< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/12/14

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: ممّا يعفى عنه في الصلاة الدمُ ما دون الدرهم ...
ذكرنا أمس عدمَ العفو عن دمَي الحيض والنفاس، والآن نعيد بعض ما ذكرناه ونكمل البحث فنقول :
لا يعفى عن دمَي الحيض والنفاس ولو كان أقلّ من الدرهم، وذلك لما رواه في الكافي عن أحمد بن إدريس عن محمد بن أحمد(بن يحيى ثقة في الحديث جليل القدر كثير الرواية) عن محمد بن عيسى(بن عبيد بن يقطين ثقة عين) عن النَّضْر بن سويد(ثقة صحيح الحديث) عن أبي سعيد المكاري(هاشم بن حيّان وقيل هشام، وجه في الواقفة له كتاب يروي عنه صفوان وابن أبي عمير فهو إذن موثّق) عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) أو[1]أبي جعفر (عليه السلام) قال : (لا تُعاد الصلاة من دم لا تبصره غير دم الحيض، فإنّ قليله وكثيره في الثوب إن رآه أو لم يره سواء ) مصحَّحة السند، ورواها الشيخ بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن محمد بن عيسى نحوه إلا أنه قال ( مِن دمٍ لم تبصرْه )، وهي ظاهرة في المطلوب، على أنه موافق لأصالة المنع من الصلاة بالنجاسة، ولعلّه لما ذكرنا إشتهر القولُ بالمنع في دم الحيض، بل قالوا إنه إجماعيّ .

وأمّا النفاس فقد كثرت فيه الروايات أنّ حكمه حكم الحيض من قبيل :
1 ـ ما رواه في الكافي عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد وأبي داود عن الحسين بن سعيد عن النَّضْر بن سويد عن محمد بن أبي حمزة عن يونس بن يعقوب قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : (تجلس النفساء أيام حيضها التي كانت تحيض، ثم تستظهر وتغتسل وتصلي )[2] .
2 ـ وروى في التهذيبين بإسناده عن الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن عمر بن أذينة عن الفضيل بن يسار(ثقة عين جليل القدر) عن زرارة عن أحدهما (عليهم السلام) قال : ( النفساء تَكِفُّ عن الصلاة أيامها التي كانت تمكث فيها ثم تغتسل وتعمل كما تعمل المستحاضة )، ورواها الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير[3] صحيحة السند بكلا سنديها .
وفي يب أيضاً عن بإسناده عن الحسين بن سعيد عن حماد عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر (عليهم السلام) قال قلت له : النفساء متى تصلي ؟ قال : (تقعد قدر حيضها وتستظهر بيومين، فإن انقطع الدم وإلا اغتسلت واحتشت واستثفرت وصلَّت ) .
3 ـ وفي التهذيبين أيضاً بإسناده عن علي بن الحسن(بن فضّال) عن عمرو بن عثمان (الثقفي الخزّاز ثقة نقيّ الحديث له كتب) عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب(ثقة جليل القدر له أصل كبير) عن مالك بن أعين قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن النفساء يغشاها زوجها وهي في نفاسها من الدم ؟ قال : ( نعم إذا مضى لها منذ يوم وضعت بقدر أيام عدة حيضها، ثم تستظهر بيوم فلا بأس بَعْدُ أن يغشاها زوجُها، يأمرها فلتغتسل ثم يغشاها إن أحب )[4]، ويمكن تصحيح متن الرواية من
باب أنها ممّا رواها أحدُ أصحاب الإجماع وهو الحسن بن محبوب، ويمكن تصحيح السند من باب أنّ مالك بنَ أعين ممّن روى عنه في الفقيه مباشرةً فيكون من أصحاب الكتب التي إليها المرجع وعليها المعوّل .
والمتأمّلُ في الروايات، أعني في وحدة مدّتهما، يكاد يجزم بأنّ حكمهما في عدم العفو عنه نفس حكم دم الحيض، بل المظنون قوياً أنهما واحد موضوعاً أيضاً، وليس فقط حكماً، فلا بدّ من الإحتياط قطعاً فيه، ولا سيما وأنّ المنع عن الدم هو الأصل في الصلاة .

وأمّا الإستحاضة فلا شكّ في مغايرتها للحيض والنفاس، موضوعاً وحكماً، وفي كلّ الروايات أنهما متغايران تماماً [5]، وهذا لا شكّ فيه، لاحِظْ فقط روايتين :
1 ـ فقد روى في الكافي عن محمد بن إسماعيل(أبو الحسن النيسابوري) عن الفضل بن شاذان عن حماد بن عيسى وابن أبي عمير جميعاً عن معاوية بن عمار قال أبو عبد الله (عليه السلام) : (إنّ دم الإستحاضة والحيض ليس يخرجان من مكان واحد، إنّ دم الإستحاضة بارد وإن دم الحيض حار ) مصحّحة السند .
2 ـ وأيضاً في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حفص بن البختري(ثقة) قال : دخلتْ على أبي عبد الله (عليه السلام) امرأةٌ فسألَتْه عن المرأة يستمر بها الدم فلا تدري أحيض هو أو غيره ؟ قال فقال لها : ( إنّ دم الحيض حار عبيط أسود، له دفع وحرارة، ودم الإستحاضة أصفر بارد، فإذا كان للدم حرارة ودفع وسواد فلْتَدَعِ الصلاةَ )، قال : فخرجت وهي تقول : واللهِ أنْ لو كان امرأةً ما زاد على هذا . صحيحة السند .
فالإستحاضةُ نزيف يحصل من جرح أو قرح باطني أو مشكلة عارضة، كالنزيف الذي يخرج من يد الإنسان أو من أيّ مكان آخر من بدنه، وهو ليس بحيض ولا يخرج من مكان الحيض، وبينهما بون واسع موضوعاً وحكماً، ففي رواية اُخرى عن الكافي عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى(بن عبيد اليقطيني ثقة عين) عن يونس بن عبد الرحمن عن غير واحد : سألوا أبا عبد الله (عليه السلام) عن الحائض والسنة في وقته، فقال : إنّ رسول الله (ص) سَنَّ في الحائض ثلاثَ سُنَن ـ إلى أن قال : ـ ( وأما سُنَّةُ التي قد كانت لها أيام متقدمة ثم اختلط عليها من طول الدم فزادت ونقصت حتى أغفلت عددها وموضعها من الشهر فإنّ سُنَّتَها غيرُ ذلك، وذلك أن فاطمة بنت أبي حبيش أتت النبيّ (ص) فقالت : إني أستحاض ولا أطهر، فقال لها النبيّ (ص) : ليس ذلك بحيض، إنما هو عرق، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصَلّي .. ) مصحّحة السند .
ولذلك يجب أن يعفى في الصلاة عن دم الإستحاضة إن كان أقلّ من الدرهم، وقد ذكر صاحب الحدائق أنّ استثناء دمَي الإستحاضة والنفاس إلحاقاً لهما بدم الحيض لا يخرج عن القياس .
وعلّق السيد الخوئي على قول السيد اليزدي في العروة بقوله "عدا الدماء الثلاثة" قال "على الأحوط في الإستحاضة، بل في النفاس والحيض أيضاً"، وعلّق الإمام الخميني بقوله "على الأحوط في النفاس والإستحاضة"، وعلّق السيد الشيرازي بقوله "على الأحوط في الإستحاضة"، وعلّق كاشف الغطاء بقوله "أدلّة العفو شاملة، والإستثناء خاصّ بالحيض، ويلحقه النفاس، لما دلّ على أنه حيض محتبس" .

* على أن لا يكون الدمُ القليلُ من غير المأكول، وذلك لما دلّ على مانعية الصلاة فيهما مطلقاً .
وقد تقول : إنّ أدلّة العفو مطلقة، ولم نَرَ دليلاً واضحاً إلى درجة الوثوق يفيدنا مانعيةَ الصلاة في دم غير المأكول ودم المَيتة إن كان قليلاً، فيمكن أن يكون عند الباري تعالى العفو عن دم المَيتة وغير المأكول، المهم هو أنه يجب التمسّك بإطلاق روايات العفو عن الدم إن كان أقلّ من الدرهم، ولعلّه لهذا أنكر ابن إدريس الحلّي استثناء دم نجس العين والمَيتة وغير المأكول كلّ الإنكار، وادّعى أنه خلاف مذهب الإمامية، قال في مستمسك العروة "وكأنه أخذه من عدم تعرض القدماء له" ثم قال في المستمسك ( لكن الظاهر أنّ كلامهم مسوق للعفو عن الدم من حيث هو لا غير) (إنتهى)[6]، خاصةً وأنه لا ينبغي الشكّ في أنه يعفى عن دم الكافر إن كان أقلّ من درهم، مع أنه ـ على قول بعضهم ـ إنه نجس العين !
لكن الحقّ أن يقال بأنه لا يمكن لفقيه أن يجوّز الصلاةَ بدمِ حيوانٍ لا يُؤكل لحمُه وإن كان قليلاً، وذلك لما رواه في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن (محمد)ابن أبي عمير عن (عبد الله)ابن بكير(فطحيّ ثقة) قال : سأل زرارةُ أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصلاة في الثعالب والفَنَك[7] والسنجاب[8] وغيرِه من الوبر، فأخرج كتاباً زعم أنه إملاء رسول الله (ص) ( أنّ الصلاة في وبر كل شيء حرامٌ أكلُه فالصلاةُ في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكل شيء منه فاسد، لا تُقبَل تلك الصلاة حتى يصلّيَ في غيره مما أحلّ اللهُ أكلَه )، ثم قال : ( يا زرارة، هذا عن رسول الله (ص)، فاحفظ ذلك يا زرارة، فإنْ كان مما يُؤكل لحمُه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكل شيء منه جائز إذا علمت أنه ذكِيّ قد ذكّاه الذبح، وإن كان غير ذلك مما قد نُهِيت عن أكله وحرُم عليك أكلُه فالصلاة في كل شيء منه فاسد، ذكّاه الذبح أو لم يذكِّه ) موثّقة السند .
وهي واضحة المعنى في المطلوب، يقول (عليه السلام) ( وإن كان غير ذلك ـ يعني إن كان غير مأكول اللحمـ مما قد نُهِيت عن أكله وحرُم عليك أكلُه فالصلاة في كل شيء منه ـ أي حتى الدم، أو قُلْ خاصّةً الدم وشعر القطّة .. ـ فاسد، ذكّاه الذبح أو لم يذكِّه ـ أي سواء كان مذكّى أو كان مَيتة، أي أنّ عنوان ما لا يؤكل لحمه عنوان آخر غير عنوان المَيتةـ ) وهو دليل على حرمة الصلاة بدم مأكول اللحم وإن كان قليلاً . ومع هكذا رواية موثّقة يصير من الصعب على الفقيه أن يرجع إلى أصالة العفو عن الدم القليل، لا بل لا بدّ من القول بعدم صحّة الصلاة في دم غير مأكول اللحم وإن كان قليلاً .



[1]هذا التردّد بين الإمامين ـ .بنفس ما ذكرناه ـ ورَدَ في كتاب الكافي
[7]الفَنَكُ نوع من الثعلب أو من جراء الثعلب التركي، ويطلق أيضاً على فَرخ إبن آوى، وهو غير مأكول اللحم، يُفْتَرَى جِلْدُها أي يُلْبَسُ جِلْدُها فَرواً، والفَنَك هو جِلْدٌ يُلْبَس، وكانوا يُبَطّنون به ثيابَهم.
[8]السِنجاب حيوانٌ على حدّ اليربوع، أكبر من الفأرة، شَعرُه في غاية النعومة، يُتّخذ من جلده الفراء.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo