< قائمة الدروس

بحوث الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/08/04

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: إن التفَتَ إلى النجاسة في أثناء الصلاة

أمّا إن التفَتَ إلى النجاسة في أثناء الصلاة، فحالات :
1 ـ إن عَلِمَ سبْقَها وأن بعض صلاته وقع مع النجاسة وجب عليه إلقاءُ ثوبه إن كان عليه ما يستر عورته، ويكمل صلاتَه ولا شيء عليه، وهذا هو المشهور بين فقهائنا، وهو الصحيح . هذا، وذهب جماعةٌ من فقهائنا إلى بطلان صلاته .
دليلُ المشهور : الجمع بين الروايات، لاحِظ أوّلاً رواياتِ الرُعاف :
1 ـ ما رواه في الفقيه بإسناده الصحيح عن عمر بن أذينة عن أبي عبد الله (عليه السلام)أنه سأله عن الرجل يرعف وهو في الصلاة وقد صَلَّى بعضَ صلاته ؟ فقال : ( إن كان الماء عن يمينه أو عن شماله أو عن خلفه فليغسله من غير أن يلتفت ولْيَبْنِ على صلاته، فإن لم يجد الماء حتى يلتفت فليعد الصلاة )صحيحة السند .
2 ـ وما رواه في الكافي عن الحسين بن محمد(بن عامر) عن (عمّه)عبد الله بن عامر(بن عمران ثقة وجه) عن علي بن مهزيار عن فضالة(بن أيوب) عن العلاء بن رزين(ثقة جليل القدر وجه له كتاب) عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل يأخذه الرعاف والقيء في الصلاة كيف يصنع ؟ قال : (ينفتل فيغسل أنفه ويعود في صلاته، وإن تكلم فلْيُعِدْ صلاتَه وليس عليه وضوء ) صحيحة السند .
3 ـ وفي الكافي أيضاً عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حمّاد(بن عثمان) عن (عبيد الله بن علي)الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال : سألته عن الرجل يصيبه الرعاف وهو في الصلاة ؟ فقال : (إن قدر على ماء عنده يميناً وشمالاً أو بين يديه وهو مستقبل القبلة فليغسله عنه ثم لْيُصَلِّ ما بقي من صلاته، وإن لم يقدر على ماء حتى ينصرف بوجهه أو يتكلم فقد قطع صلاته )([1]) صحيحة السند .
وهذه الروايات صريحة في عدم بطلان الصلاة بمجرّد حصول النجاسة، وإنما يطهّر ثوبَه، أو يخلعه إن كان عليه أكثرُ مِن ثوبٍ يستره، ويجفّف أنفَه، ( ويحشو أنفه بشيء ) كما في صحيحة حمّاد عن الحلبي، وذلك لعدم انقطاع الدم عادةً في نفس اللحظة . المهم هو أنه لا وجه لبطلانِ صلاتِه طالما صلّى بطهارةٍ كلّ صلاته، بقيت بقيّةُ الأجزاء، فيخلع ثوبه ويصلّي بقيّةَ صلاته بطهارة .
فإن قلتَ : فإنْ صلّى بنجاسةٍ بعضَ صلاتِه ولو عن جهل بالنجاسة ؟
قلتُ : لا يضرُّه ذلك، وذلك لما رويناه قبل قليل عن التهذيبين بإسناده عن الحسين بن سعيد عن حماد(بن عيسى) عن حريز عن زرارة قال قلت له : أصاب ثوبي دم رعاف أو شيء من مَنِيّ .. ـ إلى أن قال ـ : قلت : فإنّي قد عَلِمْتُ أنه قد أصابه ولم أدْرِ أين هو فأغسله ؟ قال : (تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أنه أصابها حتى تكون على يقين من طهارته )، قال قلت : هل علَيَّ إن شككتُ في أنه أصابه شيءٌ أن أنظر فيه فاُقَلِّبُهُ ؟ قال : (لا، ولكنك إنما تريد بذلك أن تُذْهِبَ الشكَّ الذي وقع في نفسك )، قال قلتُ : إن رأيتُه في ثوبي وأنا في الصلاة ـ يقصد أنه صلّى في النجاسة بعضَ صلاته ـ ؟ قال : ( تنقض الصلاة وتعيد، إذا شككتَ في موضعٍ منه ثم رأيتَه، وإن لم تشك ثم رأيتَه رطباً قطعتَ وغسلته ثم بنيت على الصلاة، لأنك لا تدري لَعَلَّهُ شيءٌ اُوقِعَ عليك ـ أي ولو في بدايات الصلاة ـ فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك أبداً )([2])، ورواها الصدوق في العلل عن أبيه عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام)مثله، وكلا السندين صحيح، وهي واضحةٌ في ادّعائنا .
فإن قلتَ : لكن ورد في الكافي عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس بن عبد الرحمن عن (عبد الله)ابن مسكان(من أصحاب الإجماع) عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل صلَّى في ثوب فيه جنابة ركعتين ثم علم به ؟ قال : ( عليه أن يبتدي الصلاة )، قال : وسألته عن رجل يصلي وفي ثوبه جنابة أو دم حتى فرغ من صلاته ثم علم، قال : ( مضت صلاته ولا شيء عليه ) صحيحة السند، وهي تفيد بطلانَ الصلاة !
قلتُ : نعم، هذا صحيح، لكن مقتضى شهرة روايات عدم بطلان الصلاة أن نأخذ بها، وأن لا نأخذ بهذه الرواية الشاذّة .
وأمّا ما رويناه قبل قليل عن الكافي عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن العلاء(بن رزين) عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال : سألته عن الرجل يرى في ثوب أخيه دماً وهو يُصَلّي ؟ قال : (لا يُؤْذِنُهُ حتى ينصرفَ )([3]) صحيحة السند، فلا تنفعنا هنا ولا تضرّنا، وذلك لما رواه في الكافي أيضاً عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حَمّاد(بن عيسى) عن حريز عن محمد بن مسلم أيضاً قال قلت له : الدم يكون في الثوب علَيَّ وأنا في الصلاة ؟ قال : ( إنْ رأيتَه وعليك ثوبٌ غيرُه فاطرَحْه وصَلَّ في غيره، وإن لم يكن عليك ثوبٌ غيرُه فامْضِ في صلاتك ولا إعادةَ عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم، وما كان أقل من ذلك فليس بشيء، رأيته قبلُ أو لم تَرَهُ، وإذا كنت قد رأيتَه وهو أكثر من مقدار الدرهم فضيعت غسله وصليت فيه صلاةً كثيرة فاَعِدْ ما صَلَّيْتَ فيه )([4]) صحيحة السند، ورواها الصدوق بإسناده عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام)، وذلك لأنّ مقتضى الجمع بينهما هو أنه : لا يجب عليك أن تُعْلِمَهُ بالنجاسة، لكن إنْ عَلِمَ بالنجاسة ـ ولو بإعلامك أنت ـ فعليه أن يَخلع رداءَه المتنجّس فوراً، طبعاً إن كان يلبس لباساً غيرَه ساتراً للعورة .
وما ذكرناه مِن جمعٍ بين الروايات هو المشهور بين علمائنا وقد أفتوا به، وهو أمر ينسجم جداً مع الحكم بصحّة صلاة مَن صلّى في ثوبٍ نجسٍ جاهلاً بنجاسته حتى فرغ من الصلاة ثم علم بنجاسته .
لكنْ مع ذلك يبقى في النفس شيءٌ وهو أنّ الروايتين السابقتين في محلّ البيان والعمل، فكيف لم يذكر الإمامُ (عليه السلام) فيهما وجوبَ أن يُلقيَ الشخصُ ثوبَه المتنجّس، مع أنّ الغالب جداً إمكان ذلك ووجودُ أكثر من ثوب عليه ؟!! وثانياً : إنّ صحيحة ابن مسلم الثانية تعارض صحيحة زرارة السابقة التي تصرّح بأنّ علّة عدم الإعادة هي احتمال أن تكون النجاسة قد وقعت في هذه الدقيقة الأخيرة ! ومعنى ذلك أنه لو كان عالماً بأنّ النجاسة قد وقعت سابقاً فيجب أن تكون صلاته باطلةً ويجب إعادتها .
وجواب هذا الإشكال هو وجود بعض إجمال في صحيحة زرارة، فلا بدّ من الجمع بين الروايات وذلك إمّا بأن پ بناءً على صحيحة زرارة ـ : إنْ حصلت النجاسة أثناء الصلاة ألقى ثوبه أو طهّره، وأمّا إنْ عَلِمَ أنها كانت قبل الصلاة فقد بطلت صلاتُه، وإمّا أن نقول : إنْ كان عليه أكثرُ من ثوب وأمكن إلقاء الثوب المتنجّس ويبقى عليه ثوب يستر عورته وجب عليه ذلك، ولا شكّ في أنّ الوجه الثاني هو الأقرب، ويؤيّده أصالةُ عدمِ تقيّد الصلاة بالطهارة في كلّ جزء جزء من الصلاة .
إضافةً إلى أنّ مَن صلّى كلّ صلاته بالنجاسة جاهلاً بها تكون صلاته صحيحةً بالإجماع، فكيف بمن صلّى بالنجاسة بعض صلاته جاهلاً بالنجاسة ثم أثناء الصلاة علم بها، فكيف لا ينبغي أن تكون صلاته صحيحة ؟! بل بالأولويّة يجب أن تكون صلاته صحيحة، لكن بشرط أن يلقي ثوبَه فوراً، ثم يتابع صلاته، فتكون روايات إلقاء الثوب أو تطهيره داعمةً لما ندّعي، على أنّ لك أن تدعم مقالتنا بجريان البراءة عن تقييد الصلاة بأن تكون كلّها عن طهارةٍ، ولا دليل على ذلك في حال الجهل . وكذلك يجري نفس هذا الكلام في الآنات المتخلّلة بين علمه بالنجاسة وبين إلقاء ثوبه، ولكن الأحوط وجوباً أن يعيد الأذكار التي ذكرها في هذه الآنات، لتقع بقيّةُ صلاته ـ بعد العلم بالنجاسة ـ عن طهارة .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo