< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/11/29

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: إذا كان عنده ثوبان يَعلم بنجاسة أحدهما
مسألة 5 : إذا كان عنده ثوبان يَعلم بنجاسة أحدهما فإنّ عليه أنْ يكرّر الصلاة فيهما، وذلك للعلم الإجمالي بنجاسة أحدهما، وللزوم العِلم بأداء الصلاة بالثوب الطاهر، وهو ما يعبّرون عنه بقاعدة (لزوم الفراغ اليقيني عند الإشتغال اليقيني) . ولو فُرِضَ أنّ الوقت كان ضيّقاً بحيث لا يمكن له أن يصلّيَ مرّتين، فإنّ عليه أنْ يُصَلّيَ في أحدهما، ثم الأحوط لزوماً القضاءُ خارجَ الوقت في الثوب الآخر أيضاً (249).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(249) ما ذكرناه واضح عند كلّ الناس لبداهته ولا شكّ فيه، ولك أن تستدلّ أيضاً بما رواه في الفقيه بإسناده الصحيح عن صفوان بن يحيى أنه كتب إلى أبي الحسن (عليه السلام) يسأله عن الرجل معه ثوبان فأصاب أحدَهما بولٌ، ولم يَدْرِ أيّهما هو، وحضرت الصلاة وخاف فوتَها وليس عنده ماء، كيف يصنع ؟ قال : ( يُصَلّي فيهما جميعاً )[1] صحيحة السند، ولا شكّ أنها إرشاد إلى حكم العقل .
فلا وجه ـ بعد وضوح الأمر ـ لما قاله ابنُ إدريس الحلّي من لزوم ترك الصلاة بهما والصلاة عرياناً !! وكذا قال يحيى بنُ سعيد الحلّي فإنه قال (ومَن حصل معه ثوبان أحدُهما متحققُ النجاسة واشتُبِها تجنَّبَهُما، وصلَّى عرياناً ! ورُوِيَ أنه يصَلّي في كل واحد منهما الصلاة، وإنْ صحَّ ذلك حُمِلَ على أنه قد فرض عليه الصلاة مرتين كما يصلي عند التباس القبلةِ الصلاةَ أربعَ مرات) (إنتهى) [2].
أقول : لا وجه لما قالا وذلك لعدم وجوب الوجه والتمييز في الصلاة، وذلك لعدم الدليل على ذلك فالمرجع البراءة، لا، بل مع وجود رواية صحيحة لا يُرجع إلى الأصول العملية، خاصّةً وأنه لا يوجد عنده ثوب ثالثٌ طاهرٌ ليصلّي فيه .
ثم الأحوط لزوماً القضاءُ خارجَ الوقت في الثوب الآخر أيضاً لاحتمال نجاسة ما صلّى فيه وطهارة الثاني، أو قلْ لاحتمال ثبوت الصلاة في ذمّته فعلاً في الثوب الثاني ـ لطهارته واقعاً ـ أثناء وقت الفريضة . وبتعبير ثالث : قد يكون قد صلّى بالثوب الطاهر أثناء وقت الفريضة وقد يكون قد صلّى بالثوب المتنجّس وقد فاتته الصلاة الصحيحة، ففي هكذا حالة يحكم العقل بلزوم الإحتياط وإعادةِ الصلاة خارج الوقت حتى وإنْ قلنا بكون القضاء بأمرٍ جديد، فإنّ المولى تعالى حينما نجَّزَ عليه صلاةً واحدة ضمن الوقت، فإنّه لم يرفع فعليةَ وجوب الصلاة بالثوب الطاهر، ومع عدم العِلم بالإتيان بالصلاة بالثوب الطاهر فإنّ العقل يحكم ـ ولو من باب الإستصحاب ـ بلزوم الإتيان بالصلاة بالثوب الآخر .
* * * * *
مسألة 6 : إذا كان عنده مع الثوبين المشتبهين ثوبٌ طاهر فإنه مخيّر بين أن يصلّي فيهما بالتكرار أو يصلّي بخصوص الثوب المعلوم الطهارة (250).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(250) فإنه لا يجب نيّة الإمتثال التفصيلي، وذلك لعدم الدليل على ذلك، وإنما يكفي الإمتثال الإحتمالي في كلّ صلاة، وليس تكرارُ الصلاة ـ مع إمكان الصلاة بالثوب المعلوم الطهارة ـ عَبَثاً بتكليف المولى تعالى، فإنّ من يصلّي قربةً إلى الله تعالى لا يعبث بتكاليف المولى، وإلاّ لم يصلّ مِنَ الأصل، ولم يقصد القربةَ من الأصل، ولا أقلّ لأصالة البراءة من القيد الزائد المشكوك وهو لزوم التمييز والجزم بالنيّة وقصد الوجه .
* * * * *
مسألة 7 : إذا كانت أطراف الشبهة ثلاثة، أي أنّه يوجد ثوب واحد متنجّس بين ثلاثة أثواب، فإنه في هكذا حالة يكفي تكرار الصلاة في ثوبين، وذلك للعلم ح بوقوع الصلاة في ثوب طاهر قطعاً، وإن علم بنجاسة اثنين فإنه ح يجب الصلاة ثلاث مرات للقطع ح بالإتيان بالصلاة بثوب طاهر، وكذا إن علم بنجاسة ثوبين بين أربعة أثواب فإنه يجب أن يصلّي ثلاثَ مرّات، بثلاثة أثواب . إذن المعيار هو لزوم التكرار إلى حد يُعلم بوقوع إحدى الصلوات في ثوب طاهر(251).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(251) هذا الأمر عقلي محض[3].
* * * * *
مسألة 8 : إذا كان كلٌّ مِن بدنه وثوبه نجساً ولم يكن له من الماء إلا ما يكفي لأحدهما فالأحوط وجوباً تطهيرُ البدن(252)، وكذا إن كانت نجاسة أحدهما أكثر أو أشدّ والآخر أقلّ أو أخفّ فالأحوط وجوباً تطهير الأكثر نجاسة، وكذا الأمر فيما لو اضطرّ إلى الصلاة بأحد ثوبين وكان كلاهما متنجّساً إلاّ أنّ أحدهما أخفّ نجاسةً ـ كالدم ـ والآخر أشدّ نجاسةً ـ كالبول والمنيّ والغائط ـ فإنّ العقل يحكم بلزوم الصلاة بالدم، ولو لاحتمال أخفيّة نجاسته، وما ذكرناه هي أحكام عقلية محضة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(252) لأهميّته على تطهير الثوب عقلاً، أو قُلْ لأولوية طهارة نفس بدن المصلّي من طهارة ثوبه الخارج عن ذات المصلّي، فيقدّم الأهمّ على المهمّ، وكذا الأمر في الأهميّة في الفرع الثاني، وذلك لعدم الإضطرار إلى الصلاة بالنجاسة الأكثر، فلو صلّى بالنجاسة الأكثر فإنّ صلاته ح ستبطل لعدم الإضطرار إلى الصلاة بالنجاسة الزائدة، وظاهرُ النهي عن النجاسات أنه نهي إنحلالي إستقلالي، فيجب ح عدم الصلاة بالنجاسة الأكثر، وهذا ما يؤيّده العقلُ أيضاً، وكذا الأمر تماماً في الفرع الثالث، فيجب الصلاة بالثوب المتنجّس بالدم، ولو من باب الإحتياط العقلي .
* وهل أنّ تقديم الأهمّ في مسألتنا هذه هو من باب التعارض ـ كما ذهب إلى ذلك السيد الخوئي رحمه الله وحشرنا معه ـ لأنّ الشكّ فيها في مرحلة الجعل ؟ وبتعبير آخر : هل أنّ الموجود في اللوح المحفوظ هو وجوب تطهير البدن في هكذا حالة دون الثوب، أم الواجب هو تطهير الثوب دون البدن ؟ وبتعبير ثالث : المشروط في مرحلة الملاك هو إمّا طهارة البدن وإمّا طهارة الثوب، فإذن هناك ملاك واحد أو قُلْ مقتضي واحد في هكذا حالة وهو إمّا وجوب تطهير البدن وإمّا وجوب تطهير الثوب، وهذا هو التعارض، لأنّ وجوب تطهير أحدهما ينفي وجوب تطهير الآخر في مرحلة الجعل ويكذّبه، إذن فيستحيل جعْلُهُما معاً لاستلزامه التعبّدَ بالضدّين، المهم هو أنه لا يمكن تشريعهما معاً، وهو عينُ التعارض .
أم أنّ مسألتنا هي من باب التزاحم، لأنّه لا مشكلة من حيث وجوب تطهير البدن وتطهير الثوب، فهذان أمران معلومان، وأنّ موضوع المعارضة إنما يكون مورداً واحداً، كما لو جاءنا دليل على وجوب القصر في الصلاة في الحالة الفلانية وجاءنا دليل آخر على وجوب التمام فيها، فلا شكّ أنه يكون بين الدليلين تعارض، فلا بدّ ح من الرجوع إلى قواعد التعارض المعروفة، وموضوع المزاحمة يكون موردين، والمشكلةُ هنا هي في موردين وهي في الجمع بين التطهيرين ـ المعلومَي الوجوب ـ في مرحلة الإمتثال ؟
الجواب : لا بدّ أوّلاً من بيان أنّ بعض الأحكام الشرعية مشروطة بالقدرة الشرعية ـ كما في مسألتَي الصيام والحجّ ـ وبعضها مشروطة بالقدرة العقلية ـ كما في قضيتَي الصلاة ولزوم إزالة النجاسة من المسجد ـ ويكون التقييد بالقدرة في الاُولى في مراحل الملاك والجعل والفعلية، وفي الثانية في مرحلة الإمتثال، وذلك لأنّ المولى تعالى قد يحبّ صدور الفعل الفلاني من خصوص القادر الذي لا يقع في العجز أو الضرر، كما في الصيام والحجّ، وقد يحب حصول الشيء مطلقاً حتى من العاجز، كقتل المشركين، ولذلك لا يَذكر المولى تعالى التقييدَ بالقدرة في هذه الحالة الثانية، ففي هذه الحالة الثانية تكون الصلاة وإزالةُ النجاسة من المسجد محبوبتين مطلقاً ـ أي على صعيد الملاك ـ أي حتى من العاجز .. لكن لعدم إمكانهما عملياً ترتفع المنجّزية فقط عن الوجوب، وتبقى المحبوبية وبالتالي الفعلية، وفي هكذا حالة لا حاجة إلى لزوم تشريع تقييد وجوب الإزالة أو الصلاة بالقدرة عليهما، لأنه شرط عامّ واضح معلوم عند كلّ الناس، فلو لم يستطع المكلّف على الإزالة أو على الصلاة مثلاً لتزاحمها مع ما هو أهمّ ـ كإنقاذ الغريق ـ لوجب عقلاً تقديمُ الأهمّ، وتبقى فعلية وجوب الإزالة والصلاة قائمتين، لإطلاق محبوبيّتهما وبالتالي لإطلاق وجوبهما . ولا شكّ أنك تعلم أنه لا تكاذب بين وجوب الصلاة ووجوب الإنقاذ، إذن ليس بينهما تعارض في مرحلة الملاك فضلاً عن مرحلتَي الجعل والفعلية .
أقول : لا شكّ في كون مسألتنا من باب التزاحم ـ كما ذهب إلى ذلك المشهور ـ وذلك لكون كلّ وجوب شرطاً محبوباً في نفسه وبنحو الإستقلال، وليس مقيّداً بالقدرة، وعلى الأقلّ لا دليل على التقييد، فمسألتنا بالدقّة كمسألة وجوب الصلاة بنحو الإستقلال ووجوب الإنقاذ بنحو الإستقلال، وكما لا تكاذب بين هذين الوجوبين، فكذا لا تكاذب بين اشتراط طهارة البدن وطهارة الثوب في مرحلتَي الملاك والجعل .
وكذا الأمر فيما لو كان كلا الثوبين متنجّساً إلاّ أنّ أحدهما أخفّ نجاسةً ـ كالدم ـ والآخر أشدّ ـ كالبول والمنيّ والغائط ـ فإنّ العقل يحكم بلزوم الصلاة بالدم، ولو لاحتمال أخفيّة نجاسته .


[3] وأنا أكتب هذه الكلمات بتاريخ 4/8/2014 م وأهلُ غزّة في فلسطين يخوضون أعنف المعارك ضد إسرائيل لليوم الـ 28، ولا تستطيع إسرائيلُ أن تفعل مع المجاهدين من أهل غزّة شيئاً، فلجأت إلى قتل الأبرياء فقتلت حتى الآن حوالي 2000 شهيداً وجرحت حوالي عشرة آلاف، وهدمت آلافَ البيوت في غزّة، وفي المقابل لا تزال صواريخ المجاهدين في غزّة تنطلق بالمئات على إسرائيل، إضافةً إلى ما يُبدونه من بسالة لا مثيل لها في حربهم البريّة ضدّ الإسرائليين .. والدولُ العربية ـ .وخاصةً مصر والسعودية ـ متواطئون تماماً مع الإسرائليين، ولا يستنكرون ـ ولو إعلاميّاً ـ أصلاً ! لا، بل ترى مصرَ تفجّرُ بشكل دائم كل الأنفاق بين غزّة وسيناء ليقتلوا شعب غزّة .. والسعودية لا تزال تبعث بالنفط إلى إسرائيل .. وفي منطقة ثانية، في لبنان، بدأت المعارك في جرود عرسال/البقاع الشمالي الشرقي في لبنان منذ ثلاثة أيام بين التكفيريين في البلدة من جهة وبين الجيش اللبناني من جهة ثانية، نسأل اللهَ تعالى أن ينصر الحقّ على الباطل .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo