< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/03/08

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : من المطهرات الشمس : وهي تطهر المنقولات وغيرَها

قال السيد محسن الحكيم تعليقاً على قول صاحب العروة (ولا تطهّرُ من المنقولات إلاّ الحصر والبواري) قال : ( بلا خلاف ظاهر، سوى ما تقدم عن المبسوط والجامع للشرائع لابن سعيد من طهارة ما عُمِلَ مِن نبات الأرض بالشمس، وفي المنتهى إلحاق الحصر والبواري وما يشبههما من المعمول من نبات الأرض غير القطن والكتان بالأرض . وعن الفخر عموم الحكم لما لا ينقل حتى وإنْ عَرَضَهُ النقْلُ كالنباتات المنفصلة من الخشب، والآلات المتخذة من النباتات . وكأنه لإطلاق خبر الحضرمي، أو للتعدي من الحُصُر والبواري إلى مطلق ما عمل من النباتات . لكن عرفت ـ بعد الإجماع على عدم تمامية عموم الخبر ـ أنه يتعين حمْلُه على ما لا ينقل . وأما التعدي فغير ظاهر . على أن الحكم في الحصر والبواري محل نظر ... فالمرجع قاعدة الطهارة ... ) (إنتهى)[1].
هذا وقد اختلف المتأخّرون فيما تطهّره الشمسُ اختلافاً عظيماً، فوقعوا في حِيصِيص، في المنقولات، كألواح الأخشاب من الأشياء المفروشة على الأرض إذا كانت بمقدار يمكن الصلاةُ عليها، والأوتاد ـ قالوا يصدق على مثلها الموضع ـ والأبواب والأشجار وما عليها والثمار والخضروات والنباتات ما لم تقطع وإن بلغ أوان قطعها بل وإن صارت يابسة ما دامت متصلة بالأرض أو الأشجار والظروف المثبتة في الأرض والحصر والبواري والسفينة والطرّادة، وسائر المراكب البحريّة والبرّيّة، الصغيرة والكبيرة ...

هل أنّ الشمسَ تطهّرُ الأرضَ بخصوصها أم أنها غيرُ مختصّةٍ بالأرض ؟ وعلى فرض أنها غير مختصّةٍ بالأرض هل هي مطهّرةٌ لجميع المتنجّسات المنقولة وغير المنقولة، أم ان مطهّريتها مختصّة بالمتنجّس غير المنقول ؟
الصحيح هو أنّ مطهّريّتها غير مختصّة بالثابت، وإنما تشمل المنقولات أيضاً . بيان ذلك :
يقول السيد الخوئي : ( المشهور أنّ الشمس تطهر الأرض وغيرها مما لا ينقل حتى الأوتاد على الجدار والأوراق على الأشجار . وذهب بعضهم إلى اختصاص الحكم من غير المنقول بالأرض مع التعدي إلى الحصر والبواري مما ينقل . وعن ثالث الإقتصار عليهما فحسب، إلى غير ذلك مما يمكن أن يقف عليه المتتبِّعُ من الأقوال . واستُدِلّ للمشهور برواية أبي بكر الحضرمي لأن عمومها أو إطلاقها يشمل الجميع . نعم خرجنا عن عمومها أو إطلاقها في المنقول بالإجماع والضرورة وإطلاق ما دلّ على لزوم غسل المتنجسات بالماء فيبقى غير المنقول مشمولاً لهما . ودلالة الرواية وإن كانت ظاهرة كما ذكر إلاّ أنها غير قابلة للإستدلال بها لضعف سندها بعثمان وأبي بكر الحضرمي كما مر . والصحيح أن يستدل عليه بصحيحة زرارة وموثقة عمار المتقدمتين لاشتمال الأولى على ( المكان ) والثانية على ( الموضع ) وهما أعم من الأرض فتشملان الألواح وغيرها من الأشياء المفروشة على الأرض إذا كان بمقدار يتيسر فيه الصلاة، إذ يصدق على مثله الموضع والمكان فإذا قلنا بمطهرية الشمس لغير الأرض من الألواح أو الأخشاب المفروشة على الأرض وهما مما لا ينقل تعدينا إلى غير المفروضة منهما كالمثبتة في البناء أو المنصوبة على الجدار كالأبواب بعدم القول بالفصل . فإذا قد اعتمدنا في القول بمطهرية الشمس لغير الأرض في غير المنقول على اطلاق الصحيحة والموثقة بنحو الموجبة الجزئية كما أنا اعتمدنا فيها على الاجماع وعدم القول بالفصل بنحو الموجبة الكلية فتحصل أن مطهرية الشمس وإن كانت غير مختصة بالأرض إلا أنها لا تعم المنقولات كما مر . نعم استثنوا عنها الحصر والبواري ويقع الكلام عليهما بعد التعليقة الآتية فانتظر ) (إنتهى)[2] .
أقول : لقد ذَكَرْتُ قبل قليل أقوالَ ما وجدتُه من أقوال قدماء أصحابنا، والمظنون قوياً أنهم اعتمدوا في ذلك على الآية والروايات، لا على الإجماع الكاشف عن رأي المعصومين (عليهم السلام) كما رأيتَ ممّن ادّعى الإجماع، وهو الشيخ الطوسي في الخلاف، ولذلك إذا نظرنا إلى الروايات لَعَلِمْنا أنّ كلّ شيء أشرقت عليه الشمس وكان رطباً فقد قَتَلَتِ الجراثيمَ فيه وأزالت القذارةَ عنه بشكل كافي في حصول الطهارة الشرعية، وهذا هو السرّ في هذه الفتوى . هذا، ولم أرَ واحداً من القدماء ادّعى الإجماع إلاّ الشيخ الطوسي في الخلاف، إذن يجب أن ننظر إلى الروايات :
1 ـ ففي صحيحة زرارة السابقة قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن البول يكون على السطح أو في المكان الذي يصلَّى فيه ؟ فقال : ( إذا جَفَّفَتْه الشمسُ فصَلِّ عليه، فهو طاهر )[3]، والمكان مطلق، يشمل مصلّى الشخص الذي يصلّي عليه , بل ويشمل الأوساخَ القليلة والقش القليل التي تكون على السطح أو المكان، ولا سيّما وأنّ الإمام قال ( فصَلِّ عليه ) والسيرةُ جارية على الصلاة على السجادة أو الحصير ونحوهما، لا على نفس السطح الذي يوسّخ ثياب المصلّي، إذن يجب أن نقول بأنَّ مُصَلّى الشخصِ ـ حتى ولو كان من القماش ـ إذا تنجّس بالبول مثلاً وأشرقت عليه الشمسُ وجفّفته بعدما كان رطباً يجب أن نقول بطهارته .
وبتوضيح أكثر : إذا كان زرارة يصلّي في مكان معيّن على السطح ويكون واضعاً عليه سجّادة مثلاً ليصلّي عليها ـ كما هي عادة المتديّنين ـ فله أن يسأل الإمام بصيغة "سألتُه عن البول يكونُ على السطح أو في المكان الذي يصلَّى فيه ؟ ويجيبه الإمامُ (عليه السلام) بقوله ( إذا جَفَّفَتْه الشمسُ فصَلِّ عليه، فهو طاهر ) . وأنت إذا كنتَ فارشاً عدّةَ سجّادات على السطح ليصلَّى عليها تقول لواحدٍ أنت صلّ هنا في هذا المكان وأنت صلّ هناك في ذاك المكان، خاصّةً إذا كانت الحصيرة كبيرة تسع لعدّة أشخاص .. وهكذا .. إذن كلمةُ "مكان" تشمل المكانَ الذي عليه سجّادة أو حصيرة ونحو ذلك، وهذا لعمري أمر واضح جداً .
2 ـ ولاحِظْ موثّقةَ عمّار السابقة إذ سأل الإمامَ (عليه السلام) عن الشمس هل تطهر الأرضَ ؟ قال : (إذا كان الموضع قذراً من البول أو غير ذلك فأصابه الشمسُ، ثم يبس الموضع فالصلاة على الموضع جائزة )[4] .
لا، بل لا معنى لتخصيص الذي تطهّره الشمسُ بالثابت، بعدما كانت الحجارة التي على الأرض من المنقولات ـ كالخشب والقراطيس والنفايات ـ وكذا البواري والحُصُر التي يقولون بطهارتها أيضاً، مع أنها قد تكون غير معلّقة على الأبواب والشبابيك، وإنما قد تكون على الأرض !!
والنتيجة : هي أنّ كلّ شيء ـ حتى ولو كان من المنقولات كالحجارة والخشب وسطح السيارة وسطح السفينة وإن كانت صغيرة ـ إذا كان رطباً وأشرقتْ عليه الشمسُ فقد طهر، وذلك لأنّ الشمس قد قتلت الجراثيم وأزالت القذارات بالنحو الذي يكفي شرعاً . أمّا المنقولات التي لا تشرق عليها الشمس من جميع الجهات كما هو الحال مع الثياب والأواني غالباً، فإننا لا يمكن لنا أن نقول بطهارتها مطلقاً، فالمشكلة صغروية، أي أنّ المشكلة إنما هي في عدم شروق الشمس على كلّ أجزائها . ولا بأس أن نذكر ما قاله الآن لي ثلاثةٌ من الأطبّاء المجاورين لي قالوا ( إنّ الشمس مطهّر أساسي، فهي تَقْتُلُ العُثّ والجراثيم والباكتيريا وغيرها ..) . ونحن وإن كنّا لا نستدلّ بأقوالهم لكننا نستأنس بها.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo