< قائمة الدروس

بحوث الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/08/06

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: فَصْلٌ في [ الصلاة في النجس ]
إذا صلَّى في النجس فإن كان عن علم وعمد بطلت صلاته، وأمّا إن كان عن جهل بالنجاسة جهلاً حُكْميّاً بأن لم يعلم أن حكم الموضوع الكلّي للشيء الفلاني نجس شرعاً، أو عن جهل بشرطية الطهارة للصلاة فصَلاتُه صحيحةٌ ولا إعادةَ عليه. وأمّا إذا كان جاهلاً بالموضوع بأن لم يعلم أن ثوبه أو بدنه لاقَى البولَ مثلاً، فإنْ لم يلتفت أصلاً أو التفت بعد الفراغ من الصلاة صحت صلاتُه ولا يجب عليه القضاء ولا الإعادة في الوقت، وكذا إن التفت في أثناء الصلاة، لكن عليه أن يطهّر ثوبَه فوراً على أن لا يأتي بأيّ منافٍ للصلاة، أو ـ إنْ كان عليه ثوبٌ آخر يستُرُ عورتَه ـ يلقي ثوبَه المتنجّس، ويتابع صلاته عن طهارة، سواءً كان في الوقت سعة أو لا .

أمّا إن التفَتَ إلى النجاسة في أثناء الصلاة، فحالات :
الاُولى ـ إن عَلِمَ بالنجاسة أثناء صلاته، سواء علم سبْقَها وأن بعض صلاته وقعت مع النجاسة، أو احتمل حدوثها أثناء الصلاة، وجب عليه إلقاءُ ثوبه إن كان عليه ما يستر عورته، أو يطهّره مع سعة الوقت، من دون حدوثِ مُنافي للصلاة، ويكمل صلاتَه ولا شيء عليه، وهذا هو المشهور بين فقهائنا، وهو الصحيح . هذا، وذهب جماعةٌ من فقهائنا إلى بطلان صلاته .
دليلُ المشهور : الجمع بين الروايات، لاحِظ الروايات التالية :
1 ـ روى في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حَمّاد(بن عيسى) عن حريز عن محمد بن مسلم أيضاً قال قلت له : الدم يكون في الثوب علَيَّ وأنا في الصلاة ـ أي حتى ولو عَلِمَ أنّ الدمَ سابِقٌ على الصلاة ـ ؟ قال : (إنْ رأيتَه وعليك ثوبٌ غيرُه فاطرَحْه وصَلَّ في غيره، وإن لم يكن عليك ثوبٌ غيرُه فامْضِ في صلاتك ولا إعادةَ عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم، وما كان أقل من ذلك فليس بشيء، رأيته قبلُ أو لم تَرَهُ، وإذا كنت قد رأيتَه وهو أكثر من مقدار الدرهم فضيعت غسله وصليت فيه صلاةً كثيرة فاَعِدْ ما صَلَّيْتَ فيه )([1]) صحيحة السند، ورواها الصدوق بإسناده عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام).
ثم هناك روايتان شاذّتان مُعْرَضٌ عنهما، تعارضان ما ذكرنا وتفيدان صحّة الصلاة إن رأى نجاسة أثناء الصلاة بلا حاجةٍ إلى تطهير أو تبديل ! وهما :
روايةُ الشيخ محمد بن إدريس في آخر السرائر نقلاً من كتاب المشيخة للحسن بن محبوب عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال : ( إن رأيتَ في ثوبك دماً وأنت تصَلّي ولم تكن رأيتَه قبل ذلك فأتِمَّ صلاتَك، فإذا انصرفتَ فاغسِلْه )، قال : (وإن كنتَ رأيتَه قبل أن تصلي فلم تغسله ثم رأيتَه بعدُ وأنت في صلاتك فانصرف فاغسله وأعد صلاتك ) مرسلة السند .
ومثلها ما رواه في يب بإسناده الصحيح عن محمد بن علي بن محبوب عن الحسن بن علي(ابن عبد الله بن المغيرة ثقة ثقة له كتاب) عن الحسن بن علي بن فضال عن داود بن سرحان(ثقة له كتاب) عن أبي عبد الله (عليه السلام)في الرجل يُصَلّي فأبصر في ثوبه دماً ؟ قال : (يُتِمّ )([2]) صحيحة السند .
أقول : لا يمكن الأخذُ بهتين الروايتين، وذلك لأنّهما تفيدان أنّ للمصلّي أن يصلّي بالنجاسة ! وهذا ما لا يمكن لفقيهٍ أن يلتزم به .

الحالة الثانيةـ إنْ عَلِمَ سبقها ـ أي أنّ بعض صلاته وقعت مع النجاسة ـ وكان الوقتُ ضيّقاً لا يتّسع لاستئناف الصلاة، فإن أمكن التطهير أو إلقاءُ الثوب وهو في الصلاة من غير لزوم المنافي فليفعل ذلك ويتم وكانت صلاته صحيحة، وهذا واضحّ بيّنٌ على مسلكنا من لزوم إلقاء الثوب أو تطهيره، وذلك مع سعة الوقت، فكيف مع عدم سعة الوقت لاستئناف الصلاة ؟!
وأمّا على مسلك غيرنا من بطلان الصلاة ولزوم استئنافها مع سعة الوقت فنقول : يجب مراعاة الوقت، فمراعاةُ الوقت أهمّ بكثير من مراعاة الطهارة الماديّة، وإلاّ سيخرج وقت الصلاة، وهذا معصية كبيرة واضحة !! أو قُلْ : هذا مقتضى التزاحم في عالم الإمتثال .

وأمّا إن لم يكن عليه ثوبٌ آخر، ولا وقتَ للتطهير فهل يَنْزِعُ ثوبَه ويُصَلّي عرياناً ؟ أم يصلّي بالنجاسة ؟
لا شكّ في تقديم الصلاة بالنجاسة على الصلاة عرياناً، وذلك لغلبة رواياتِ الصلاة بالنجاسة على روايات الصلاة عرياناً عدداً وسنداً ([3])، إضافةً إلى تأييد العقل لها أيضاً، إضافةً إلى ترجيح روايات الصلاة بالنجاسة بصحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام)، فقد روى في يب بإسناده الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال : سألته عن رجل عريان وحضرت الصلاةُ فأصاب ثوباً نصفُه دم أو كُلُّهُ دمٌ، يُصَلّي فيه، أو يُصَلّي عرياناً ؟ قال : ( إن وَجَدَ ماءً غَسَلَه، وإن لم يجد ماءً صَلّى فيه ولم يُصَلِّ عرياناً )([4]) صحيحة السند، ورواها الصدوق بإسناده عن علي بن جعفر، ورواها الحِمْيَري في قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسن عن جَدِّهِ علي بن جعفر مثله، والنهي عن الصلاة عرياناً مرجّح جداً لهذه الطائفة، وسيأتي مزيد كلام في هذا الفرع إن شاء الله .




[1] وسائل الشيعة – الاسلامية – الحر العاملي : ج 2 ب 20 من ابواب النجاسات ح 6 ص 1027 . ورواها الشيخ في يب تحت رقم 736 عن الكليني بنفس سنده عن محمد بن مسلم قال قلت له : الدم يكون في الثوب علَيَّ واَنا في الصلاة قال :إن رأيته وعليك ثوب غيره فاطرحه وصَلِّ، وإن لم يكن عليك ثوب غيره فامض في صلاتك ولا إعادة عليك ـ أقول لم يقل له إذهب وطهّره لأنه كان التطهير في الأيام السابقة فيه تكلّفات وأعمال، والماءُ قليلٌ عادةً وليس جارياً كما في عصرنا هذا .. .ـ . وما لم يَزِدْ على مقدار الدرهم من ذلك فليس بشيء رأيتَه أو لم تَرَهُ، فإذا كنت قد رأيته وهو أكثر من مقدار الدرهم فضيعت غسله ـ أي نسيتَ غَسْلَه ـ وصليت فيه صلاة كثيرة فأعِدْ ما صليت فيه . ورواها في الفقيه هكذا : قال محمد بن مسلم لأبي جعفر عليه السلام : " الدم يكون في الثوب علي وأنا في الصلاة ؟ فقال : "إن رأيته وعليك ثوبٌ غيرُه فاطرحه وصَلِّ في غيره، وإن لم يكن عليك ثوب غيره فامض في صلاتك ولا إعادة عليك ما لم يزد على مقدار درهم، فإن كان أقل من درهم فليس بشيء رأيته أو لم تره، وإذا كنت قد رأيته وهو أكثر من مقدار الدرهم فضيعت غسله وصليت فيه صلوات كثيرة فأعد ما صليت فيه وليس ذلك بمنزلة المني والبول " وهو كما رواه في الكافي وئل والإستبصار وموضع من يب .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo