< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/12/06

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: إذا كان بدنُ المكلّف متنجّساً أو ثوبُه
مسألة 11 :إذا كان بدنُ المكلّف متنجّساً أو ثوبُه وكان مضطرّاً للصلاة بالنجاسة ـ لِبَرْدٍ مثلاً ـ فمع استيعاب النجاسة لوقت الفريضة صحّت صلاته(255)، ومع ارتفاع الإضطرار ضمن وقت الفريضة تجب إعادة الصلاة(256) . نعم إن صلّى بالنجاسة للتقيّة فقد وقعت صلاته صحيحة واقعاً ـ لا ظاهراً ـ حتى ولو وجد الماء ضمن وقت الفريضة، لأنّ أدلّة التقيّة تفيدنا صحّة ما يقع ـ واقعاً ـ عن تقيّة بالعنوان الثانوي .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(255) لأنّ الأوامر الإضطرارية تجزي عن الواقع إن استوعب العذرُ تمامَ وقت الفريضة.
(256) إن صادف أن ارتفعتِ الضرورةُ وصار مستطيعاً لتطهير بدنه أو ثوبه فلا شكّ في وجوب إعادة الصلاة، وهذا هو القدر المتيقّن من وجوب الإعادة، وهو مطابق للقاعدة الأوّلية، وهو وجوب الإعادة عقلاً لمن لم يحقّق وظيفتَه التكليفية الواقعية وصادف أن ارتفعت الضرورة، فلم يوافق المأمورَ به، ولا وجه لعدم الإعادة .
ولك أن تستدلّ بما رواه في التهذيبين بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن الحسن بن علي بن محمد(بن فضّال، كان فطحياً غير أنه ثقة في الحديث) عن عَمرو بن سعيد(المدائني ثقة، قيل كان فطحياً) عن مصدق(بن صدقة قال الكشّي إنه فطحيّ من أجلّة العلماء والفقهاء والعدول وكان ثقة) عن عمّار(بن موسى الساباطي كان فطحيّاً إلاّ أنه ثقة في الرواية وله كتاب كبير جيد معتمد) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إنه سُئل عن رجل ليس عليه إلا ثوبٌ ولا تحل الصلاة فيه، وليس يجد ماءً يغسله، كيف يصنع ؟ قال : ( يتَيَمَّم ويصَلّي، فإذا أصاب ماءً غسله وأعاد الصلاة )[1] موثّقة السند، فهي تصرّح بوجوب الإعادة، وذلك بتقريب وحدة المناط، وهو الإضطرار، فإنّا لم نجد علّةً وسبباً لوجوب إعادة الصلاة في الوقت إلاّ أنه لم يَعُدْ مضطرّاً للصلاة بالنجاسة، وارتفعت ضرورة الصلاة بالنجاسة، فوجبت إعادتها، فكذلك في حالة الإضطرار لبرد مثلاً . لا، بل لك أن تتمسّك بإطلاق السؤال، وذلك بأن تقول : سُئِل الإمامُ (عليه السلام) عن رجلٍ ليس عليه إلاّ ثوبٌ واحد ولا تحلّ الصلاة فيه، وهو مضطرّ للبسه لبردٍ مثلاً، وليس يجد ماءً يغسله ...
وادّعى السيد الخوئي عدم وجوب الإعادة فيمن كان يعتقد ببقاء اضطراره أو كان شاكّاً ببقاء اضطراره فصلّى لاستصحاب بقاء اضطراره ثم ارتفع اضطراره أثناء وقت الفريضة ـ وكلامُه في غير حالة التقية ـ فادّعى عدمَ وجوب الإعادة لحديث "لا تُعاد" لأنه من مصاديق الجاهل، ثم قال بأنّ المراد من الطهور في حديث "لا تُعاد" هو الطهارة من الحدث .
أقول : لكنْ فيما فهمه من شمول حديث "لا تُعاد" لما نحن فيه شكّ واضح، والأظهر وجوب الإعادة لأنّ توهّم بقاء الإضطرار لا يغيّر من الواقع شيئاً، وطبقاً لقاعدة الإشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني، وتمسّكاً بإطلاق موثّقة عمّار السابقة .
نعم إن صلّى بالنجاسة للتقيّة فقد وقعت صلاته صحيحة واقعاً ـ لا ظاهراً ـ حتى ولو وجد الماء ضمن وقت الفريضة، لأنّ أدلّة التقيّة تفيدنا صحّة ما يقع عن تقيّة بالعنوان الثانوي بالصحّة الواقعية، فإنّ التقيّة "دِيني ودِيُن آبائي، ومَن لا تقيّةَ له لا دِين له، ولا إيمان له .." كما في الروايات، فالتقية دين واقعي، ولو بالعنوان الثانوي، لا ظاهري، كما في الأمارات والأصول العملية .
* * * * *
مسألة 12 : إذا لم يمكن للمكلّف أن يسجد إلاّ على محل نجسٍ لاضطرارٍ أو لعدم وجود شيء طاهر فإنّ عليه أن يصبر إلى أواخر وقت الفريضة كي يتأكّد من عدم تمكّنه من السجود على شيء طاهر، فإنْ صلّى ولم يصبر ليتأكّد فإنْ تمكّنَ في وقت الفريضة من الصلاة على شيء طاهر فإنّ عليه ـ على الأحوط ـ أن يعيدَ صلاتَه، وأمّا إنْ لم يتمكّن من السجود على شيء طاهر فلا شكّ ح في صحّة صلاته(257).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(257) لا خلاف بين العلماء في لزوم أن يكون موضعُ السجود طاهراً، ولا سيّما إذا علم المصلّي أنه سيستطيع على الصلاة على شيء طاهر ضمن وقت الصلاة، بل هذا ينبغي أن يكون من بديهيات ديننا لشدّة ارتكاز الحكم عند المتشرّعة . وقد يستفاد شرطية طهارة محلّ السجدة ممّا رواه في الكافي عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد(بن عيسى) عن الحسن بن محبوب قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الجُصّ تُوقَدُ عليه العذرةُ وعظام الموتى ثم يجصص به المسجد أيسجد عليه ؟ فكتب(عليه السلام) إليَّ بخطه : (اِنّ الماء والنار قد طهراه )[2] صحيحة السند، حيث أقرّ الإمامُ (عليه السلام) السائلَ في ارتكازه بوجوب أن يكون محلّ السجود طاهراً . ومع ما قلناه يصعب على الفقيه أن يُجريَ أصالةَ البراءة عن وجوب أن يكون محلّ السجود طاهراً إذا أمكن للمكلّف أن يسجد بعد وقتٍ قليل وضمن وقت الفريضة على شيء طاهر، كما يصعب على الفقيه أن يتمسّك بحديث "لا تعاد" ليقولَ بصحّة صلاة مَن يصلّي على شيء متنجّس وهو يعلم أنه سيتمكّن ضمن وقت الصلاة من السجود على شيء طاهر، خاصّةً إذا كان وقت الإنتظار قليلاً .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo