< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/03/13

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : الرابعُ من المطهِّراتِ الإستحالةُ والإنقلابُ

الرابعُ من المطهِّراتِ الإستحالةُ والإنقلابُ : وهما شيءٌ واحِدٌ، وهو انقلابُ حقيقةِ الشيءِ إلى حقيقةٍ اُخرَى، المهمّ هو أنّ الإنقلابَ يُطَهِّرُ النجس والمتنجس، كالعذرة إذا صارتْ تراباً، والخشبةِ المتنجسة إذا صارت رَماداً، والبولِ أو الماء المتنجس يصيرُ بخاراً 301.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
301 قال العلاّمة المجلسي : ( الثاني : إنهم عَدّوا من المطهراتِ الإستحالةَ، وهي أنواع :
ـــ ما أحالته النارُ وصَيَّرَتْهُ رَماداً من الأعيان النجسة، والمشهورُ فيه[1] الطهارة، وتردد فيه المحقق في الشرايع، والطهارةُ أقوى، ويدل عليه رواية الجِصّ، إذ المتبادر من العذرة عذرة الانسان . ورواه الشيخ قال : سأل الحسنُ بن محبوب أبا الحسن (عليه السلام)عن الجَصّ يُوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى ثم يجصص به المسجد، أيُسْجَدُ عليه ؟ فكتب إليه بخطه : ( إنّ الماء والنار قد طهراه ) . وقال والدي العلامة قدس الله روحه : الظاهر أنّ مراد السائل أنّ الجص يَنْجُسُ بملاقاة النجاسة له غالباً أو أنه يبقى رمادُ النجَسِ فيه، وأنه ينجس المسجد بالتجصيص، أو أنه يسجد عليه ولا يجوز السجود على النجس . والجواب يمكن أن يكون باعتبار عدم النجاسة بالملاقات، وإن كان الظاهر ذلك تغليباً للأصل، ويكون المراد بالتطهير التنظيف، أو باعتبار تقدير النجاسة فإنّ الماء والنار مطهِّران له، إمّا باعتبار توهم السائل كون الرماد النجس معه، فإنه صار بالإستحالة طاهراً، ويكون الماء علاوة للتنظيف، فإنّ مثل هذا الماء يطهر النجاسة الموهومة كما ورد عنهم (عليهم السلام) استحباب صب الماء على الأرض التي يتوهم نجاستها، أو باعتبار تقدير نجاسة الجص بالملاقاة فإنّ النار مُطَهِّرَةٌ له بالإستحالة، ويكون هذا القدر من الإستحالة كافياً، ويكون تنظيف الماء علاوةً، أو يقال : إنّ هذا المقدار من الماء كافٍ للتطهير، وتكون الغسالةُ طاهرةً كما هو ظاهر الخبر، أو أنّ الماء والنار هما معاً مطَهِّرانِ لهذه النجاسة، ولا استبعاد فيه، وهذا المعنى أظهر، وإن لم يقل به أحد فيما وصل إلينا )[2] (اِنتهى) . والشيخ في الخلاف استدل للطهارة بهذا الخبر،
ـــ ألحق بعضهم بالرمادِ الفحمَ محتجّاً بزوال الصورة والإسم، وتوقف فيه بعضهم وهو في محله[3] .
ـــ إذا استحالت الأعيان النجسةُ تراباً أو دُوداً فالمشهور بين الأصحابِ الطهارةُ[4]، وهو قول الشيخ في موضع من المبسوط، ويُعْزَى إليه في المبسوط قول آخر بالنجاسة في الإستحالة بالتراب، وتردد المحقق في ذلك، وتوقف العلاّمة في التذكرة والتحرير والقواعد في الإستحالة تراباً، وجزم بالطهارة في الإستحالة دُوداً، والأول أقرب للعمومات الدالة على طهورية التراب وغيرها . وقال في المعتبر : لو كانت النجاسة رطبة ومازجت التراب، فقد نجس، فلو استحالت النجاسة بعد ذلك وامتزجت بقيت الأجزاء الترابية على النجاسة، والمستحيلة أيضاً لاشتباهها بها وحَسَّنَهُ جماعةٌ من المتأخّرين، وربما كان في قولهم (عليهم السلام) ( الأرض يطهر بعضها بعضاً ) دلالةٌ على الطهارة .
قال في المنتهى : ( البخار المتصاعد من الماء النجس إذا اجتمع منه نداوة على جسم صقيل وصار يتقاطر فهو نجس، إلا أن يُعْلَمَ تَكَوُّنُه من الهواء كالقطرات الموجودة على طرف إناء في أسفله جمد نجس، فإنها طاهرة)[5] (اِنتهَى) .
أقول : لا شكّ أنّ بخار الماء هو عين الماء، حتى إذا غلى الماء كثيراً ترى الماء قد تبخّر كلّه وبقيت بعض الأملاح المعدنية في الإناء، ثم إذا قطّرته بواسطة قطّارة عاد الماء واجتمع ثانيةً لكن أنقى ممّا كان . وهذا أمر يعرفه الناس . كما وأنّ البخار يحمل بعض الموادّ المتبخّرة، وهذا يعرفه كلّ الناس، خاصّةً الذي يقطّرون ماء الورد وماء الزهر ونحوهما . إذن بعملية التبخير يُحمَل مع البخار بعضُ موادّ المادّة المتبخّرة دون بعض .
إذن فالسؤال هو : هل أنّ القذارة والنجاسة عند التقطير تتصاعد أيضاً ؟ أو أنّ الذي يتصاعد هو غير القذارة ؟ فلو غلى البولُ مثلاً حتى تبخّر هل الذي يتصاعد منه هو خصوص الموادّ الطاهرة أم يتصاعد منه بعض موادّ البول القذرة، كما يتصاعد بعض موادّ الورد والزهر ؟ ثم إذا شككنا، ما هو المرجع ؟ هل الإستصحاب أم قاعدة الطهارة ؟
الجواب : لا يصحّ أن نرجع ـ في هكذا حالة ـ إلى الإستصحاب، وإنما نقول بلزوم معرفة نقاوة الماء المقطّر من القذارة، فإن كان نقيّاً فهو طاهر، وإلاّ فإن كان فيه بعض القذارة فهو نجس، ولا نستصحب في هكذا حالة، وذلك لِعِلْمِنا القطعي بتصاعد بعض الموادّ البوليّة مع البخار، كما يتصاعد مع بخار الورد وبخار الزهر، ولذلك لا نستصحب، ولا نقول ـ كما يقول البعض ـ ( لقد تَغَيَّرَ الموضوعُ ـ أي البول ـ بالتبخّر، فلم يَعُدْ إسمُه (بَول) وإنما صار إسمه (بخار البَول) فلا يصحّ الإستصحاب وذلك لتغاير الإسمين والموضوعين ).
أقول : ما ذكروه هو كلام مضحك فِعْلاً، فأنت تعرف ماءَ الوَرْدِ (وهو الگُلاب بالفارسية) وماء الزهر (وهو عَرَقِ بَهار نارِنْجْ بالفارسية) ونحوهما التي تُعمل من تقطير الورد أو الزهر وغيرهما .. وهذا يدلّنا بوضوح على أنّ بعض الموادّ المتبخّرة بالغليان تتصاعد مع البخار، وعليه فيجب أن يُشَمّ هذا البخار بعد تحوّله إلى مائع ثانيةً أو يُذاق أو يُنظر إلى لونِه فإن كان فيه بعضُ آثار القذارة ـ من لون أو طعم أو رائحة ـ حُكِمَ على المائع المقطّر بالنجاسة، وإلاّ فلا، رَغْمَ أنّ المشهور بينهم هو القول بالطهارة، لكنّي اُوجِبُ الفحصَ لِعِلْمِ كلّ الناس بتصاعد بعض أجزاء المائع المتبخّر .
ونحن حينما نقول بطهارة الإنسان رغم أنه من المنيّ فهو لتغيّر أصل الماهيّة والحقيقة، لكن فيما نحن فيه ليس الأمر هكذا أصلاً .
وحتى لو أردت أن تجريَ الاُصولَ العملية فالظنُّ القويّ هو جريان الإستصحاب الموضوعي فيما نحن فيه، لأننا نشكّ : هل ذهبت بالتبخير كلّ القذارات ؟ أم بقي منها شيء ؟ رغم تغيّر الإسمين ؟ فالحقيقتان لا تزالان باقيتين تماماً، إلاّ في تصاعد بعض الموادّ المتبخّرة دون بعض . ولا ينبغي النظر إلى الإسم فقط، فالبخار هو عين المادّة المتبخّرة، إلاّ أنّ الذرّات تفرّقت لشدّة الحرارة فلم يعد يوجد برودة كافية لتماسكها .
وعلى أيّ حال فلا ينبغي إجراءُ الاُصول العملية في البخار أصلاً . ولعلّ ما ذكرناه هو السبب في قول العلاّمة الحلّي في المنتهى بالنجاسة .


[1] بل المشهور جداً فيه الطهارة
ملاحظة : رأيتُ أن أعلّم بالخطِّ الأسود ما أراه صحيحاً في كلام العلاّمة المجلسي حتى نستغني عن إعادة ما ذكروه.
[3] لا وَجْهَ للتوقّف بَعْدَ تغيّر الحقيقةِ وزوال القذارة والنجاسة بالإحتراق التامّ.
[4] لا ينبغي الإشكال في الطهارة بعد تغيّر الماهيّة، كما في تَغَيُّرِ المنيّ إلى إنسان أو حيوان، والغائطِ إلى تراب، لكنْ ـ في التراب ـ بَعْدَ زوالِ رائحة النجاسة وصفاتها، وإلاّ فمع الشكّ في بقاء القذارة فالإستصحابُ يلزمنا بالقول ببقاء النجاسة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo