< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/02/23

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : البراءة في الكتاب الكريم

البراءة في الكتاب الكريم

من الأدلَّة التي استدلّ بها على البراءة الشرعيّةِ القرآنُ الكريم، وهي الآيات التالية :

1 ـ قوله تعالى ( لا يُكَلِّفُ اللهُ نفساً إلاّ ما آتاها )[1]،
وتقريب الإستدلال بها أن يقال : إنّ اسم الموصول يحتمل فيه بدْواً عدّة احتمالات :
(1) ـ أن يكون المرادُ به (التكليف) أي لا يكلِّفُ اللهُ نفساً تكليفاً إلا التكليفَ الَّذي آتاها، ويكون إيتاء التكليف وإعطاؤه بمعنى إيصاله إلى المكلَّف خارجاً .
(2) ـ أن يكون المراد به (المال) وإيتاؤه عبارة عن الرزق، أي لا يكلِّفُ اللهُ نفساً مالاً إلا المالَ الَّذي رزقه إيّاه .
(3) ـ أن يكون المراد به (الفعل) وإيتاء الفعل وإعطاؤه عبارةٌ عن الإقدار عليه، أي لا يكلِّفُ اللهُ نفساً بفعلٍ إلا الفعلَ الَّذي أقدره عليه .
(4) ـ أنْ يكون المراد به (الشيء الجامع بين هذه الأمور) ويكون المراد بالإيتاء إعطاء كلّ بحسبه، فإعطاء التكليف إيصاله، وإعطاء المال رِزْقُه، وإعطاءُ الفِعل الإقدارُ عليه .
والآية الشريفة على الإحتمالَين الأوّل والرابع تدلّ على البراءة، وعلى الثاني والثالث أجنبية عنها .
يقول السيد الشهيد الصدر : (والمتعيّنُ مِنَ الإحتمالات هو الرابع، فإنّ الإحتمال الأوّل وهو إرادة (التكليف) بالموصول لا يناسب مورد الآية، إذ في صدر الآية أمَرَ الأزواجَ أنْ يُنفقوا في العِدّة بمقدار قدرتهم وسَعَتهم المالية، ثمّ قال : لا يكلَّف اللهُ نفساً إلا ما آتاها، وأمّا الإحتمال الثاني، وهو أن يراد بالموصول (المال)، فهو : أوّلاً : خلاف إطلاق اسم الموصول في نفسه، ومجرّد خصوصيّة المورد لا توجب التقييد، غاية الأمر أنّها توجب كون المال قدراً متيقّناً في مقام التخاطب، والقدر المتيقن في مقام التخاطب لا يضرّ بالإطلاق . وثانياً : إنّنا يمكن أن نستشعر من سياق الآية أنّ هذه الجملة قد سيقت مساق بيان كبرى كلَّيّة للمورد، فهذا الظهور يناسب أوسعيّة الكبرى وعدمَ مطابقتها للصغرى في مدى سعة دائرة الموضوع . وأمّا الإحتمال الثالث وهو أن يراد بالموصول (الفعل)، فهو أيضا خلاف الإطلاق ومقدمات الحكمة، فيتعيّن الرابع، وبه يتمّ الإستدلال بإطلاق الآية الشريفة على البراءة)[2] (إنتهى) .
قد تقول : لم يصلِ الوضوحُ في الإحتمال الرابع إلى مستوى الظهور العرفي الذي يأخذ به الناس، إذ وردت كلمة ( آتاها ) في قلب سياق النفقة، بحيث ذُكِرَتْ النفقةُ قبل ( آتاها ) وبَعدَها، إضافةً إلى أنّ استعمال ( آتاها ) بمعنيين : (الإقدار) و(الإعلام) بعيدٌ في نفسه، لأنه استعمال لكلمةٍ واحدة في معنيين متغايرَين !!
فأقول : لكنْ رَوَى في الكافي عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس بن عبد الرحمن عن حماد بن عثمان عن عبد الأعلى(بن أعين مولى آل سام يروي عنه ابن أبي عمير وهي أمارة الوثاقة) قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : أصلحك اللهُ، هل جُعِلَ في الناس أداةٌ يَنالون بها المعرفةَ ؟ قال فقال : ( لا )، قلت : فهل كُلِّفوا المعرفةَ ؟ قال : ( لا، على الله البيانُ، لا يُكَلِّفُ اللهُ نفساً اِلاّ وسعها، ولا يُكَلِّفُ اللهُ نفساً اِلاّ ما آتاها )[3] وهي مصحّحة السند، فلا بدّ من أن نسلّم بذلك ونستدلّ بها، فالأئمّةُ (عليهم السلام)أعلمُ مِنّا بمراد الباري سبحانه وتعالى، أي لا بدّ أن نقول بالإحتمال الرابع .
فإذا كان الأمْرُ كذلك فسوف يكون المرادُ هكذا : لا يكلّف اللهُ نفساً بأيّ تكليف إلاّ بالتكليف الذي آتاها إيّاه، والإيتاءُ هو التقْدِمَة والإعطاء، وإيتاءُ كلّ شيء بحسبه، أي تَقْدِمَةُ كلّ شيء بحسبه، فلا يكلّفُها بفعلٍ ـ كالنفقة ـ إلاّ إذا قَدَّمَ لها القدرةَ عليه، أي إلاّ إذا أقْدَرَها عليه وأعطاها القدرةَ عليه، ولا يكلّفها بترْكِ شيءٍ ـ كالصيام عن الطعام ـ إلاّ إذا قَدَّمَ لها القدرةَ على الترك، أي إلاّ إذا أقدرها على الترك، ولا يكلّفُها بحكمٍ إلاّ إذا قَدَّمَه لها أي أعلمها به وأعطاها إياه . هذا المعنى من الإيتاء واضح من خلال القرآن الكريم أيضاً، لاحِظْ قولَه تعالى ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا )[4] وقولَه تعالى ( خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ )[5] أي ما أعطيناكم وقدّمنا لكم وأعلمناكم .
فالآيةُ تدلّ على البراءة الشرعية بوضوح .
وهنا فائدتان :
الاُولى : لا شكّ في جريان البراءة المستنبَطة من هذه الآية الكريمة في الشبهات الموضوعية، فلو شكّ إنسانٌ في خمريّة مائع خارجيّ فإنّ له أن يقول بأنه لا يعلم بخمريّته، وله أن يقول أيضاً بأنه لا يعلم بوجوب الفحص، فإذن له أن يَشربه .
والثانية : لا شكّ أنّ المرفوع ـ عقلاً ـ هو خصوص المنجّزيّة فقط، لا الفعلية أيضاً .
* * * * *









[1] قال الله تعالى : ( لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ، وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللهُ، لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا، سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً .، سورة اطلاق، آیه7 .
[4] سوره‌ .حشر، آیه7

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo