، أما للمقتضي فحلال، وأما للبايع فحرام ) صحيحة السند، ورواها في يب بإسناده عن الحسين بن سعيد عن صفوان وفضالة عن العلا عن محمد بن مسلم، وعن حماد عن حريز عن محمد بن مسلم، وهي تعني أنّ البيع حرام تكليفاً، لا وضعاً، وذلك للتصريح بصحّة البيع، وقوله ـ في السؤال ـ "رجل" مطلق، يشمل المسلم والكافر .
(2) وفي يب عن الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن (عمر)ابن أذينة عن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام)في الرجل يكون لي عليه الدراهم فيبيع بها خمراً وخنزيراً ثم يقضي منها ؟ قال : ( لا بأس )، أو قال : ( خُذْها ) صحيحة السند، وهي تفيد صحّة البيع حتى ولو كان البائع مسلماً .
(3) وفي يب أيضاً بإسناده عن الحسين بن سعيد عن القاسم بن محمد(الجوهري واقفي)[1] عن محمد بن يحيى الخثعمي قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام)عن الرجل يكون لنا عليه الدين فيبيع الخمر والخنازير فيقضينا ؟ فقال : (فلا بأس به، ليس عليك من ذلك شيء )، ويمكن تصحيح السند من باب أنّ الخثعمي يروي عنه ابنُ أبي عمير كتابَه ويروي عنه في الفقيه مباشرةً، وهي كسابقاتها في الدلالة .
(4) وأيضاً في يب عن الحسين بن سعيد عن عبد الله بن بحر(كوفي ضعيف مرتفع القول ط جواد) عن (عبد الله)ابن مسكان(فقيه ثقة) عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام)عن الرجل يكون له على الرجل مال فيبيع بين يديه خمراً وخنازير يأخذ ثمنه ؟ قال : ( لا بأس ) ضعيفة السند، وهي أيضاً كسابقاتها في الدلالة .
(5) وروى عبد الله بن جعفر في قرب الإسناد قال : حدّثنا عبد الله بن الحسن العلوي عن جده علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهم السلام) قال : سألته عن رجلين نصرانيين باع أحدهما خمراً أو خنزير إلى أجل، فأسلما قبل أن يقبضا الثمن، هل يحلُّ له ثمنُه بعد الإسلام ؟ قال : (إنما له الثمن، فلا بأس أن يأخذه)[2]، ورواها علي بن جعفر في كتابه .
(6) وروى في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن (عبد الرحمن)ابن أبي نجران عن بعض أصحابنا عن الرضا قال : سألته عن نصراني أسلم وعنده خمر وخنازير، وعليه دَين، هل يبيع خمره وخنازيره، ويقضي دَينه ؟ قال : ( لا )[3]، وعنه عن أبيه عن ابن أبي نجران عن محمد بن سنان عن معاوية بن سعيد(مجهول، وفي نسخة : معاوية بن سعد وهو مهمل) عن الرضا (عليه السلام) مثله، ضعيفة السند .
و(7) في الكافي أيضاً عن علي بن ابراهيم عن أبيه عن إسماعيل بن مَرّار(مهمل) عن يونس(بن عبد الرحمن) في مجوسي باع خمراً أو خنازير إلى أجل مسمى ثم أسلم قبل أن يحل المال ؟ قال : ( له دراهمه )، وقال : أسلم رجل وله خمر أو خنازير ثم مات وهي في ملكه وعليه دين ؟ قال : ( يبيع دُيّانُه أو ولِيٌّ له غير مسلم خمرَه وخنازيره ويقضي دَينَه، وليس له أن يبيعه وهو حي ولا يمسكه )[4] ضعيفة السند، ورواها الشيخ باسناده عن علي بن إبراهيم .
(8) وأيضاً في الكافي عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد(بن خالد) عن (الحسن بن علي) ابن فضّال(ثقة فقيه قال بالحق قبيل موته)[5] عن يونس بن يعقوب عن منصور قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): لي على رجل ذميّ دراهم فيبيع الخمر والخنزير وأنا حاضر، فيَحِلُّ لي أخْذُها ؟ فقال : ( إنما لك عليه دراهم فقضاك دراهمك )، وهي تعني وضوح أنّ الله تعالى لا يحب لعباده المسلمين أن يتاجروا بالخمر والخنازير .

ولم أجد غير هذه الروايات تتعرض لحكم بيع الخنزير، هذا على فرض أنّ الرواية السابعة هي عن المعصوم عليهم سلام الله .
وإنك ترى باُمّ العين الصحاح الاُولى والثانية والثالثة والضعيفة الرابعة تصرّح بصحّة البيع ـ رغم حرمته تكليفاً ـ وهذا يوافق العقل تماماً، نعم لا يجوز بيع الخنازير للمسلمين قطعاً، ولا بأس ببيعها لغير المسلمين، وذلك لعدم احترام مال الكافرين، وهو لا يخالف العهد معهم ـ لو كان بيننا وبينهم عهد وميثاق ـ وذلك كما يحلّ أكل مال الربا منهم، وبيعُنا لهم ذلك لا يدخل في المنكر من أيّ جهة ولا يقتضي الفساد . ويظهر من مجموع الروايات أنّ الشارع المقدّس لا يرضى منّا أن نتاجر بالكلاب أو الخنازير ونحو ذلك، إلاّ أنّ هذا لا ينافي جواز بيع الكافرين ذلك إنْ وُجِدَ مع المسلمين كلاب أو خنازير .

وكذلك الكلام في بيع الخمر،
لا شكّ في مبغوضية بيع الخمر في بلاد الإسلام لما يترتّب عليه من مفاسد لا تحصَى، يقول الله تعالى[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ (91)][6]، لكنْ كلامُنا في غير حالة الإفساد، كما لو اشتراه لإتلافه وإفساده، فإنه يجب أن يكون جائزاً، بل مطلوباً، فقد روى (1) في يب بإسناده عن الحسين بن سعيد عن محمد بن أبي عمير وعلي بن حديد جميعاً عن جميل قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): يكون لي على الرجل الدراهم فيعطيني بها خمراً ؟ فقال : ( خُذْها ثم اَفْسِدْها ) قال علِيّ(بن حديد) : ( واجعلْها خلاًّ )[7] صحيحة السند . وقولُ السائل (.. فيعطيني بها خمراً ) صريحٌ في البدلية، وهي طريقة اُخرى للبيع، فأجابه الإمام (عليه السلام)( خُذْها ثم اَفْسِدْها ) وهو صريح أيضاً في صحّة هذا البيع، وهذا موافق للعقل، إذ أنه لا وجه لبطلان البيع إلاّ إذا كان يترتّب عليه فساد، فإن كان سيترتّب على هذا البيع أمْرٌ حسَنٌ شرعاً وعقلاً فيجب أن يصحّ البيع .
و (2) وروى محمد بن إدريس في ( آخر السرائر ) نقلاً من جامع البزنطي عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام)أنه سئل عن الخمر تعالج بالملح وغيره لتحول خلاًّ قال : ( لا بأس بمعالجتها )، قلت : فإنّي عالجتها وطيَّنْتُ رأسَها ثم كشفْتُ عنها فنظرْتُ إليها قبل الوقت فوجدتُها خمراً ! أيَحِلُّ لي إمساكُها ؟ قال : ( لا بأس بذلك، إنما إرادتُك أن يتحول الخمر خلاًّ، وليس إرادتك الفساد )[8] .
و(3) روى في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى عن حريز عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام)في رجل تَرَكَ غلاماً له في كرم له يبيعه عنباً أو عصيراً، فانطلق الغلام فعصر خمراً ثم باعه، قال : (لا يصلح ثمنه ) ثم قال : ( إنّ رجلاً من ثقيف أهدى إلى رسول الله (ص) راويتين من خمر، فأمر بهما رسول الله (ص) فأهريقتا، وقال : إن الذي حرم شربها حرم ثمنها )، ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): ( ان أفضل خصال هذه التي باعها الغلام أن يُتصدق بثمنها )[9] ورواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن حمّاد بن عيسى عن حريز عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وعن صفوان وفضالة عن العلا عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليهم السلام) مثله، وهي صحيحة السند .
و(4) أيضاً في الكافي عن الحسين بن محمد(بن عامر الأشعري) عن مُعَلَّى بن محمد عن الحسن بن علي(بن زياد)الوشّاء(فقيه من فقهاء هذه الطائفة وعين من أعيانها) عن أبان(بن عثمان الأحمر ثقة ناووسيّ) عن أبي أيوب(الخزّاز ثقة كبير المنزلة، إسمُه ابراهيم بن عثمان أو ابن عيسى) قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجلٌ أمَرَ غلامَه أن يبيع كرمَه عصيراً، فباعه خمراً، ثم أتاه بثمنه، فقال : ( إنّ أحبَّ الأشياءِ إلَيَّ أن يُتصدق بثمنه )[10]، ومعلّى بن محمد يروي عنه في الفقيه مباشرة، فهو إذن من أصحاب الكتب التي إليها مرجع الشيعة وعليها معوّلهم، ولذلك فهي معتبرة السند، والرواية صريحة في كراهية تملّك الثمن، فهي إذن صريحةٌ في صحّة البيع، وذلك لما تعرفه من أنه لا صدقة إلاّ في ملك، إذن يصحّ البيع .
وقد يُستشكل في بعض ما ذكرناه بما رواه في العوالي قال : وقال صلى الله عليه وآله : ( إنّ الله إذا حَرَّمَ شيئاً حَرَّمَ ثَمَنَهُ )[11] وهذه الرواية لا تفيدنا شيئاً لشدّة إرسالها، أو قُلْ لِعَدم وجود سند لها في كتبنا أصلاً، والظاهر قوياً أنّ رواتها هم العامّة لأنهم رووها في كتبهم كثيراً .
وأيضاً روى في دعائم الإسلام قال : وعن جعفر بن محمد (عليهم السلام)أنه قال : ( الحلال من البيوع كل ما هو حلال من المأكول والمشروب وغير ذلك مما هو قوام للناس وصلاح ومباح لهم الإنتفاع به، وما كان محرماً أصلُه، منهيّاً عنه، لم يَجُزْ بيعُه ولا شراؤه )[12]، وهذا من قول جعفر بن محمد صلى الله عليه وآله قول جامع لهذا المعنى"(إنتهى الدعائم)، وهي أيضاً لا تفيدنا لإرسالها، إضافةً إلى أننا نحن أيضاً نقول بحرمة بيع الخمر ونحوه، ولكن ليس كلامنا في الجواز والحرمة، وإنما كلامنا في صحّة البيع وفساده .



[1] ثقة لرواية صفوان وابن أبي عمير عنه بأسانيد صحيحة .
[5] ويحتمل ضعيفاً أن يكون أحمد بن الحسن بن علي بن محمد بن فضّال وهو ثقة فطحيّ . .
[11] جامع أحاديث الشيعة 17 ب 12 من أبواب ما يُكتسَبُ به ح 13 ص 175 ..
[12] دعائم الإسلام ج 2 ب 2 في ذِكْرِ ما نُهِيَ عنه ص 19 ..

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo